الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم
أشهد أن لا إله إلا الله وحده وأصلي وأسلم علي من لا نبي بعده ،
ثم أما بعد ،
في عصور الجهل والظلام تنعدم الاتجاهات ، وتنحرف البوصلة ، وبمرور الزمان وانتشار التقليد الأعمي من غير بحث وتمحيص ، وانتشار تقديس غير المعصومين من العلماء وطلبة العلم ، في هذه الظروف كلها مجتمعة تتغير الحقائق وتنعدم الرؤي ، ويصبح الحق غريباً.
بعد أربعة عشرة قرناً ونصف من الزمان صدقت النبوءة ، ووقعنا في النهي ، وتيقنا أنه صلي الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوي !!
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو، مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ، يَقُولُ: سَمِِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ:
"إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.".
أخرجه الحُميدي، وابن أَبي شَيبة، وأَحمد، والدَّارِمي، والبخاري، ومسلم، وابن ماجة، والتِّرمِذي، والبزار، والنسائي، وابن حبان، والبَيهَقي.
ففي عصر الجهل يمكن أن تسمع أي قول تتوقعه ، بل وبعد فترة قصيرة من الزمان سيصبح هذا القول من المسلمات بل من قواعد العلم التي لا تقبل المناقشة !!
أما إن طال عهد فسوف يصبح هذا الجهل هو الدين الذي يتقرب به الناس إلي رب العباد ، ويجاهدون به في سبيله ويوالون ويعادون فيه !!
بعد أن انتهت عصور النور ودخل علي الأمة الإسلامية ليل طويل ، خرجت علينا فرقة من الفرق ابتعدت عن هدي النبي صلي الله عليه وسلم ولم تعرف ما هو الإسلام الذي نزل به جبريل الأمين علي قلب محمد وعلي قلب كل نبي كريم عليهم الصلاة والسلام.
خرجت علينا هذه الفرقة بعبارة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها هو العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة.
خرجت علينا هذه الفرقة لتقول لنا قولاً لا دليل عليه من كتاب ولا صحيح سنة.
وبالرغم من هذا كله لاقي هذا القول رواجاً وانتشاراً ككل ضلالة كالإرجاء والأشعرية والتشيع وغيرها من البدع والضلالات.
خرجت علينا هذه الفرقة لتقول لنا : سوف نفهم الإسلام بفهم السلف الصالح.
إذا جائتنا آية من كتاب الله أو حديث من أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم فسوف نفهمه بفهم السلف الصالح.
عبارة رنانة ، وجملة مجملة ، ومعني مبهم ، للضحك علي السذج في عصور الجهل.
يتعلق بهذا البحث عدة مسائل يجب النظر فيها لنعلم بطلان هذا القول ،
ما هو معني فهم الإسلام بفهم السلف الصالح ؟
ما هو الدليل علي هذه القاعدة من الكتاب أو من صحيح السنة ؟
إذا اختلف فهم السلف في مسألة بل في كل مسألة فماذا نصنع ؟
أولاً : ما هو معني فهم الإسلام بفهم السلف الصالح ؟
المعني هو أنه إذا أردنا أن نعرف معني آية من كتاب الله سبحانه أو حديثاً صحيحاً من أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم فيجب علينا أن نرجع لما فهمه السلف من هذه الآية أو هذا الحديث.
فإن اختلفوا في الفهم لهذه الآية أو هذا الحديث صار الأمر اختيارياً كل واحد من الناس يختار ( بهواه ) ما أعجبه من الأقوال ، ما اقتنع بع ، ما رآه الأقرب للصواب ، يعني بعقله وهواه.
فإذا قال الله تعالي : " وامسحوا برؤسكم " ، سيفهم منها المسلمون أن المطلوب منهم ضمن أعمال الوضوء أن يمسحوا رؤسهم ضمن أعمال الوضوء الشرعي الذي أمرهم به الله سبحانه وتعالي .
