المبحث الثاني : كيف تضعف الرواة وتوثق ؟؟
هذا المبحث العظيم من أهم مباحث علم الحديث ، لأنه يبنى عليه علم الجرح والتعديل ، والتوثيق والضعيف ، وعلل الحديث .
وهذا العلم الشريف لا تستطيع فصل جزئياته أو علومه عن بعضها البعض ، فهي متداخلة إلي درجة التواصل والتلاحم في بعض الأحيان !!
ولقد ظن بعض الناس الذي يقدسون أقوال الرجال ولا يجاوزونها ، ولا يبحثون عن الأدلة التي تؤيد كل قول ، أن أتباع أحمد والبخاري وأبي زرعة مثلاً في توثيق رجل أو تضعيفه ، هو اتباع لأقوال هؤلاء العلماء الأفذاذ من غير دليل .
فقالوا لنا : ترفضون أقوال الفقهاء الكبار وأصحاب المذاهب المشهورة المتبوعة إن لم يكن عليها دليل ؟
وأنتم تتركون الرجل لمجرد قول أبي حاتم : لا يحتج به !!
وتحتجون بحديث آخر لمجرد قول سفيان : ثقة ثقة !!
وتجعلون حديث رجل ثالث للشواهد والمتابعات لمجرد قول أحمد : تعرف من حديثه وتنكر .
أليس هذا اتباعاً بغير دليل ؟؟!
نقول لهم : لا قطعاً ، ليس الأمر كما تظنون ، فما من كلمة تضعيف أو توثيق أطلقها رجل من هؤلاء الجهابذة الأفذاذ إلا ولها أدلة تحكم المسألة وتبين القول الفصل فيها .
نعم قد يحدث خلاف بين هؤلاء الجبال في توثيق رجل أو تضعيفه ، لأنهم بشر يصيبون ويخطئون ، وقد يعلم الواحد منهم ما لم يعلمه الآخر ، ولكن يبقي الحكم علي الرجل عند الرجوع إلي الأدلة واحداً .
فلا يمكن أن يكون حديث الرجل الواحد حجة وليس بحجة في نفس الوقت ، إلا لو كان الواقف هو القاعد ، والحار هو البارد !!
ومن أجل هذا البحث الهام ، ومن أجل أن توضع مسألة اتباع أهل الجرح والتعديل في نصابها الصحيح كتبنا هذا المبحث .
ونعود ونؤكد على عظم أهميته ومكانته علي ضعف علمنا وقصر المبحث ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
كيف توثق الرواة وتضعف ؟
كيف يقال على الرجل : متروك ؟
أو : لا يحتج بهذا الراوي ؟
أو : هذا الراوي ثقة ؟
هل الأمر بالرأي ؟
هل الأمر بالهوى ؟
هل الأمر بالمعرفة الشخصية والعلاقات الفردية ؟
هل الأمر بالنقل عن الشيوخ ؟
بالطبع الأمر غير ذلك ......
الأمر له طريقة علمية تجعل من تضعيف الرواة وتوثيقهم عملية متوارثة عبر أجيال هذه الأمة التي اختصها الله سبحانه بهذا العلم الشريف ، أمة محمد صلي الله عليه وسلم ،
وليست أمة : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، فطالب الحديث إن علم طريقة الكلام في الرواة وكيف هي فله أن يتكلم في الرواة ولو بعد ألف عام !!!
ولكن هذا لا يعنى أن المتأخر يستطيع مخالفة المتقدمين علي الدوام ، فهذا ليس مقبولاً منه .
لأنهم في الأصل أهل العلم والحفظ والإتقان .
وما وصل إليه من مكانة في العلم إنما وصل إليها بفضل جهودهم وحفظهم وتدوينهم .
وإذا أخطأ واحد منهم أو عدة - أعني من المتقدمين- فلابد أن تجد في أقوال الباقين نقده ورده إلي الصواب .
ولا يعقل مثلاً أن يعل أحمد وعلي بن المديني والبخاري ومسلم وأبو حاتم حديثاً ويقولوا : ليس يثبت ، فيرد عليهم بعد أكثر من ألف عام عالم من علماء الأمة ويقول : بل يثبت !!!
وليس من العقل أو الحكمة أن يترك طالب الحق إعلال المتقدمين لحديث من الأحاديث ، ويقول صححه فلان في كتاب كذا أو كتاب كذا ، فلولا هؤلاء لما كان لفلان هذا وجود ولا إسم ولا ذكر ،
والواحد منهم في العلم يزن مليء الأرض من أي فلان تتخيله ، أو تعرف اسمه ، ولو كانت كتبه تملأ مكتبات الدنيا كلها ، بل لو كانت تملأ مساحة الدنيا نفسها كلها .
