مبحث في القياس
القياس عند الأصوليين والفقهاء أصل من أصول فقه دين الله سبحانه وتعالي فهو الأصل الرابع عندهم بعد الكتاب والسنة والإجماع ، وهذا منصوص عليه في كتبهم ،
أما أهل الحديث فالأمر عندهم يختلف ، فالقياس عندهم مذموم وهذا مثبت في كتبهم رضي الله عنهم التي هجرها المسلمون ليتفرغوا لعفن المذاهب والفرقة والخلاف والتقليد .
وممن ذم القياس والرأي من أهل العلم ، أي من أهل الحديث : يحيي بن سعيد القطان ، وأحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم بن الحجاج ، وأبو عيسي الترمذي ، والنسائي ، وأبو داود ، وابن ماجة ، وأبو حاتم الرازي ، وأبو زرعة الرازي ، وإسحاق بن راهويه ، ويحيي بن معين ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والعقيلي ، وابن عدي ، والجوزجاني ، وابن حزم الأندلسي ، وداود المعروف بالظاهري ، والشوكاني ، ومقبل بن هادي الوادعي ، وغيرهم الكثير من أهل الحديث رحمهم الله وغفر لهم ورضي عنهم أجمعين .
والمدخل لدراسة هذا المسمي بالقياس إنما يكون بتحديد ماهية هذا الشيء محل الدراسة ، وماهيته عبارة عن قيود تعريفه ، لذا سنذكر بعض التعريفات التي ذكرها الأصوليين في كتبهم .
ما هو القياس ؟ ؟
قيل هو إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به.
وقيل هو إدراج خصوص في عموم .
وقيل حمل الشيء علي غيره وإجراء حكمه عليه .
وقيل حمل الشيء علي الشيء في بعض أحكامه بضرب من الشبه .
وقيل حمل الفرع علي الأصل ببعض أوصاف الأصل .
وقيل استخراج مثل حكم المذكور لما لم يذكر بعلة جامعة بينهما .
وهذه التعريفات وإن بدا للناظر غير المتأمل أنها واحدة تقريباً إلا أن التمحيص يظهر خلافاً شديداً بينها ! !
فهذا الشيء الذي يفترض كونه أصلاً من أصول الدين يتفرع منه مئات الفروع لم يتفق الأصوليون علي تعريفه ! !
ولكن اتفقوا علي العمل به ! !
قال أبو المعالي الجويني الشهير بإمام الحرمين :
يتعذر الحد الحقيقي في القياس ، لاشتماله علي حقائق مختلفة ، كالحكم فإنه قديم ، والفرع والأصل فإنهما حادثان ، والجامع فإنه علة .
وقال الإبياري :
الحقيقي إنما يتصور فيما يتركب من الجنس والفصل ، ولا يتصور ذلك في القياس .
وهذا واضح لمن نظر في التعريفات السابقة وتأملها .
ولنضرب مثلاً لييسر الأمر قليلاً ، إذا قال النبي صلي الله عليه وسلم مثلاً كما روي أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء ) .
والآن وقبل أن نكمل توقف لتجب علي الأسئلة التالية :
هل ما زلت تذكر وتؤمن أن الدين قد اكتمل وتم ؟
هل ما زلت تذكر وتؤمن أن الله شهد علي ذلك ؟
هل ما زلت تذكر وتؤمن أنه سبحانه وتعالي قد رضيه لنا ؟
هل ما زلت تذكر وتؤمن أن الله سبحانه أراد أن يبين لنا ؟
هل ما زلت تذكر أن الله سبحانه ما أرسل رسوله عليه السلام إلا لإتمام البيان لدين الإسلام ؟
هل تذكر قوله صلي الله عليه وسلم : ( لتتبعن سنن من قبلكم ، شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ،حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ ، قال : فمن ؟ ) .
فماذا سيقول أهل القياس والرأي ؟
سيختلفون كما اختلفوا في تعريف القياس نفسه ،
ستقول طائفة منهم : علة التحريم في هذه الأصناف كونها توزن وتكال ! ! ، فكل ما يوزن أو يكال يدخل في ربا الفضل ، والفضل للقياس ! !
فتنتفض فرقة أخري فتقول : لا ، بل العلة كونه طعاماً يُطعم ، وعلي هذا يدخل كل طعامٍ يُطعم في ربا الفضل .
فيصرخ الشيطان في أذن ثالث قائلاً : إنما العلة في النماء ! !
فإذا كان هناك صنف يطعم ولكنه لا يوزن ولا يكال فلن يدخل في تحرم الطائفة الأولي ، وسيدخل في تحريم الطائفة الثانية .
وهكذا إن كنت علي مذهب الطائفة الأولي صار هذا الصنف حلالاً .
فإن غيرت مذهبك يوماً من الأيام لتكون علي مذهب الطائفة الثانية فسيحرم عليك هذا الصنف ذاته .
نفس الصنف ، نفس الدين ، نفس النبي ، نفس النص الشرعي ، أليس هذا من العجب بمكان ؟ !
وكل هؤلاء إن سألتهم سيحلفون أنهم يؤمنون أن الدين قد تم وكمل ،
وأن الله سبحانه أراد أن يبين ،
وأن النبي صلي الله عليه وسلم إنما جاء مبيناً ،
وأنه عليه السلام أوتي جوامع الكلم ،
وأنه بلغ الرسالة ، وأدي الأمانة ، ونصح الأمة ،
أليس هذا غريباً ؟
كل عاقل يجب أن يؤمن أن الله سبحانه لما أراد أن يحرم هذه الأصناف الستة حصراً أوحي إلي رسوله الكريم أن يقول هذا النص : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء ) .
وهذا يدخل في إرادة الله سبحانه للبيان .
ويدخل في شهادته سبحانه علي دينه بالكمال والرضي .
ويدخل في دور محمد صلي الله عليه وسلم في أن يبين ، مع كونه أوتي جوامع الكلم ، ومع كل هذه العوامل التي تدعو إلي شديد البيان والتوضيح لم نسمع إلا تحريم هذه الأصناف الستة .
ألم يكن من تمام البيان أن يأمر الله سبحانه وتعالي نبيه صلي الله عليه وسلم أن يقول : كل ما يوزن أو يكال أو ينمو أو يطعم مثلا بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء .
أليس هذا هو البيان المفترض من محمد صلي الله عليه وسلم ؟ !
فهل من دليل صحيح لا مطعن فيه علي كون العلة هي كون هذه الأشياء توزن أو تكال ؟
أو هل من دليل صحيح لا مطعن فيه علي كون العلة هي النماء أو كونه مطعوماً ؟ ، لم لا تكون العلة تعبدية محضة ؟
أليس الله سبحانه لا يسأل عما يفعل ؟
وهذا مثال يسير لما أحدثه هذا القياس في ديننا الحنيف من تحريف وزيادة ونقص ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
وقد استدل القائلون بالقياس بأدلة ، أو بتعبير أدق بأشياء ظنوها أدلة ، وهي شبهات محضة ، نذكرها تباعاً مع نقدها باختصار ليتبين الحق لمن أراده .
أدلة القائلين بالقياس:
قالوا : ثبت القياس بالكتاب والسنة والإجماع .
أ ـ أما الكتاب فقوله تعالي : " فاعتبروا يا أولي الأبصار " ، الحشر : 2 . فالإعتبار هو المجاوزة ، والقياس مجاوزة من حكم الأصل إلي حكم الفرع فيكون داخلاً تحت الأمر ، فهذا أمر بالقياس الشرعي .
قلنا: لا نسلم أن الاعتبار هنا هو المجاوزة ، بل نقول أنه الاتعاظ ، وسياق الآيات يوضح هذا بجلاء لا ينكره إلا صاحب هوي ! !
وقد قال تعالي : " إن في ذلك لعبرة لإولي الأبصار " ، آل عمران : 13 .
وقال تعالي : " وإن لكم في الأنعام لعبرة " ، النحل : 66 .
وقال تعالي : " لقد كان في قصصهم عبرة " ، يوسف : 111 .
وهذه كلها معناها الاتعاظ .
وقال تعالي : " إن كنتم للرؤيا تعبرون " ، يوسف : 43 ، أي تستطيعون مجاوزتها إلي ما يلازمها .
فالفيصل هو سياق النص وهو يدل بوضوح أن قوله تعالي " فاعتبروا يا أولي الأبصار " يعني : اتعظوا يا أولي الأبصار .
سلمنا أن الأمر بالاعتبار هنا هو أمر بالمجاوزة ، ولكن لا نسلم كونه أمراً بالقياس في الشرع كما تدعون ، لأن كل من تأمل في الدليل فوعي مدلوله أو مدلولاته فقد عبر من الدليل إلي المدلول ، ولو تمسكنا بهذا الفهم لكانت هذه الآية دليلاً علي نفي القياس لا إثباته ،
وبيان هذا _ أن لو كان هذا _ أن الأمر يكون بعبور كل دليل إلي مدلوله أو مدلولاته ، فيكون الأمر بالاقتصار علي النظر في النصوص الشرعية لا غير ، وفي هذا نفي لما تدعونه من دلالة في الآية ! !
ومن الواضح أنه لا يستطيع منكر أن ينكر عليّ هذا الفهم للآية ! !
فتكون دليلاً علي نفي القياس وإثباته في ذات الوقت ! !
فإن قالوا : ليس علي هذا دليل يثبته .
قلنا : وليس هناك دليل ينفيه ، فهو محتمل كفهمكم ، فإذا تحاكمنا إلي سياق الآيات لنرجح أحد الفهمين فلابد أن يكون فهمنا هو الراجح عند كل صاحب عقل لم يدخله الهوي بعد .
ونسأل : في أي لغة من لغات العرب ، لا بل من لغات العالم يكون هذا الفهم الشاذ ؟ يقول الله تعالي : " يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين " ، فقيسوا يا أولي الأبصار ! !
نقيس ماذا ؟ أمة محمد صلي الله عليه وسلم علي أمم الكفر ؟
في أمرنا كله أم في بعض الأمور ؟
عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعوذ بوجهك ) قال : "أو من تحت أرجلكم " قال : ( أعوذ بوجهك ) ، " أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هذا أهون أو هذا أيسر ) .
فهذا دليل علي أن بعض أنواع العذاب التي وقعت لمن قبلنا من الأمم لا تقع لنا أبداً ، فماذا نقيس ؟ وعلي أي شيء نقيس ؟
ب ـ قول الله تعالي : " فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم " ، المائدة : 95 .
قالوا : فهذا تمثيل للشيء بعدله ، أي ما يعادله ، وأوجب الله المثل ولم يقل أي مثل ، فوكل ذلك إلي اجتهادنا ورأينا .
أقول : وليس فيها بحمد الله دلالة علي القياس الشرعي ، لا دلالة تضمن ولا التزام ولا مطابقة ! !
فالمحرم إذا قتل صيداً حال إحرامه يحكم عليه اثنان من عدول المسلمين أن يأتي بأقرب شبيه من النعم يشبه ما قتله من الصيد ويساق إلي الكعبة كهدي جزاء للمحرم علي كونه صاد الصيد وهو محرم وخالف أمر الله سبحانه ! !
فأي قياس هاهنا ؟
فأي إلحاق لفرع بأصل هنا ؟
ولو كان الله سبحانه أمر العدلين أن يطلقا هذا النعم الذي قد حكما به في البيداء مثلاً لكان لهم بها متعلق لكونه أمر سبحانه بإلحاق الثاني بالأول ! !
وكون الله سبحانه وكل هذا إلي اجتهادنا فلا يدل ذلك علي قياس الفرج علي اليد ، ولا قياس الأرز علي الشعير ، ولا أي قياس من الذي يقيسه هؤلاء .
