أقسام الحديث
ينقسم الحديث إلي قسمين لا ثالث لهما :
حديث ثابت عن النبي صلي الله عليه سلم ( صحيح )
حديث غير ثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم ( ضعيف )
كان هذا هو الحال حتي جاء أبو عمرو بن الصلاح ( 643 ) وألف كتابه معرفة أنواع علوم الحديث المشهور بمقدمة ابن الصلاح ونقل فيه الحديث الحسن من الأنواع إلي الأقسام ، ومن هنا بدأت التركيبة الجديدة لأقسام الحديث والتي استمرت حتي وقتنا هذا وهي : صحيح وحسن وضعيف ، بينما كان الأمر قبل ذلك علي خلاف هذا وكان الحديث الحسن نوعاً من أنواع الحديث وليس قسماً من أقسامه ، وسنستوفي الكلام عن هذا مفصلاً بعد الانتهاء من قسم الصحيح.
تعريف الحديث الصحيح:
هو ما اتصل سنده ، بنقل العدل الضابط ، عن مثله إلي منتهاه ، من غير شذوذ ولا علة.
شرح قيود التعريف:
1- ما اتصل سنده ، أي الذي اتصل سنده ، والاتصال هو عكس الانقطاع ، والسند كما سبق تعريفه هو سلسلة الرجال الموصلة للمتن.
اذن السند المتصل هو الذي يسلم فيه كل راوٍ الحديث للذي يليه مباشرة.
مثال :
روي مالك بن أنس ( 179 ) في الموطأ :
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ النِّدَاءَ. فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ، أَقْبَلَ. حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ، أَدْبَرَ. حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أَقْبَلَ. حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ. يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، واُذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ. حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»
أبو هريرة سمع هذا الحديث من النبي صلي الله عليه وسلم ، والأعرج سمع هذا الحديث من أبي هريرة رضي الله عنه ، وأبو الزناد سمع هذا الحديث من الأعرج ، ومالك سمع هذا الحديث من أبي الزناد.
الآن مالك يروي هذا الحديث عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم.
هذا يسمي سندٌ متصلٌ.
لو افترضنا أن مالكاً روي هذا الحديث بطريقة مختلفة فقال:
عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم ... الحديث هل يكون هذا الإسناد متصلاً ؟
الإجابة : لا ، لأن مالكاً لم يسمعه من الأعرج ، وفي هذه الحالة يصيب الإسناد نوعٌ من أنواع الانقطاع الذي هو عكس الاتصال ، وبالتالي يختلف الإسم ، فهذا الحديث يسمي معلقاً.
التعليق هو : أن يحذف الراواي كل السند ويروي مباشرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أو يحذف كل السند حتي الصحابي ويروي الحديث عن الصحابي عن النبي صلي الله عليه وسلم أو يحذف شيخه ويروي عن الذي يليه مباشرة.
التطبيق علي نفس المثال:
روي مالك بن أنس ( 179 ) في الموطأ :
( ) عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ النِّدَاءَ. فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ، أَقْبَلَ. حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ، أَدْبَرَ. حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أَقْبَلَ. حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ. يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، واُذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ. حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»
أو هكذا:
روي مالك بن أنس ( 179 ) في الموطأ :
( ) ( ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ النِّدَاءَ. فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ، أَقْبَلَ. حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ، أَدْبَرَ. حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أَقْبَلَ. حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ. يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، واُذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ. حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»
أو هكذا:
روي مالك بن أنس ( 179 ) في الموطأ :
( ) ( ) ( ) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ النِّدَاءَ. فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ، أَقْبَلَ. حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ، أَدْبَرَ. حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أَقْبَلَ. حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ. يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، واُذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ. حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»
كل هذه صور من صور التعليق للحديث ، وقطعاً الحديث المعلق ليس بمتصل.
تعتبر البلاغات صورة من صور التعليق في رواية الحديث ، فإذا قال الراوي بلغني عن النبي صلي الله عليه وسلم فهذا يدخل في المعلقات.
صورة أخري من صور الانقطاع وهي الإرسال:
الإرسال هو: رواية الحديث مع حذف الصحابي.
التطبيق علي المثال:
روي مالك بن أنس ( 179 ) في الموطأ :
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ،( ) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ النِّدَاءَ. فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ، أَقْبَلَ. حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ، أَدْبَرَ. حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أَقْبَلَ. حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ. يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، واُذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ. حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»
هنا يروي الأعرج عن النبي صلي الله عليه وسلم مباشرة وطبعاً الحديث بهذه الصورة ليس بمتصل.
صورة أخري من صور الانقطاع وهي الإعضال.
الحديث المعضل هو: الذي سقط من سنده راويان من بعد شيخ الراوي وإلا لو دخل فيهما شيخ الراوي لسمي الحديثُ معلقاً.
التطبيق علي المثال:
روي مالك بن أنس ( 179 ) في الموطأ :
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ( ) ( ) ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ النِّدَاءَ. فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ، أَقْبَلَ. حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ، أَدْبَرَ. حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أَقْبَلَ. حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ. يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، واُذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ. حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»
هنا يروي أبو الزناد عن النبي صلي الله عليه وسلم مباشرة مع حذف الأعرج وأبا هريرة رضي الله عنه فهذا السند معضل.
صورة أخري من صور الانقطاع في الإسناد وهي المنقطع.