فلا يمكن مثلاً أن يقارن عاقل بين الشيخ الألباني رحمه الله وبين ابن حجر العسقلاني ، فضلاً عن أبي حاتم وأبي زرعة الرازيان .
وكذا لا يمكن أن نقارن بين الشيخ الفاضل المحدث مقبل بن هادي رحمه الله تعالي وعفا عنه ورفع درجته ، لا يمكن أن نقارن بينه وبين الذهبي مثلاً ، فضلاً عن البخاري وأحمد وابن المديني .
ولا أظن أن المهتمين بالعلم الشرعي يجهلون هذا ، فضلاً عن كل المشتغلين به .
أما كثير من أهل الديانة مع الجهل بالعلم الشرعي ، بل قل عامتهم ، فهم يقدمون تصحيح الشيخين مقبل أو الألباني رحمهما الله علي تضعيف أو تعليل الداراقطني مثلاً ، أو رد أحمد للحديث ، رحمهم الله جميعاً .
وقد قال الحاكم رحمه الله ما معناه وهو يتحدث عن الصحيحين :
إذا رأيت حديثاً ظاهره الصحة ولم يخرجاه ، فابحث له عن علة ، وهذا أظنه قاله في كتابه معرفة علوم الحديث فيما أذكر .
فإن قيل : إن الحاكم نفسه استدرك علي البخاري ومسلم آلاف الأحاديث في كتابه الموسوم بالمستدرك .
قلنا : كل مشتغل بالحديث يعلم أن الحاكم إنما بدأ في تصنيف المستدرك وهو في سن كبيرة ، وتواريخ إثبات السماعات لأجزاء المستدرك ثابتة علي صور المخطوطة ، وفي هذه السن كان قد طرأ عليه من التغير ما لا يخفي علي المنتسب للعلم ، لذا جاءت أحكامه علي الحديث متخبطة إلي حد كبير ، أما المتون فلم يطرأ عليها هذا الخلل لكونه يملي من أصوله التي كتبها حال يقظته وحفظه رحمه الله وعفا عنه .
والشاهد من هذا أن الحاكم مع كونه قريب العهد من الشيخين إلا أنه يعلم مقدار التباين الشديد في العلم بينهما وبين كل من سيأتي بعدهما إلي يوم القيامة .
ومن ادعي خلاف ذلك فليذكر لنا محدثاً واحداً من بعد الشيخين يساويهما في المنزلة ، والعلم ، والحفظ ، بل يدنو منهما !!
والاختلاف في المنهجية بين المتقدمين والمتأخرين واضح جلي لكل من دارس كتبهم وخاض في بحر علومهم ، ونتج عن هذه الأخطاء التي وقع فيها المتأخرون في فهمهم لمناهج وأصول واصطلاحات المتقدمين - نتج عن هذا الخطأ في الفهم من العلماء المتأخرين أخطاء تراكمية علي مر عصور طوال من رجالات من كبار علماء الأمة ، هذه الأخطاء صار يُنظر إليها من قِبَل من تلاهم من طلاب العلم والذين أصبحوا من العلماء بعد ذلك علي أنها قواعد لهذا العلم الشريف وذلك بعد تدوينها في الكتب من عالم لآخر ومن جيل لآخر ، وعدم توجيه النقد لها من نقاد الحديث الذين كتبوا في هذه المسائل بعد ذلك ، ومن أقرب هذه الأمثلة كلام ابن الصلاح في تعريف الحديث الحسن وتقسيمه إلي شقين ، وكلام الذهبي رحمه الله في الموقظة علي قسم الحديث الحسن ، ومع اعترافه بأن هذا القسم ليس له ماهية محددة حتي لحظة كتابته لموقظته ، ومع كونه وجه نقداً لاذعاً لكل تعريف من هذه التعريفات أسقطه به ، إلا أنه يحتج به !!
وصارت مخالفة تلك القواعد المزعومة جريمة كبري وخيانة عظمى يرمي صاحبها بالبدعة وغيرها من الألفاظ التي استحدثت خصيصاً لهذه المعركة الشرسة !!
نعم معركة مستمرة إلي قيام الساعة بين أتباع الدليل وبين دعاة التقليد والخمول ، وهذه المعركة كانت في السابق بين أهل الحديث من جهة وبين أصحاب المذاهب والتقليد والرأي من جهة أخري ، ولكن مع اقتراب الساعة انقلبت الموازين ، وصارت المعركة بين أهل الحديث !!
فصار المنتسبون إلي الحديث ينكرون علي من يحاول التحاكم إلي الدليل ، بل ويحاربونه ، ويتجاوزون خلافتهم الحديثية والعقائدية ليتكتلوا ضد من يدعو إلي عدم التسليم لأي قول إلا بعد معرفة دليل صاحبه ، وصاروا مقلدين داخل مدرسة المحدثين التي يفترض فيها أنها لا تدعو إلي تقليد أحد غير رسول الله صلي الله عليه وسلم !!!