بل الآية بنصها هذا دليل دامغ علي نفي القياس ، لأن المتشابهين من الصيد والنعم بحكم المثلية التي ذكرها الله سبحانه وتعالي لم يرتب الشارع لهما حكماً واحداً بناء علي وجه الشبه هذا ، وهذا نفي للقياس ، فبطل الاستدلال بهذه الآية ، ولو جاز أن يحتج بها احد الفريقين لكان الأولي بها هم نفاة القياس لا مثبتيه .
ج ـ قول الله تعالي : " إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها " ، البقرة : 26 .
قالوا : فهذا نوع من القياس والتمثيل ! !
أقول : والله إن المسلم ليستحي أن يقول كلاماً مثل هذا ! !
فالله سبحانه وتعالي يقول أنه لا يستحي أن يضرب للناس مثلاً مهما قل شأنه ولو كان هذا المثل ببعوضة ، فأي قياس في هذا ؟
سلمنا أنه قياس ، فهل كل ما يجوز للخالق جل وعلا يجوز للمخلوقين ؟
لكنه القياس التعيس امتد بكم حتي أردتم قياس المخلوق علي الخالق سبحانه .
د ـ قول الله تعالي : " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " ، النساء : 83 .
قالوا : الاستنباط هو القياس ! !
أقول : ما الذي دل علي أنه القياس ؟
ألا يمكن أن يكون إدخال خصوص في عموم ؟
أو تقييد مطلق ؟
أو نسخ ؟
أو جمع بين دليلين ظاهرهما التعارض ؟
فما الذي خصه بكونه القياس ؟
آلهوي ؟
نعم يصلح القياس أن يدخل في معني الاستنباط ، ولكن بعد أن يصح كدليل شرعي أصلاً .
والآية لا تدل علي المراد لا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام .
ه ـ قول الله تعالي : " قل يحييها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم " ، يس : 79 .
قالوا: فهاهنا قياس النشأة الثانية علي الأولي .
أقول : وهذا والله منتهي الحمق ، وكسر لعنق الأدلة لتوافق الهوي ، وما في هذه الآية إلا الاستدلال بما فات من الخلق علي ما هو آت من إعادة الخلق .
سلمنا أنه قياس من الخالق سبحانه فهل تقيسون المخلوق علي الخالق فإذا قاس الخالق يقيس المخلوق ؟
ولو سلمنا لكم أنه قياس فهل يطرد في هذا الموضع ؟ ، أي هل يمكن أن نقول أن هناك موتة ثانية بعد القيامة والحساب بالقياس علي الموتة الأولي ؟
عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم هذا الموت ، وكلهم قد رآه ، ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم هذا الموت ، وكلهم قد رآه ، فيذبح ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ : " وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون " وأشار بيده إلي الدنيا ) .
وبهذا فإن هذه الآية حجة لنا في نفي القياس ! !
لأنه مع كون الإحياء الثاني يشبه الإحياء الأول ، لم يرتب الله سبحانه علي الموت الأول موتا ثانياً .
و ـ قول الله تعالي : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " ، النحل : 90 .
قالوا : العدل هو التسوية ، والتسوية في الحكم بين شيئين هي القياس الشرعي ، والآية تأمر بالعدل ، فأصبحنا مأمورين بالتسوية بين النظائر .
أقول : إن من أهم التفاسير للخطاب الشرعي في متشابهات الألفاظ سياق الكلام ، فالعدل هنا هو الذي يكون بين الناس ، وكذا الإحسان يكون للناس ، وهكذا . . ، والله سبحانه لم يأمر بالتسوية في الأحكام بين الأشياء ، بل نفي التسوية بين أشياء في مواضع ، " لا يستوي الأعمى والبصير " فالأعمى إنسان وكذا البصير ، والأعمى له أذنان وعينان ولسان وعقل ....... وكذا البصير ، وهذا سيموت ويبعث وذاك سيموت ويبعث ، وكلاهما يأكل ويشرب ويتغوط ، فهل هذا دليل علي نفي القياس ؟ ؟
فكل ما رددتم به كون هذا دليلا علي نفي القياس نرد به دلالة إثبات القياس من هذه الآية التي احتججتم بها .
ز ـ قول الله تعالي : " كأنهن الياقوت والمرجان " ، الرحمان : 58 .
قالوا : شبه الله سبحانه وتعالي الحور العين بالياقوت والمرجان ، والقياس إنما هو تشبيه شيئا بشيء .
أقول : نعم التشبيهات في كتاب الله كثيرة ، ولكن أي دلالة لها علي القياس ؟
فغاية ما هناك أن الله سبحانه شبه جمال الحور العين وحسنهن بالياقوت والمرجان ، فأي قياس في هذا ؟
ما الحكم الذي رتبه الله سبحانه وتعالي علي هذا الشبه ؟
ولو جاز لأحد أن يحتج بهذه الآية في مسالة القياس لكان الأولي بها هم نفاة القياس .
كيف يكون هذا ؟
بيانه أن الله لما أخبر عن وجود وجه الشبه بين الحور العين والياقوت والمرجان لم يرتب علي هذا حكما شرعياً ، ولا يكون شبها أفضل ولا أقوي مما يذكره الله سبحانه في كتابه ، وهذا فيه إبطال القول بالقياس وأن المتشابهات لا يحصل لها الاشتراك في الحكم إلا بنص .
ح ـ قول الله تعالي : " وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة " الأعراف : 22.
أقول : ليس هناك رد علي من احتج بهذا علي إثبات القياس إلا ما روي عن ربعي بن حراش حدثنا أبو مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحي فافعل ما شئت ) .
ط ـ قول الله تعالي : " والمرسلات عرفاً " ، المرسلات : 1 .
أقول : ولا تعليق ! !
فالسكوت عن الرد هاهنا أبلغ من أي رد ، فحكايته تغني عن رده .
ي- قول الله تعالي : " وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " ، البقرة : 114 .
قالوا : فأمر سبحانه بالاجتهاد .
أقول : وهذا فعلاً غاية ما هناك ! !
أمر بالاجتهاد لمعرفة اتجاه القبلة ليتوجه المسلم لها في صلاته فكان ماذا ؟، فأي دلالة أو علامة تدل أنه أمر من الله بالقياس ؟
وبعد ، فهذه الأدلة هي أقوي ما قيل من أدلة القائلين بالقياس من كتاب الله تعالي ، وهي كما تري لا دلالة فيها البتة ، ولذا سنقوم باستعراض أدلتهم من السنة النبوية المطهرة علي صاحبها الصلاة والسلام ، ونتكلم عن كل حديث منها جرحاً وتعديلاً وتعليلاً ، ثم نبين مواضع الدلالة فيما صح منها إثباتاً أو نفياً .
أ ـ ما روي عنه صلي الله عليه وسلم في قصة بعثه معاذاً إلي اليمن : عن رجال من أصحاب معاذ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن ، فقال : ( كيف تقضي ؟ ) فقال : أقضي بما في كتاب الله ، قال : ( فإن لم يكن في كتاب الله ) ، قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ) ، قال : أجتهد رأيي ، قال : ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ( اللفظ للترمذي رحمه الله ) .
قالوا : هذا نص صحيح صريح ثابت في القياس ، فالنبي صلي الله عليه وسلم أقر معاذاً علي أنه سيجتهد إن لم يجد في كتاب الله ولا في السنة المطهرة ، أي سيجتهد فيما ليس فيه نص شرعي ، وهذا لا يكون إلا بإلحاقه علي شيء منصوص عليه ، وهذا هو القياس .
واحتج به الآمدي في نفس المسألة وفي مسائل أخري كثيرة في كتابه إحكام الأحكام .
وقال أمام الحرمين في كتابه البرهان في أصول الفقه : والعمدة في هذا الباب علي حديث معاذ ، والحديث صحيح مدون في الصحاح متفق علي صحته لا يتطرق إليه التأويل .
وقال الغزالي : هذا حديث تلقته الأمة بالقبول ، ولم يظهر أحد فيه طعناً ولا إنكاراً ، وما كان كذلك لا يقدح فيه كونه مرسلاً ، بل لا يجب البحث عن إسناده .
وقال صاحب كشف الأسرار : إن مثبتي القياس متمسكون به أبداً في إثبات القياس ، ونفاته كانوا يشتغلون بتأويله ، فكان ذلك اتفاقاً منهم علي قبوله .
قال ابن القيم في أعلام الموقعين عن رب العالمين :وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصاً عن الله ورسوله ، فقال شعبة : حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال: ( كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟) قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: (فإن لم يكن في كتاب الله؟) ،قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، قال : أجتهد رأيي لا آلو قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدري ثم قال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) .
فهذا حديث وإن كان رواته غير مسمين فهم أصحاب معاذ ، ذلك لأنه يدل على شهرة الحديث وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم ، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي ، كيف وشهرة أصحاب معاذ والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث ،وقد قال بعض أئمة الحديث إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به ، قال أبو بكر الخطيب : وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم .
وراجع كتب أصول الفقه لترى أقوالهم في الاحتجاج بهذا الحديث علي حجية القياس ، وأنه عمدة أدلتهم في المسألة .
أقول : ووالله لو ثبت لكنت أول القائلين بالقياس بلا أدني شك ، وكذا كل من رد الحديث وأنكر القياس من أهل علم النبوة رضي الله عنهم لو ثبت عندهم لقالوا به ، فهم والله أهل العلم والفضل واتباع الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ، أما أهل الجهل بالنقل وعلم النبوة فهم يتخبطون ، ومهما كانت النوايا حسنة فإن النتائج تكون مريرة ، ولهذا فإن كتب الأصوليين والفقهاء وأصحاب السير والمفسرين -إلا المسند منها- أفسدت من حيث أرادوا أن يصلحوا ، فالخير كل الخير في ميراث محمد صلي الله عليه وسلم تعلماً وتعليماً وعملاً .
ولننظر إلي أقوال أهل العلم في هذا الحديث ، أعني أهل الحديث :
1 ـ قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل .
2 ـ وقال البخاري في تاريخه : الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ وعنه أبو عون ، لا يصح ولا يعرف إلا بهذا .
3 ـ وقال الداراقطني في العلل : رواه شعبة عن أبي عون هكذا وأرسله بن مهدي وجماعات عنه والمرسل أصح .
4 ـ قال أبو داود : أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله ، وقال مرة : عن معاذ .
5 ـ وقال عبد الحق: لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح .
6 ـ وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية: لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه .
7 ـ وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد في الكلام على هذا الحديث : اعلم أني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل فلم أجد إلا طريقين أحدهما طريق شعبة والأخرى عن محمد بن جابر عن أشعت بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ وكلاهما لا يصح ، قال : وأقبح ما رأيت فيه قول إمام الحرمين في كتاب أصول الفقه والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ ، قال : وهذه زلة منه ولو كان عالماً بالنقل لما ارتكب هذه الجهالة .
8 ـ قال ابن حجر في تلخيص الحبير : كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه فإنه قال : والحديث مدون في الصحاح متفق على صحته .
9 ـ وقال ابن حزم : لا يصح لأن الحارث مجهول وشيوخه لا يعرفون قال وادعى بعضهم فيه التواتر وهذا كذب بل هو ضد التواتر لأنه ما رواه أبي عون عن الحارث فكيف يكون متواتراً ؟
وقال أيضاً : وأما حديث معاذ فيما روي من قوله أجتهد رأيي ، وحديث عبد الله بن عمرو في قوله أجتهد بحضرتك يا رسول الله فحديثان ساقطان .
