نماذج من اصطلاحات المحدثين المقاربة للفظة الحسن
في المبحث السابق حاولنا قدر جهدنا أن نبين لمن يبحث عن الحقيقة أن ما قصده المتقدمون بلفظة الحسن خلاف ما فهمه المتأخرون تماماً ، وظهر لنا جلياً تباين المعني والمقصد بين الفريقين ، هذا لمن كان يبحث عن الحق ، أما من يبحثون هذه المسألة وفي ذهنهم قدسية كلام ابن الصلاح وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ، فليس هناك ما يوجب عليكم هذه المشقة ، ولا ما يوجب عليكم الاستمرار في القراءة ، يكفي أن تغلق الكتاب وتشتم صاحبه كما هي العادة !!!
فأنتم مقتنعون بالنتيجة مقدماً قبل البحث ، خاصة وأن هناك فريقاً من المنتسبين للحديث تابعه علي هذا الفهم .
ولما استغلقت الأمور في بعض الأحيان مع بعض الأمثلة التي يصعب إطلاق الحسن الاصطلاحي عند المتأخرين عليها ، وأطلق عليها المحدثون المتقدمون الوصف بالحسن ، قالوا : إن لكل محدث من المحدثين المتقدمين اصطلاحات خاصة به !!
واستخدم المحدثون الأوائل اصطلاحات عديدة تؤدى نفس المعني ، وكلهـا عجز المتأخرون عن فهمها حتى أنهم قالـوا : إن لكل إمام اصطلاحات خاصة به كما سبق أن أشرنا قبل قليل !!!
وهذا والله أقرب للهو الصبيان منه إلي دين !!!
لكل إمام اصطلاح خاص به ؟!!!
ولم يسأل واحد منهم الآخر ماذا تعنى بقولك صالح الحديث مثلاً ؟
أو ماذا تقصد بقولك فلان مقارب الحديث ؟
كأن هؤلاء الرجال أصحاب العقول الفذة والهمم العالية لا عقول لهم !!
يسمعون اصطلاحات لا يفهمونها ويسكتون ولا يسألون !!!
ـ فمثلاً أبو داود يستعمل لفظة صالح .
قال أبو داود رحمه الله : ما كان في كتابي هذا من حديث فيه وهن شديد بينته ، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح .
قال ابن حجر :
يفهم من هذا أن الذي فيه وهن غير شديد لا يبينه .
نقول : وهذا صحيح .
وللعلماء في سكوته تأويلات :
أ ـ صالح أي صالح للاحتجاج به ، وهذا فيه نظر .
ب ـ صالح للشواهد والمتابعات ، وهذا أيضا لا يسلم .
ج ـ صالح يقابل الحسن ، وهو المعتمد عندنا بالاستقراء .
ولكن الحسن الذي نعنيه هنا هو الحسن عند المتقدمين ، لا عند المتأخرين .
قال الحافظ ابن حجر :
فكم من حديث أخرجه في سننه وسكت عنه ثم تكلم هو عنه بعد ذلك في إجاباته علي السؤالات .
نقول :
صالح عنده لفظة في المعني تساوي حسن تماماً عند الترمذي والبخاري ، فكم من حديث وصفوه بالحسن وهو صحيح أو ضعيف !!
وكذا أبو داود كم من حديث سكت عنه ، أي صالح عنده وهو صحيح ، وكم من حديث سكت عنه ثم ضعفه بعد ذلك في سؤالاته .
ولكن ما كان فيه ضعف شديد أي لا يكتب ويجب أن يطرح فقد بينه رحمه الله حسب اجتهاده .
ولاحظ أنه سكت عن المنقطع والمدلس وأسانيد لا تصلح لا للاحتجاج ولا غيره ، فهذا من أقوي ما يبين أنه لم يعن الاحتجاج بما سكت عنه وإنما عني صالح للكتابة والتدوين وليس بمطروح .