فسلموا للحاكم رحمه الله استدراكاته علي البخاري ومسلم ،
وسلموا لابن حبان والعجلي وابن سعد رحمهم الله توثيقهم للمجاهيل ،
وسلموا لإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من أهل الفلسفة والمنطق ما وضعوه من قواعد لهدم الإسلام ،
وسلموا لابن الصلاح تخطيئه لمن دون وكتب تعريف الحديث الحسن أول مرة ، وللخطابي من بعده ،
بل والأدهي والأمر أنهم سلموا للمتأخرين تصحيحهم للكثير من الأحاديث التي صرح المتقدمون بأنها معلولة في كتبهم !!
فإذا قلت لهم : قال البخاري في تاريخه الكبير : ولا نعلم سماعاً لعبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة مثلاً ، ولم يثبت لهذا الراوي سماعاً من شيخه أحداً من أهل العلم بأحوال الرواة .
قالوا لك : وهل الشيخ فلان لم يقرأ هذا القول قبل أن يصحح الحديث ؟؟!!
والصواب أن هذا السؤال يجب أن يوجه لهذا الفلان ، وليس للذي ينقل قول البخاري رحمه الله تعالي .
فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
فنفي البخاري رحمه الله لعلمه سماع هذا الراوي من الصحابي الجليل رضي الله عنه لا يُرَدُ إلا بإثبات قرين له في العلم ، أو بإسناد صحيح خالٍ من الشذوذ والعلة يصرح فيه هذا الراوي بالسماع عن شيخه ربما يكون غاب عن البخاري رضي الله عنه .
نعود إلي الكلام في توثيق الرواة وتضعيفهم ،
كيف يكون هذا ؟!!
الأمر كما قال شيخ العلل العالم بها ، وشيخ الإمام البخاري رحمهما الله تعالي ، علي بن المديني ، قال : الباب إذا لم تجمع طرقه لم تتبين علله .
فيا لها من مقولة عظيمة لمن عقلها ووعاها !!
فنقول : وكذا الراوي محل البحث إذا لم يجمع كل حديثه لم يتبين لنا هل هذا الراوي ثقة أم ضعيف .
وسنضرب راوياً كمثال لهذا الأمر ، ليظهر جلياً واضحاً بلا شبهات بإذن الله تعالى .
ونذكر طرفاً من أحاديثه التي أخذت عليه من قبل جهابذة النقد وبعض الأقوال فيه ليظهر الربط بينهما ، ويظهر كيف بني هؤلاء النقاد قولهم في هذا الراوي ، وما الرابط بين دراسة حديث الراوي ، وبين الحكم عليه جرحاً وتعديلاً ، والله المستعان .
والراوي الذي اخترناه ليكون مثالاً في بحثنا هذا هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني .
والرازيان ، أعني أبا حاتم وأبا زرعة ، هما اللذان سنربط نقدهما لأحاديثه بقولهما فيه جرحاً وتعديلاً :
ـ قال ابن أبي حاتم في العلل حديث 53 :
سمعت أبي يذكر حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه أشار في الصلاة بإصبعه .
قال أبي : اختصر عبد الرزاق هذه الكلمة من حديث النبي صلي الله عليه وسلم ، فذكر الحديث ........
قال أبي : أخطأ عبد الرزاق في اختصاره هذه الكلمة ، لأنه اختصر هذه الكلمة وأدخلها في باب من كان يشير بإصبعه في التشهد ، وليس كذاك هو .
قلت لأبي : فإشارة النبي صلي الله عليه وسلم في الصلاة ؟
فقال : أما في حديث شعيب عن الزهري لا يدل عن شيء من هذا .
فهذا دليل على أن عبد الرزاق وهم في هذا الحديث لأن الحديث فيه فأشار بيده وليس فيه بإصبعه .
وأبو حاتم رحمه الله حافظ ضبط هذا الوهم ، وعده علي عبد الرزاق .
كيف ضبط أبو حاتم هذا الوهم ؟
جمع روايات أصحاب الزهري عن الزهري رحمهم الله جميعاً ، وقارن هذه الروايات سنداً ومتناً ، فظهر له أن هذا اللفظ تفرد به عبد الرزاق عن معمر من بين أصحاب الزهري ، ومن بين الرواة عن معمر ، فحكم أن الخطأ من قبل عبد الرزاق وعد هذا الخطأ عليه ، ولأن لفظ الحديث مشهور ومعروف المعني ، فقد أحال خطأ عبد الرزاق المعني إلي معني آخر .
ولاحظ إجابة أبي حاتم عندما سأله عبد الرحمان عن الإشارة في الصلاة في هذا الحديث ، قال : أما في حديث شعيب عن الزهري لا يدل عن شيء من هذا ، وهذا يبين بوضوح كيف يحكم أهل الجرح والتعديل والعلل في الرواة وفي الأحاديث ، لأن شعيب من أثبت الناس في الزهري إن لم يكن أثبتهم .
