ثانياً أهم المشتغلين بعلم علل الحديث:
كما سبق وذكرنا فإن الذين اشتغلوا بطلب الحديث وروايته عبر عمر هذه الأمة يزيدون الخمسين ألفاً من المحدثين رحمهم الله تعالي، وهؤلاء رحمهم الله تفاوتوا كما يتفاوت كل بني آدم في القدرات العقلية والذهنية والمقدرة علي الحفظ والاسترجاع .
وهذا لا شك فيه عند كل عاقل .
فمنهم من يحفظ المائة حديث بالكاد، وإذا أملاها أخطأ في عامتها، فغير الأسانيد، ووصل المرسل، ورفع الموقوف، وهذا كثير مثاله في كتب الجرح والتعديل التي اهتمت بذكر حال الرجال من حيث الإحتجاج من عدمه .
ومنهم من يحفظ عشرة آلاف حديث يسردها سرداً !!
لا يدخل إسناداً في متنٍ !!
ولا يبدل رجلاً برجلٍ !!
ولا يصل مرسلاً !!
ولا يرفع موقوفاً !!
وليس معني هذا أنه معصوم من الخطأ في الحديث، أو أنه لا يخطيء، لكنه إذا أخطأ وجدنا أقرانه في الحفظ يضبطون خطأه، ويذكرونه في كتبهم، وفي إجابتهم علي سؤلات طلاب العلم .
وهؤلاء هم الذين اختصهم الله سبحانه وتعالي بعلمي علل الحديث والجرح والتعديل لرواة الحديث النبوي الشريف علي صاحبه الصلاة والسلام .
وهذا الحفظ الذي أتاهم الله سبحانه وتعالي إياه هو سلاحهم الذي تسلحوا به لحفظ سنة نبيهم صلي الله عليه وسلم .
وهؤلاء الأفذاذ ليس كلهم يعرفه المسلمون، بل قل: طلبة العلم .
فمن ذا الذي يعرف شعبة بن الحجاج ؟؟!!
أو من ذا الذي يعرف محمد بن إدريس الحنظلي ؟؟!!
أو من الذي يعرف عبيد الله بن عبد الكريم ؟؟!!
ومن الذي يعرف يحيي بن سعيد القطان ؟؟!!
ومن يعلم شيئاً من ترجمة يحيي بن معين ؟؟!!
أو طرفاً مما قيل في عليّ بن نجيح السعدي ؟؟!!
وكل الذين لا يعلمون شيئاً عن هؤلاء الأفذاذ إذا سألتهم عن إمام الحرمين، عرفوه وبجلوه !!
وإذا سألتهم عن السبكي عظموا أمره !!
وإذا ذُِكرَ الغزالي سلموا له الإمامة والفضل !!
وإذا سألتهم عن ابن تيمية وابن القيم خلعوا عليهما مشيخة الإسلام !!
وإذا أردت أن تتأكد من هذا راجع حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه )) أَنَّ رَسُولَ اللهِ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ؟، قَالَ : أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ ؟، قَالَ: فَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ؟، قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي لاَ آلُو، قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ ِللهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ )) .
وراجع ما قيل فيه من أقوال، من المحدثين رحمهم الله تعالي، ومن أهل الأصول والمذهبية والتقليد !!
ـ قال إمام الحرمين في كتابه البرهان في أصول الفقه: والعمدة في هذا الباب علي حديث معاذ، والحديث صحيح مدون في الصحاح متفق علي صحته لا يتطرق إليه التأويل .
ـ قال الغزالي: هذا حديث تلقته الأمة بالقبول، ولم يظهر أحد فيه طعنا ولا إنكارا، وما كان كذلك لا يقدح فيه كونه مرسلا، بل لا يجب البحث عن إسناده .
ـ قال صاحب كشف الأسرار: إن مثبتي القياس متمسكون به أبدا في إثبات القياس، ونفاته كانوا يشتغلون بتأويله، فكان ذلك إتفاقا منهم علي قبوله .
ـ قال ابن القيم في أعلام الموقعين عن رب العالمين: وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله، فقال شعبة: حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال: ( كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟) قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: (فإن لم يكن في كتاب الله؟) ،قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: أجتهد رأيي لا آلو، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدري ثم قال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) .