والدارس لكتب الذين ألفوا خارج نطاق الصحيح يعلم جيداً أن أصحابها لم يصنفوها للاحتجاج ، ومنها كتب السنن التي كان الغرض منها ترتيب الأدلة علي الأبواب وليس الاحتجاج بهذه الأحاديث في هذه الأبواب وهو واضح لمن تدبر .
ـ سنن أبي داود :
248ـ حدثنا نصر بن علي حدثني الحارث بن وجيه ثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر ) ،
قال أبو داود : الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف .
ـ التاريخ الكبير :
الحارث بن وجيه الراسبي البصري ، سمع مالك بن دينار ، سمع منه زيد بن حباب ، ونصر بن علي ، فيه بعض المناكير ، نسبه نصر بن علي .
ـ الجرح والتعديل :
الحارث بن وجيه الراسبين روى عن مالك بن دينار ، روى عنه زيد بن حباب ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبو سلمة ، وأبو عمر الحوضي ، والمقدمي ، ونصر بن علي ، سمعت أبي يقول ذلك ، حدثنا عبد الرحمن انا بن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال : سمعت يحيى بن معين يقول : الحارث بن وجيه ليس حديثه بشيء ، سمعت أبي يقول : الحارث بن وجيه ضعيف الحديث ، في حديثه بعض المناكير .
ـ الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي :
الحارث بن وجيه الراسبي بصري ، يروي عن مالك بن دينار ، قال يحيى : ليس بشيء ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال ابن حبان : ينفرد بالمناكير عن المشاهير .
ـ الكامل في ضعفاء الرجال :
الحارث بن وجيه الراسبي بصري ، حدثنا بن حماد ثنا عباس ثنا يحيى قال : الحارث بن وجيه ليس حديثه بشيء ، ثنا الجنيدي ثنا البخاري قال : الحارث بن وجيه الراسبي عنده بعض المناكير ، سمع مالك بن دينار البصري سمعت بن حماد يقول : قال : البخاري الحارث بن وجيه الراسبي روى عنه زيد بن الحباب في حديثه بعض المناكير ، وقال النسائي : الحارث بن وجيه ضعيف ، ثنا الفضل بن الحباب ثنا أبو عمر الحوضي ثنا الحارث بن وجيه عن مالك بن دينار عن بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشر ) ، حدثنا محمد الواسطى ثنا الصلت بن مسعود ثنا الحارث بن وجيه ثنا مالك بن دينار سألت أنس بن مالك عن قوله : " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " ، قال : كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة فنزلت فيهم تتجافي جنوبهم عن المضاجع ، قال الشيخ : وهذان الحديثان بأسانيدهما عن مالك بن دينار ، لا يحدث عن الحارث بن وجيه ، وللحارث غير ما ذكرت من الروايات شيء يسير ولا أعلم له رواية إلا عن مالك بن دينار .
ـ ضعفاء العقيلي :
الحارث بن وجيه بصري ، عن مالك بن دينار ، حدثنا أحمد بن على الأبار قال : سمعت نصر بن على الجهضمي يضعف الحارث بن وجيه ، وحدثنا محمد بن عيسى قال : حدثنا العباس بن محمد قال : سمعت يحيى بن معين يقول : الحارث بن وجيه ليس حديثه بشيء ، وحدثني آدم بن موسى قال سمعت البخاري قال : الحارث بن وجيه الراسبي فيه بعض المناكير ، ومن حديثه ما حدثناه إبراهيم بن محمد قال : حدثنا حفص بن عمر الحوضي قال : حدثنا الحارث بن وجيه قال : حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تحت كل شعرة جنابة ألا فاغسلوا الشعر واتقوا البشرة ) ، قال : لا يتابع عليه حديث منكر وله إسناد غيرهما فيه لين أيضاً .
ـ المجروحون :
الحارث بن وجيه الراسبي من أهل ألبصرة ، يروى عن مالك بن دينار ، روى عنه زيد بن حباب ، والحوضي ، كان قليل الحديث ، ولكنه يتفرد بالمناكير عن المشاهير في قلة روايته ، سمعت الحنبلي يقول : سمعت أحمد بن زهير يقول عن يحيى بن معين قال : الحارث بن وجيه ليس بشيء .