ـ علل ابن أبي حاتم حديث 1460 :
قال ابن أبي حاتم رحمه الله : وسمعته يقول : روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه رأى على عمر ثوبا غسيلاً أو جديداً فقال : عشت حميداً . . . الحديث .
قال أبي : هذا حديث ليس له أصل من حديث الزهري !! ، ( أي بهذه الكيفية مسنداً مرفوعاً عن النبي صلي الله عليه وسلم ) .
قال أبي : ولم يرض عبد الرزاق حتى أتبع هذا بشيء أنكر من هذا فقال : حدثنا الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم مثله .
وليس لشيء من هذين أصل .
قال أبي : وإنما هو معمر عن الزهري مرسل أن النبي صلي الله عليه وسلم .
فهذا وهم آخر لعبد الرزاق !!
لكنه أكبر وأشد والحاصل أن هذا الحديث يروى عن الزهري عن النبي صلي الله عليه وسلم بلا واسطة أي مرسل ، كيف علم أبو حاتم بهذا ؟
جمع روايات ثقات أصحاب الزهري عن الزهري رحمهم الله ، فوجدهم كلهم يروونه عن الزهري مرسلاً ، فعلم أن المخالفة من عبد الرزاق وليست من معمر لكثرة أوهامه التي جمعها أبو حاتم ، وتأكد عنده أن الحمل في هذا علي عبد الرزاق لما أتي بمتابعة عن سفيان الثوري لهذا الحديث ، والثوري حافظ كبير راسخ في العلم لا يستطاع حصر من أخذ عنه العلم إلا بصعوبة ، والرواة الأثبات عنه كثيرون وعلي رأسهم عبد الله بن المبارك رحمه الله ، وكل هؤلاء لم يرووا مثل هذا عن سفيان ، وتفرد به عبد الرزاق بن همام وحده عن الثوري رحمه الله ، وتفرده هنا علة .
وهذا دليل علي أنه أخطا في روايتيه هاتين :
أ ـ فوصله عبد الرزاق مرة والتزم فيه الجادة ، أي أن وهمه هنا هو وصل مرسل .
ب ـ ثم ركب سنداً آخر على نفس المتن من غير عمد ، فجاء بمتابع للزهري رحمه الله وهو عاصم بن عبيد الله ، وهذا وهم فاحش جداً .
وهنا أصبح للحديث طريقين : الأول مرسل ، والثاني متصل .
وبالتأكيد سنجد من يرقيها بتعدد الطرق !! إلى أين ؟ لا ندري .
وأبو حاتم حافظ عد هذا الوهم علي عبد الرزاق ، وهذه الأوهام التي يجمعها أبو حاتم الرازي هي التي ستحدد قوله في عبد الرزاق جرحاً وتعديلاً ، والحاصل أن كم الأخطاء ونوعيتها والتي سيكتشفها أبو حاتم في روايات عبد الرزاق ستـكون هي الفيصـل في كون حديثـه يحتج به ، أو يكتب ، أو لا يكتب إبتداءً .
ولمزيد بيان لهذا المثال نقول :
هذا الحديث له عند أبي حاتم ثلاث أوجه :
الوجه الأول :
وهو رواية عامة أصحاب الزهري عنه ، ومنهم معمر ، كلهم يروونه عن الزهري عن النبي عليه السلام مرسلاً ، وهذا هو الوجه الأول .
أما الوجه الثاني :
فهو من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي عليه السلام .
والوجه الثالث :
من رواية عبد الرزاق أيضاً قال : حدثنا الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم مثله .
وهذه الأسانيد عند المتأخرين ترقي الحديث لدرجة الصحة بدون أدني شك ، خاصة الذين يقولون أن من أخرج له البخاري ومسلم في الصحيح فقد جاز القنطرة !!
فالوجه الأول مرسل ، لكنه يتقوي برواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر ، ثم أن عاصماً تابع الزهري من رواية الثوري ، فبالجملة يكون الحديث صحيحاً وفي أقل الأحوال حسناً !!!
أليست هذه هي طريقة أصحاب السلاسل في التصحيح ؟؟!!
السؤال الآن : لماذا لم يقوم أبو حاتم بتقوية هذه الأوجه ببعضها كما يفعل عباقرة المتأخرين ويرقي الحديث ؟؟
خاصة وأنه ليس فيها من يتهم بكذب ؟ ، أو يكون مطعوناً في عدالته ؟
الإجابة بيسر شديد : لأن هذه الطرق لا وجود لها في الواقع ، لم تُروي أبداً ، إنما المكان الوحيد الذي رُويت فيه هذه الروايات هو عقل عبد الرزاق بن همام نفسه !!