فهذا حديث وإن كان رواته غير مسمين فهم أصحاب معاذ ، ذلك لأنه يدل على شهرة الحديث، وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي، كيف وشهرة أصحاب معاذ والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث ،وقد قال بعض أئمة الحديث إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به، قال أبو بكر الخطيب: وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم .
أولاً: قال البخاري: الحارث بن عَمرو، ابن أخي الْمُغِيرة بن شُعبة، الثَّقَفيّ، عن أصحاب مُعاذ، عن مُعاذ، رَوى عنه أبو عَوْن، ولا يَصح، ولا يُعرف إلا بِهَذا، مُرسلٌ . التاريخ الكبير (2/2449) .
ثانيًا: أورده العقيلي رحمه الله في الضعفاء 1/215 (262)، ونقل قول البخاري السابق .
ثالثًا: قال الترمذي رحمه الله، بعد أن أخرجه: هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصلٍ، وأبو عون الثقفي اسمه محمد بن عُبيد الله . سنن الترمذي (1327 و1328) .
رابعًا: قال ابن حَزم رحمه الله: وحديث معاذ، الذي فيه: أجتهد رأيي ولا آلو، لا يصح، لأنه لم يروه أحدٌ إلا الحارث بن عمرو، وهو مجهولٌ، لا ندري مَنْ هو، عن رجالٍ من أهل حمص لم يُسَمِّهم، عن معاذ . ((المحلى)) 1/62 .
وقال ابن حَزم: وأما حديث معاذ، فيما رُوِيَ من قوله: أجتهد رأيي، وحديث عبد الله بن عمرو، في قوله: أجتهد بحضرتك يا رسول الله، فحديثان ساقطان، أما حديث معاذ، فإنما رُوي عن رجالٍ من أهل حمص، لم يُسَمَّوْا، وحديث عبد الله منقطعٌ أيضًا، لا يتصل . ((الإحكام في أصول الأحكام)) 5/121 .
خامسًا: أخرجه ابن حَجَر في كتابه ((تلخيص الحبير)) 4/182، ثم قال: أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن عدي، والطبراني، والبيهقي، من حديث الحارث بن عمرو، عن ناسٍ من أصحاب معاذ، عن معاذٍ .
قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بمتصل .
وقال البخاري، في ((تاريخه)): الحارث بن عمرو، عن أصحاب معاذ، وعنه أبو عون، لا يصح، ولا يُعرف إلا بهذا .
وقال الدارقطني، في ((العلل)): رواه شعبة، عن أبي عون، هكذا، وأرسله ابن مهدي، وجماعاتٌ، عنه، والمرسل أصح .
قال أبو داود، يعني الطيالسي، أكثر ما كان يحدثنا شعبة، عن أصحاب معاذ، أن رسول الله ، وقال مرةً: عن معاذ .
وقال ابن حزم: لا يصح، لأن الحارث مجهولٌ، وشيوخه لا يُعرفون، قال: وادعى بعضُهم فيه التواتر، وهذا كذبٌ، بل هو ضد التواتر، لأنه ما رواه إلا أبو عون، عن الحارث، فكيف يكون متواترًا .
وقال عبد الحق: لا يُسند، ولا يوجد من وجه صحيحٍ .
وقال ابن الجوزي، في ((العلل المتناهية)): لا يصح، وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم، ويعتمدون عليه .
وقال أبن طاهر، في تصنيفٍ له مفرد، في الكلام على هذا الحديث: اعلم أني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألتُ عنه مَنْ لَقِيتُهُ من أهل العلم بالنقل، فلم أجد إلا طريقين، أحدهما طريق شعبة، والأخرى عن محمد بن جابر، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن رجل من ثقيف، عن معاذ، وكلاهما لا يصح، قال: وأقبح ما رأيتُ فيه، قول إمام الحرمين، في كتاب ((أصول الفقه)): والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ، قال: وهذه زلةٌ منه، ولو كان عالمًا بالنقل، لما ارتكب هذه الجهالة .