فمن الناس بعد هؤلاء ؟ ! !
فيا أولي الألباب من الأولي أن يتكلم في هذه الأصول إن جاز لأحد أن يتكلم فيها؟
أهل الحديث والعلم به ، أهل المعرفة بما ثبت عن نبيهم صلي الله عليه وسلم ، ورثة علوم الرسول الكريم عليه السلام، أهل العلم بالأدلة، أم أهل الكلام والفلسفة والمنطق الذي اختلط بالمذهبية العفنة ؟ ؟
أهل الإتقان ومعرفة العلل ، أم الذين لا يعرفون الفرق بين الصحيحين وبين كتب قدماء المصريين .
والله إن اسم إمام الحرميين لينخلع القلب له رهبة ، ومع ذلك لا يعلم شيئا عن الحديث الذي يستدل به في مسألة أصولية يتفرع عليها المئات من الفروع ، بل لا يتردد ولا يقول مثلا : وأظنه في الصحيح ، بل يجزم بمنتهي الثقة والتأكد أن الحديث مدون في الصحاح ومتفق علي صحته ! !
هل رأيتم أعجب من هذا ؟ ؟
وإذا وعي قلبك هذا فلا تتعجب إذا سمعت الغزالي الشهير بحجة الإسلام يقول : أن هذا الحديث متواتر ، وتلقته الأمة بالقبول ، ولا يجب البحث عن إسناده ، ولم يطعن فيه أو ينكره أحد ! !
حديث يدور علي صحابي واحد هو معاذ بن جبل رضي الله عنه يصفه بالتواتر ، ثم يقول إن الأمة تلقته بالقبول وكأن كل هؤلاء الأعلام ليسوا من الأمة ! ! ، ولم يطعن فيه أحد أو ينكره طبعا كما رأيتم ، ولذا لا يجب البحث عن سنده ! !
وأما صاحب كشف الأسرار فمبلغ علمه أن نفاة القياس اشتغلوا بتأويل هذا الحديث لأنهم بالطبع لا يجدون منه مهرباً كما نري ! ! ، فيحاولون جاهدين أن يجدوا له تأويلاً مقبولاً ! !
ومن المؤكد أنه لم تبلغه هذه الأقوال من جبال الأمة ورجالها ! !
وهذا من أكبر الأدلة علي الظلام الذي حدث بعد القرن الثالث ، حتي المنتسبين إلي العلم ألقوا كتب السنة وعلمها خلف ظهورهم واشتغلوا بالفلسفة والكلام وكتب المذاهب ، والمشتغل منهم بالحديث يظن أن كل حديث في كتب السنن والصحيحين قد وضعوه للاحتجاج به !!، حتي أن بعضهم سمي الكتب الستة : الصحاح الستة !!
فتمخض هذا عن هؤلاء ومئات من أمثالهم ، يحسبهم الجاهل من أهل العلم فيعض علي كلامهم بالنواجذ ، وهم لا يعرفون غير علم أرسطاليس وأشباهه ، وللشيخ الألباني رحمه الله رسالة مفيدة جداً سنذكر مقاطع منها في مبحث قادم إن شاء الله ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
أما ابن القيم فيعلل قبول القرون السابقة لهذا الحديث فيقول : أنه روي عن أصحاب معاذ ، وهذا أقوي من أن يكون روي عن صاحب واحد من أصحابه ، ولذا يجب قبوله .
فماذا سيقول يا تري في كون المرسل هو الصحيح ؟
أي أن الصواب هو رواية الحديث مرسلاً بدون ذكر : عن معاذ ، وهذا ما رجحه الداراقطني رحمه الله في علله .
فالعلة الآن علتان :
جهالة الرواة عن معاذ ،
والخلاف في وصله وإرساله والراجح هو الإرسال .
فهذا نموذج لأقوال أهل العلم الذين لم يكن همهم الأوحد هو الحديث الشريف وإنما خلطوا به غيره من العلوم الغريبة عن الإسلام ، فالزم طريق الحديث تنجو بإذن الله ، وإن لم تكن أبصرت ما حدث من خلل فابك علي نفسك من الآن .
ب ـ واستدلوا بما رواه أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم : أن أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ذهب أهل الدثور بالأجر يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : ( أوليس قد جعل لكم ما تصدقون ، كل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ) ، زاد أحمد بن علي : ( وفي بضع حدكم صدقة ) قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : ( أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر ؟ ) قالوا : نعم ، قال : ( فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر ) .
قالوا : فهذا قياس من النبي صلي الله عليه وسلم .
أقول : لا نسلم لكم أن هذا القياس ، وما أبعد ذاك عن القياس ، وإنما يقيس من يجهل الحكم فيقيس ليلحق فرعاً بأصل ، والنبي صلي الله عليه وسلم إنما يوحي إليه من ربه فلا يحل له أن يقول برأي ولا قياس لقول الله تعالي : " لتحكم بين الناس بما أراك الله " أي بما يوحيه إليك ربك ، ولقوله تعالي " اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين " ، ولقوله تعالي " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون "، فعلم أن كل جواب أجابه عليه السلام في مسألة إنما كان أجابه بوحي من الله لا من رأيه ولا قياسه ، وكذا قول الله تعالي :" واتبع ما يوحي إليك من ربك " أي لا غيره ، بل فقط ما أوحاه الله إليك ، فهذا الذي تستدلون به علي القياس ما هو إلا ضرب الأمثال للسائل ليفهم الجواب .
سلمنا أنه قياس وليس تشبيه أصلاً معلوماً بأصل مبين ، فهل هذا القياس كان قبل اكتمال الشرع أم بعده ؟ الأول مسلم والثاني ممنوع ، لذا فلا يحل لأحد أن يقيس بعد أن شهد الله سبحانه علي كمال الشرع المطهر وانتهت القضية .
ومع التسليم الفرضي بأن هذا نوع من القياس أقول : إن قياس النبي صلي الله عليه وسلم – بفرض أنه قاس فعلا -قياس من معصوم فالعمل به من باب العمل باليقين لا بالظن كما في قياس من ليس بمعصوم ، وبيانه أنه لو قاس صلي الله عليه وسلم وكان هذا القياس مخالف لمراد الله فإن الوحي سيبين له صلي الله عليه وسلم هذا ، أما قياس من لا يوحي إليه فشيء آخر لا يقاس علي قياس النبي صلي الله عليه وسلم إن سلمنا أنه قاس كما قالوا .
ثم إن اللفظ الذي يحتجون به لإثبات القياس غير ثابت في الحديث ، وقد روي الحديث من طريقين ، أحدهما طريق أبي هريرة رضي الله عنه عند الشيخين وليس فيه هذه الزيادة ، وإنما رويت هذه الزيادة من طريق أبي ذر رضي الله عنه من وجه واحد أما باقي الأوجه عن أبي ذر فلم ترد فيها هذه الزيادة ، وقد رواه مسلم وغيره من طريق مهدي بن ميمون حدثنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : ( أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة ) ، قالوا يا رسول الله : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) ، وقد روي من أوجه عن مهدي بن ميمون .
ـ وواصل مولي أبي عيينة قال عنه الحافظ في التقريب : ( 7374 ) صدوق عابد ، من السادسة .
ـ وقال أبن أبي حاتم في الجرح والتعديل : ( 729 ) يحيى بن عقيل البصري الخزاعي روى عن بن أبى أوفى ويحيى بن يعمر روى عنه واصل مولى أبى عيينة وعزرة بن ثابت والحسين بن واقد سمعت أبى يقول ذلك ، نا عبد الرحمن قال ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال : يحيى بن عقيل ليس به بأس .
ـ ويحيي بن عقيل هذا قال عنه الحافظ في التقريب : ( 7600) بصري ، نزيل مرو ، صدوق ، من الثالثة .
ـ وسئل الداراقطني عن حديث أبي السود الدئلي عن أبي ذر قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور الحديث فقال : يرويه واصل مولى أبي عيينة واختلف عنه فرواه مهدي بن ميمون عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود عن أبي ذر ، ورواه هشام بن حسان وحماد بن زيد وعباد بن عباد المهلبي عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي ذر ، وقول مهدي هو الصحيح وأبو الأسود الدئلي اسمه السهو بن عمرو .
فهذه الزيادة لها ثلاث علل :
1 ـ واصل مولي أبي عيينة صدوق أي خف ضبطه .
2 ـ يحيي بن عقيل صدوق أيضاً أي خفيف الضبط أيضاً .
3 ـ الخلاف في وصل الحديث وإرساله .
فالحديث يروي بهذه الزيادة من طريق الرواة الذين وصفوا بخفة الضبط ، فهذه الزيادة في قبولها نظر عندي ، والحديث في وصله وإرساله نظر أيضاً ، وإن كان الداراقطني رحمه الله قد رجح الوصل فإن من يرجح الإرسال أيضاً له وجهة قوية خاصة وإن حماداً من حفاظ المسلمين ، وتابعه رجلان من مشاهير الرواة علي الإرسال ، وإن كانا ليسا في مرتبة الإحتجاج لكن يقويان وجهة من قال بترجيح الإرسال والله أعلم .
ورواه أحمد في المسند من طريق أبي البختري عن أبي ذر قال :
21507 حديثا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي ذر قال قيل للنبي ذهب أهل الأموال بالأجر فقال النبي إن فيك صدقة كثيرة فذكر فضل سمعك وفضل بصرك قال وفي مباضعتك أهلك صدقة فقال أبو ذر أيؤجر أحدنا في شهوته قال أرأيت لو وضعته في غير حل أكان عليك وزر قال نعم قال أفتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير .
وأبو البختري في سماعه من أبي ذر نظر ، فالبخاري لم يذكر له سماعاً في تاريخه الكبير :
1684ـ سعيد بن فيروز أبو البختري الكلبي الكوفي مولاهم سمع بن عباس وابن عمر قتل بالجماجم قاله عبد الله بن محمد عن بن عيينة عن أبان تغلب عن سلمة بن كهيل وقال أبو نعيم مات سنة ثلاث وثمانين .
وقال الحافظ في التقريب :
2380ـ سعيد بن فيروز أبو البختري بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة بن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل ، كثير الإرسال من الثالثة مات سنة ثلاث وثمانين ع .
والوصف بكثير الإرسال يستدعي التوقف فيما لم يصرح فيه بالسماع .
كذا فالأعمش تدليسه أشهر من أن يذكر ! !
والحديث بهذه الزيادة بصرف النظر عن وصله وإرساله لا يثبث جزماً .
ج ـ ما روي عنه صلي الله عليه وسلم : عن أبي هريرة قال : جاء رجل من بنى فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاماً أسوداً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هل لك من إبل ) قال : نعم ، قال : ( فما ألوانها ؟ ) قال : حمر ، قال : ( هل فيها من أورق ؟ ) قال : إن فيها لورقاً ، قال : ( فأني أتاها ذلك ؟ ) قال : عسى أن يكون نزعة عرق ، قال : ( وهذا عسى أن يكون نزعة عرق ) .
قالوا : هذا قياس صحيح صريح من النبي صلي الله عليه وسلم لا مطعن فيه فالحديث عند البخاري ومسلم في الصحيحين .
أقول : أما كون الحديث صحيحاً متفقاً علي صحته ومدون في الصحيحين فهذا أمر لا نخالف فيه لثبوته .