وأكبر دليل علي هذا أن كل أصحاب الزهري لما رووا هذا الحديث رووه مرسلاً ،
أي الزهري عن النبي عليه السلام ، ليس فيه سالم رحمه الله ولا ابن عمر رضي الله عنه .
وكذا ابن المبارك وغيره من أصحاب الثوري الكبار الحفاظ لم يرووا مثل هذا عن الثوري رحمهم الله تعالي .
فهذه الروايات الموصولة ليس لها وجود إلا في عقل من رواها ، فلا تُقوي شيئاً ، ولا تُعل شيئاً ، بل كل رواية صحيحة تضعفها وتعلها ، فتدبر هذا المثال .
وكلما زادت هذه الطرق أو زادت الأوجه ( سيتضح الفرق بين الطريق والوجه في مبحث قادم ) من رواية من خف ضبطهم أو من رواية الضعفاء كانت هذه علة تزيد الحديث ضعفاً علي ضعف ، ووهناً علي وهن ، وذلك لكثرة الشيوخ الثقات الذين من المفترض أنهم قاموا برواية هذا الحديث ، مع تفرد من خف ضبطه أو الضعيف عنهم من دون الثقات الذين يروون عنهم فتنبه .
ولاحظ أن كلاً من الطريقين لا وجود له في الحقيقة ، بل كلاهما ليس له وجود إلا في عقل عبد الرزاق نفسه ، فتأمل .
والوجه الوحيد الذي له وجود فعلاً هو ما رواه الثقات من أصحاب الزهري عنه رحمهم الله تعالي ورضي عنهم ، أما ما رواه عبد الرزاق فهم خيال في عقله ، نسجه ، ورواه من غير عمد ، علي سبيل الوهم والخطأ .
فكيف تقوي رواية مرسلة بشيء لا وجود له في الواقع ؟؟!!
ـ علل ابن أبي حاتم حديث 1520 :
قال ابن أبي حاتم رحمه الله : وسمعته يقول روى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم : كلوا الزيت وائتدموا به .
حدث به مرة عن زيد بن أسلم ، عن أبيه : أن النبي صلي الله عليه وسلم .
هكذا رواه دهراً .
ثم قال بعد : زيد بن أسلم عن أبيه أحسبه عن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم .
ثم لم يمت حتى جعله عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم بلا شك .
نقول :
أي أنه رواه مرة مرسلاً من غير أن يذكر عمر رضي الله عنه ،
ثم شك في الرواية ، فرواه بالشك فقال : أحسبه عن عمر ،
ثم جزم فرواه موصولاً .
وهذا وهم ناتج من سوء الحفظ ، وسؤ الحفظ هنا مر بثلاث مراحل .
كيف ضبطه أبو حاتم ؟
روي عن عبد الرزاق من أوجه مرسلاً ، وروي عنه من أوجه أخري بالشك ، وروي من أوجه عنه متصل أيضاً ، وأبو حاتم قد علم عنه سوء الحفظ من جمعه لأحاديثه .
وهذا وهم ثالث عده أبو حاتم علي عبد الرزاق .
ولاحظ أيضاً أن هذه الروايات التي أخطأ فيها عبد الرزاق ليس لها وجود ، أي أنها لم تروي أبداً بل هي في عقله فقط .
ـ علل ابن أبي حاتم حديث رقم 1627 :
قال رحمه الله : سألت أبي عن حديث رواه أبو عقيل بن حاجب عن عبد الرزاق عن سعيد بن قمازين عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن حبشي قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : لا تطرقوا الطير في أوكارها فإن الليل أمان لها .
قال أبي : يقال إن هذا الحديث مما أدخل على عبد الرزاق ، وهو حديث موضوع .
فهنا ساء حفظه جداً ، ويقال أن حفظه ساء بهذه الدرجة لما كبر وعمي ، وليس معنى هذا أن كل هذه الأخطاء هكذا ، بل الكثير منها قبل كبره في السن يقيناً .
وهذا رابع عندما كبر عبد الرزاق وساء حفظه جداً ، أيضاً ضبطه أبو حاتم رحمه الله تعالي .
ـ علل ابن أبي حاتم حديث 1794 :
قال رحمه الله : سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلي الله عليه وسلم : كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أني أحسنت . . . وذكر الحديث .
قالا :
هذا خطأ رواه حماد بن شعيب عن منصور عن جامع بن شداد عن الحسن بن مسلم عن النبي صلي الله عليه وسلم مرسل وهو الصحيح .
أي أن عبد الرزاق :
أ ـ وصل الحديث المرسل .
ب ـ سلك الجادة وأبدل راويين بآخرين .
وهذا أيضاً وهم فاحش .
وتأمل أن الحديث هكذا له متابعة ، فالبطبع يرتقي !!!!