ولكن الفهم يختلف من إنسان لآخر ، ويتدخل الفهم اللغوي ، والنفس ، والهوى ، والشيطان ، وتفترق الأمة المسلمة إلي فرق كثيرة ، كل فرقة منهم تمسح الرأس بطريقة تختلف عن الفرقة الأخرى ، ويتركون ما نزل به الروح الأمين علي قلب محمدٍ صلي الله عليه وسلم !!
مع أن الوضوء واحد ، والآية التي أمرت بالمسح واحدة ، والنبي الذي نزلت عليه هذه الآية وأمره الله سبحانه وتعالي ببيانها إلي الناس واحد !!
أنظر لتحب محمداً صلي الله عليه وسلم :
قالت ناس : الباء في اللغة حرف جر لأربعة عشر معني ، منها الإلصاق والاستعانة والتبعيض وغيرها ،
( كون الباء للتبعيض هذا فيه خلاف بين أهل اللغة ) ،
فقال ناس هي في هذه الآية للإلصاق أو الاستعانة ، ثم اختلفوا ، فقالت طائفة بجزيء في المسح شعرة واحدة ، فرد عليه آخر قائلاً : لا بل ثلاث شعرات !!
أما من قالوا بالتبعيض فاختلفوا أيضاً كما اختلف الذين أوتوا الكتاب من قبلهم : فقال ناس منهم يمسح ثلث الرأس ، وقال ناس بل يمسح ربع الرأس !! ،
وهذا الخلاف المقيت الذي فرق الأمة مبني علي الخلاف في قدر كف الإنسان هل هو ثلث الرأس أو ربعه ؟؟!!
وهذا الذي بُنِيَ عليه الخلاف لا ناقة لنا فيه ولا جمل ، وإنما نحن ومن أسلم وجهه لله وهو محسن تبع لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، لا أحد غيره .
وكأن الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالي لمهمة بيان الرسالة لم يكن عنده علم بهذا كله !!
فأصبح المسح فيه حتى الآن أربع أقوال ، في نفس الوضوء ، في نفس الدين ، ولاحظ أن هذه الأقوال الأربعة لم تتطرق لعدد مرات المسح ، ولا كيفيته !!
فإلى كم قول يمكن أن نصل ؟؟
فكيف ستمسح رأسك إذا قمت تتوضأ للصلاة ؟؟
فالمسح الآن : شعرة وثلاث شعرات وربع الرأس وثلث الرأس .
فهم السلف الآن يقول : إذا أردت أن تتوضاً فامسح ثلث رأسك أو ربعها أو ثلاث شعرات أو شعرة واحدة وأنت مخير بين كل هذه الاقوال فأيها فعلتَ اهتديتَ.
هذا هودين من يفهمون بفهم السلف
معرض كبير فيه كل ما تريد بل أيضاً يمكنك أن تفعل هذا تارة وهذا تارة أخري ولا تثريب عليك ( في الدنيا ) فقد اتبعت فهم السلف !!
هذا هو ما يدعوننا إليه من يسمون أنفسه السلف أو السلفية أو السلفيين ، يدعوننا إلي أن نفرق ديننا ونكون شيعاً.
هذا مثال واحد علي فهم السلف في مسألة واحدة ، وقس عليها كل مسألة في الدين ، في الصلاة أو الصيام أو الحج أو أي شيء يخطر ببالك.
هل هذا هو الإسلام الذي جاء به محمد والنبيين من قبله ؟؟؟؟؟
ما هو الدليل علي هذه القاعدة من الكتاب أو من صحيح السنة ؟
ما من فرقة ضلت في الإسلام إلا واستدلت بشبهات ظنتها أدلة وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ، ومنهم هؤلاء أصحاب هذه الدعوة الباطلة لاتباع فهم السلف والاختيار منه كما يجبون ويشاؤون ،
استدل هؤلاء بأشياء ظنوها أدلة أو لووها لتكون أدلة لقول باطل يخالف الإسلام شكلاً وموضوعاً.
قالوا : زكي الله سبحانه وتعالي أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم في مواضع من كتابه ، وزكاهم رسول الله صلي الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة ، ومعني هذا ان منهجهم صحيح ولو لم يكن منهجهم صحيح لما زكاهم.