قال ابن حَجَر: كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه، فإنه قال: والحديث مدون في الصحاح، متفق على صحته، لا يتطرق إليه التأويل .
انتهى كلام ابن حَجَر، نقلا عن تلخيص الحبير، مع الاختصار .
فمن الناس بعد هؤلاء ؟!!
فيا أولي الألباب من الأولي أن يتكلم في هذه الأصول إن جاز لأحد أن يتكلم فيها ؟
أهل الحديث والعلم به ،
أهل المعرفة بما ثبت عن نبيهم صلي الله عليه وسلم ،
ورثة علوم الرسول الكريم عليه السلام ،
أهل العلم بالأدلة ،
أم أهل الكلام والفلسفة والمنطق الذي اختلط بالمذهبية العفنة ؟؟
أهل الإتقان ومعرفة العلل،
أم الذين لا يعرفون الفرق بين الصحيحين وبين كتب قدماء المصريين .
والله إن اسم إمام الحرمين لينخلع القلب له رهبة، ومع ذلك لا يعلم شيئا عن الحديث الذي يستدل به في مسألة أصولية يتفرع عليها المئات من الفروع، بل لا يتردد ولا يقول مثلا: وأظنه في الصحيح، بل يجزم بمنتهي الثقة والتأكد أن الحديث مدون في الصحاح ومتفق علي صحته !!
هل رأيتم أعجب من هذا ؟؟
وإذا وعي قلبك هذا فلا تتعجب إذا سمعت الغزالي الشهير بحجة الإسلام يقول: أن هذا الحديث متواتر، وتلقته الأمة بالقبول، ولا يجب البحث عن إسناده، ولم يطعن فيه أو ينكره أحد !!
حديث يدور علي صحابي واحد هو معاذ بن جبل رضي الله عنه يصفه بالتواتر، ثم يقول إن الأمة تلقته بالقبول وكأن كل هؤلاء الأعلام ليسوا من الأمة !!، ولم يطعن فيه أحد أو ينكره طبعا كما رأيتم، ولذا لا يجب البحث عن سنده !!
وأما صاحب كشف الأسرار فمبلغ علمه أن نفاة القياس اشتغلوا بتأويل هذا الحديث لأنهم بالطبع لا يجدون منه مهربا كما نري !!، فحاولوا جاهدين أن يجدوا له تأويلا مقبولا !!
ومن المؤكد أنه لم تبلغه هذه الأقوال من جبال الأمة ورجالها !!
وهذا من أكبر الأدلة علي الظلام الذي حدث بعد القرن الثالث، حتي المنتسبين إلي العلم ألقوا كتب السنة وعلمها خلف ظهورهم واشتغلوا بالفلسفة والكلام وكتب المذاهب ونصرة الأئمة، والمشتغل منهم بالحديث يظن أن كل حديث في كتب السنن والصحيحين قد وضعوه للإحتجاج به!!، حتي أن بعضهم سمي الكتب الستة: الصحاح الستة !!
فتمخض هذا عن هؤلاء ومئات من أمثالهم، يحسبهم الجاهل من أهل العلم فيعض علي كلامهم بالنواجذ، وهم لا يعرفون غير علم أرسطاليس وأشباهه، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
أما ابن القيم فيعلل قبوله وقبول القرون السابقة لهذا الحديث فيقول: أنه روي عن أصحاب معاذ، وهذا أقوي من أن يكون روي عن صاحب واحد من أصحابه، ولذا يجب قبوله .
فماذا سيقول يا تري في كون المرسل هو الصحيح ؟
أي أن الصواب هو رواية الحديث مرسلا بدون ذكر: عن معاذ، وهذا ما رجحه الداراقطني رحمه الله في علله .
فالعلة الآن علتان: جهالة الرواة عن معاذ، والخلاف في وصله وإرساله والراجح هو الإرسال .
ولاحظ قول البخاري: الحارث بن عَمرو، ابن أخي الْمُغِيرة بن شُعبة، الثَّقَفيّ، عن أصحاب مُعاذ، عن مُعاذ، رَوى عنه أبو عَوْن، ولا يَصح، ولا يُعرف إلا بِهَذا، مُرسلٌ . التاريخ الكبير (2/2449)، وهذا يدحض ما نقله ابن القيم عن الخطيب البغدادي أنه قال: وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ .
قال ابن القيم بعد أن ذكر هذا الكلام: وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة، على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم !!!!
وهذه القاعدة الحديثية اللطيفة التي وضعها في مجاهيل هذا الحديث، وأنهم لأنهم من أصحاب معاذ رضي الله عنه فلا يجب البحث عنهم لأنهم أفاضل ثقات يتبعها بلا أدني شك أن نكبر علي الأسانيد وعلي علوم الحديث كلها أربعاً !!
والألطف منها قوله: على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم !!
فهذا نموذج لأقوال أهل العلم الذين لم يكن همهم الأوحد هو الحديث الشريف وإنما خلطوا به غيره من العلوم الغريبة عن الإسلام، والأمثلة علي التباين بين الفكرين والمنهجين لا تنتهي، فالزم طريق الحديث تنجو بإذن الله، وإن لم تكن أبصرت ما حدث من خلل فابك علي نفسك من الآن .
وأول أعلام علل الحديث وعلي رأس القائمة:
1ـ شعبة بن الحجاج:
أبو بسطام، أمير المؤمنين في الحديث الشريف، وأول من بحث في العلل والرجال في البصرة .
قال عبد الله بن المبارك: حدثني معمر أن قتادة كان يسأل شعبة عن حديثه .
قال أبو قتيبة سلم بن قتيبة: قدمت الكوفة فأتيت سفيان الثوري، فقال: من أين أنت ؟، فقلت: من أهل البصرة، فقال: ما فعل استاذنا شعبة ؟
قال عبد الرحمان بن مهدى: كان سفيان الثوري يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث .
قال حماد بن سلمة: إن أردت الحديث فالزم شعبة .
قال على بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ليس أحد أحب الى من شعبة ولا يعدله أحد عندي، وكان أعلم بالرجال وكان سفيان صاحب أبواب .
قال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد: أيما كان أحفظ للأحاديث الطوال شعبة أو سفيان ؟، فقال: كان شعبة أمر فيها .
قال علي بن المديني: سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول: وذكر شعبة فقال: سمعته يقول كنت أتفقد فم قتادة ، فإذا قال : سمعت أو حدثنا تحفظته ، وإذا قال : حدث فلان تركته .
قال يحيى القطان: كان شعبة رقيقاً يعطي السائل ما أمكنه .
قال أحمد بن حنبل: كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن يعني في الرجال وبصره بالحديث .
قال أبو الوليد الطيالسي: قلت ليحيى بن سعيد: رأيت أحدا أحسن حديثاً من شعبة ؟، قال: لا، قلت: فكم صحبته ؟، قال: عشرين سنة .
قال حماد بن زيد: إذا خالفني شعبة في شيء تركته لأنه يكرر ما أبالي من خالفني إذا وافقنى شعبة لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة .
قال علي بن المديني: سمعت معاذاً يعنى بن معاذ وقيل له: أي أصحاب أبى إسحاق أثبت ؟، فقال: شعبة وسفيان ثم سكت .
قال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: شعبة أثبت في الحكم من الأعمش وأعلم بحديث الحكم، ولولا شعبة ذهب حديث الحكم، وشعبة أحسن حديثاً من الثوري، لم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث، ولا أحسن حديثاً منه، كان قسم له من هذا حظ، وروى عن ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة لم يرو عنهم سفيان .
قال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق كان يجىء الى الرجل فيقول لا نحدث والا استعديت عليك السلطان .
قال يزيد بن زريع: لم أر في الحديث أصدق من شعبة .
قال يحيى بن معين: أثبت أصحاب أبى إسحاق الثوري وشعبة وهما أثبت من زهير وإسرائيل وهما قرينان .
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبى يقول شعبة بن الحجاج ثقة .
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: أثبت أصحاب أبى إسحاق الثوري وشعبة وإسرائيل وشعبة أحب الى من إسرائيل .
قال أبو بكر البكراوي: ما رأيت أحداً أعبد لله من شعبة، لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه واسود .