لكن لا نسلم كونه قياساً من النبي صلي الله عليه وسلم ، وإنما يقيس كما قلنا من يجهل الحكم فيقيس علي أقرب شبيه ،
والنبي عليه السلام يوحي إليه ، ومأمور أن يتبع الوحي لا غيره ، لا رأيه ولا قياسه ،
قال تعالي : " لتحكم بين الناس بما أراك الله "
أي بما يوحيه إليك ربك لا غيره ، فعلم أن كل جواب أجابه في مسألة إنما أجابه بوحي من الله لا من رأيه ولا قياسه ،
وكذا قول الله تعالي :" واتبع ما يوحي إليك من ربك " أي لا غيره ، بل فقط ما أوحاه الله إليك ، فهذا الذي تستدلون به علي القياس ما هو إلا ضرب الأمثال للسائل ليفهم الجواب .
سلمنا أنه قياس من النبي صلي الله عليه وسلم ، فهل قياسه عليه السلام يحتمل الخطأ والصواب ؟ ، الأول ممنوع والثاني مسلم ،
لذا فإن قياسه صلي الله عليه وسلم قياس معصوم ، أما أقيسة من يسمون بالفقهاء والأصوليين فليست بمعصومة ، والدليل أنهم يختلفون في الأمر الواحد وكل يقيس علي ما يراه مناسباً ، وسنضرب عشرات الأمثال علي هذا إن شاء الله تعالي ، فقياسه صلي الله عليه وسلم إن كان له قياس هدي ونور ، وقياسكم ظلمات وسبل وفرقة .
ونسألكم : لو لم يقس النبي صلي الله عليه وسلم كما تزعمون فماذا كان سيقول للسائل ؟
هل كان سيجيز له الانتفاء من الغلام الأسود أم لا ؟
أقول : قطعاً كان عليه السلام سيمنعه من ذلك ، والدليل قوله صلي الله عليه وسلم : ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) متفق عليه ، وهذا الذي في نفس الرجل من الظن الذي هو أكذب الحديث ، فلم يكن صلي الله عليه وسلم ليدعه ينتفي من الغلام .
فإن قال قائل : إن هذه الحادثة كانت قبل هذا الحديث أي قبل قوله عليه السلام : ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) ، لذا فقد اضطر إلي القياس .
أقول : هذه حجة أخرى أقمتموها علي أنفسكم ، سلمنا أن هذا قياس منه عليه السلام ، وأن هذا الحديث قيل بعد هذه الواقعة ، فهذا يعني أن الله سبحانه قد أنزل ما يُحكِم هذه المسألة من نصوص قبل أن يشهد لدينه بالكمال ، وبهذا يبطل القياس بعد كمال الدين لأن كمال الدين إنما يعني إحكام كل المسائل كما أُحكمت هذه المسألة .
د ـ ما روي عنه صلي الله عليه وسلم من طريق ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال : ( لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ ) قال : نعم ، ( قال : فدين الله أحق أن يقضى ) .
قالوا وهذا قياس صحيح صريح عن النبي صلي الله عليه وسلم .
أقول : أما صحة الحديث فهو صحيح ولله الحمد والمنة ، وأما كون هذا قياساً من النبي صلي الله عليه وسلم فلا ، ولا نسلم كونه قياساً من النبي صلي الله عليه وسلم ، وإنما يقيس كما قلنا من يجهل الحكم فيقيس علي أقرب شبيه ، والنبي عليه السلام يوحي إليه ، ومأمور أن يتبع الوحي لا غيره ، لا رأيه ولا قياسه ، قال تعالي : " لتحكم بين الناس بما أراك الله " أي بما يوحيه إليك ربك لا غيره ، فعلم أن كل جواب أجابه في مسألة إنما أجابه بوحي من الله لا من رأيه ولا قياسه ، وكذا قول الله تعالي :" واتبع ما يوحي إليك من ربك " أي لا غيره ، وقال تعالي : " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء " بل فقط ما أوحاه الله إليك ، فهذا الذي تستدلون به علي القياس ما هو إلا ضرب الأمثال للسائل ليفهم الجواب .
وقد سئل بأبي هو وأمي في مسائل كثيرة فسكت ولم يجب ، فما الذي جعله يقيس في مسائل ويسكت في مسائل عليه صلوات الله ، ولو جاز له القياس لقاس في الكل ،
ولو كانت معرفة العلل ومسالكها من الدين والشرع ، وتنقيح المناط من الدين والشرع ، لما سكت عليه الصلاة والسلام عن مسألة ، ولأجاب علي كل مسألة كما يفعل هؤلاء الأقزام الذين لا يتركون مسألة إلا أوجدوا لها حكما بقياسهم ،
أفعجز صاحب الرسالة عن هذا أم عجزت عقولكم عن فهم كون هذا تشبيهاً فسميتموه قياساً ؟ ، الأول ممنوع والثاني مسلم .
وانظر إلي فهم رجل من أمة محمد عليه السلام ومن أهل العلم فيها ، كيف فهم هذه الأحاديث ؟
هو محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه وغفر له ، ذكر حديث الرجل الذي ولدت امرأته الغلام الأسود وأراد أن ينتفي منه وبوب عليه ، فماذا سمي هذا الباب ؟
قال رحمه الله : من شبه أصلاً معلوماً بأصلاً مبيناً ليفهم السائل .
وانظر إلي ما قاله وبوب به علي حديث جابر المشهور :
( باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول : لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي ، ولم يقل برأي ولا بقياس ، لقوله تعالى : " بما أراك الله " ، وقال ابن مسعود : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية ) ،
ثم ساق الحديث : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت بن المنكدر يقول سمعت جابراً بن عبد الله يقول : مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فأتاني وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب الدفع علي فأفقت فقلت : يا رسول الله وربما قال سفيان فقلت أي رسول الله كيف أقضي في مالي كيف أصنع في مالي ؟ قال : فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث .
والمعلوم أن التي نزلت هي آية الكلالة ، فلم يقس عليه السلام علي شيء من نصوص المواريث وإنما سكت ، وهذا دليل علي أن هذا الذي يحتجون به كان ضرباً من ضرب الأمثال لا القياس كما زعموا ، وكل ما سئل فيه عليه السلام ولم يجب علي السائل دليل علي ذلك فتأمل .
وكذا بوب رحمه الله باباً أسماه : ذم الرأي وتكلف القياس ، فتأمل كلامه رحمه الله لتعلم كيف كان سلف الأمة يستنكر هذا المسمي بالقياس ، وسنورد مزيد من أقوالهم رضي الله عنهم في مكانه إن شاء الله سبحانه .
ه ـ ما روي عنه صلي الله عليه وسلم : عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : هششت يوماً فقبلت وأنا صائم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : صنعت اليوم أمراً عظيماً فقبلت وأنا صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم ؟ قلت : لا بأس بذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ففيم ) .
قالوا : هذا قياس منه عليه السلام .
أقول : هذا في الدلالة كسابقيه ، ليس من القياس في شيء ، وإنما من باب ضرب الأمثال ليفهم السائل ، ويدل عل هذا كل ما ورد في كتاب الله سبحانه لرسوله عليه السلام باتباع ما أنزل الله إليه ، والله سبحانه لم ينزل عليه أمراً بالقياس أبداً ، ومن خالف فليخرجه لنا لنراه من كتاب الله ولا سبيل إلي ذلك أبداً ، وإلا فمعني قولكم أن الله سبحانه وتعالي لما أمر النبي صلي الله عليه وسلم أن يتبع ما أنزل الله سبحانه إليه أخذ يقيس ! !
ثم أن هذا الحديث فيه مقال ، وليس له في الدنيا طريق إلا من طريق عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري عن جابر رضي الله عنه ،
قال الذهبي في الميزان : ( 5216 ) عبد الملك بن سعيد ، د ، س ، عن جابر قال : قال عمر : قبلت وأنا صائم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم ؟ ) قلت : لا بأس ، قال : ( فمه ) ، قال النسائي : هذا منكر رواه بكير وعثمان وهو مأمون عن عبد الملك ، فلا أدري ممن هذا .
ثم أن هذا لو ثبت لكان نافياً للقياس ! !
فأيهما أقرب وأشبه لقبلة الرجل لامرأته الجماع أم المضمضة ؟
لا شك أنه الجماع التي تعتبر القبلة من مقدماته ، ومع هذا لم يقس النبي عليه السلام علي الجماع الذي هو أقرب شبهاً ، بل ذكر أن حكم القبلة كالمضمضة ونفي ما ظنه عمر صواباً من قياسها علي الجماع .
سلمنا أن هذا قياس منه عليه السلام ، فهلا بين لنا كيف نقيس وعلي أي شيء نقيس ؟ ، وإذا اختلف أهل القياس وما أكثر اختلافهم كيف نفض هذا النزاع ؟
ألم يكن هذا من البيان المفترض الذي أمره الله به ؟
فهذا عمر عندكم قاس القبلة علي الجماع وأن حكمها حكم الجماع، فرد عليه السلام هذا وأخبره أن حكمها حكم المضمضة، ومع التسليم الفرضي أنه قياس فهذا يعني أن هناك قياس صحيح وقياس فاسد، فهل علمنا الله ورسوله كيف نميز بين صحيح القياس وسقيمه أم ترك كل مسلم يختار ما علي مقاسه من القياس ؟
فإذا قاس قائس مثلاً أدني المهر علي حد القطع بدعوي أن هذا عضو يستباح وذاك عضو يستباح ،
فرد هذا القياس قائس آخر قائلاً: الصواب قياسه علي حد الخمر لأن الظهر أيضاً عضو يستباح ،
فهل بين لنا الشرع الكامل التام الذي أراد به الله أن يبين لنا ، وبعث من أجله محمداً عليه الصلاة والسلام مبيناً ، هل بين لنا هذا الشرع كيفية الترجيح بين هذين القياسين ؟
وما اختلاف هذه الأقيسة إلا لأنها ليست من عند الله سبحانه ، ولو كان القياس من عنده سبحانه لما اعتراه كل هذا الخلاف .
و ـ ما روي عنه عليه السلام : عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها إنسان يستأذن في بيت حفصة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال رسول الله :( فلاناً ) لعم حفصة من الرضاعة،( الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ) .
قالوا : هذا قياس منه عليه السلام .
أقول : هذا والله هو الهوي الذي حذر منه رب الناس نبيه داود، فهذا نص من النبي عليه الصلاة والسلام حولوه غلي قياس ! !
ومثلهم كما قال زهيرٌ:
ومهما تكن عند امريءٍ من خليقة وإن خالها تخفي علي الناس تُعلَم
سلمنا أنه عليه السلامنها قاس الرضاعة علي الولادة ، فهلا قستم الرضاعة علي الولادة في كل شيء لم ينص عليه الشرع ؟
فندعوكم إلي إجراء جميع أحكام الولادة علي الرضاعة فيما سكت عنه الشرع !!
فأمروا التي ترضع أن تعتزل الصلاة والصيام حتي يرتفع لبنها ، قياساً علي النفساء من الولادة ! !
وأمروها أن تغتسل إذا انقطع اللبن لتصلي وتصوم كما تأمرون النفساء .
وكل حكم للنفساء من الولادة يجري علي المرضعة ! ! !
وهذا هو أقوي ما احتجوا به من سنة محمد صلي الله عليه وسلم ! !
لم يبق إلا دعوي الإجماع ! !
قالوا : أجمع أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم علي القياس :
قال ابن عقيل الحنبلي :
وقد بلغ التواتر المعنوي عن الصحابة باستعماله وهو قطعي .
وقال الصفي الهندي :
دليل الإجماع هو المعول عليه لجماهير المحققين من الأصوليين .
وقال الرازي في المحصول :
مسلك الإجماع هو الذي عول عليه جمهور الأصوليين .