كلام حق أريد به باطل ، منهجهم الصحيح الذي زكاهم بسببه هو التسليم في الاتباع للنبي صلي الله عليه وسلم ، أي علاقة الآن بين فهمهم وبين التسليم في الاتباع ؟؟؟
أصحاب النبي عليه السلام ورضي الله عنهم بشر يصيبون ويخطئون ، وقد حدث هذا في حياته صلي الله عليه وسلم مرات ومرات فأقر أحياناً وأنكر أحياناً فدل هذا علي أن فهمهم رضي الله عنهم ليس بمعصوم لا في حياته صلي الله عليه وسلم ولا بعد وفاته وسأفصله في حينه.
قال تعالي : " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم "
قالوا : هذا دليل علي الأمر باتباع اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وأن هذا الاتباع هو الطريق لمرضاة الله سبحانه.
أقول : من فهم أن جملة " والذين اتبعوهم بإحسان " هي أمر باتباع فهم أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم والتابعين لهم ( ويقصدون بهذا المعني الاصطلاحي للتابعين ) فقد جانبه الصوب وابتعد عن السياق ، وحمل النص ما لا يتحمله.
كل ما في الآية أن الله عز وجل يتكلم عن اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ويقول أن منهم السابقون الأولون للإسلام وهؤلاء فيهم المهاجرون والأنصار الأوائل ، ومنهم ايضاً فريق آخر لحق بهم بعد ذلك وهم الذين أسلموا فيما بعد كمسلمة الفتح ومن هاجر بعد استقرار الإسلام في المدينة.
فالقصة كلها تتحدث عن أصحاب النبي عليه السلام ويخبر الله سبحانه أنه قد رضي عنهم جميعهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار.
فليس في هذا ما يمكن إدخال التابعين وتابعي التابعين فيه لغةً.
فالسابقون الأولون هم من جاء بيانهم في سورة الحشر في قوله تعالي : " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ، وينصرون الله ورسوله ، أولئك هم الصادقون والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم ، يحبون من هاجر إليهم ، ولا يجدون في صدورهم حاجة ممآ أوتوا ، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة . ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون "
فهم أوائل المهاجرين ومن أسلم من الأنصار في ذلك الوقت .
أما الفريق الآخر فقد ذكره الله تعالي أيضاً في سورة الحشر فقال : " والذين جآءوا من بعدهم ، يقولون : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا . ربنآ إنك رءُوف رحيم "
واستدلوا ايضاً بحديث لا يثبت أبداً عن النبي صلي الله عليه وسلم وهو ( أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم ) وهذا حديث ضعفه غير واحد من المشتغلين بعلم الحدبث الشريف علي مر الزمان منهم :ابن حجر العساقلاني وابن الجوزي وغيرهم
بل حكم عليه بعضهم بالوضع كابن حزم وابن عبد البر
والأهم أنه لم يصححه واحد ممن يعتد بقولهم في علم الحديث !!
وبالرغم من هذا كله يتداوله السلفيون كدليل علي اتباع فهم السلف الصالح وأن كل الفهوم تؤدي إلي الجنة وهو فهم باطل كنفس الحديث.
واحتجوا بشيء آخر لا ينهض أبداً وهو حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا . قال : ( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمّر عليكم عبد ؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )
أولا : طرق هذا الحديث :
1- أخرجه أحمد ، وأبو داود ، من حديث الوَلِيد بن مُسْلم ، حدَّثنا ثَوْر بن يَزِيد ، حدَّثني خالد بن مَعْدان ، قال : حدَّثنا عَبْد الرَّحْمان بن عَمْرو السُّلَمِي ، وحُجْر بن حُجْر ، عن العرباض بن سارية ، به.
2- وأخرجه أحمد ، والدارمي ، وابن ماجة ، والترمذي ، من حديث ضَمْرَة بن حَبِيب ، وخالد بن مَعْدان ، عن عَبْد الرَّحْمان بن عَمْرو السُّلَمِي ، أنه سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ ، به.
3- وأخرجه أحمد ، من طريق خالد بن مَعْدان ، عن ابن أَبي بِلاَل ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ، به.