قال أبو قطن: ما رأيت شعبة قد ركع إلا ظننت أنه نسي ولا سجد إلا قلت نسي .
2ـ يحيي بن سعيد القطان:
تلميذ شعبة رضي الله عنهما، وشيخ أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيي بن معين .
قال عبد الرحمن بن مهدى: اختلفوا يوماً عند شعبة، فقالوا: اجعل بيننا وبينك حكما،ً فقال: قد رضيت بالأحوال، يعنى يحيى بن سعيد القطان، فما برحنا حتى جاء يحيى فتحاكموا إليه، فقضى على شعبة، فقال شعبة: ومن يطيق نقدك أو من له مثل نقدك يا احول ؟؟
قال عمرو بن على: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: كنت أنا وخالد يعنى بن الحارث ومعاذ بن معاذ وما تقدمانى في شيء قط، يعنى من العلم، وكنت أذهب أنا ومعاذ وخالد بن الحارث إلى بن عون فيخرج فيقعدان ويكتبان وأجىء فاكتبها في البيت .
قال أحمد بن حنبل: يحيى بن سعيد القطان اليه المنتهى في التثبت بالبصرة .
قال صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل: قال أبى: يحيى بن سعيد أثبت من هؤلاء يعنى من وكيع، وعبد الرحمن بن مهدى، ويزيد بن هارون، وأبى نعيم، وقد روى يحيى عن خمسين شيخاً ممن روى عنهم سفيان، قلت: كان يكثر عن سفيان ؟، قال إنما كان يتتبع ما لم يكن سمعه فيكتبه .
قال عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلىّ قال: قال أبى: ما رأينا مثل يحيى بن سعيد في هذا الشأن، يعنى في الحديث، هو كان صاحب هذا الشأن، فقلت له: ولا هشيم ؟، قال: هشيم شيخ وما رأينا مثل يحيى، قال: وجعل يرفع أمره جداً .
قال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أثبت في الحديث من يحيى بن سعيد ولم يكن في زمان يحيى القطان مثله، كان تعلم من شعبة ( أقول: لا حظ معني قوله: كان قد تعلم من شعبة ) كأنه اكتفي في توثيق وتقوية أمر يحيي بن سعيد رحمه الله بهذه العبارة، كأنه يقول: يكفي أنه تعلم هذا الشأن من شعبة .
قال أحمد: ما رأيت بعينى مثل يحيى بن سعيد القطان .
قال معاوية بن صالح بن أبى عبيد الله الدمشقي: قلت ليحيى بن معين من أثبت شيوخ البصريين قال يحيى بن سعيد مع جماعة سماهم .
قال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين عن أصحاب سفيان الثوري فقلت يحيى أحب إليك في سفيان أو عبد الرحمن بن مهدى فقال يحيى قلت فيحيى أحب إليك في سفيان أو يزيد بن زريع فقال ثقتان .
قال أبو حاتم: سألت على بن المديني من أوثق أصحاب الثوري قال يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، ووكيع وأبو نعيم .
قال أبو حاتم : يحيى بن سعيد القطان أبو سعيد حافظ ثقة .
قال أبو زرعة يقول: يحيى بن سعيد من الثقات الحفاظ .
وقال بندار: هو إمام أهل زمانه .
قال بن عمار: كنت إذا نظرت إلى يحيى بن سعيد ظننت أنه لا يحسن شيئاً كان يشبه التجار، فإذا تكلم أنصت له الفقهاء .
قال بندار: اختلفت إليه عشرين سنة فما أظن أنه عصى الله قط .
وقال العجلي: كان نقى الحديث لا يحدث إلا عن ثقة .
قال يحيي بن معين: كان يحيى إذا قرئ القرآن عنده سقط حتى يصيب وجهه الأرض .
3ـ عليّ بن المديني:
تلميذ يحيي بن سعيد رضي الله عنهما، وشيخ البخاري رحمهما الله تعالي .
قال أبو حاتم: كان بن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل، وما سمعت أحمد بن حنبل سماه قط إنما كان يكنيه تبجيلاً له .
قال ابن عيينة: يلوموني على حب علي بن المديني، والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني .
قال أحمد بن سنان: كان بن عيينة يسمى علياً حية الوادي .
