المبحث الثالث : تحقيق كلمة الحسن عند المتقدمين
كلمة الحسن كما قدمنا ليست من وضع الترمذى رحمه الله كما قدمنا ، ونقول إنه من الصعب تحديد أول من تكلم بلفظه الحسن واصفاً بها الأحاديث الحسان .
أخرج ابن أبي حاتم في تقدمة المعرفة قال : حدثنا أحمد بن سنان الواسطى قال : سألت عبد الرحمان بن مهدي وهو يحدثنا بأحاديث مالك عن أبي الأسود عن عروة ، فمن حُسنها قلت : من أبو الأسود هذا يا أبا سعيد ؟ ، قال: هذا محمد بن عبد الرحمان بن نوفل ربيب عروة أخو هشام بن عروة من الرضاعة .
فوصف أحمد بن سنان أحاديث أبي الأسود بالحسن وكلامه مع عبد الرحمان بن مهدي كان قبل الترمذي يقيناً ، ولاحظ أنه وصف أحاديث أبي الأسود بالحسن من غير أن يعرف اسمه أو من هو ؟؟
وأخرج ابن أبي حاتم في التقدمة أيضاً قال : ذكره عبد الله بن بشر البكري الطالقاني ، سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ، قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : سمعت عفان يقول : سمعت يحيي بن سعيد يعني القطان يقول : ما لقيت أحسن حديثاً من شعبة ، وقال أحمد بن حنبل : روي شعبة عن نحو من ثلاثين شيخاً لا يروي عنهم سفيان الثوري، لو لم يكن إلا الحكم بن عتيبة ، ولولا شعبة من كان يروي عن الحكم ؟ ، وشعبة حسن الحديث عن أبي إسحاق وعن كل من يحدث عنه ، ( تأمل دقة علم هؤلاء رحمهم الله تعالي ورضي عنهم ، فأحمد يقول أن شعبة روي عن ثلاثين شيخاً لا يروي عنهم سفيان ، وهذا يعني أنه يحفظ كل شيوخ شعبة ، أو قل عامتهم ، وكذا بالنسبة لشيوخ الثوري ، والفرق بين شيوخ سفيان وشعبة حاضر في عقله وقلبه من شدة حفظه رحمه الله ، نقول هذا لتعرف الفرق بين هؤلاء وبين كل من تلاهم بعد ذلك حتي عصرنا هذا ، فلا تغتر بتصحيحات المتأخرين لما ضعفه أو أعله هؤلاء ، رحم الله الجميع ) ، وتأمل أن شعبة أمير المؤمنين في الحديث ، وشعبة هو شعبة كما لا يخفي علي كل طالب لعلم الحديث ، ويصفه أحمد بن حنبل رحمه الله بأنه حسن الحديث !! ، فلو كان الحسن درجة لصحة الحديث كما هو عند المتأخرين لكان الحسن عند أحمد أصح من الصحيح !!
ويحيي بن سعيد القطان من طبقة شيوخ شيوخ الترمذي ، فلا شك أن قوله : ما لقيت أحسن حديثاً من شعبة ، ووصفه لحديث شعبة بالحسن كان قبل الترمذي ، وكذا قول أحمد بن حنبل : وشعبة حسن الحديث عن أبي إسحاق وعن كل من يحدث عنه يثبت قول أحمد بالحسن في وصف الأحاديث ، ولكنه بلا ريب حسن غير الذي يعنيه المتأخرون ابتداءً من ابن الصلاح وحتى يومنا هذا .
ولكن يكفينا الآن أن هذه اللفظة انتشرت واشتهرت علي ألسنة أئمة هذا الفن مثل علي بن المدينى والبخاري والترمذي وأبو حاتم وغيرهم رحمهم الله .
وهذه اللفظة لابد أن يكون لها عندهم معنى محدد ثابت ، لا غبار عليه ولا اختلاف فيه ، يفهمونه جميعاً ويعرفونه ، ولذا تداولوا هذه الكلمة بينهم ، كدلالة علي المعني الذي أرادوا قوله من غير أن يسأل واحداً منهم الآخر : ماذا تعني بالحسن ؟ ، أو هل معني الحسن عندك مثل معناه عند فلان ؟!
فالحسن عندهم له معنى واضح ثابت .
كذا الصحيح له حدود ثابتة فعندما نقول حديث صحيح يعلم السامع من أهل الحديث أنه متصل السند ورواته ثقات وليس بشاذ ولا معلول .
فهذه شروط إذا توفرت سمينا الحديث : حديثاً صحيحاً .
وكذا إذا أطلقنا عليه الصحة علمنا أن هذه الشروط قد توفرت فيه .
والحسن لابد أن يكون كذلك عندهم ، مجموعة شروط إذا توفرت دلت علي وصف ، ووصف إذا ذكرناه دل علي وجود هذه الشروط ، كل عقل سليم يجب أن يسلم بهذا .
بعكس ما فهمه المتأخرون من أن لكل عالم من المتقدمين مقصد من لفظة الحسن يختلف عن مقصد غيره ، رحمهم الله جميعاً .
وسنقوم بضرب العديد من الأمثلة من كتبهم عليهم من الله الرضوان والرحمة وننظر في مواقعها ومعانيها لنقرر أمرين :
الأول : أن لفظة الحسن عندهم لها معنى مخالف لما تعارفنا عليه كمتأخرين من كونها درجة من درجات الحكم علي الحديث صحة وضعفاً .