4- وأخرجه ابن ماجة ، من طريق عَبْد الله بن أحمد بن بَشِير بن ذَكْوَان الدِّمَشْقِي ، حدَّثنا الوَلِيد بن مُسْلم ، حدَّثنا عَبْد الله بن العَلاَء ، يعني ابن زَبْر ، حدَّثني يَحيى بن أَبي المُطَاع ، عن العرباض ، به.
قلنا : إسناده ضعيف ، الأول ؛ فيه عبد الرحمان بن عمرو السلمي ، لاتقوم به حجةٌ ، إذ لم يوثقه أحدٌ ممن يُعتمد عليه في الجرح والتعديل ، قال ابن القطان : مجهول ، وقال ابن حَجَر ، في ((التقريب)) : مقبول ، وهذه عنده تعني : لين الحديث ، كما بين في مقدمة كتابه ، خاصة وأن الذي تابعه هو : حُجْر بن حُجْر ، وهو مجهول ، تفرد بالرواية عنه خالد بن معدان ، ولذا أورده الذهبي في الميزان ، وقال : حجر بن حجر الكلاعي ، ما حدث عنه سوى خالد بن معدان ، بحديث العرباض ، مقرونًا بآخر.
وفي التقريب ، قال ابن حجر : مقبول.
والطريق الثاني ، فيه عبد الرحمان بن عمرو السلمي ، سبق الحديث عنه.
قال الحافظ العراقي : عبد الرحمان بن عمرو بن عبسة السلمي ، روى عن العرباض بن سارية ، قال : ((صلى بنا رسول الله ذات يوم ، ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظةً بليغةً...)) الحديث ، رواه عنه خالد بن معدان ، عنه ، وعن حُجر بن حُجر ، عن العرباض بن سارية.
قال ابن القطان : مجهولٌ ، والحديث لا يصح. ((ذيل ميزان الاعتدال)) (523).
والطريق الثالث ؛ فيه عبد الله بن أبي بلال الخزاعي ، وهو مجهول أيضًا ، تفرد بالرواية عنه خالد بن معدان ، ولذا أورده الذهبي في ((الميزان)) .
ورابعهم أضعفهم ، فهو من رواية يحيى بن أبي المطاع ، عن العرباض ، ويحيى لم يسمع من العرباض شيئًا ، والعجيب أنه يأتي في بعض روايته : سمعت العرباض ، وهذه إن وقعت منه كانت كذبًا ، وإن كانت من الرواة عنه ، كانت كذلك ، وتدليسًا.
قال أبو زرعة الرازي لدُحيم ، تعجبًا من حديث الوليد بن سليمان ، قال صحبتُ يحيى بن أبي المطاع : كيف يُحدث عبد الله بن العلاء بن زبر ، عنه ، أي عن يحيى بن أبي المطاع ، أنه سمع العرباض ، مع قُرب عهد يحيى ؟! قال : أنا مِنْ أنكر الناس لهذا ، والعرباض قديم الموت. قال ابنُ حَجَر : قلت : وزعم ابن القطان أنه لا يُعرف حاله. ((تهذيب التهذيب)) ، ترجمة يحيى بن أبي المطاع.
قال الذهبي : يحيى بن أبي المطاع ، عن العرباض ، ومعاوية ، قال دُحيم : ثقةٌ معروفٌ ، و قد استبعد دُحيم لُقيه للعرباض ، فلعله أرسل عنه ، فهذا في الشاميين كثير الوقوع ، يروون عمن لم يلحقوهم. ((ميزان الاعتدال)) (9643).
قلنا : وفي إسناده أيضًا الوليد بن مسلم ، والذي يدلس تدليس التسوية.
فلم يرد هذا الحديث من طريق صحيح ثابت لا مطعن فيه ، وإنما جاء من طرق يوهن بعضُها بعضًا.