وتذكر دائماً أن هذا الوجه الذي رواه عبد الرزاق لا وجود له في الحقيقة ، وإنما وجوده في عقل عبد الرزاق ليس إلا ، أي أن أبا وائل لم يرو هذا الحديث طرفة عين ، لأنه وبوضوح لم يسمعه أبداً من ابن مسعود رضي الله عنه !!
وإنما إدخال اسم أبي وائل في هذه الرواية هو خطأ من عبد الرزاق ليس أكثر ، بدليل أن أحداً من الثقات الحفاظ الأثبات لم يتابع علي هذا ، بل إن الثقات لما رووا هذا الحديث رووه عن الحسن بن مسلم رحمهم الله تعالي جميعاً .
وكل هذا مجرد وهم من عبد الرزاق ، صنعه عقله ، ونطقه بلسانه ، وهذا عند كل عاقل لا يجعل له وجوداً .
أما من يقوي هذا بذاك فهو يرسم بالرمال علي الماء .
وهذا وهم ضبطه أبو حاتم أيضاً وأبو زرعة .
كيف ضبطه أبو حاتم رحمه الله ؟
أبو حاتم حافظ كبير ، والمعروف عنده أن الحديث عن منصور عن جامع بن شداد ، وكذا رواه أبو معاوية عن الأعمش عن جامع بن شداد ، وأبو معاوية من أثبت الناس في الأعمش إن لم يكن أثبتهم ، فالحديث حديث جامع بن شداد وليس حديث أبي وائل شقيق ، وإنما سلك عبد الرزاق الجادة لسوء حفظه .
ـ علل ابن أبي حاتم حديث 2415 :
قال رحمه الله : سألت أبا زرعة عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم في النهي عن الأكل بالشمال .
فقال : هذا خطأ .
قلت : قد تابع معمراً في هذا الحديث عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري ؟
فقال أبو زرعة : الناس يقولون عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر وهذا الصحيح .
قوله : الناس يروونه أي أصحاب الزهري رحمهم الله ، وهذا يبين أنه لولا أن ثقات أصحاب الزهري رحمهم الله رووه عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر لما استطاع أبو زرعة أن يعرف أن عبد الرزاق أخطأ في هذا الحديث وأنه سلك الجادة المشهورة .
وهذا خطأ آخر من عبد الرزاق أبدل راو بآخر ، وضبطه أبو زرعة الرازي الحافظ الكبير.
وله في ذلك سلف وهو عبد الرحمن بن إسحاق !!!
والظن أنه أي عبد الرزاق سمعه من معمر على الصواب ثم لسوء حفظه اختلفت عليه رواية عبد الرحمن بن إسحاق فروى مثلها عن معمر وربما العكس .
وهذا فيه دلالة على أن الاثنين يتفقان على رواية وتكون خطأً ، أي أن اتفاقهما لا يثبت أن لها أصلاً كما يظن بعض المشتغلين بكتب المصطلح !!!
ولا حظ أن الحكم علي الروايتين بأنهما وهم يعني أن كلتاهما لا وجود لها في الحقيقة ، بل وجودهما فقط في عقول من رواهما ، فتقوية واحدة منهما بالأخري عمل لا يقبله عقل سليم يتحري الحق الذي أوحاه جبريل إلي نبينا محمد عليهما السلام .
ـ علل ابن أبي حاتم حديث 2470 :
قال رحمه الله : سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن السائب بن يزيد قال : كان عمر يمر علينا نصف النهار أو قبيله فيقول : قوموا فقيلوا فما يقيل الشيطان .
قال أبي : ليس فيه ابن حزم من رواية ابن المبارك .
أي أنه يقول : إن عبد الله بن المبارك رحمه الله رواه عن معمر عن سعيد عن السائب رضي الله عنه مرسلاً ، وابن المبارك أثبت من عبد الرزاق بكثير ، فكأن أبو حاتم يقول أن عبد الله بن المبارك رواه مرسلاً ولم يذكر فيه أبا بكر بن عمرو بن حزم فيكون فيه إرسال ، فوصله عبد الرزاق ، ولكن الرواية الصحيحة هي رواية ابن المبارك رحمه الله .
فحكم أبو حاتم لرواية عبد الله بن المبارك ، لأنه أثبت من عبد الرزاق وأوثق بكثير .
فهـذا خطأ آخر من عبد الرزاق وهو وصل مرسل بزيادة رجل في السند ، وعده أبو حاتم علي عبد الرزاق .
والذي سيقوي الرواية المرسلة بالمتصلة ويقول أن هذا يدل علي أن لها أصلاً يحاول أن يجعل الروح تدب في ميت مات منذ إتنتي عشرة قرناً من الزمان ، فهذه الرواية المكان الوحيد الذي رويت فيه هو عقل عبد الرزاق .