الثاني : نفي شبهة احتجاج المتقدمين بما دون الصحيح .
أما قول من قال من المتأخرين أنهم يطلقون لفظة الحسن علي المنكر ، ومن قال أنهم يطلقونها علي الغريب ، إلي غير ذلك من الأقوال فهي زلات من أصحابها ، بنوها علي ما رأوه من إطلاق المتقدمين رحمهم الله للفظة الحسن علي الغريب تارة وعلي الحديث الخطأ تارة أخري وعلي المعلول ثالثة ، فظنوا أن كل جهبذ من هؤلاء الجهابذة يطلقها لإرادة وصف معين يختلف عن ما أراده غيره من أهل الحديث رحمهم الله تعالي ، نسأل الله سبحانه وتعالي أن يهدينا سبيل الرشاد .
إن أول خطوات حسم هذا البحث هي تحديد ما هو المقصود من عبارة : ( ويروي من غير وجه ) !!
1 ـ قال الترمذى رحمه الله في كتاب العلل الكبير رقم 143 :
حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاْء عن صفوان بن يعلي عن أبيه سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقرأ علي المنبر : " ونادوا يا مالك " .
سألت محمداً عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن ، وهو حديث ابن عيينة الذي ينفرد به .
فهذا الإسناد الذي وصفه البخاري رحمه الله بالحسن كل مبتدئ في علم الحديث يعلم أنه صحيح .
وقد أخرجه البخاري نفسه في صحيحه ، وهذا الصحيح مؤلف قبل سؤالات الترمذي للبخاري ومع هذا وصفه البخاري رحمه الله بالحسن !!!
ووصفه الترمذى رحمه الله تعالي في جامعه قائلاً : حديث حسن صحيح غريب .
والشاهد من هذا أن الوصف بالصحة مع الحسن مع الغرابة يقتضى توفر أسباب الصحة والحسن والغرابة كما يفهم كل عاقل .
كيف يكون هذا ؟!
أما عن وصف الحديث بالصحة فالأمر واضح ولله الحمد .
وأما وصفه بالغرابة فهو أيضاً واضح ولله الحمد .
يبقى الوصف بالحسن !!
وبهدوء نسأل ما الذي اشترطه الترمذي لوصف الحديث بالحسن ؟؟
ألا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ، وهذا متحقق في هذا السند محل البحث ، فالسند ثقة عن ثقة لا خلاف في ذلك .
ألا يكون شاذاً ، وهذا الوصف متحقق أيضاً .
أن يروي من غير وجه ، وهذا أيضاً متحقق في السند محل البحث ، كيف يكون هذا ؟
هذا الحديث رواه أحمد بن حنبل وأحمد بن رمح وقتيبة بن سعيد ومسدد بن مسرهد وعلي بن المدينى كلهم عن سفيان بن عيينة رحمهم الله جميعاً .
وبالنظر إلي هذا الحديث وأشباهه بالتحديد يتبين لنا بالضبط ما الذي يعنيه الترمذي رحمه الله بقوله : ويروي من غير وجه .
فالحديث عندهم متن وصحابي ، فإذا روي نفس هذا المتن صحابي غير الأول فهما حديثان أو طريقان ، أما الأوجه فتختلف عن ذلك وتكون تحت صحابي واحد ، ومن أراد الاستقصاء فجامع الترمذى بين يديه مطبوع ولله المن والفضل .
وهذه هي النقطة التي أشكلت علي بعض أهل العلم فظن أن المقصود طرق للحديث يقوي بعضها بعضاً وليس الأمر كذلك .
فكأن كلامه رحمه الله إنما يدور دائما علي سند واحد وليس كما ظن بعض المتأخرين أنه يقوي الأحاديث ببعضها وتكون في درجة الحسن والله المستعان .
ومن الفوائد العظيمة لهذا المثال اثبات أن الصحيح عند المتقدمين جزء وقسم من أقسام الحديث الحسن .
وهذا قد انتقده بعض المتأخرين في تعريف الترمذى وكأنه لم يقرأ جامع الترمذى قبل أن يسطر نقده !!!
وقد حاول بعض الأفذاذ من عباقرة الكلام لما ناظرناهم في هذا واحتججنا عليهم بهذا المثال ، حاولوا التعلل بعنعنة سفيان بن عيينة رحمه الله !!
فقالوا : إنما وصفه البخاري والترمذي رحمهما الله تعالي بالحسن لأن سفيان بن عيينة موصوف بالتدليس !!
وهذه والله حماقة ليس بعدها حماقة ، فسفيان بن عيينة لا يدلس إلا عن ثقة كما هو معلوم ، وإن كان يدلس عن كل أحد ، الثقة والضعيف فعندئذ لا يوصف الحديث بالحسن أبداً ، وإنما يوصف بالضعف ، لأنه يدخل في باب المنقطع ، وليس هناك وجه أو طريق آخر لتقويته كما يفعلون هم ، فتأمل كيف يصنع هوى النفس بأصحابه .
2 ـ قال الترمذي في جامعه 857 :
حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب وقد روي من غير وجه عن أنس رضي الله عنه .
وهذا حديث آخر حسن صحيح غريب !!
فالحديث حديث أنس رضي الله عنه لهذا وصفه بالغرابة .
وسنده صحيح ولهذا وصفه بالصحة .