فالحديث ليس له وجه واحد صحيح كأصل من أصول الدين كيف يكون هذا ؟؟؟؟
ولو افترضنا صحة الحديث فإن المعني مختلف تماماً عن ما فهمه من يريدون التحلل من شرع الله واخيار ما يناسب هواهم ، فاللفظ في الحديث يقول : عضوا عليها أي أنها واحدة ولم تأتي عضوا عليهما ، فلو صح هذا الحديث لكان الاستدلال به علي عكس ما يقولون ولكان الأمر باتباع ما يوافق سنة النبي عليه السلام من سنة الخلفاء وترك ما يخالف سنته صلي الله عليه وسلم .
ثالثاً : إذا اختلف فهم السلف في مسألة بل في كل مسألة فماذا نصنع ؟
الداعون إلي اتباع فهم السلف وفهم الإسلام بفهم السلف واجهوا مشكلة كبيرة وهي اختلاف السلف في كل مسألة تقريباً ، فخرجوا علي أتباعهم بأكاذيب وافتراءات كقولهم أن السلف قد اختلفوا في الفروع ولم يختلفوا في الاصول ، وهذه دعوي عريضة كاذبة ،
1 - قال الله تعالي : " وامسحوا برؤسكم " ، سيفهم منها المسلمون أن المطلوب منهم ضمن أعمال الوضوء أن يمسحوا رؤسهم ضمن أعمال الوضوء الشرعي الذي أمرهم به الله سبحانه وتعالي .
ولكن الفهم يختلف من إنسان لآخر ، ويتدخل الفهم اللغوي ، والنفس ، والهوى ، والشيطان ، وتفترق الأمة المسلمة إلي فرق كثيرة ، كل فرقة منهم تمسح الرأس بطريقة تختلف عن الفرقة الأخرى ، ويتركون ما نزل به الروح الأمين علي قلب محمدٍ صلي الله عليه وسلم !!
مع أن الوضوء واحد ، والآية التي أمرت بالمسح واحدة ، والنبي الذي نزلت عليه هذه الآية وأمره الله سبحانه وتعالي ببيانها إلي الناس واحد !!
أنظر لتحب محمداً صلي الله عليه وسلم :
قالت ناس : الباء في اللغة حرف جر لأربعة عشر معني ، منها الإلصاق والاستعانة والتبعيض وغيرها ،
( كون الباء للتبعيض هذا فيه خلاف بين أهل اللغة ) ،
فقال ناس هي في هذه الآية للإلصاق أو الاستعانة ، ثم اختلفوا ، فقالت طائفة بجزيء في المسح شعرة واحدة ، فرد عليه آخر قائلاً : لا بل ثلاث شعرات !!
أما من قالوا بالتبعيض فاختلفوا أيضاً كما اختلف الذين أوتوا الكتاب من قبلهم : فقال ناس منهم يمسح ثلث الرأس ، وقال ناس بل يمسح ربع الرأس !! ،
وهذا الخلاف المقيت الذي فرق الأمة مبني علي الخلاف في قدر كف الإنسان هل هو ثلث الرأس أو ربعه ؟؟!!
وهذا الذي بُنِيَ عليه الخلاف لا ناقة لنا فيه ولا جمل ، وإنما نحن ومن أسلم وجهه لله وهو محسن تبع لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، لا أحد غيره .
وكأن الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالي لمهمة بيان الرسالة لم يكن عنده علم بهذا كله !!
فأصبح المسح فيه حتى الآن أربع أقوال ، في نفس الوضوء ، في نفس الدين ، ولاحظ أن هذه الأقوال الأربعة لم تتطرق لعدد مرات المسح ، ولا كيفيته !!
فإلى كم قول يمكن أن نصل ؟؟
فكيف ستمسح رأسك إذا قمت تتوضأ للصلاة ؟؟
فالمسح الآن : شعرة وثلاث شعرات وربع الرأس وثلث الرأس .
فهم السلف الآن يقول : إذا أردت أن تتوضاً فامسح ثلث رأسك أو ربعها أو ثلاث شعرات أو شعرة واحدة وأنت مخير بين كل هذه الاقوال فأيها فعلتَ اهتديتَ.