ـ تاريخ ابن معين (رواية الدوري) :
سألت يحيى عن الحارث بن وجيه فقال ليس حديثه بشيء .
فقول أبي داود رحمه الله : حديث الحارث بن وجيه منكر ، أي حديث خطأ ، لا يكتب أصلاً ، لأنه ليس بصواب ، ولذا لم يسكت عنه بل بينه .
وفي هذا فائدة كبيرة جداً ، وهي أنهم كانوا يكتبون الأحاديث في تصانيفهم وهم يعلمون أن منها الصحيح ، ومنها الضعيف ، ومنها المطروح .
وهذا يعني أنهم لم يضعوا هذه الأحاديث للاحتجاج بها في هذه الأبواب ، وإنما علي سبيل الجمع لما يعرفوه أو ما سمعوه من شيوخهم في المسائل الفقهية المختلفة ، بل أن منهم من تعمد جمع المنكرات وشديد الضعف علي الأبواب الفقهية كالداراقطني في سننه رحمه الله تعالي !!
ـ سنن أبي داود :
1377ـ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ثنا عبد الله بن وهب أخبرني مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال ما هؤلاء ؟ ، فقيل هؤلاء ناس ليس معهم قرآن ، وأُبَيّ بن كعب يصلي وهم يصلون بصلاته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أصابوا ونعم ما صنعوا .
قال أبو داود : ليس هذا الحديث بالقوي مسلم بن خالد ضعيف .
ـ التاريخ الكبير :
مسلم بن خالد أبو خالد الزنجي ، عن بن جريج ، وهشام بن عروة ، منكر الحديث ، قال علي : ليس بشيء .
ـ الجرح والتعديل :
مسلم بن خالد الزنجي وهو بن خالد بن سعيد بن جرجه أبو خالد ، وأصله من الشام ، والزنجي لقبه ، كان أبيضاً مليحاً ، روى عن بن أبى ملكية ، والزهري ، وعمرو بن دينار ، وابن أبى نجيح ، وهشام بن عروة ، وابن جريح ، روى عنه محمد بن إدريس الشافعي ، وأحمد بن عبد الله بن يونس ، والحكم بن موسى ، وابن نفيل الحراني ، وعبد الأعلى بن حماد النرسي ، وسعيد بن عون ، وإبراهيم بن شماس ، وإبراهيم بن موسى ، وابن أبى الشوارب ، والحميدي ، سمعت أبى يقول ذلك ، نا عبد الرحمن انا أبو بكر بن أبى خيثمة فيما كتب إلىّ قال : سمعت يحيى بن معين يقول : مسلم بن خالد الزنجي ثقة ، نا عبد الرحمن سمعت أبى يقول : قال على بن المديني : مسلم بن خالد ليس بشيء ، نا عبد الرحمن قال سألت أبى عن مسلم بن خالد الزنجي ؟ فقال : ليس بذاك القوى ، منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج ، به تعرف وتنكر .
ـ التاريخ الصغير :
كنية مسلم بن خالد الزنجي : أبو خالد المكى مولى عبد الله بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر المخزومي القرشي ، كناه آدم ، قال على : ليس بشيء .
فهذه الرواية كما وصفها أبو داود ، ومسلم بن خالد ليس بشيء كما قال عنه غير واحد كما رأيت .
ـ سنن أبي داود :
1854ـ حدثنا مسدد ثنا عبد الوارث عن حبيب المعلم عن أبي المهزم عن أبي هريرة قال : ثم أصبنا صرماً من جراد فكان رجل منا يضرب بسوطه وهو محرم ، فقيل له : إن هذا لا يصلح ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما هو من صيد البحر .
سمعت أبا داود يقول أبو المهزم ضعيف والحديثان جميعاً وهم .
ـ التاريخ الكبير :
يزيد بن سفيان أبو المهزم البصري عن أبي هريرة تركه شعبة روى عنه حماد بن سلمة .