والشيخ الوحيد الذي رواها هو عقل عبد الرزاق .
ـ سؤالات البرذعي لأبي زرعة 2/450 :
قال البرذعي : قال : أبو زرعة ذاكرت أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن موسى عنه ( عبد الرزاق ) عن أبي معشر عن الربيع بن أنس . . . . . . الحديث .
فقال أحمد : هو حدثنا به ( أي عبد الرزاق وكان شيخه ) عن أبي جعفر ( أي ليس عن أبي معشر ) وذهب إلى أن إبراهيم أخطأ فيه ( يعني أحمد رحمه الله بإبراهيم : إبراهيم بن موسي شيخ أبي زرعة ) لأن أبا معشر لم يسمع من الربيع بن أنس ، وهذا خطأ فاحش .
قلت لأحمد : فحدثنا عنه ( أي عن عبد الرزاق ) حماد بن زاذان القطان عن أبي معشر ، فرأيت أحمد قد احمرت وجنتاه واغتم ، وذلك أنه كان يعظم أبا زياد القطان وكان يعرفه وكان رفيقه في طلب الحديث .
ومعنى هذا أن عبد الرزاق حدث مرة عن أبي جعفر ومرة عن أبي معشر وذلك في أوقات متقاربة ، أي قبل أن يكبر في السن ، لأن شيوخ أبي زرعة أقران أحمد رحمهم الله تعالى ، وقد اختلفوا عليه ، فلما فهم أحمد رحمه الله هذا المعنى تغير وجهه ، وذلك لأن عبد الرزاق شيخه وعنده حديث كثير عنه .
وهذا أيضاً وهم من عبد الرزاق إبدال رجل برجل ، والرجل الذي أبدله من السند لم يسمع من شيخه ، كما قال أحمد بن حنبل ، وهذه دلالة للراوي تساعده علي تذكر أسماء الرواة ، كون هذا سمع من ذاك ويروي عنه ، وهذا لم يسمع عنه ولا يروي عنه .
بالطبع لم نجمع أوهام عبد الرزاق ولكن لمن أراد أن يراجعها في علل ابن أبي حاتم وكذا علل أبي الحسن الداراقطني معين لا ينضب في جمع هذه الأخطاء لمن أراد التوسع ، وفيها العديد من أوهام عبد الرزاق ، وأول حديث فيها فيه وهم علي ما أذكر لعبد الرزاق رحمه الله ، وأظنه إبدال خنيس بن حذافة بحبيش بن حذافة ، وهذا خطأ منه في إسم صحابي مشهور .
فهذه ببساطة هي طريقة الحكم على الرواة ، نجمع حديث الراوي محل البحث ثم نقارن كل حديث رواه بروايات الآخرين فنقف على مواضع الزلل والخلل ونعلم قدر هذا الراوي بالضبط ، وهذه هي الطريقة الوحيدة ، لا سبيل غير ذلك .
فإذا جاء رجل لا يعلم هذا الكلام ، أو لم يراجع طرق أحاديث الرواة المتكلم فيهم ورأي أبا حاتم في الجرح والتعديل يقول : عبد الرزاق لا يحتج بحديثه !! قال : إن أبا حاتم من المتشددين !! ، وأخذ في تقسيم المحدثين إلي فئات : إلي متشددين ومتوسطين ومتساهلين !!
وعلي هذه القسمة الفاسدة كثير من المنتسبين إلي العلم !!
لم لا تقول أنه ظهر له علم خفي عن غيره ؟ ، خاصة وأن الأمر يعتمد علي جمع طرق حديث كل راو ، ولأن كل عالم وحافظ من الحفاظ لم يجمع كل حديث الدنيا ربما اختلفوا في توثيق رجل أو تضعيفه ، فهذا أحمد بن حنبل رحمه الله غاب عنه ما علمه أبو زرعة من رواية عبد الرزاق عن أبي معشر وقد سمعه هو من عبد الرزاق من رواية أبي جعفر ، ولما سمع هذا الكلام تغير وجهه ، فكل من تكلم في أحد رواة الحديث إما زاد علمه عن غيره أو نقص علمه عن غيره .
لذا يختلفون أحياناً في الحكم علي بعض الرواة ، فتري شعبة المتشدد كما يصنفونه يتساهل أحياناً !!
وكذا أبو حاتم المتشدد عندهم ،
وتري البخاري الذي يصفونه بالتوسط يتشدد أحياناً ويتساهل أحياناً ،
ولكن هذا لا يعني أن الحق ضائع ، بل حسم الأمور يكون بجمع روايات هذا الراوي ودراستها كما في المثال السابق ليكون القول في الراوي قولاً واحداً ، ولم يتفرد أبو حاتم في مثالنا هذا بالكلام في عبد الرزاق .