السؤال الآن : هل الوضوء من الأصول أم من الفروع ؟؟؟؟
2 - مسألة أُخرى ، خذها ، واذهب بها إلى فهم السلف :
ما حكم صلاة النافلة قبل صلاة العيدين ، وبعدها ؟
قال ابن حَجَر : وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي جَمِيع ذَلِكَ ، فَذَكَرَ اِبْن الْمُنْذِر ، عَنْ أَحْمَد ، أَنَّهُ قَالَ : الْكُوفِيُّونَ يُصَلُّونَ بَعْدهَا ، لاَ قَبْلهَا , وَالْبَصْرِيُّونَ يُصَلُّونَ قَبْلهَا ، لاَ بَعْدهَا , وَالْمَدَنِيُّونَ لاَ قَبْلهَا ، وَلاَ بَعْدهَا.
وَبِالأَوَّلِ : قَالَ الأَوْزَاعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْحَنَفِيَّة.
وَبِالثَّانِي : قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ ، وَجَمَاعَة.
وَبِالثَّالِثِ : قَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَابْن جُرَيْجٍ ، وَأَحْمَد.
وَأَمَّا مَالِك فَمَنَعَهُ فِي الْمُصَلَّى ، وَعَنْهُ فِي الْمَسْجِد رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي ((الأُمّ)) : وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فِي ((الْمَعْرِفَة)) ، بَعْد أَنْ رَوَى حَدِيث اِبْن عَبَّاس ، مَا نَصّه : وَهَكَذَا يَجِب لِلإِمَامِ ، أَنْ لاَ يَتَنَفَّل قَبْلهَا وَلاَ بَعْدهَا , وَأَمَّا الْمَأْمُوم ، فَمُخَالِف لَهُ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ بَسَطَ الْكَلاَم فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا النَّوَوِيّ فِي شَرْح مُسْلِم ، فَقَالَ : قَالَ الشَّافِعِيّ ، وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف : لاَ كَرَاهَة فِي الصَّلاَة قَبْلهَا وَلاَ بَعْدهَا.
قال ابن حجر : فَإِن حَمْل كَلاَمه عَلَى الْمَأْمُوم ، وَإِلاَّ فَهُوَ مُخَالِف لِنَصِّ الشَّافِعِيّ الْمَذْكُور.
وَنَقَلَ بَعْض الْمَالِكِيَّة الإِجْمَاع عَلَى أَنَّ الإِمَام لَا يَتَنَفَّل فِي الْمُصَلَّى.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : التَّنَفُّل فِي الْمُصَلَّى لَوْ فُعِلَ لَنُقِلَ , وَمَنْ أَجَازَهُ رَأَى أَنَّهُ وَقْت مُطْلَق لِلصَّلاَةِ , وَمَنْ تَرَكَهُ رَأَى أَنَّ النَّبِيّ لَمْ يَفْعَلهُ , وَمَنْ اِقْتَدَى فَقَدْ اِهْتَدَى ، اِنْتَهَى.
قال ابن حجر : وَالْحَاصِل أَنَّ صَلاَة الْعِيد لَمْ يَثْبُت لَهَا سُنَّة قَبْلهَا ، وَلاَ بَعْدهَا ، خِلاَفًا لِمَنْ قَاسَهَا عَلَى الْجُمُعَة , وَأَمَّا مُطْلَق النَّفْل فَلَمْ يَثْبُت فِيهِ مَنْع بِدَلِيلِ خَاصّ إِلاَّ إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْت الْكَرَاهَة الَّذِي فِي جَمِيع الأَيَّام , وَاَللَّه أَعْلَم.
والآن ، إذا سألك أحدٌ ، عن حكم صلاة النافلة ، قبل صلاة العيدين ، وبعدها ، وكنت تأخذ بفهم السلف فعليك أن تقول :
لاتصل قبل صلاة العيد ، وصل قبلها ، ولا تصل بعدها ، وصل بعدها.
والنتيجة من هذا ، ولكي تحافظ على عقلك ، لا تذهب لصلاة العيد أصلاً ، وهذا ما أرادوه من الخلاف ، ولذلك قالوا : الخلاف رحمة.
لأنك ، لو استغنيت عن عقلك ودينك ، وخواتيمِ عملك ، وذهبتَ لتصل مع السلف صلاةَ العيدين ، إذا قمت تصل ركعتين قبلها ، سيقول لك الأوزاعي ، والثوري ، وأبو حنيفة : اجلس ، وصل بعدها.