ويروي من غير وجه ، فقد رواه : قتادة وحميد الطويل وعبد العزيز بن صهيب ومعاوية بن قرة وأبو التياح وغيرهم عن أنس رضي الله عنه ، وهذه هي الأوجه التي من أجلها وصف الترمذي رحمه الله الحديث بالحسن مع كونه ليس في إسناده من يتهم بالكذب وليس شاذاً .
3 ـ قال الترمذي رحمه الله في جامعه 647 :
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيي بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص الليثى عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( ثم إنما الأعمال بالنية وإنما لكل إمرىء ما نوى. . . . . . . . . الحديث ) .
قال أبو عيسي : هذا حديث حسن صحيح ، وقد رواه مالك بن أنس وسفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن يحيي بن سعيد .
ولا نعرفه إلا من حديث يحيي بن الأنصاري .
( انتهي كلامه باختصار ) .
فالحديث حسن :
ـ لأنه ليس في إسناده من يتهم بالكذب .
ـ وليس شاذاً .
ـ ويروي من غير وجه ، أي رواه غير واحد عن يحيي بن سعيد الأنصاري ، منهم مالك بن أنس وسفيان الثوري وعشرات غيرهم وهو واضح ولله الحمد .
والحديث صحيح لأنه صح من أوجه .
وهو أيضاً غريب وهذا معني : قوله ولا نعرفه إلا من حديث يحيي بن سعيد الأنصاري .
فتدبر هذا المثال المشهور لتعلم ماذا يعني الترمذى رحمه الله بقوله : ويروي من غير وجه .
4 ـ قال الترمذي في الجامع 723 :
حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا عبد الله بن المثنى حدثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب .
فالحديث حسن لأنه ليس في إسناده من يتهم بالكذب ، وليس شاذاً ، ويروي من غير وجه عن ثمامة .
وهو صحيح لأن رجال السند ثقات ، وليس معلولاً ، ولا يوجد به انقطاع .
وهو غريب لأن مداره علي ثمامة .
5 ـ قال الترمذي في الجامع 637 :
حدثنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( أيما رجل لأخيه كافر فقد باء به أحدهما ) .
هذا حديث حسن صحيح غريب ، ومعنى قوله باء يعني أقر .
6 ـ قال الترمذي في الجامع 554 :
حدثنا محمد بن طريف الكوفي حدثنا جابر بن نوح الحماني عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( أتضامون في رؤية القمر ليلة البدر وتضامون في رؤية الشمس ) ، قالوا : لا ، قال : ( فإنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ) .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب ، وهكذا روى يحيى بن عيسى الرملي وغير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم ، وروى عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلي الله عليه وسلم ، وحديث بن إدريس عن الأعمش غير محفوظ ، وحديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أصح ، وهكذا رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم ، وقد روي عن أبي سعيد عن النبي صلي الله عليه وسلم من غير هذا الوجه مثل هذا الحديث ، وهو حديث صحيح .
وصف الحديث بالحسن لتوفر الشروط الثلاثة السابق ذكرها فيه .
ووصفه بالصحة لأنه روي من أوجه صحيحة .
ووصفه بالغرابة لأن مداره علي سليمان بن مهران الأعمش .
ثم قال: وقد روي عن أبي سعيد عن النبي صلي الله عليه وسلم من غير هذا الوجه مثل هذا الحديث وهو حديث صحيح ، وهذا يبين أنه يتحدث عن كل حديث بشكل منفرد لا كما ظن البعض .
7 ـ قال رحمه الله في الجامع 1845 :
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا حميد وثابت وقتادة عن أنس أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم النبي صلي الله عليه وسلم في إبل الصدقة وقال : ( اشربوا من أبوالها وألبانها ) .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أنس ، رواه أبو قلابة عن أنس ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس .
كلامه رحمه الله لا يحتاج إلي مزيد بيان أو توضيح ، فقد بين معني الأوجه بجلاء .
8 ـ قال الترمذى في الجامع 7 :
حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا مالك بن إسماعيل عن إسرائيل بن يونس عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال : غفرانك .
قال أبو عيسى :
هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة وأبو بردة بن أبي موسي اسمه : عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري .
ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم .
والحديث حسن لأنه :
ـ ليس في إسناده متهم بالكذب ولا كذاب .
ـ وليس شاذاً .
ـ ويروي من غير وجه ، وهذه الأوجه هي : هاشم بن القاسم ويحيي بن أبي بكير ومالك بن إسماعيل وعبيد الله بن موسي كلهم عن إسرائيل .
وليس في الباب حديث عن صحابي غير عائشة عند الترمذي ، فهل هذا يظهر بوضوح ماذا يقصد بالأوجه ؟؟!!
كما أن كل من سيتابع سيتابع علي إسرائيل ، والسند إنما أتى من قبل إسرائيل والجهالة التي في يوسف بن أبي بردة .
فليس الأمر كما فهم بعض أهل العلم من كون هذه الأوجه الغرض منها أن تعتضد رواية برواية .
إذ أن الأوجه هنا مهما كثرت مدارها علي الإشكال فلا يرتفع بها ومع ذلك حسنه الترمذي رحمه الله .
بل وذكر أنه لا يعلم له طرقاً أخري فتأمل .
لن نستهلك أوراقاً وأوقاتا كثيرة في ضرب كثير من الأمثلة ولكن من أراد التتبع فعليه مراجعة الأرقام التالية من جامع الترمذى: -505-479-508-543-549-607-677-680-693-1536-1610-1711-1747-1645-1755-1758-1831-2020-2030-2062-2134-213-262-427-443-480-1207.