وقال ابن دقيق العيد :
عندي أن المعتمد اشتهار العمل بالقياس في أقطار الأرض شرقاً وغرباً قرناً بعد قرن عند جمهور الأمة إلا شذوذ من المتأخرين ! ! !
وهذه والله مجازفة من ابن دقيق العيد والعكس هو الصواب كما ستري .
أقول : أما قولهم أجمع الصحابة عليهم رضوان الله علي القياس فمجازفة يدور قائلها بين كأسين أحلاهما مر ! !
إما الجهل بالآثار ، أو التدليس علي المسلمين لنصرة الهوي والمذهب والإمام والأصوليين والشيطان .
وكلاهما لا يقبل منه كلام في دين الله إما لجهله أو لجرحه .
عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح فإنك تقول : أثم هو ؟ فيقول : لا ) ، إنما هن أربع فلا تزيدن علي .
وهذا حديث صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وبعد أن رواه سمرة رضي الله عنه قال : إنما هن أربع فلا تزيدون عليّ ( علي قول من حكم بالوقف لهذه اللفظة ) .
وهذه الأسماء يلحق بها قياساً : سعد وأسعد وفرج وفرح ...وغيرها كثير .
فلو جاز القياس عند سمرة رضي الله عنه لما قال : إنما هن أربع فلا تزيدن عليّ ، خاصة وأن العلة واحدة ! !
والصحيح في هذه اللفظة أنها مرفوعة ، أي من قول النبي صلي الله عليه وسلم ، وهذا نهي صحيح صريح عن القياس !!
وروي شعبة عن الشيباني قال : سمعت ابن أبي أوفى يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر الأخضر ، قلت : فالأبيض ؟ قال : لا أدري .
وهذا إسناد صحيح أيضاً ، وهذا صحابي آخر لا يقيس ! !
ولو كان يقيس لقاس الأبيض علي الأخضر بيسر شديد ، كما تقيسون الأرز علي الشعير ، والفرج علي اليد .
وعن النزال بن سبرة قال : ما خطب عبد الله خطبة بالكوفة إلا شهدتها فسمعته يوماً وسئل عن رجل يطلق امرأته ثمانية وأشباه ذلك ، قال : هو كما قال ، ثم قال : إن الله أنزل كتابه وبين بيانه فمن أتى الأمر من قبل وجهه فقد بين له ومن خالف فوالله ما نطيق خلافكم .
فهذا ابن مسعود الذي لو خالفنا قوله في مسألة أقمتم الدنيا ولم تقعدوها يخبر أن البيان قد تم وانتهي ، وكل ما أراده الله فقد بينه ، فكل ما ليس في كتاب الله هو مخالفة لما جاء به محمد صلي الله عليه وسلم ، وهذا إبطال منه للقياس .
وعن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعاً من طعام أو صاعاً من أقط أو صاعا من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب ، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجاً أو معتمراً فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال : إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما عشت .
فهذا أبو سعيد ينكر قياس مدي سمراء الشام علي صاع التمر ويخالف رأي أمير المؤمنين ، ولو كان القياس جائزاً عنده لما خالف معاوية وهو أمير المؤمنين .
وهذه كلها لا مطعن فيها ، وأسانيدها صحيحة .
فهذا قليل من كثير يصعب جمعه واستقصاؤه من بطون الكتب وأسانيده صحيحة لا علة فيها ولا مطعن ، بخلاف الأسانيد السقيمة التي يستدلون بها !!
وعلي هذا الدرب المضيء سار أهل الحديث من بعدهم ، فذموا القياس والرأي وأصحابهما ، وكل هذا مدون في الكتب لمن أراد أن يعلم ويفهم .
روي الخطيب بسنده : أنشدني أبو عبد الله محمد بن زيد الواسطي حصول بن المعدل :
إن كانت كاذبة الذي حدثتني فعليك إثم أبي حنيفة أو زفر
المائلين إلى القياس تعمداً والراغبين عن التمسك بالخبر
وروي العقيلي وغيره عن علي بن المديني رحمه الله : قال سمعت يحيى بن سعيد يقول مر بي أبو حنيفة وأنا في سوق الكوفة فقال لي: تيس القياس ، هذا أبو حنيفة فلم أسأله عن شيء .
وروي ابن حبان في المجروحين بسنده : عن محمد بن يحيى البلخي قال حدثنا سفيان قال لما قعد أبو حنيفة قال مساور الوراق :
كنا من الدين قبل اليوم في سعة حتى بلينا بأصحاب المقاييس
قوم إذا اجتمعوا صاحوا كأنهم ثعالب صبحت بين النواريس
وعن يحيى بن عبد الله بن ماهان يقول سمعت هدبة بن عبد الوهاب يقول :
إذا ذو الرأي خاصم من قياس وجاء ببدعة هنة سخيفة
أتيناهم بقول الله فيها وآثار نبوءة شريفة
فكم من فرج محصنة عفيف أحل حرامها بأبي حنيفة
وعن داود بن أبي هند عن بن سيرين قال :
أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس .
وعن الشعبي عن مسروق إنه قال:
ثم إني أخاف وأخشى أن أقيس فتزل قدمي .
وعن إسماعيل عن الشعبي قال :
والله لئن أخذتم بالمقاييس لتحرمن الحلال ولتحلن الحرام .
وعن يوسف بن خالد قال قلت لعبيدة بن معتب هذا الذي ترويه عن إبراهيم سمعته منه ؟ قال سمعت البعض وأنا أقيس على البعض ، قلت : أنا أعرف بالقياس منك فحدثني بما سمعته حتى أقيس أنا فأنا أقيس منك .
وعن مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ليس عام إلا والذي بعده شر منه لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام ولا أمير خير من أمير ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فينهدم الإسلام وينثلم .
وعن طاووس عن عبد الله بن عمر قال العلم ثلاثة أشياء :
كتاب ناطق وسنة ماضية ولا أدري .
عن جابر بن زيد قال لقيني ابن عمر قال :
يا جابر إنك من فقهاء البصرة وستستفتى ، فلا تفتين إلا بكتاب ناطق أو سنة ماضية .
وعن إسماعيل عن عامر ثم انه كان يقول :
ما أبغض إلي أرأيت ، أرأيت ، يسأل الرجل صاحبه فيقول : أرأيت وكان لا يقايس .
وعن الزبرقان قال :
ثم نهاني أبو وائل أن أجالس أصحاب أرأيت .
وعن إسماعيل عن الشعبي قال :
لو أن هؤلاء كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لنزلت عامة القرآن يسألونك يسألونك .
وعن الشعبي قال :
شهدت شريحاً وجاءه رجل من مراد فقال يا أبا أمية مادية الأصابع ؟ قال : عشر عشر ، قال : يا سبحان الله أسواء هاتان جمع بين الخنصر والإبهام ، فقال شريح : يا سبحان الله أسواء إذنك ويدك فإن الإذن يواريها الشعر الكمأة والعمامة فيها نصف الدية وفي اليد نصف الدية ويحك إن السنة سبقت قياسكم فاتبع ولا تبتدع فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر ، قال أبو بكر : فقال لي الشعبي يا هذلي لو أن أحنفكم قتل وهذا الصبي في مهده أكان ديتها سواء ؟ قلت : نعم ، قال : فأين القياس ؟ !
وهذه أسانيد وإن كان في بعضها نظر إلا أن الكثير منها صحيح ، وترجمة أبي حنيفة وأصحابه لا يخلو منها كتاب من كتب المجروحين والمتروكين ، وهذا ليس إلا بسبب القياس والرأي ! !
ولمن أراد أن يستمتع بقراءة ترجمة الإمام الأعظم وأصحابه : الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، التاريخ الكبير للبخاري ، العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل ، المعرفة والتاريخ للفسوى ، المتروكون للنسائي ، المجروحون لابن حبان البستي ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي ، الضعفاء الكبير للعقيلي ، بحر الدم ، سؤلات البرذعي لأبي زرعة ، المتروكون للجوزجاني ، وغيرها من كتب الرجال لأفاضل المحدثين حملة الدين والذابين عن الشريعة .
ولكن همم طلبة الحق قد ماتت أو أوشكت ، فسلموا دينهم وعقولهم لمن ظنوهم أهل العلم والفضل ، ولو كبدوا أنفسهم بعض المشقة وفتحوا كتب الرعيل الأول لوجدوا كل شيء فيها مدون ، إذا أخطأ أحدهم رده الباقون إلي الصواب ، وتراجم هؤلاء أعني أصحاب القياس والرأي ثابتة بأسانيد الصحيحين في كتب الرجال ولا مطعن فيها ، وللشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله كتاب قيم جمع فيه ترجمة إمامهم فراجعه .
ونعود إلي أدلة القياس التي ظنوها أدلة ، وهي شبهات لا تدخل علي أصغر المنتسبين لعلم الحديث الشريف ، أعني علي طريقة المتقدمين ، أما المتأخرين منهم _ إن كانوا منهم _ فلا يجد أحدهم غضاضة في نفسه أن يقول بالقياس كما يقول الأصوليون في كتبهم ، وقد ثبت بالقطع لكل منصف أن هذه الأدلة لا تقوم بها حجة ، خاصة علي أصل من أصول التشريع الإسلامي ، ولو كانت هذه المسألة فرعية لما استطاع المثبت الإنكار علي النافي لعدم قطعية الأدلة ، فكيف وهي مسألة أصولية ينبني عليها من الفروع ما لا يحصي ؟ ! !
سلمنا أنكم لا تفرقون بين الصحيح والسقيم ، فاغتررتم بالأسانيد السقيمة التي تنقل الإجماع علي القياس ، فأين كانت هذه الأحاديث التي في الصحيحين والتي تثبت عكس ما ادعيتموه ؟ !
روي البخاري في صحيحه 5796 :
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع رسول الله إلى خيبر فسرنا ليلاً فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك قال وكان عامر رجلاً شاعراً فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداءً لك ما اقتفينا وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول الله : (من هذا السائق ؟) ، قالوا :عامر بن الأكوع ، فقال: (يرحمه الله) ، فقال رجل من القوم : وجبت يا نبي الله لو أمتعتنا به، قال : فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم إن الله فتحها عليهم فلما أمسى الناس اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة فقال رسول الله : (ما هذه النيران على أي شيء توقدون؟) ، قالوا :على لحم ، قال: (على أي لحم ؟) ، قالوا : على لحم حمر إنسية ،فقال رسول الله : ( أهرقوها واكسروها ) ، فقال رجل : يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها ؟ ، قال : ( أو ذاك ) ، فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر فتناول به يهودياً ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله شاحباً فقال لي : ( ما لك ؟) ، فقلت : فدى لك أبي وأمي زعموا أن عامراً حبط عمله ، قال: ( من قاله ؟ ) ، قلت: قاله فلان وفلان وفلان وأسيد بن الحضير الأنصاري ، فقال رسول الله : ( كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه إنه لجاهد مجاهد قل عربي نشأ بها مثله ) .
فهؤلاء الذين قالوا إن عامراً قد حبط عمله قاسوا قتله لنفسه بسيفه خطأً علي الإنتحار ، ففي كلا الحالتين يصيب نفسه ، وبأداة ، ويموت ، فأي شبه أكبر من هذا ؟
فأعلم النبي عليه السلام سلمة بن الأكوع أن هذا القياس باطل وأنه رغم التشابه الشديد بين الأمرين إلا أنهما يختلفان في الحكم ، وأبطل هذا القياس .