المنقطع هو: سقوط أي راوٍ من وسط السند.
التطبيق علي المثال:
روي مالك بن أنس ( 179 ) في الموطأ :
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ( ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ النِّدَاءَ. فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ، أَقْبَلَ. حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ، أَدْبَرَ. حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أَقْبَلَ. حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ. يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، واُذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ. حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»
2- العدل: هو كل مسلم سلم من أسباب الفسق وخوارم المروءة.
فلا تتقبل رواية الكافر،ولا السفيه ولا المجنون، ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك.
أما خوارم المروءة فهي تختلف من زمن إلي زمن ومن بيئة إلي بيئة فهي ليست شرطاً لا يقبل التغيير كالإسلام مثلاً.
3- الضابط:
الضبط هو الحفظ والقدرة علي أداء ما سمعه من شيخه بنفس الأسماء والألفاظ وصيغ التحديث ، والضبط ينقسم إلي قسمين:
ضبط صدر ( حفظ ) ضبط كتاب ( يكتب ما يمليه شيخه في أوراقه )
فإذا اجتمعت العدالة والضبط في راوٍ فإن هذا الراوي يطلق عليه وصف : ثقة.
والحافظ الذي في عدالته قدح مثلاً يشرب الخمر أو يكذب في حديثه مع الناس أو يسرق الحديث لا تقبل روايته وإن كان حافظاً.
والعدل الذي في حفظه شيء تقبل روايته ولكن ليس للاحتجاج لكن للاستشهاد.
يجب هنا الإشارة إلي الفرق بين لفظي القبول والاحتجاج ، فالقبول هو ضد الطرح يعني قبول الحديث يعني أنه غير مطروح ، لكن كونه حجة أم لا فهذا يستلزم أن يكون مستوفياً لشروط صحة الحديث.
4- الشذوذ: هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه أو مخالفة الثقة لمجموع الثقات بحيث لا يمكن الجمع بين الروايتين.
وفي هذه الحالة يكون الحديث شاذاً ويسمي حديث الأوثق أو الثقات بالمحفوظ.
5- العلة : هي سبب خفي يقدح في صحة الحديث مع أن ظاهره السلامة منها ، وهذه العلة قد تكون في المتن وقد تكون في الإسناد ، وغالباً ما يكون لعلة المتن أصل في الإسناد الحديث.
قيل أنه سبب خفي لأنه لا يعرفه الكل بل يعرفه كبار هذا العلم فقط لا غير أمثال سفيان الثوري ( 161 ) وشعبة بن الحجاج ( 160 ) وعبد الرحمن بن مهدي ( 198 ) ويحيي بن سعيد القطان ( 198 )وعلي بن المديني ( 234 ) ويحيي بن معين ( 233 ) وأحمد بن حنبل ( 241 ) والبخاري ( 256 ) ومسلم ( 261 )وأبو حاتم ( 277 ) وأبو زرعة ( 264 ) والنسائي ( 303 ) وأبو داود ( 275 ) والداراقطني ( 385 ) رحمهم الله جميعاً.
تنبيه هام:
خالف الفقهاء المحدثين في تعريف الحديث الصحيح ، ليزيدوا من الروايات والألفاظ التي يستدلون بها في كتب الفقه ، مما يجعل المجال أوسع أمامهم في الاستنباط ، ولم يتوقف الأمر عند هذا بل احتجوا بما دون الصحيح أيضاً ،
قال الذهبي ( 748 ) في الموقظة:
الحديث الصحيح هو ما دار علي متقن واتصل سنده فإن كان مرسلاً ففي الاحتجاج به خلاف ، وزاد أهل الحديث سلامته من الشذوذ والعلة وفيه نظر علي مقتضي نظر الفقهاء فإن كثيراً من العلل يأبونها.
قال السخاوي ( 902 ) في فتح المغيث:
مثال هذه العلل إذا أثبت الراوي شيئاً عن شيخه فنفاه الأوثق أو الثقات في روايتهم فالأصوليون والفقهاء يقدمون المثبت علي النافي والمحدثون يسمونه شاذاً إن تعذر الجمع.
أقول :
هذا وحده كفيل بفرقة المسلمين وضياعهم وانكسار شوكتهم !!
وأهل الحديث أدري بصنعتهم من الفقهاء والأصوليين !!
ومن البديهي أنه في حال الخلاف بين متخصص في علمٍ ما وآخر متخصصٍ في علم آخر يحتاج إلي الأول أن يرجع الآخر إلي الأول في جزئيات هذا العلم ، لكن الرغبة في توسيع نطاق النصوص والألفاظ كي ينفتح المجال أمام الأصوليين والفقهاء غلبت علي الموضوعية.
انظر نتيجة الفرقة والخلاف:
قال البخاري في الجامع الصحيح:
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ»
أخرجه البخاري وأحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان.
تلاحي رجلان أي اختصم رجلان !!
اختصم رجلان فأخفيت ليلة القدر عن المسلمين إلي يوم القيامة !!
فكيف يكون حال أمة اختلفت في كل شيء من الإيمان وماهيته إلي الحج ؟؟
هذا يقول هذا ركن فيرد عليه الآخر قائلاً بل هو واجب
وهكذا في كل الدين
هل ما زلت تتعجب مما وصلنا إليه ولا تعرف له سبباً؟؟