قال روح بن عبد المؤمن: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة بحديث سفيان بن عيينة .
قال القواريري: سمعت يحيى القطان يقول: أنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني .
قال النسائي: كأن علي بن المديني خلق لهذا الشان .
قال إبراهيم بن معقل: سمعت البخاري يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد الا عند علي بن المديني .
قال أبو داود: ابن المديني أعلم من أحمد باختلاف الحديث .
4ـ يحيي بن معين:
تلميذ يحيي بن سعيد، وقرين أحمد وعليّ بن المديني رضي الله عنهم .
قال أحمد بن حنبل: هاهنا رجل خلق لهذا الشأن، يعني يحيي بن معين .
قال النسائي: أبو زكريا الثقة المأمون أحد الأئمة في الحديث .
قال ابن المديني: لا نعلم أحداً من لدن آدم عليه السلام كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين .
قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول لو لم نكتب الحديث خمسين مرة ما عرفناه .
وعن يحيى بن معين: قال كتبت بيدي ألف ألف حديث .
وقال ابن المديني: انتهى علم الناس الى يحيى بن معين .
وقال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين .
وقال أحمد بن حنبل: يحيى بن معين أعلمنا بالرجال .
5ـ أحمد بن حنبل:
أبو عبد الله، تلميذ يحيي، وشيخ البخاري، وقرين يحيي وعليّ .
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبا زرعة يقول كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث ذاكرته الأبواب .
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول حفظت كل شيء سمعته من هشيم في حياته .
قال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد كان الله قد جمع له علم الأولين والآخرين . قال حرملة سمعت الشافعي يقول خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلا أفضل ولا اعلم ولا افقه من أحمد بن حنبل .
قال علي بن المديني: إن الله أيد هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة .
قال أبو عبيد: انتهى العلم الى أربعة أفقههم أحمد .
قال ابن معين من طريق عباس عنه: أرادوا أن أكون مثل أحمد والله لا أكون مثله أبداً .
قال أبو همام السكوني: ما رأى أحمد بن حنبل مثل نفسه .
قال محمد بن حماد الطهراني: سمعت أبا ثور يقول: أحمد أعلم أو قال أفقه من الثوري .
6ـ محمد بن إسماعيل البخاري:
صاحب الصحيح، والتاريخ الكبير، وغيرهما من التصانيف .
قال البخاري: لما طعنت في ثمانية عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم في أيام عبيد الله بن موسى وحينئذ صنفت التاريخ عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة .
عن البخاري قال: كتبت عن أكثر من ألف رجل .
قال وراقه محمد بن أبي حاتم: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان البخاري يختلف معنا الى السماع وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أياماً، فكنا نقول له، فقال: إنكما قد أكثرتما على فأعرضنا علي ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه، ثم قال: أترون أنى اختلف هدراً وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد .
قال محمد بن خميرويه سمعت البخاري يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح .
قال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري .
7ـ محمد بن إدريس الحنظلي:
أبو حاتم الرازي، قرين البخاري رحمهما الله تعالي، والحجة في علم العلل والجرح والتعديل .
قال أبو حاتم: أول ما رحلت أقمت سبع سنين، ومشيت على قدمى زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً، ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى طرسوس ولي عشرون سنة .
قال موسى بن إسحاق الأنصاري القاضى: ما رأيت احفظ من أبي حاتم .
قال أحمد بن سلمة الحافظ: ما رأيت بعد محمد بن يحيى احفظ للحديث ولا اعلم بمعانيه من أبي حاتم .
قال النسائي: ثقة .
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول قلت على باب أبي الوليد الطيالسي من أغرب على حديثا صحيحا فله درهم وكان ثم خلق أبو زرعة فمن دونه وانما كان مرادى ان يلقى علي ما لم اسمع به لأذهب الى راويه فاسمعه فلم يتهيأ لاحد ان يغرب علي .