روي البخاري في صحيحه 340 :
حدثنا محمد بن سلام قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق قال كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعري فقال له أبو موسى: لو أن رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً أما كان يتيمم ويصلي فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد قلت: وإنما كرهتم هذا لذا ؟ قال: نعم ،فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة فذكرت ذلك للنبي فقال: (إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها ثم مسح بها ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه ثم مسح بها وجهه)، فقال عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟ وزاد يعلى عن الأعمش عن شقيق :كنت مع عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر أن رسول الله بعثني أنا وأنت فأجنبت فتمعكت بالصعيد فأتينا رسول الله فأخبرناه فقال: (إنما كان يكفيك هكذا ومسح وجهه وكفيه واحدة) .
فعمار رضي الله عنه لم يفعل شيئاً إلا القياس الذي تفعلونه ، بل أهون منه بكثير، ما فعل إلا أن قاس التمعك في التراب ليصيب ما ظهر من بدنه علي الغسل الذي يعمم به بدنه، فرد النبي عليه السلام هذا القياس وأعلمه بالحكم الصحيح .
وروي البخاري في صحيحه 208 :
حديثا يحيى بن بكير وقتيبة قالا حديثا الليث عن عقيل عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس أن رسول الله شرب لبناً فمضمض وقال إن له دسماً .
تابعه يونس وصالح بن كيسان عن الزهري .
وهذا من أصح أحاديث الدنيا إسناداً !!
ومن هذا الحديث أن السنة لمن أراد بعد شرب اللبن أن يتمضمض الشارب من دسم هذا اللبن كما فعل عليه السلام .
وروي رحمه الله في صحيحه 204 :
حديثا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس أن رسول الله أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ .
وروي رحمه الله في صحيحه 205 :
حديثا يحيى بن بكير قال حديثا الليث عن عقيل عن بن شهاب قال أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية أن أباه أخبره أنه رأى رسول الله يحتز من كتف شاة فدعي إلى الصلاة فألقى السكين فصلى ولم يتوضأ .
وروي رحمه الله في صحيحه 207 :
حديثا أصبغ قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عمرو عن بكير عن كريب عن ميمونة أن النبي أكل عندها كتفاً ثم صلى ولم يتوضأ .
وكتف الشاة ليس بأقل دسماً من اللبن !! ، ولم يتمضمض منه عليه السلام ، والقياس في هذا أن يتمضمض لأن الدسم موجود في اللبن وأيضاً موجود في لحم الشاة ، فلما لم يتمضمض عليه السلام من دسم لحم الشاة عُلِم أن المتشابهات لا تتفق في الحكم إلا بنص من الشارع سبحانه أو رسوله عليه السلام .
وقد ثبت لدينا نحن وبما ذكرناه أن القياس لم يثبت لا بكتاب ولا بسنة ولا بإجماع المسلمين ، بل كاد العكس أن ينعقد عليه الإجماع ، أي ذم القياس والرأي ! !
لم يبق إلا التشغيب والتشنيع ! !
نعم ، كل مؤمن بكتاب الله وسنة رسوله إذا ثبت عنده بطلان أدلة مسألة ما ، استسلم لله ولرسوله عليه السلام ، أما الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا فلا يستسلمون أبدا ، بل يروغون روغان الثعالب ، فإذا ثبت عدم دلالة الأدلة علي المدلول محل البحث أخذوا يموهون بشبهات عقيمة سقيمة من قلوب مريضة .
وهذه الشبهات كلها مدارها علي جعل الفرع الذي هو مبني علي الأصل دليلاً علي ذات الأصل ! !
فيأتي بعدة مسائل من مسائل القياس ثم يقول : كيف ستحكم فيها بدون قياس ؟
وهذا منتهي التدليس علي الناس وعلي أنفسهم ! !
نعم ، فلما استيأسوا خلصوا نجياً فقالوا : الفروع هذه لو لم نجد لها نصوص فهي دليل علي القياس لأنها لا حكم لها إلا بالقياس ! !
إن هذا لشيءٌ عجاب ! !
فكيف يجعل عاقل الفروع دليلاً علي أصل ، وهي لم تصبح فروعاً لهذا الأصل إلا بعد ثبوته بالأدلة ؟
تمويه واضح ، وتشغيب فاسد ، أعوذ بالله من الأهواء وأهلها .
ومن هذه التمويهات قولهم أن الله سبحانه لم يحرم ضرب الأمهات والآباء ولا سبهم ، وإنما حرم قولة ( أف ) فقط ، وقد حرم أهل القياس الضرب والسب بالقياس علي قولة أفٍ ، فهل تجوزون ضرب الأمهات والآباء لعدم وروود النص به ؟ ، إما أن تقولوا بهذا أو تحرموه بالقياس فتعودوا إلي قولنا وتتركون قولكم بنفي القياس .
أقول : هذه واحدة من شبههم ، التي أفرزتها المدارس الكلامية والدراسات الفلسفية ، وهي مبنية في الأصل علي فكرة جعل الفرع دليلاً علي الأصل ، فكأن الفرع أقوي من الأصل ، وهي نظرية والحق يقال من الحماقة بمكان .
فالمسلم العاقل يبحث عن أدلة القياس من الكتاب والسنة ، فإن ثبتت أخذ بالقياس وعمل به في كل مسائله ، وإن لم تثبت ترك الأخذ به وانتهي الأمر .
وضرب الوالدين وسبهما لا يجوز في دين الله الذي بعث به رسوله عليه السلام ، ولكن للنصوص الشرعية ، أي نصوص الكتاب والسنة ، وصدق شريح رحمه الله لما قال لواحد من أصحاب الرأي : إن السنة سبقت قياسكم .
وكعادة أهل الريب والتدليس يأتون بجزء من الدليل ، فالآية تقول " وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " ، فهل أمر سبحانه فقط ألا نقول لهما أف ؟ ؟
أم أمر بالإحسان إليهما ، ونهي أن ننهرهما ، وأمر أن نقول لهما قولاً كريماً ، أأمر بخفض جناح الذل لهما ؟ ؟ ، والدعاء لهما أيضاً ! !
وهذا كالذي يقول لك : قال الله تعالي ( وأنتم سكاري ) ، فذكر ( السكاري ) في كتابه !!
وقال تعالي " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً علي وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً " ، فقال سبحانه : إن أمراك بالشرك فلا تطعهما ولكن عاملهما بالمعروف ! !
والمعروف لا يدخل فيه الإمتناع عن قولة أف وحدها كما هو معلوم .
وكذا ما ورد من حديث النبي صلي الله عليه وسلم في صحيح السنة :
ـ عن أبي عمرو الشيباني قال أخبرنا صاحب هذه الدار وأومأ بيده إلى دار عبد الله قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : ( الصلاة على وقتها ) ، قال : ثم أي ؟ قال : ( ثم بر الوالدين ) ، قال : ثم أي ؟ ، قال : ( الجهاد في سبيل الله ) ، قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني .
ـ عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( أمك ) ، قال : ثم من ؟ قال : ( ثم أمك ) ، قال : ثم من ؟ ، قال : ( ثم أمك ) ، قال : ثم من ؟ ، قال : ( ثم أبوك ) .
ـ عن وراد عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ووأد البنات ، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) .
ـ عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد ، فقال : ( أحي والداك ؟ ) ، قال : نعم ، قال : ( ففيهما فجاهد ) .
ـ عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري أن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال : ( هل لك أحد باليمن ؟ ) ، قال : أبواي ، قال : ( أذنا لك ؟ ) ، قال : لا ، قال : ( ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما ) .
ـ عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر : أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه ، فقال ابن دينار فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير ، فقال عبد الله : إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه ) .
ـ عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي ؟ قال : ( نعم صلي أمك ) .
فكل هذا لا يدل علي المراد ، والذي يدل عليه هو قياسكم العفن أليس كذلك ؟
فتأمل تلك النصوص السابقة لتعلم أن ما ظنوه دليلاً لهم هو دليل جهلهم بالسنة النبوية علي صاحبها السلام ، وهل يؤتي أحد إلا من قبل جهله بالسنة ؟ !
ولو شئنا أن نقول في الآية التي احتججتم بها علينا أن الله سبحانه نبه بالأدني علي الأعلي لقلنا ، ولم نرد هذا لأن بعضهم يسميه قياساً ، وإن كان ليس بقياس .
ونسألكم : هل أراد الله سبحانه وتعالي بهذه النصوص المنع من سب الوالدين وضربهما أم لا ؟
فإن قلتم نعم ، حدث المطلوب ونقضتم أصلكم الفاسد في الإحتجاج علي ما يسمي بالقياس .
وإن قلتم : لا ، شهدتم علي أنفسكم أنكم تحرمون ما لم يرد الله سبحانه تحريمه ! !
ومن ما موهوا به أيضاً قولهم : قال الله تعالي " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم " ولم يذكر بنات البنت أو بنات الإبن وكذا لم يذكر الجدات ، فبأي شيء أدخلتم بنات الإبن وبنات البنت والجدات في التحريم ؟
هذا لا يكون إلا بالقياس .
أقول شبهة أخري عقيمة ، تحتاج إلي قلب مريض ، لتعشش فيه ، ثم تبيض وتفرخ وتتكاثر ، والنص القرآني خير دليل في المسألة من غير قياس ولا رأي ، وكيف يجيز عاقل مسلم مؤمن هذا وهو محرم بالكتاب والإجماع ؟
قال تعالي " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة " ، والقول متجه لكل بني آدم إلي يوم القيامة فسماهم أبوين للبشر ، مع أن آدم عليه السلام هو الجد الأكبر لنا وليس أباً ، فصح أن الأب مهما علا فهو أب ، وكذا قوله تعالي " ملة أبيكم إبراهيم " فسماه أباً لنا مع أنه جد وليس أباً .
فصح أن لفظة الأب تطلق علي الجد وجد الجد إلي آدم عليه السلام .
ونسأل : ماذا أراد الله أن يحرم لما أنزل هذه الآية ، هل أراد أن يحرم الأب مهما علا والأم مهما علت وأبنا وبنات الأبناء والبنات مهما سفلوا أم أراد أن يحرم ما نص عليه فقط ؟
فإن شهدتم أنه أراد أن يحرمهم كلهم نقضتم قولكم أنهم حرموا بالقياس .
وإن شهدتم أنه سبحانه لم يرد تحريمهم بهذه الآية أقررتم أنكم تحرمون ما لم يرد الله تحريمه بقياسكم ، وتكفي منكم هذه الشهادة .
وهكذا عامة ما شغبوا به علي أتباع حديث النبي صلي الله عليه وسلم ، شبهات لا تحتاج إلي كبير جهد لردها ، ولو شئنا لألزمناكم القياس في مسائل منها قوله صلي الله عليه وسلم : ( لعن المؤمن كقتله ) وهو حديث صحيح لا مطعن فيه ، فهلا قستم اللاعن علي القاتل ؟ !
ولم لا ؟ ، وهذا التشبيه صادر من المعصوم الذي لا ينطق عن الهوي ، الذي أوتي جوامع الكلم ، الذي لا يتكلم إلا بوحي ! !
أي أن تشبيه اللاعن بالقاتل ، أو اللعن بالقتل وحيٌ من الله سبحانه من فوق سبع سماوات !!
فإن قلتم إننا لا نقيس في الحدود ولا في الكفارات ،
سألناكم من الذي أذن لكم أن تقيسوا في غير الحدود والكفارات وتمتنعوا في الحدود والكفارات ؟ ! ، آلله أذن لكم ، أم علي الله تفترون ؟ !
فالذي يقول أن القياس من الشرع لا يسوغ له أن يفرق بين الحدود والكفارات وغيرها إلا بدليل من الشرع أيضاً ، هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ؟ !