ـ الجرح والتعديل :
يزيد بن سفيان أبو المهزم بصرى ، روى عن أبى هريرة ، روى عنه حماد بن سلمة ، وسليم بن حيان ، وعباد بن منصور ، سمعت أبى يقول ذلك ، نا عبد الرحمن نا أبى عن مسلم بن إبراهيم قال : نا شعبة قال : رأيت أبا المهزم لو أعطوه فلسين لحدثهم سبعين حديثاً ، حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن إبراهيم بن شعيب نا أبو حفص عمرو بن علي قال : ما سمعت يحيى وعبد الرحمن يحدثان عن أبى المهزم شيئاً قط ، نا عبد الرحمن انا حرب بن إسماعيل فيما كتب إلى قال : سألت احمد بن حنبل عن أبى المهزم ؟ ، فقال : ما أقرب حديثه ، نا عبد الرحمن قال ذكره : أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال : أبو المهزم ضعيف ، وقال مرة : لا شيء ، نا عبد الرحمن قال : سألت أبا زرعة عن أبى المهزم يزيد بن سفيان ؟ ، فقال : ليس بقوي شعبة يوهنه ويقول كتبت عنه مائة حديث ما حدثت عنه بشيء حكي على بن المديني عن عبد الرحمن بذلك ، نا عبد الرحمن قال : سمعت أبى يقول هو ضعيف الحديث .
ـ الضعفاء والمتروكون للنسائي :
يزيد بن سفيان أبو المهزم : متروك الحديث بصري .
ـ الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي :
يزيد بن سفيان أبو المهزم البصري ، يروي عن أبي هريرة ، قال يحيى : ليس حديثه بشيء ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال علي بن الجنيد : شبه المتروك ، وقال الداراقطني : ضعيف .
ـ الكامل في ضعفاء الرجال :
يزيد بن سفيان أبو المهزم ، ثنا محمد بن الرومي النيسابوري ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا مسلم بن إبراهيم قال : سمعت شعبة يقول : رأيت أبا المهزم في المسجد وهو يعطى درهماً لوضع حديثاً ، ثنا بن أبى مريم قال : سمعت يحيى بن معين يقول : اسم أبى المهزم يزيد بن سفيان وثنا بن حماد ثنا معاوية عن يحيى قال : أبو المهزم يزيد بن سفيان ليس حديثه بشيء ، ثنا بن حماد حدثني عبد الله عن أبيه قال : أبو المهزم وهو كذا وكذا قد روى عنه شعبة .
ـ كتاب الضعفاء :
يزيد بن سفيان أبو المهزم ، روى عن أبي هريرة المناكير ، تركه شعبة وأساء فيه القول .
ـ ضعفاء العقيلي :
يزيد بن سفيان أبو المهزم ، ولا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به ، حدثنا إبراهيم بن محمد ومحمد بن إبراهيم قال حدثنا مسلم : قال سمعت شعبة يقول : كان أبو المهزم في مسجد ثابت مطروح لو أعطاه إنسان فلساً حدثه سبعين حديثاً ، حدثنا محمد قال : حدثنا عمرو بن علي قال : لم أسمع يحيى يحدث عن أبي المهزم بشيء قط وقد سمعت أبا داود يقول : سمعت شعبة يقول : حدثني من سمعه من أبي هريرة ، قلت : من هو ؟ قال : أبو المهزم ، حدثني محمد بن حفص الجوزجاني سمعت أبا قدامة قال : قال بهز : كان أبو المهزم يضعف ، حدثنا عبد الله قال : سألت أبي عن أبي المهزم ؟ ، فقال : هو كذا وكذا ، حدثنا محمد حدثنا معاوية قال : سمعت يحيى قال : أبو المهزم يزيد بن سفيان ليس حديثه بشيء ، ومن حديثه ما حدثناه محمد بن أحمد الأنطاكي قال حدثنا الهيثم بن جميل حدثنا حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم الجراد من صيد البحر .