وأبو زرعة أيضاً يتكلم في عبد الرزاق ،
وكذا البخاري يقول عنه : عبد الرزاق يهم في بعض ما يحدث به !!! ،
وأحمد تغير وجهه عندما سمع مقالة أبي زرعة ،
وتكلم فيه والعقيلي أيضاً .
فكم الأخطاء التي يقع فيها الراوي ونوعيتها ومدى فحشها ، هي التي تحدد درجة الراوي هل هو ثقة ثبت متقن أي خطؤه نادر معروف معدود ، وهناك الثقة وهو أدنى ، وكلما زادت الأخطاء وفحشت نزلت الرتبة !! وهكذا . . .
ـ الجرح والتعديل ج1 / ص77
نا محمد بن يحيى ، أخبرني يوسف بن موسى التستري ، قال سمعت أبا داود يعنى الطيالسي يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : ما رأيت أورع من جابر الجعفي في الحديث .
فهذا هو سفيان الثوري قد تساهل جداً في التوثيق !! ، حتي أنه وثق جابراً المتهم بالكذب من غير واحد .
ـ شرح علل الترمذي ج2 / ص567
قال أمية بن خالد قلت لشعبة : مالك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان ؟ ، قال تركت حديثه ، قلت : تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي وتدع عبد الملك بن أبي سليمان ؟ ، وكان حسن الحديث .
وهاهنا تشدد شعبة في أمر عبد الملك بن أبي سليمان ، وتساهل في أمر محمد بن عبيد الله العرزمي ، وعامة النقاد علي خلافه في هذا ، فكيف يتساهل شعبة المتشدد ؟؟!!
الأمر كما رأيت نسبي ، فالمتساهل قد يتشدد في بعض الرواة ، والمتساهل قد يتشدد في بعض الرواة تبعاً لما يسبره من حديثهم ، فإن لم يبلغه ما بلغ غيره من دواعي الجرح من كثرة خطأ الراوي محل البحث وثق هذا الراوي الذي جرحه آخرون غيره ، فقالوا عنه أنه متساهل .
وإن بلغه ما لم يبلغ غيره من دواعي الجرح في الراوي من كثرة خطئه ، جرح الراوي محل البحث ، فإذا وثقه غيره ممن لم يعلم هذه الروايات سبب الجرح ، قالوا عنه أنه متشدد !!
والبخاري المتوسط كما يصفونه ، يتشدد في رواة ، ويتساهل في رواة كفليح بن سليمان الذي وضعه في مرتبة الاحتجاج في صحيحه .
ويحيي بن معين المتشدد كما يصفونه ، يتساهل في مسلم بن خالد الزنجي ويوثقه ، بينما يتشدد فيه البخاري المعتدل المتوسط ويقول : منكر الحديث .
وشعبة المتشدد يصف محمداً بن إسحاق بأنه أمير المؤمنين في الحديث !!
ومالك يصفه بأنه دجال من الدجاجلة ،
وكذبه هشام بن عروة علي ما أذكر !! ،
ولم يحتج به البخاري ولا مسلم ،
ومع هذا يصفه شعبة بأنه أمير المؤمنين في الحديث ، وليس مجرد ثقة من الثقات !! ، وشعبة هذا هو رأس التشدد في نقد الرجال عند أصحاب هذه التقسيمة المحدثة الفاسدة !!
وهؤلاء الذين جرحوا محمداً بن إسحاق من المتوسطين في الجرح والتعديل كما يصنفهم أصحاب كتب المصطلح التي خرجت في ظلام القرن الخامس والسادس والسابع في غيبة من علوم الحديث ، وحضور المذهبية المقيتة ، والفلسفة والكلام الذي كان عمدة المناظرات الدينية .
وعلي هذا ومن غير تطويل في هذه الجزئية فالذي يصفونه بالتشدد قد يتساهل أحياناً ، والذي يصفونه بالتساهل قد يتشدد أحياناً ، والذي يصفونه بأنه من المتوسطين قد يتساهل أحياناً ويتشدد أحياناً ، وكل منهم إنما يحكم علي الراوي بما ظهر له ، من كثرة خطأه أو قلته أو عدمه ، تبعاً لما بلغه من روايات مسندة ، لذا فغنني أري أن إطلاق هذه الأقوال علي أئمة الجرح والتعديل ، وتقسيمهم إلي ثلاث طبقات أمر يجانبه التوفيق والصواب ، والله تعالي أعلم ، أسأل الله سبحانه وتعالي أن ييسر لي بحثاً مطولاً في هذه النقطة الهامة ، ألا وهي تقسيم نقاد الحديث إلي ثلاث طبقات : متشددين ، ومعتدلين ، ومتساهلين ، لما لها من أهمية لا تخفي في قضية وضع أقوال أهل الجرح والتعديل في نصابها الصحيح ، والله المستعان .