وسمعت أبي يقول قدم محمد بن يحيى الري فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا من حديث الزهرى فلم يعرف منها الا ثلاثة أحاديث وقال بقيت بالبصرة سنة أربع عشرة فبعت ثيابي حتى نفدت وجعت يومين فأعلمت رفيقى فقال معي دينار فأعطاني نصفه وطلعنا مرة من البحر وقد فرغ زادنا فمشينا ثلاثة أيام لا نأكل شيئا فألفينا بأنفسنا وفينا شيخ فسقط مغشيا عليه فجئنا نحركه وهو لا يعقل فتركناه فنزلوا الساحل فلوح بثوبه فجاؤه فسقوه فقال ادركوا رفيقين لي فما شعرت الا برجل يرش على وجهي ثم سقانى ثم اتوا بالشيخ فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا .
8ـ عبيد الله بن عبد الكريم:
تلميذ أحمد بن حنبل، وقرين أبي حاتم، حجة العلل والجرح والتعديل .
قال البخاري: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: نزل أبو زرعة عندنا فقال لي أبي: يا بنى قد اعتضت عن نوافلى بمذاكرة هذا الشيخ .
قال صالح بن محمد: سمعت أبا زرعة يقول: كتبت عن بن أبي شيبة مائة ألف حديث، وعن إبراهيم بن موسى الرازي مائة ألف، قلت: تقدر أن تملى على ألف حديث من حفظك ؟، قال: لا ولكني إذا لقى على عرفت .
عن أبي زرعة: أن رجلاً استفتاه أنه حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث ؟، فقال: تمسك بامرأتك .
عن أبي بكر بن أبي شيبة: قال ما رأيت احفظ من أبي زرعة .
عن الصغاني: قال: أبو زرعة عندنا يشبه أحمد بن حنبل .
قال علي بن الجنيد: ما رأيت اعلم من أبي زرعة .
قال أبو يعلى الموصلي: كان أبو زرعة مشاهدته أكبر من اسمه يحفظ الأبواب والشيوخ والتفسير .
قال صالح جرزة: سمعت أبا زرعة يقول: أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث .
قال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أكثر تواضعاً من أبي زرعة .
قال عبد الواحد بن غياث: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه .
قال أبو حاتم: ما خلف أبو زرعة بعده مثله، ولا أعلم من كان يفهم هذا الشأن مثله، وقل من رأيت في زهده .
9ـ مسلم بن الحجاج:
صاحب الصحيح، ثاني أصح كتاب في كتب بني آدم بعد صحيح البخاري .
قال إسحاق الكوسج لمسلم: لن نعدم الخير ما ابقاك الله للمسلمين .
قال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما .
قال ابن أبي حاتم: كان ثقة من الحفاظ كتبت عنه بالري .
قال أبو قريش الحافظ: حفاظ الدنيا أربعة، فذكر منهم مسلماً .
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم .
10ـ أحمد بن شعيب النسائي:
صاحب السنن الكبري التي ليس لها مثيل في جمع الطرق وبيان الاختلاف علي الرواة، حجة الجرح والتعديل وعلل الحديث .
قال محمد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر فوصف من شهامته واقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه والانبساط في المأكل، وأنه لم ينزل ذلك دأبه الى ان استشهد بدمشق من جهة الخوراج .
قال الدارقطني: كان بن الحداد أبو بكر الشافعي كثير الحديث ولم يحدث عن غير النسائي، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله .
11ـ علي بن عمر الداراقطني:
قال الحاكم: صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع وإماماً في القراء والنحويين، وأقمت في سنة سبع وستين ببغداد أربعة أشهر وكثر اجتماعنا فصادفته فوق ما وصف لي وسألته عن العلل والشيوخ وله مصنفات يطول ذكرها فأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله .
قال الخطيب: كان فريد عصره وإمام وقته وانتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال مع الصدق والثقة وصحة الاعتقاد والإضطلاع من علوم كالقراءات فان له فيها مصنفا سبق فيه إلى عقد الأبواب قبل فرش الحروف وتأسى القراء به بعده ومن ذلك المعرفة بمذاهب الفقهاء بلغني انه درس الفقه على أبي سعيد الإصطخرى ومنها المعرفة بالآداب والشعر فقيل كان يحفظ دواوين جماعة وحدثني حمزة بن محمد بن طاهر انه كان يحفظ ديوان السيد الحميري ولهذا نسب إلى التشيع .