فإذا جلست ، فسوف يغضب منك الحسن البصري وجماعةٌ ، ويقولون لك : قم ، صل قبلها ، ولا تصل بعدها.
فمطلوب منك ، أن تكون القائم القاعد ، في حالةٍ واحدة ، وهذه لا يستطيع أن يفعلها سحرةُ فرعون.
السؤال الآن : هل الصلاة من الأصول أم من الفروع ؟؟؟
وتوجد في بطون الكتب مئات من الأمثلة اختلف فيها أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وأيضاً من بعدهم من التابعين وتابعي التابعين في مسائل في الصلاة والحج وغيرها من اصول الدين الإسلامي مع التحفظ علي التسمية بالأصول والفروع فكل من عند الله جل وعلا.
الآن ماذا نصنع إذا اختلف السلف ؟ كيف نخرج من هذا الخلاف ؟؟؟
أهل الأهواء قالوا : الخلاف في الفروع سائغ بعكس الخلاف في الأصول.
أقول : هل الوضوء والصلاة والحج من الأصول أم من الفروع ؟؟؟
ثم أعود فأسال : من الذي سوغ الخلاف في أي مسألة من المسائل ؟؟؟
قال تعالي : " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جائهم البينات وأؤلئك لهم عذاب عظيم " أليست هذه آية من كتاب الله سبحانه ؟؟
قال تعالي : " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " أليست هذه آية من كتاب ربنا عز وجل ؟؟
وقال صلي الله عليه وسلم : اقرأوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإن اختلفتم فقوموا عنه
أليس هذا حديثاً صحيحاً ؟؟
وفي مواطن أخري متعددة من الكتاب وصحيح السنة نهي الله سبحانه فيها عن الخلاف ، فأي دليل استدل به هؤلاء علي جواز الخلاف اتباعاً لفهم السلف ؟؟؟؟
تعالوا بنا ندرس بعض فتاوي أصحاب نبينا عليه السلام :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَجُلا قَامَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ إِلا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَامَ خَصْمُهُ ، وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ ، فَقَالَ : صَدَقَ ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَائْذَنْ لِي ، فَقَالَ : قُلْ ، قَالَ : إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا ، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ ، فأخبرونى أنما علي ابنى الرجم فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ ، وَخَادِمٍ ، ثُمَّ سَأَلْتُ رِجَالا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبَ عَامٍ ، وَعَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ ، فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ : الْمِائَةُ شَاةٍ ، وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ ، وَعَلى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ ، وَعَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمُ ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " , فَغَدَا عَلَيْهَا ، فَاعْتَرَفَتْ ، فَرَجَمَهَا
تأمل هذه القصة في الحديث الصحيح ، رجلان ذهبا إلي النبي صلي الله عليه وسلم يطلبان منه ان يحكم بينهما بكتاب الله سبحانه.
ابن أحدهما كان أجيراً عند الثاني فزني بامرأته ،
فأخبره بعض المسلمين من أصحاب النبي عليه السلام أن علي ابنه الرجم.
فخاف الرجل علي ابنه من الموت فافتدي من الرجل الثاني زوج المرأة بمائة شاه ووليدة.
بعد ذلك أخبره بعض أهل العلم أن علي ابنه الجلد وتغريب عام وليس الرجم.
فاختلفا ، فذهبا إلي النبي صلي الله عليه وسلم يطلبان حكم الله عز وجل.
فأبطل النبي صلي الله عليه وسلم الحكم الأول لمخالفته لكتاب الله وسنة نبيه ، وقضي علي الإبن بالجلد وتغريب عام وأرسل أنيساً إلي المرأة فاعترفت فرجمها.
في هذا الحديث :
1 – الخطأ في الفتوي وفي الاجتهاد وارد علي كل مفتٍ ومجتهد بما فيهم الصحابة رضوان الله عليهم.
2 – المسلم الحق لا يختار بهواه من الأقوال المختلفة بل يبحث عن ما جاء في كتاب الله سبحانه وسنة نبيه عليه السلام.