وهذه مجرد أمثلة قليلة ، أما حصر هذا الأمر برمته فيحتاج إلي مجلدات وأوقات والله المستعان .
وغيرها كثير كلها ليس في إسنادها من يتهم بالكذب ، وليست شاذة وتروي من غير وجه ، ومع اختلافنا مع أبي عيسى رحمه الله في تصحيح بعض هذه الأحاديث إلا أن أحاديث كثيرة لا تحتمل الخلاف !!
ومع هذا خضعت لهذه القاعدة في الحسن التي قررها الترمذي رحمه الله تعالي ، نعني الحسن عندهم بالطبع .
ومن أراد أن يقف علي إطلاق الحسن علي المعلول والصحيح الغريب والصحيح والضعيف الغريب والضعيف فعليه فقط أن يترك هواه خلف ظهره وكذا ما وجد عليه سلفه ثم يعيد قراءة جامع الترمذى من جديد .
وبهذا الفهم اليسير المباشر لتعريف الترمذي رحمه الله :
أ ـ تزول كل مشاكل تعريفات الترمذي ولا يشكل منها واحد أبداً ، وهذه وحدها كافية لدعم هذا الفهم ، بل لا نبالغ إذا قلنا أنها كافية لترجيحه علي فهم جعل الاصطلاحات المركبة التي يذكرها صاحب التعريف عبارة عن طلاسم غاية في التعقيد تتحير فيها العقول عدة قرون من الزمان !!
ب ـ نخرج من دائرة نقد وتوهيم الترمذي والخطابي رحمهما الله ، مع كونهم أول من دون تعريفات الحسن وكونهما أعلم بما أرادا أن يقولا ، انظر إلي قول الخطابي رحمه الله : وهو الذي يقبله أكثر العلماء ( أي المحدثين ) ، نعم يقبلوه ولا يطرحوه لأنه عرف مخرجه واشتهر رجاله !! ، ( وليس القبول هاهنا للاحتجاج كما هو معلوم ، وإنما القبول ضد الرد والترك للحديث ) .
وانظر إلي قوله ويستعمله عامة الفقهاء ، وصدق فهم يستعملون الصحيح وما نزل عنه بل وربما الضعيف والمكذوب .
رحم الله الترمذى والخطابي ، ما أجود عباراتهما .
ج ـ يتم التوافق بين التعريف والتطبيق في كتاب الجامع للترمذي ، والعلل الكبير ، والجرح والتعديل ، وغيرها من الكتب التى ذكروا فيها لفظة الحسن .
والنقاط السابقة كافية عند من ترك هواه خلف ظهره ، كافية لترجيح هذا الفهم للفظة الحسن علي أي فهم سواه .
ولكن كل هذه الأمثلة لا توضح معنى الحسن عندهم ، وإنما تؤكد فقط أن الحسن عندهم يدخل فيه الصحيح والضعيف والمعلول ، ولكنها لا توضح ما هذا القسم المسمى بالحسن وما فائدته ؟ ، ولماذا جعلوه قسماً من أقسام الحديث ؟ ، وأي فائدة من وصف الأحاديث بالحسن طالما لا يدخل الأمر في الاحتجاج به أو عدمه ؟!
وسنقوم بدراسة المثال التالي لتوضيح الأمر وتيسيره .
ـ كتاب علل الترمذي الكبير باب ما جاء ويل للأعقاب من النار :
22 ـ حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن توضأ عند عائشة فقالت : يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : ( ويل للأعقاب من النار ) .
23 ـ حدثنا أبو الوليد الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن سالم مولى دوس أنه سمع عائشة تقول لعبد الرحمن نحوه .
24 ـ وقال أيوب بن عتبة : عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن معيقيب عن النبي صلي الله عليه وسلم نحوه .
فسألت محمداً عن هذا الحديث فقال : حديث أبي سلمة عن عائشة حديث حسن .
وحديث سالم مولى دوس عن عائشة حديث حسن .
وحديث أبي سلمة عن معيقيب ليس بشيء ، كان أيوب لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه فلا أحدث عنه وضعف أيوب بن عتبه جداً .
قال محمد : وحديث أبي عبد الله الأشعري ويل للأعقاب من النار هو حديث حسن .
هذا المثال من العلل الكبير للترمذي رحمه الله وسنقوم بدراسة أسانيد هذه الأحاديث باختصار :
الحديث الأول رقم 22 :
علته محمد بن عجلان .
وللمزيد راجع : الجرح والتعديل ، من تكلم فيه ، ميزان الاعتدال ، ضعفاء العقيلي ، التاريخ الكبير للبخاري .
ملاحظة :
سيقول البعض : محمد بن عجلان صدوق ، وهذا الحديث سنده حسن ، وقد وصفه البخاري فعلاً بالحسن ، وهذا دليل علي قوله بالحسن .
نقول: القضايا تحسم بالأدلة الكلية وليس بدليل واحد .
الحديث الثاني رقم 23 :
سنده مسلسل بالمشاكل والعلل :
ـ أبو الوليد متكلم فيه : راجع الجرح والتعديل ، ضعفاء العقيلي ، ميزان الاعتدال ، من رمي بالاختلاط ، تقريب التهذيب .
ـ الوليد بن مسلم : مدلس تدليس تسوية ، خاصة عن الأوزاعي ، وهو يروي عنه وقد عنعن ، راجع ميزان الاعتدال ، والكاشف ، وتذكرة الحفاظ ، وسؤالات السلمي للداراقطنى .