ـ المجروحون :
يزيد بن سفيان أبو المهزم من أهل البصرة يروي عن أبي هريرة روى عنه حماد بن سلمة والبصريون وكان شيخاً صالحاً لم يكن العلم صناعته كان ممن يهم ويخطئ فيما يروي فلما كثر في روايته مخالفة الأثبات خرج عن حد العدالة قد تركه شعبة ، أخبرنا الهمداني قال : حدثنا عمرو بن علي قال : ما سمعت يحيى بن سعيد يحدث عن أبي المهزم بشيء قط أخبرنا عبد الله بن الحسين قال حدثنا عباس بن محمد قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا شعبة قال : رأيت أبا المهزم في مجلس ثابت البناني لو أعطاه إنسان فلساً حدث به تسعين حديثاً ، قال أبو حاتم وهو الذي روى عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المؤمن أكرم على الله من الملائكة..... .
ـ تقريب التهذيب :
أبو المهزم بتشديد الزاي المكسورة التميمي البصري اسمه يزيد وقيل عبد الرحمن بن سفيان متروك من الثالثة د ت ق .
ـ سؤالات البرقاني للداراقطنى :
وعن يزيد بن أبي سفيان فقال : أبو المهزم بصري أساء القول فيه شعبة يترك .
فهؤلاء مجرد نموذج للرواة الذين يبين أبو داود رحمه الله سبحانه وتعالي حديثهم ، وهم في الغالب من الذين في ضعفهم شدة ، أو من المتروكين .
نعم قد يختلف الحكم علي الرواة في بعض الأحيان من عالم لآخر ، أي ربما وجدنا من تكلم فيه أبو داود وبين ضعف حديثه ثم وجدنا من يحتج بحديثه أو من يوثقه ، وهذا من جراء التفاوت في الحفظ والطلب بين أهل الحديث رحمهم الله تعالي ، وكذا ربما وجدنا من لا يبين أبو داود ضعف حديثه ، وهو متهم عند غيره من النقاد ، رحم الله الجميع ورضي عنهم .
وأبو حاتم يستخدم لفظة صدوق :
وهي أيضاً تعنى أن هذا الراوي حسن الحديث أي يكتب حديثه ويدخل فيها الصحيح والضعيف كما قدمنا .
أما كون حديثه يحتج به أم لا فهذا يختلف .
ولهذا نري أبو حاتم يطلق الصدوق علي الثقات وغيرهم ومن أراد استقصاء الأمر فكتب جيل الرجال أمامه .
وسنضرب بعض الأمثال من أقوالهم من غير أن نطيل البحث إن شاء الله :
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل :
الجزء الأول ترجمة 29 أحمد بن جعفر البغدادي : ثقة صدوق .
ترجمة 47 أحمد بن خالد الخلال : خيراً فاضلاً عدلاً صدوقاً رضا .
ترجمة 59 أحمد بن سليمان بن عبد الملك : صدوق ثقة .
ترجمة رقم 179 أحمد بن هاشم :
سمعت أبي وأبا زرعة يقولا : كتبنا عنه ، ورويا عنه .
قال : وسئل أبي عنه فقال : صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به .
ترجمة 756 إسحاق بن الربيع :
حدثنا عبد الرحمان نا محمد بن إبراهيم بن شعيب نا عمرو بن علي قال : اسحاق بن الربيع أبو حمزة ضعيف الحديث ، روى أحاديث عن الحسن في التفسير حساناً .
سألت أبي عن اسحاق بن الربيع أبي حمزة العطار فقال : يكتب حديثه كان حسن الحديث . انتهي كلامه باختصار .
وروي ابن أبي حاتم بسنده إلي عبد الله بن المبارك أنه كان إذا حدث عن جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : حدثني الصدوق عن الصدوق عن الصدوق عن الصدوق عن الصدوق عن الصادق المصدوق .
والسند عندي فيه نظر لكنه يصلح شاهداً لما قبله ، أما وحده فلا يصلح للحجية .
وكذا رقم 60-80-106-119-125-135-165-383-439-472-531-539-546-620-770-……..
وغيرها كثير لمن أراد أن يبحث وينقب كل هؤلاء الثقات وصفهم بصدوق !!