وإلا فما زعمتموه من الأمر بالقياس الشرعي لم يفرق بين الحدود والكفارات وغيرها ! !
ثم أن الشافعية خالفوا في هذا ، فقاسوا في الكفارات ! !
والآن ما حكم اللاعن ؟
وهل ستفرقون بين لعن العمد ولعن الخطأ قياساً ؟ !
ولعن المؤمن ولعن الكافر قياساً ؟؟
ثم تفرقون بين المؤمن من قوم عدو وغيره ؟؟؟؟؟
أم ستخرجون لنا دليلاً يقول : قيسوا إلا في الحدود والكفارات ؟ !
هذا مثال واحد ، ولو شئنا لألزمناكم آلاف الأمثلة التي لا تستطيعونها ، والله المستعان وبه الثقة .
ولكننا لا نستدل بالفروع علي الأصول ، وإنما نبحث الأدلة فإن ثبت الأصل بنينا فروعه ، وإلا فلا .
وخير مرجع لمن أراد للوقوف علي شبههم وردودها ، وعلي الإلزامات التي يلزم بها أهل القياس : إحكام الإحكام و المحلي كلاهما لابن حزم الأندلسي رحمه الله وعفا عنه .
ولمن أراد أن يري تناقض أهل القياس والرأي فليراجع صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالي وعفا عنه ، ويقرأ الأبواب بعناية ليري كيف كان يرد علي أصحاب الرأي والقياس بتبويباته القيمة رحمه الله وعفا عنه .
وبهذا البحث الميسر لأدلة القياس عند القائلين به ظهر أنها لا ترقي إلي درجة الأدلة وإنما هي شبهات ،
ولو كان القياس من الشرع لكان الأمر به بينا ، كما كان الأمر باتباع النبي صلي الله عليه وسلم وطاعته بينا ، وكذا الأمر بإقامة الصلاة ، والأمر بالصيام ، والنهي عن الكذب ، والأمر بالإحسان إلي الجار ، والأمر بالتفسح في المجالس ، والأمر بتشميت العاطس ، والنهي عن الخذف ، والأمر برد السلام ، والنهي عن طرق الأهل ليلا ، والأمر بالسواك ، والأمر بحق الطريق ، والنهي عن الهجر ، والأمر بحسن الخلق ، وإكرام الضيف ،
وبر الوالدين ، والأمر بالرفق بالزوجة ، وآلاف من الأوامر والنواهي الشرعية التي وردت في كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام ، فكيف يكون هذا هو بيان المصدر الرابع من مصادر التشريع الذي شهد الله له بالكمال ، والقياس لو كان مصدرا للتشريع كما ظنوا لكان أعظم خطراً عند الله سبحانه من الخذف وتحقير فرسن الشاة والتفسح في المجالس ! !
فكيف تكون أدلته بهذا الخفاء والغموض والإحتمالية ؟ !
فالدليل إما غير ثابت كالأحاديث الضعيفة ، وإما لا دلالة فيه علي الأمر كالآيات التي استدلوا بها ، وإما تحتمل التأويل ، بل الراجح أن تحميلها لدلالة القياس هو الذي يدخل في باب التأويل ! !
فكيف يكون هذا ؟ !
والله سبحانه وتعالي يقول " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول " ، ونزاع أهل القياس من أسهل الأمور ، فكل ما عليك أن تسأله : ما الذي جعل القياس علي هذا أولي من القياس علي ذاك ؟
فإذا نظرنا مثلا إلي مسألة أدني المهر التي ذكرناها من قبل :
قال ناس : أدني المهر ما تقطع فيه اليد ، لأن الفرج عضو يستباح بالمهر ، فلا يستباح بأقل ما يستباح به عضو آخر ، واليد تستباح وتزول حرمتها بالسرقة فتقطع ، فيكون أقل المهر هو ما يوجب القطع ! !
فقال ناس آخرون : لا ، بل أدني المهر ما يستحل به الظهر عند الجلد ، لأن الظهر عضو أيضاً ، والظهر إلي الفرج أقرب ، كما أنه لا يقطع فالفرج أيضا لا يقطع ، وهذا يجعل القياس علي الظهر أولي من القياس علي اليد ! ! !
فهؤلاء قد اختلفوا ، والله سبحانه وتعالي أمر أن نرد الأمر إلي الله سبحانه ورسوله صلي الله عليه وسلم عند الاختلاف ، فما الذي أنزله عز وجل من سماواته العلا أو صح عن نبيه عليه السلام ينهي هذا النزاع ؟
يبين لنا كيف نرجح قياس علي قياس ؟
كيف نرجح علة علي علة ؟
يبين لنا مسالكها ؟
يعلمنا كيف ننقح المناط ؟
ومتي يطرد الحكم مع اطراد العلة ومتي لا يطرد ؟
فإذا بحثنا في نصوص الوحيين فلم نجد ما يرشدنا إلي ذلك ، تيقنا أنه باطل وليس من عند الله وأنه من وضع بني البشر لا علاقة له بالله سبحانه ولا رسوله عليه السلام ، ولا نزل به جبريل الأمين .
وكيف نحتاج إلي القياس وقد حرم الله شرب الدخان والشيشة والغليون وغيره بالوحي ولم تكن قد عرفت بعد ؟ !
قال تعالي : " ويحرم عليهم الخبائث " ، فهذا من عمومات النصوص التي يدخل فيها كل خبيث إلي يوم القيامة .
وحرم سبحانه الحشيش والبانجو والكوكايين والويسكي والكحول وكل أنواع المسكرات التي ستحدث إلي يوم القيامة بعمومات النصوص ، عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( كل مسكر حرام ، وكل مسكر خمر ) ، وكل هذه الأنواع لم تكن ظهرت ومع هذا حرمها الحكيم الخبير .
وأما من يسمون الإلحاق بعمومات النصوص قياساً ، فإن الخلاف معهم خلاف لفظي لا غير .
نسأل الذين يقولون إن النصوص لا تفي بعشر معشار الأحداث ، ( هذا الكلام منسوب لإمام الحرميين ) ، هل أراد الله سبحانه أن يحرم هذه الأشياء بتلك النصوص أم لا ؟ ! !
ونسألهم من الذي أنزل النصوص ؟
ومن الذي خلق الأحداث ؟
أكان الذي أنزل تلك النصوص يعلم أن تلك الأحداث ستقع أم لا ؟ !
سبحان الله عما يصفون .
وقد أنكر سبحانه وتعالي عل قوم قياسهم البيع علي الربا
يقول الشوكاني رحمه الله في إرشاد الفحول :
وانهض ما قالوه من الأدلة العقلية : أن النصوص لا تفي بالأحكام ، فإنها متناهية والحوادث غير متناهية .
ويجاب عن هذا بما قدمناه من إخباره عز وجل لهذه الأمة بأنه قد أكمل لها دينها ، وبما أخبرها به رسوله صلي الله عليه وسلم من أنه تركها علي الواضحة التي ليلها كنهارها .
ثم لا يخفي علي ذي لب صحيح ، وفهم صالح أن في عمومات الكتاب والسنة ومطلقاتهما وخصوص نصوصهما ما يفي بكل حادثة تحدث ، ويقوم ببيان كل نازلة تنزل ، عرف ذلك من عرفه ، وجهله من جهله .
ثم انظر كم هدم القياس من سنة ، وكم شرع من شرعة ، وكم رد من نص صحيح ، فقط انظر إلي موطأ مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني لتري كم جني الرأي والقياس علي الإسلام :
1 ـ مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ) إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) .
قال الشيباني : هذا حسن ! ! ، وهكذا ينبغي أن يفعل ، وليس من الأمر الواجب الذي إن تركه تارك أثم ، وهو قول أبي حنيفة .
أقول : فبأي شيء حكم أنه ينبغي أن يفعل ؟ وبأي شيء قال : ليس من الأمر الواجب ؟ بحديث آخر أم بقاعدة وضعها هو وإمامه والشيطان ؟
2 ـ مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن : أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله .
قال الشيباني: وبهذا نأخذ، نتبعه إياه غسلاً حتي ننقيه، وهو قول أبي حنيفة !!
أقول: هذا هو الرأي والقياس، محمد بن عبد الله عليه السلام لم يغسله، أما هو وإمامه ومن تبعه فسيغسلوه ، ويقول: بهذا نأخذ !!
3 ـ مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن عمراً بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضاً، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع ؟، فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد علي السباع وترد علينا .
قال الشيباني: إذا كان حوض ماء عظيم إن حركت منه ناحية لم تتحرك الناحية الأخري لم يفسد ذلك الماء ما ولغ فيه من سبع، ولا وقع فيه من قذر، إلا أن يغلب علي ريح أو طعم، وإذا كان حوضاً صغيراً أن حركت منه ناحية تحركت الناحية الأخري فولغت فيه السباع أو وقع فيه القذر فلا يتوضأ منه، وهذا كله قول أبي حنيفة .
أقول: ومن يستطيع هذا غيره أو الشيطان ؟ ؟ ، وعمر رضي الله عنه يقول : فإنا نرد علي السباع وترد علينا ، وهو يفصل في مقاس الحوض ومواصفاته !! ، والقدرة علي تحريك ماء الجانب الآخر من الحوض تتفاوت ما بين الشيخ الكبير ، والرجل الشاب ، والمرأة ، والطفل ، فيجوز ولا يجوز في ذات الوقت استخدامه تبعاً لمن يقوم بتحريك الماء !!
في أي دين هذا ؟!
4 ـ مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أصلاتان معاً ؟ )، وذلك في صلاة الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح .
قال الشيباني: يكره إذا أقيمت الصلاة أن يصليّ الرجل تطوعاً، غير ركعتي الفجر خاصة، فإنه لا باس بأن يصليهما الرجل، وإن أخذ المؤذن في الإقامة، وكذلك ينبغي، وهو قول أبي حنيفة .
أقول: هذه هي نتيجة الرأي والقياس !!، منتهي التناقض، رد للأحاديث بيسر شديد، فكل صاحب رأي مشرع آخر بعد النبي صلي الله عليه وسلم، فكيف استثني هذا الرجل ركعتي الفجر من الكراهة التي ذكرها ؟!!، بأي دليل ؟
5 ـ مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )، وقال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين .
قال الشيباني: وبهذا نأخذ، ينبغي إذا فرغ الإمام من أم الكتاب أن يؤمّن ويؤمّن من خلفه ولا يجهرون بذلك، أما أبو حنيفة فقال: يؤمّن من خلف الإمام ولا يؤمّن الإمام .
أقول: فكيف وبأي دليل رد قول النبي صلي الله عليه وسلم وشرّع هو لأمة الإسلام ؟!
6ـ مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ) .
مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأرمقن الليلة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فتوسدت عتبته أو فسطاطه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلي ركعتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دونهما، ثم صلى ركعتين دونهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر .
مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى بن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات ليلة ثم ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة وأضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلق فتوضأ منه، ثم قام يصلي، قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر، ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح .
مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كان يقول : ( صلاة المغرب وتر صلاة النهار ) .
قال الشيباني : صلاة الليل عندنا مثني مثني ، وقال أبو حنيفة : صلا الليل إن شئت صليت ركعتين ركعتين ، وإن شئت أربعاً ، وإن شئت صليت ستاً، وإن شئت ثمانياً، وإن شئت ما شئت بتكبيرة واحدة، وأفضل ذلك أربعاً أربعاً !!
وأما الوتر: فقولنا فيه وقول أبي حنيفة واحد ، الوتر: ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بتسليم !!