ـ الأوزاعي : روايته عن ابن أبي كثير قيل إن أحمد رحمه الله تكلم فيها ، وقد تكلم أحمد بن حنبل رحمه الله في حفظ الأوزاعي ، وقيل كان يروي عن يحيي بن أبي كثير من كتاب ثم فقده فتغيرت روايته عن يحيي ، راجع بحر الدم ، سؤالات المروزى ، ضعفاء العقيلي ، تقريب التهذيب .
ـ يحيى بن أبي كثير : فيه شيء من تدليس وقد عنعن .
ـ سالم مولي دوس : قال في التقريب صدوق من الثالثة .
فهذا السند مسلسل بالعلل والمشاكل !!
ومع هذا وصفه البخاري بالحسن أيضاً .
سيقول بعضهم :
نعم حسنه بشواهده ومتابعاته ، هو مسلسل بالعلل لكن طرقه تبين أن له أصل ، فيرتقى إلي درجة الحسن ، كما أن هذا الحديث عند البخاري في الصحيح من طريق صحيح ليس فيه مطعن ، ولهذا حسن كل طرقه الأخرى المعلولة والضعيفة وهذا واضح .
وهذا القول الأعرج هو قول عامة المتأخرين من المقلدين المنتسبين إلي الحديث ، ومنهم من توسع في هذه القاعدة العرجاء حتي صحح المنكرات المكذوبات ، ومنهم من هداه الله سبحانه ، فنظر ، فعلم أن الطرق قد يعل بعضها بعضاً ، فلم يقو كل حديث بطرقه ، نسأل الله التوفيق لأهل الحديث الشريف .
نقول : إذن حديث أيوب بن عتبة أيضا حديث حسن ؟؟
وهنا سوف نسمع الأقوال العرجاء التى اعتادوا عليها ، وتحريف الكلم عن مواضعه الذي اعتادوا عليه مع الله ورسوله ، فما أسهلها وأهونها مع البخاري والترمذي !!
إن البخاري ولله الحمد لم يحسن حديث أيوب بن عتبة ، رغم أن له شاهد عند البخاري صحيح ، وحديث ابن عجلان وحديث أبي الوليد !!
والله إن هذه الطرق عند المتأخرين لكفيلة بجعل الحديث متواتر !!
لكنها عند محمد بن إسماعيل رحمه الله لا شيء !!
تأمل قوله : كان أيوب لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه !!
فلا أحدث عنه….
أي لأن حديثه لا يتميز فأنا أطرحه كله !!!
هذا عجيب ، أليس قد تبين لنا أن أيوب قد حفظ في هذا الحديث ؟؟
والحديث قد صح من طرق فعلاً ؟
ولكن حديث أيوب بن عتبة ليس بحسن ، أي لا يروي عنه ، أي مطروح الحديث بالكلية .
فكأن أيوب لما كان لا يتميز صحيح حديثه من سقيمه أشبه حديثه أحاديث المتهمين بالكذب والكذابين ، وهذا لشدة التخليط فيه ، فاستحق الطرح بالكامل لشدة ضعفه وعدم تمييزه من بعضه .
وهذا يعنى أن الحديث الذي يطرح ليس بحسن ، وأن الحديث الذي يكتب حديث حسن صحيحاً كان أو ضعيفاً .
ولو كان التحسين درجة صحة للحديث لكان حديث أيوب بن عتبة حسناً أيضاً لأن الحديث مخرج في الصحيح عند البخاري ، وهذا يعني أن أيوب ربما يكون قد حفظ في هذا الحديث !!
وإكمالا للفائدة فان حديث أبي عبد الله الأشعري وأبي صالح الأشعري حسنه البخاري رغم جهالة الاثنين ، وهذا دليل علي أن الحديث الحسن هو الغير مطروح أي الذي يكتب وهذا لا علاقة له بالصحة والضعف ، والحديث الذي تنتفي عنه صفة الحسن هو الحديث المطروح الذي لا يكتب .
وإذا قيل في راوي أنه حسن الحديث فمعنى هذا أن حديثه يكتب لأنه ليس متهم بالكذب ولا كذاب ولا شديد الضعف ، وأن روايته ليست شاذة ، وتروي من غير وجه .
وإذا قيل في حديث أنه حسن فمعني هذا أن هذا الحديث ليس بمطروح ، لأنه ليس في إسناده من يتهم بالكذب ولا كذاب ولا شديد الضعف ، كما أنه غير شاذ ، ويروي من غير وجه .
أما كون هذا الحديث صحيحاً أو ضعيفاً فهذا أمر آخر ، وكون الراوي ثقة يحتج به أم لا فهذا أمر آخر .
فكأن الحديث ينقسم عندهم إلي قسمين : مقبول ومطروح ، والمقبول ينقسم إلي قسمين : حديث صحيح يحتج به ، وحديث ليس بصحيح ( أو قل ضعيف ) لا يحتج به .
قال علي بن المديني في كتابه علل الحديث ومعرفة الرجال : في حديث عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( إني ممسك بحجزكم عن النار ) ،
قال : فإن هذا حديث حسن الإسناد ، وحفص بن حميد مجهول ، لا أعلم أحداً روي عنه إلا يعقوب القمي ، ولم نجد الحديث عن عمر إلا من هذا الطريق ، وإنما يرويه أهل الحجاز من حديث أبي هريرة .
فوصف رحمه الله هذا الحديث بالحسن مع أنه يقول بعدها مباشرة : إن في هذا السند رجل مجهول !!