قال بن الذهبي ما أبعده من التشيع .
قال الخطيب وحدثني الأزهري قال بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار وقعد ينسخ جزءا والصفار يملى فقال رجل لا يصح سماعك وأنت تنسخ فقال فهمى للإملاء خلاف فهمك أتحفظ كم أملى الشيخ قال لا أدري قال أملى ثمانية عشر حديثا الحديث الأول عن فلان عن فلان ومتنه كذا وكذا والثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا وكذا ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث فتعجب الناس منه أو كما قال .
قال رجاء بن محمد المعدل: قلت للدارقطني: هل رأيت مثل نفسك ؟، فقال: قال الله تعالى: " فلا تزكوا أنفسكم "، فألححت عليه، فقال: لم أر أحداً جمع ما جمعت .
قال أبو ذر الحافظ قلت للحاكم هل رأيت مثل الدارقطني فقال هو لم ير مثل نفسه فكيف أنا .
عن عبد الغني إذا ذكر الدارقطني قال أستاذى .
قال القاضى أبو الطيب الطبري الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث .
قال الخطيب قال لي أبو القاسم الأزهري كان الدارقطني ذكيا إذا ذكر شيئا من العلم أي نوع كان وجد عنده منه نصيب وافر لقد حدثني محمد بن طلحة أنه حضر مع الدارقطني دعوة فجرى ذكر الأكلة فاندفع الدارقطني يورد نوادر الأكلة حتى قطع أكثر ليلته بذلك .
قال الأزهري رأيت الدارقطني أجاب بن أبي الفوارس عن علة حديث أو اسم فقال يا أبا الفتح ليس بين الشرق والغرب من يعرف هذا غيرى .
قال الخطيب في ترجمة الدارقطني سألت البرقاني هل كان أبو الحسن يملى عليك العلل من حفظه قال نعم وأنا الذي جمعتها وقرأها الناس من نسختى .
وحدثنا العتيقي قال حضرت مجلس الدارقطني وجاءه أبو الحسن البيضاوي برجل غريب وسأله أن يملى عليه أحاديث فأملى عليه من حفظه مجلسا يزيد أحاديثه على العشرين متون جميعها نعم الشيء الهدية أمام الحاجة فانصرف الرجل ثم جاءه بعد وقد أهدى له شيئا فقربه إليه فأملى عليه من حفظه سبعة عشرة حديثا متونها إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه .
قال الذهبي: هنا يخضع للدارقطني ولسعة حفظه الجامع لقوة الحافظة ولقوة الفهم والمعرفة وإذا شئت أن تبين براعة هذا الإمام الفرد فطالع العلل له فإنك تندهش ويطول تعجبك.
قال السلمي سمعت الدارقطني يقول ما شيء أبغض إلىً من الكلام .
قال بن طاهر اختلفوا ببغداد فقال قوم على أفضل من عثمان رضى الله تعالى عنهما فتحاكموا إلى الدارقطني قال فأمسكت وقلت الإمساك خير ثم لم أر لدينى السكوت وقلت عثمان أفضل لاتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا .
قال عبد الغني أحسن الناس كلاما على الحديث بن المديني في زمانه وموسى بن هارون في وقته والدارقطني في وقته .
قال الصوري سمعت رجاء بن محمد يقول كنا عند الدارقطني وهو يصلى فقرأ القارىء نسير بن ذعلوق فصيره بشيرا فسبح الدارقطني فقال بشير فسبح الدارقطني فقال يسير فتلا الدارقطني نون والقلم وحكى حمزة نحوها وأن القارىء قرأ عمرو بن سعيد فسبح الدارقطني فوقف القارىء فتلا يا شعيب أصلواتك تأمرك .
قال الخطيب حدثني أبو نصر بن ماكولا قال رأيت كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة فقيل لي ذلك يدعى الإمام في الجنة قلت أخذ الدارقطني الحروف عن بن مجاهد وتلا على النقاش وابن ثوبان وأحمد بن محمد الديباجي وعلى بن ذاويه القزاز وتصدر في آخر أيامه للإقراء أيضاً .