فهل بعد هذا نقول أن الصدوق هو من خف ضبطه ؟؟
إن الصدوق هو الذي اشتهر بتحري الصدق في الرواية بصرف النظر عن درجته في الرواية .
هو ليس بكذاب ، ولا متهم ، فحـديثه حسن أي ليس بمطروح ولكـن يكتب حديثه إن لم يكن شاذاً ، وكان يروي من غير وجه .
وتأمل كلام ابن أبي حاتم في كتابه العظيم الجرح والتعديل :
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطى ، قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي وربما جرى ذكر رجل صدوق في حديثه ضعف ، فيقول : رجل صالح الحديث تغلب ، يعنى أن شهوة الحديث تغلبه .
قال ابن أبي حاتم: فقد أخبر أن الناقلة للآثار والمقبولين على منازل ،
وأن أهل المنزلة الأعلى : الثقات .
وأن أهل المنزلة الثانية : أهل الصدق والأمانة .( أقول : لاحظ أنه قسمهم إلي منزلتين فقط إما ثقة أو ليس بثقة وكلاهما حديثه حسن والراوي نفسه حسن الحديث فتأمل ولاحظ وصفه لهم بالمقبولين ) .
ووجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى :
وإذا قيل للواحد : إنه ثقة ، أو متقن ثبت ، فهو ممن يحتج بحديثه . ( أقول : ولاحظ أيضا أن الاحتجاج فقط يكون بحديث الثقة ) .
وإذا قيل له : إنه صدوق ، أو محله الصدق ، أولا بأس به ، فهو ممن يكتب حديثه ، وينظر فيه ، وهي المنزلة الثانية .
( أقول : تأمل الفرق بين المعنيين ، الكتابة والاحتجاج ) .
وإذا قيل : شيخ ، فهو بالمنزلة الثالثة ، يكتب حديثه ، وينظر فيه ، إلا أنه دون الثانية .
وإذا قيل : صالح الحديث ، فإنه يكتب حديثه للاعتبار.
وإذا أجابوا في الرجل بلين الحديث ، فهو ممن يكتب حديثه ، وينظر فيه اعتباراً .
وإذا قالوا : ليس بقوي ، فهو بمنزلة الأولى ، في كتبة حديثه ، إلا أنه دونه .
وإذا قالوا : ضعيف الحديث ، فهو دون الثاني ، لا يُطرح حديثه ، يعتبر به .
( أقول : فحتي هذه المنزلة لا يطرح حديث الراوي بل يكتب علي تفاوت أصحاب هذه المنازل في الحفظ والإتقان ، الثقة يكتب حديثه للاحتجاج ، وباقي الرتب يكتب حديثها للاعتبار والاستشهاد ) .
وإذا قالوا : متروك الحديث ، أو ذاهب الحديث ، أو كذاب ، فهو ساقط الحديث ، لا يكتب حديثه ، وهي المنزلة الرابعة .
( أقول : وهؤلاء من لا يوصف حديثهم بالحسن ، ولا يوصفون بأنهم حسان الحديث ، بل يطرح حديثهم ولا يكتب ) .
وفي التاريخ الكبير للبخاري:
2151- جَعْفَر بن الحارث ، الواسِطِيّ ، النَّخَعِيّ ، أبو الأشهب.
عن منصور.
وقال يزيد بن هارون : كان ثقةً صدوقًا.
إذن الصدوق قد يكون ثقة ثبتاً وقد يكون أقل من ذلك لكنه في جميع الأحوال فإنه كان ممن يتحرون الصدق في حديثهم عن النبي صلي الله عليه وسلم.
ولمن أراد التوسع في ألفاظ المتقدمين وجمعها لوضعها في نصابها الصحيح عد إلي كتاب الجرح والتعديل والعلل ومعرفة الرجال لأحمد وتاريخ يحيي بن معين والمجروحين لابن حبان وضعفاء العقيلي والكامل لابن عدي ، ففيهم معين لا ينضب من الأمثلة علي هذا والله المستعان .