أقول: أصبح الدين عندنا وعندكم، ولن أعلق علي عدد الركعات التي ذكرها النعمان بن ثابت لأنها وردت في حديث ضعيف، فربما ترك هذه الأحاديث الصحيحة واحتج بالضعيف ، لكنه لم يستح فقال : أفضل ذلك أربعاً أربعاً !!
أفضل من ما فعله من ؟!
أفضل من ما جاء به محمد صلي الله عليه وسلم ؟!
ثم يقول الشيباني أنه قولهم في الوتر واحد، ثلاث ركعات لا يفصل بينهما بتسليم، ابن عبد الله عليه السلام يقول: ( فليصل ركعة واحدة )، وهذا المكابر يقيس وتر الليل علي وتر النهار !!
سلمنا ثبوت القول عن ابن عمر، فهل يجوز القياس مع ورود النص النبوي الصحيح بخلافه ؟!
والسند هو نفس السند !!
فبأي شيء يرد كلام النبي صلي الله عليه وسلم ويأخذ قول ابن عمر رضي الله عنه ويجعل الوتر ثلاث ركعات؟ وكلاهما ورد بنفس الإسناد !!، فترك المرفوع واحتج بالموقوف !!
هلا نحيت رأيك جانباً وأخبرتنا عن السنة ؟
فالله تعالي يقول: " أهل الذكر " أي أهل القرآن والحديث، فهلا أخبرتنا عن القرآن والحديث ونحيت رأيك جانباً ؟!
7ـ مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة بادرة ذات مطر يقول: ( ألا صلوا في الرحال ) .
قال الشيباني: وهذا حسن، وهو رخصة، والصلاة في الجماعة أفضل !!
أقول: الذي يعلم الأفضل هو من ينزل عليه الروح الأمين عليه السلام، والأفضل في البرد والمطر ما أنزله الله من فوق سماواته علي رسوله الكريم عليه السلام، ألا وهو الصلاة في الرحال، وكل هذه المخالفات بالقياس والرأي .
8 ـ مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس .
قال الشيباني: هذا تطوع، وهو حسن، وليس بواجب .
أقول: تعودنا خلافكم لمحمد صلي الله عليه وسلم .
9ـ مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة .
قال الشيباني: أما أبو حنيفة فكان لا يري في الإستسقاء صلاة !!
أقول: من الذي أعطاه الحق أن يري؟ وأن يفصل ويشرع ويقبل هذا ويرد ذاك؟ ، كأن له دين وحده يري ويحب ويستحسن !!!
10 ـ مالك عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟، قالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يطهره ما بعده ) .
قال الشيباني: لا بأس بذلك ما لم يتعلق الذيل بالقذر فيكون أكثر من قدر الدرهم الكبير المثقال ، فإذا كان كذلك فلا يصلين فيه حتي يغسله، وهو قول أبي حنيفة .
أقول: يتكلم هو وإمامه وكأن مهمة بيان الدين قد وكلت إليهما !!
ويشرعون استدراكاً علي الله سبحانه وعلي رسوله عليه السلام ، فهذا حسن، وهذا يصلح ، وهكذا، انظر إليه يخصص بكلامه الذي ليس بشيء عموم السنة، فإن بلغه عن محمد عليه السلام أنه خصص قوله تعالي " فاقرؤا ما تيسر منه " بقوله صلي الله عليه وسلم ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ) رد قول النبي صلي الله عليه وسلم ولم يقبله، وإذا قال عليه السلام ( يطهره ما بعده )، قيده هو بمقدار الدرهم الكبير المثقال !!!
11 ـ مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كم سقت إليها؟ ) ، فقال: زنة نواة من ذهب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أولم ولو بشاة ) .
قال الشيباني: وبهذا نأخذ، أدني المهر عشرة دراهم ما تقطع فيه اليد، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا .
أقول: فمن الذي أعطي هؤلاء حق تحديد المهور وقياس الفروج علي الأيدي ، من الذي أعطاهم حق التشريع والزيادة في دين الله ؟!
12 ـ مالك عن الزهري عن عامر بن سعد بن مالك عن أبيه قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع من مرض أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال: ( لا )، قال: فأتصدق بشطره: قال: ( لا )، قال: ( الثلث يا سعد والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولست بنافق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا آجرك الله بها حتى اللقمة تجعلها في فم امرأتك )، قلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟، قال: ( إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة )، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفي بمكة .
قال الشيباني: الوصايا جائزة في ثلث مال الميت بعد قضاء دينه، وليس له أن يوصي بأكثر من ثلثه، وإن أوصي بأكثر من ثلثه فأجازته الورثة بعد ذلك فهو جائز، وليس لهم أن يرجعوا بعد إجازتهم، وإن ردوا رجع ذلك إلي الثلث، لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( الثلث والثلث كثير )، فلا يجوز لأحد وصية بأكثر من الثلث إلا أن يجيزوا الورثة، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا .
أقول : فأجاز للورثة أن يخالفوا ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام، وأن يجيزوا الوصية بأكثر من الثلث !!
وبعد هذا يقول: لأن النبي قال !!
حقاً أما زلت تذكر أنه نبي؟ وأنك فرد المفترض فيك أنك من أمته ؟!!
13 ـ مالك عن بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره )، ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم .
يقول الشيباني: وهذا عندنا علي وجه التوسع من الناس بعضهم علي بعض، وحسن الخلق، فأما في الحكم فلا يجبرون علي ذلك .
أقول: هذا عندهم، نعم في دينهم، في ملتهم، في شريعتهم، أما عندنا في أمة محمد عليه الصلاة والسلام فنقول: سمعنا وأطعنا، ونحكم به بيننا ولا نجد في صدورنا حرجاً من قول رسول الله صلي الله عليه وسلم، وتأمل جراءتهم !!
هذا من باب حسن الخلق !!
أما في الحكم فلا !!
إذن من سيحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ؟!
أنتم ؟!
لقد أرسل الله سبحانه رجلاً واحد ليحكم بين الناس ، لا برأيه ولا قياسه ، ولكن بما أراه الله .
وهكذا ساروا ، تارة يردون الحديث بالقياس ، وتارة بحديث ضعيف، وتارة بأثر، وتارة يقولون لم يبلغنا الحديث .....
ظلمات بعضها فوق بعض !!
لمزيد من وضوح الرؤيا: موطأ مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني ، مصنف ابن أبي شيبة كتاب الرد علي أبي حنيفة ، صحيح البخاري كتاب الحيل وغيره .
لذا فلا تتعجب بعد هذا إن فتحت أي كتاب من كتب المتقدمين من أهل الحديث فرأيتهم يطعنون في هؤلاء :
ـ قال ابن الجوزي :
النعمان بن ثابت أبو حنيفة قال سفيان الثوري ليس بثقة ، وقال يحيى بن معين : لا يكتب حديثه ، وقال مرة أخرى : هو أنبل من أن يكذب ، وقال النسائي : ليس بالقوي في الحديث وهو كثير الغلط والخطأ على قلة روايته ، وقال النضر بن شميل : هو متروك الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه غلط وتصحيف وزيادات وله أحاديث صالحة وليس من أهل الحديث .
فكيف يكون رجل كهذا إماماً ؟ !
قليل الحديث وعامة حديثه خطأ ، فكيف يفتي ؟
ـ قال البخاري :
نعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي كان مرجئاً ، سكتوا عنه وعن رأيه وعن حديثه .
ـ قال أحمد بن حنبل :
في رواية إبراهيم بن هانىء اترك رأي أبي حنيفة وأصحابه .
وقال محمد بن روح العكبري سمعت أحمد يقول : لو أن رجلاً ولي القضاء ثم حكم برأي أبي حنيفة ثم سئلت عنه لرأيت أن أرد أحكامه .
وقال في رواية عمرو بن معمر : إذا رأيت الرجل يجتنب رأي أبا حنيفة والنظر فيه ولا يطمئن إليه ولا إلى من يذهب مذهبه ممن يغلو ولا يتخذه إماماً فأرجو خيره .
وقال في رواية ابن إبراهيم : وقد سئل يروي عن أبي حنيفة ؟ ، قال : لا ، قيل : فأبو يوسف ؟ ، قال : كان أمثلهم ، ثم قال : كل من وضع الكتب فلا يعجبني ويجرد الحديث .
قال مسلم :
فأما رواية أبي سنان عن علقمة في متن هذا الحديث إذ قال فيه إن جبريل عليه السلام حيث قال : جئت أسألك عن شرائع الإسلام ، فهذه زيادة مختلفة ليست من الحروف بسبيل وإنما أدخل هذا الحرف في رواية هذا الحديث شرذمة زيادة في الحرف مثل ضرب النعمان بن ثابت وسعيد بن سنان ومن يري الإرجاء نحوهما وإنما أرادوا بذلك تصويبا في قوله في الإيمان وتعقيد الإرجاء ، وذلك ما لم يزد قولهم إلا وهنا وعن الحق إلا بعدا إذ زادوا في رواية الأخبار ما كفى بأهل العلم والدليل على ما قلنا من إدخالهم الزيادة في هذا الخبر أن عطاء بن السائب وسفيان روياه عن علقمة فقالا : قال يا رسول الله : ما الإسلام ؟ ، وعلى ذلك رواية الناس بعد مثل سليمان ومطر وكهمس ومحارب وعثمان وحسين بن حسن وغيرهم من الحفاظ كلهم يحكي في روايته أن جبريل عليه السلام قال : يا محمد ما الإسلام ؟ ، ولم يقل : ما شرائع الإسلام كما روت المرجئة ،
وتأمل قول مسلم رحمه الله تعالي : ( وإنما أدخل هذا الحرف في رواية هذا الحديث شرذمة زيادة في الحرف مثل ضرب النعمان بن ثابت وسعيد بن سنان ومن يري الإرجاء نحوهما وإنما أرادوا بذلك تصويبا في قوله في الإيمان وتعقيد الإرجاء ، وذلك ما لم يزد قولهم إلا وهنا وعن الحق إلا بعدا إذ زادوا في رواية الأخبار ) .
وهذا اتهام بالوضع من إمام من أئمة الحديث الكبار لا يمكن تجاهله .
قال ابن حبان :
كان رجلاً جدلا ظاهر الورع لم يكن الحديث صناعته حدث بمائة وثلاثين حديثا مسانيد ما له حديث في الدنيا غيره أخطأ منها في مائة وعشرين حديثا إما أن يكون أقلب إسناده أو متنه من حيث لا يعلم فلما غلب خطؤه على صوابه استحق ترك الاحتجاج به في الأخبار ، ومن جهة أخرى لا يجوز الاحتجاج به لأنه كان داعيا إلى الإرجاء والداعية .
فهذه نماذج من أقوال أهل الحديث فيه ، ولا تحسب أقوالهم في محمد بن الحسن وزفر وأبي يوسف وكل أهل الرأي أفضل من ذلك ، فكلهم في بوتقة واحدة .
هل علمت الآن لم تكلم فيه أهل الحديث هو ومن سلك مذهبه ؟ !
ليس لغيرتهم منه كما يقولون ، ولكن لغيرتهم علي محمد صلي الله عليه وسلم .
وكيف يغار أحمد الذي يحفظ ما يقرب من مليون حديث من أبي حنيفة الذي ليس له في الدنيا إلا مائة وثلاثون حديثا ! !
والبخاري أمير المؤمنين في الحديث يغار منه ! !
ومسلم صاحب الصحيح يغار منه ! !
والحق أن كل هؤلاء إنما طعنوا في مذهبه ورأيه وعقيدته وهو ومن علي شاكلته من أصحاب الرأي والقياس ذبا عن الشريعة الإسلامية ، لأنهم رأوه ورأوهم خطراً داهماً عليها ، فتنبه .