لكن هذا المجهول لم يرو متناً غريبا ليس بمعروف ، وإنما روي متناً معروفاً ، ورواه غيره عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر أيضاً ، وبهذا يكون غير متهم بالكذب ولا كذاب ولا شديد الضعف ، والحديث ليس بشاذ ، ويروي من غير وجه ، رواه يعقوب بن عبد الله الأشعري ومالك بن إسماعيل النهدي عن حفص بن حميد ، وأيضاً روي من غير وجه عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه ، لذا وبرغم جهالة هذا الراوي فإن حديثه هذا حديث حسن .
ـ علل الترمذي الكبير حديث رقم 20،19 :
قال الترمذي رحمه الله : حدثنا يحيي بن موسي ، حدثنا عبد الرزاق ، عن إسرائيل ، عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان : أن النبي صلي الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته .
قال محمد : أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان .
قلت ( القائل الترمذي ) : إنهم يتكلمون في هذا الحديث .
فقال : هو حديث حسن .
وهذا الحديث حسن لأنه ليس في إسناده من يتهم بالكذب ، وليس شاذاً ، ويروي من طريق إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان من أوجه ، رواه عبد الرزاق وابن نمير وعبيد الله بن موسي عن إسرائيل .
أما الحديث الآخر في تخليل اللحية في نفس الباب فقال فيه الترمذي رحمه الله : حدثنا هناد حدثنا محمد بن عبيد عن واصل بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا توضأ تمضمض ومس لحيته بالماء من تحتها .
سألت محمداً عن هذا الحديث ؟
فقال : هذا لا شيء .
فقلت : أبو سورة ما اسمه ؟
قال : لا أدري ، ما يصنع به ؟ عنده مناكير ، ولا يعرف له سماع من أبي أيوب .
فهذا الحديث ليس بحسن عند البخاري رحمه الله ، لأن أبو سورة عنده لا يصنع به شيئاً ، أي لا يشتغل به وبحديثه .
وهذا رغم أن المتن واحد ، وله شواهد من أوجه كثيرة من طريق أنس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، ومع ذلك وصف الأول بالحسن ولم يصف الثاني بهذا .
وهذا دليل أيضاً علي أنهم لا يقصدون بالحسن الحسن الاصطلاحي كما فهم كثير من المتأخرين .
ودليل أيضاً علي أن غير الترمذي لا يقصدون الحسن المعنوي كما زعم كثير من المنتسبين إلي الحديث ، لأن الترمذي إنما يسأله عن الحديث فيجيبه البخاري بوصفه بالحسن فلم يسأل الترمذي ولا مرة واحدة أي الحسنين يقصد البخاري ، فدل هذا أنه يفهم من وصفه بالحسن معني ثابت .
ـ علل الترمذي الكبير حديث 21 :
قال الترمذي رحمه الله : حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر عن ابن أبي الزناد عن موسي بن عقبة عن صالح مولي التوأمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( إذا قمت إلي الصلاة فأسبغ الوضوء واجعل الماء بين أصابع يديك ورجليك ) .
سألت محمداً عن هذا الحديث ؟
قال : هو حديث حسن ، وموسي بن عقبة سمع من صالح مولي التوأمة قديماً .
أقول وهذا الحديث مداره علي ابن أبي الزناد وروي من أوجه عنه ، رواه سعد بن عبد الحميد وسليمان بن داود الهاشمي عن ابن أبي الزناد عن موسي بن عقبة عن صالح عن ابن عباس رضي الله عنه .
وابن أبي الزناد ترجمته مشهورة معروفة وسنذكر طرفاً منها :
ـ قال البرذعي في سؤالاته لأبي زرعة :
حدثنا محمد بن إسحاق أنه سمع يحيى بن معين يقول : لا يسوي حديث ابن أبي الزناد فلساً .
ـ وقال النسائي في الضعفاء والمتروكين :
عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف .
ـ وقال ابن عدي في الكامل :
عبد الرحمن بن أبي الزناد، مدني ، مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة ، يكنى أبا محمد ، ثنا محمد بن علي السكري ثنا عثمان الدارمي قلت ليحيى : فعبد الرحمن بن أبي الزناد ؟ ، قال : ضعيف ، ثنا بن حماد ثنا معاوية عن يحيى قال : عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف وابنه محمد بن عبد الرحمن ، ثنا بن أبي بكر وابن حماد قالا : ثنا عباس عن يحيى قال : أبو القاسم بن أبي الزناد ليس به بأس وقد سمع منه أحمد بن حنبل وأخوه ليس بشيء ، ثنا بن حماد ثنا عباس عن يحيى قال : عبد الرحمن بن أبي الزناد لا يحتج بحديثه ، كتب إلي محمد بن الحسن ثنا عمرو بن علي قال : وكان عبد الرحمن لا يحدث عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، ثنا بن حماد حدثني عبد الله بن أحمد عن أبيه قال : عبد الرحمن بن أبي الزناد كذا وكذا ، ثنا بن أبي عصمة ثنا أبو طالب سألت أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ؟ ، قال : هو يروي عنه ، قلت : يحتمل ؟ ، قال : نعم ، ثنا أحمد بن علي المدائني ثنا يحيى بن عثمان ثنا بن أبي مريم قال لي خالي موسى بن سلمة : قلت لمالك بن أنس : دلني على رجل ثقة اكتب عنه ؟ ، قال : عليك بعبد الرحمن بن أبي الزناد ، ثنا سعيد بن محمد أبو همام البكراوي ثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ ثنا أبي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنت لك كأبي زرع لأم زرع ) ، ثنا علي بن أحمد بن بسطام ثنا محمد بن سليمان لوين ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ثنا أبي وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بني لحسان بن ثابت منبراً في المسجد يهجو عليه المشركين قال: ( اهجهم وهاجهم وجبريل معك ) ( لاحظ أن بناء المنبر هذا لم يأت من طريق صحيح أبداً ) ، أخبرنا أبو العلاء الكوفي عن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : يا بن أختي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده إن الرجل ليعمل الزمان بعمل أهل الجنة وإنه عند الله لمكتوب من أهل النار وإن الرجل ليعمل الزمان بعمل أهل النار وإنه عند الله لمكتوب من أهل الجنة ) ، قالت : وقال يوماً : ( يا عائشة: لا تحصي فيحصي الله عليك ) ، أخبرنا الحسن بن الفرج الغزي ثنا يوسف بن عدي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم شعرة دون أذنه ، ولا أعلم روى هذا الحديث عن هشام غير بن أبي الزناد ، أخبرنا أبو يعلى ثنا داود بن عمرو ثنا بن أبي الزناد عن عروة عن بن عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رجل : يا رسول الله مرني بأمر وأقلل لعلي أعقله ، قال : ( لا تغضب ) ، هكذا حدث بهذا الحديث بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن بن عمر وإنما روى عروة هذا الحديث عن مجمع بن جارية ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا داود بن عمرو ثنا بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن أبي أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيت أم سلمة في ثوب واحد واضعاً أحد طرفيه على عاتقيه يخالف بينهما ، ثنا عبد الله ثنا داود ثنا بن أبي الزناد عن أبيه أظنه عن عروة عن عمر بن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، ثنا أحمد بن محمد بن عبد الكريم الوزان ثنا بندار ثنا عبيد الله بن عبد المجيد ثنا بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غناء وابدأ بمن تعول ) ، أخبرنا بن مكرم ثنا بندار ثنا أبو علي الحنفي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الهرة لا تقطع الصلاة إنها من متاع البيت ) ، ثنا عبد الله ثنا داود بن عمرو حدثني بن أبي الزناد عن أبيه عن أبي سلمة وغيره عن أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقتني الكلاب إلا صاحب غنم أو خائف أو صائد ، قال بن أبي الزناد : وبلغني أن بن عمر كان يقول : أن أبا هريرة يقول أو صاحب حرث وكان لأبي هريرة حرث ، حدثنا عبد الله ثنا داود بن عمرو ثنا بن أبي الزناد عن أبيه أخبرني يزيد الرقاشي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أعان مسلماً كان الله في عون المعين ، ومن فك عن أخيه حلقة فك الله عنه حلقة يوم القيامة ) ، ثنا الحسن بن الفرج الغزي ثنا يوسف بن عدي وثنا محمد بن عيسى بن شيبة ثنا إسحاق بن إبراهيم المروزى وثنا يحيى بن محمد بن أبي الصفيراء ثنا لوين قالوا : ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال : تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذو الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد ، ثنا عمران بن موسى بن مجاشع ثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد أخبرني أبي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن بن عباس قال : كان شعار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم اليمامة يا أصحاب سورة البقرة ، ثنا أبو العلاء ثنا محمد بن الصباح الدولابي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال : ( استكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل ) ، ثناه الحسين بن عبد المجيب الموصلي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن الصباح الدولابي بإسناده نحوه ، قال الشيخ : وهذا لا أعلم يرويه عن موسى بن عقبة غير عبد الرحمن بن أبي الزناد مع أحاديث أخر يرويها بن أبي الزناد وهذا عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر لا يرويها غيره عن موسى ولعبد الرحمن بن أبي الزناد من الحديث غير ما ذكرت وبعض ما يرويه لا يتابع عليه وهو ممن يكتب حديثه .
ـ وقال ابن حبان في المجروحين:
عبد الرحمن بن أبي الزناد ، واسم أبيه عبد الله بن ذكوان ، من أهل المدينة ، كنيته أبو محمد ، يروي عن هشام بن عروة ، روى عنه العراقيون وأهل المدينة ، كان ممن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات ، وكان ذلك من سوء حفظه وكثرة خطئه ، فلا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد ، فأما فيما وافق الثقات فهو صادق في الروايات يحتج به مات ببغداد سنة أربع وسبعين ومائة وهو أخو أبي القاسم بن أبي الزناد وأبو القاسم ثقة واسمه كنيته أخبرنا الهمداني قال حدثنا عمرو بن علي قال كان أبن مهدي لا يحدث عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، سمعت محمد بن محمود يقول : سمعت الدارمي يقول : قلت ليحيى بن معين : فعبد الرحمن بن أبي الزناد ؟ ، قال : ضعيف .
ـ وفي سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني :
حدثنا محمد قال : وسمعت علياً وذكر له عبد الرحمن بن أبي الزناد فقال : كان عند أصحابنا ضعيفاً .
وعلي هذا فالحديث ضعيف لا شك في ضعفه ومع هذا وصفه البخاري رحمه الله بالحسن ، وراجع ما ذكره ابن عدي رحمه الله من أخطاء ابن أبي الزناد لتتيقن من ضعفه .
ولاحظ أن مدار الإسناد علي ضعيف ، وأن الأوجه مهما كثرت لا تفيد في تقوية الحديث حتي علي طريقة المتأخرين ، فتنبه .
فإن قال قائل حسنه بطرق أخري أو شواهد أخري ربما لا نعلمها ، قلنا راجع الأمثلة السابقة .
والحديث حسن لأنه ليس في إسناده من يتهم بالكذب وليس شاذاً ويروي من غير وجه كما ذكر الترمذي رحمه الله في تعريفه .
ـ وروي أبو بكر البر قاني عن الداراقطني رحمهما الله تعالي قال :
قلت له : حديث الفضل بن موسي عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس : كان النبي صلي الله عليه وسلم يلحظ في صلاته يميناً وشمالاً .
قال : ليس بصحيح .
قلت : إسناده حسن ، حدث به عن الفضل جماعة ؟
قال : أي والله حسن ، إلا أن له علة ، حدث به وكيع عن عبد الله بن سعيد عن ثور عن رجل عن النبي صلي الله عليه وسلم .
قلت : لم يسنده إلا الفضل ؟
قال : بتة .
وهذا لا يحتاج إلي شرح ولا تعليق فهو أوضأ من شمس الصباح في شهور الصيف الحار ، وفيه إطلاق الحسن علي المعلول ، بعكس ما اشترطه المتأخرون من سلامة الحديث الحسن عندهم من العلة ، وهذا دليل علي تبلين المقاصد كما قلنا .
وبالمناسبة نسأل المرضي بمرض تعدد الطرق : لماذا لم يقو الداراقطني رحمه الله هذه الطرق ببعضها ويرقيها كما تفعلون أنتم ؟؟!!
وهل اتضح لكم الآن علي أي شيء كان يطلق جهابذة الحديث لفظة الحسن ؟؟!!
ـ وروي أبو بكر البر قاني عن الداراقطني رحمهما الله تعالي قال :
قلت له : شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده ، كيف هذا الإسناد ؟
قال : ضعيف .
قلت : من جهة من ؟
قال : أبو اليقظان ضعيف .
قلت : فيترك ؟
قال : لا ، بل يخرج ، رواه الناس قديماً .
والكلام واضح بحمد الله وتوفيقه ، فلما أخبره الداراقطني رحمه الله أن أبا اليقظان ضعيف ، سأله : هل ضعفه من نوع الضعف الذي يكون سبباً في الترك أم لا ؟
فأجابه رحمه الله ورفع درجته قائلاً : بل يخرج ، أي في الكتب ، أي يكتب حديثه ، وهذا واضح .
للمزيد راجع علل الترمذى الكبير: 143-165-166-167-168،........، ومواطن لا تحصي في جامع الترمذي ، وكتب السؤالات ، والجرح والتعديل ، مع تطبيق شرط الحسن الذي ذكره الترمذي رحمه الله ، وستري أن كل حديث توفرت فيه هذه الشرائط ليس بمطروح ، أطلق عليه الحسن ، سواء كان غريباً ، أو صحيحاً ، أو ضعيفاً ، أو معلولاً .
ولهذا لم يذكر الترمذي رحمه الله سبحانه وتعالي قيد السلامة من العلة في تعريفه ، لأن كون الحديث الصواب فيه الوقف أو الرفع أو الإرسال أو الوصل لا يجعله حديثا مطروحاً وإنما يجعله مرجوحاً ، أما المتأخرون فيشترطون في الحديث الحسن شرط الخلو من العلة لأنه عندهم للاحتجاج ، والله أعلم .
وسنضرب مثالاً آخر من كتاب الجرح والتعديل لأبن أبي حاتم :
ترجمة رقم 559 إسماعيل بن أبي إسحاق :
قال الأثرم عن أحمد : يكتب حديثه وقد روى حديثا منكراً في القتيل ( راجع معني لفظة المنكر عند أحمد في بحث قيم من كتاب المنتخب من العلل للخلال تحقيق وتعليق الأخ طارق عوض حفظه الله ) .
أبو حاتم عن اسحاق بن منصور عن يحيي :
أبو إسرائيل صالح الحديث .
عن عمرو بن علي :
أبو إسرائيل ليس من أهل الكذب .
أبو حاتم :
أبو إسرائيل حسن الحديث جيد اللقاء له أغاليط لا يحتج بحديثه .
أبو زرعة :
صدوق كوفي .
فتأمل : أحمد يقول يكتب حديثه ( أما الاحتجاج به فأمر غير هذا ) ،
ويحيي يقول صالح ( أي ليس بمطروح يصلح للكتابة ) ،
والفلاس يقول ليس من أهل الكذب ( أي ليس كذاب ولا متهم ) ،
وأبو حاتم يقول حسن الحديث ( وهو نفس معنى الأقوال السابقة ) ، وحكم عليه بأنه لا يحتج بحديثه ،
وأبو زرعة قال صدوق ( أي غير كذاب ولا متهم ) .
فهؤلاء الذين قيل عنهم أن لكل واحد منهم اصطلاح خاص به ، إذا تأملت كلامهم بعد أن تخرج من رأسك ما وجدته مدون في كتب وضع أكثرها أهل الأصول والكلام وجدت كلامهم يخرج من مشكاة واحدة .
التوسع في الشرح والأمثلة سهل يسير ، وتطويل البحث أمر هين ، ولكن ليس هذا المراد .
إنما المراد أن نفتح به عيوناً عمياً وأذاناً صماً والله المستعان .