3 – رد كل قول أو فتوي أو اجتهاد يخالف كتاب الله سبحانه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وإبطاله.
4 – الحق في الخلاف واحد لا غير وباقي الأقوال باطلة لا حجة لأحد في اتباعها.
5 – فهم الصحابة رضي الله عنهم للإسلام هو أخذ أقوال المختلفين وعرضها علي الكتاب والسنة وليس العكس كما يفعل الجميع وعندما وجدوا الاختلاف لم يقبلوه بل ردوا الأمر لله سبحانه ولرسوله صلي الله عليه وسلم ، ولم يقل واحد منهم أنه يجوز العمل بالقولين.
عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من خلافة معاوية حتى بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأنا معه فسأله فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع فتركها ابن عمر بعد وكان إذا سئل عنها بعد قال زعم رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها
قصة هذا الحديث غريبة ، كان ابن عمر يكري مزارعه يعني يعطيها لمن يزرعها مقابل نسبة من الثمر
فعل ابن عمر هذا في عهد النبي صلي الله عليه وسلم
واستمر علي هذا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
ثم في خلافة أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ثم في خلافة عثمان ذي النورين رضي الله عنه
ثم هي خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
ثم في خلافة معاوية حتي قاربت مدته علي النهاية
ومعاوية رضي الله عنه توفي عام 60 من الهجرة.
معني هذا ان ابن عمر رضي الله عنهما كان يكري أرضه مدة قريبة من الخمسين عاماً بين ظهراني أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وعلي رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحفصة بنت عمر أم المؤمنين.
في هذا الحديث :
1 – أن الصحابي مهما بلغ من العلم والحرص علي الاتباع قد يخفي عليه أمر مهم ويعمل بخلافه لفترة طويلة.
2 – المؤمن إذا بلغه الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم لا يجادل ولا يناقش بل يقول سمعنا وأطعنا.
3 – لم يحتج ابن عمر بعدم علمه بالحديث ولا بعدم إنكار أبيه وأخته عليه وهما من أعلم الناس بالنبي صلي الله عليه وسلم ، ولم يقل لو كان كذلك أكان يغيب عن ابي بكر أو يغيب عن عمر ؟؟ بل قال بلسان حاله : سمعنا وأطعنا.
4 - كل حكم يخالف قول النبي صلي الله عليه وسلم أو كتاب الله سبحانه باطل وإن قال به من علي ظهر الأرض.
5- فهم الصحابة رضي الله عنهم لا يقر الخلاف ديناً بل ما فهموه وتعلموه هو الاستسلام لما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً، فَقَالَ لاَ تُصَلِّ، فَقَالَ عَمَّارٌ:
"أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللهَ يَا عَمَّارُ، قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ.".
قَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ.
نموذج آخر لفهم الصحابي رضي الله عنه لمسألة ما ،
مسلم جاء إلي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبي حفص ليسأله ما الحكم إن كان جنباً ولم يجد الماء ؟؟
فأجابه عمر رضي الله عنه وأفتاه بأن يترك الصلاة حتي يجد الماء ويغتسل من الجنابة.
هذا هو اجتهاد عمر رضي الله عنه وفهمه الذي فهمه وأفتي به.
هنا تدخل عمار بن ياسر رضي الله عنه وذكر عمر بحادثة قد وقعت علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم والغريب أن عمر وعمار هما طرفا هذه القصة.
كان عمر وعمار معاً في سرية أرسلها النبي صلي الله عليه وسلم ، فأصابت عمر وعمار جنابة .
فترك عمر الصلاة حتي يجد ماءً ليغتسل من الجنابة.
أما عمار فقاس التمعك في التراب علي الغسل.
فلما عادا من السرية أخبرا النبي صلي الله عليه وسلم بما حدث لهما فقال : نَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ ، أي يكفيكما التيمم من الجنابة إن لم تجدا الماء.
ما زال عمر رضي الله عنه لا يتذكر الواقعة فخاطب عمار قالاً : اتق الله يا عمار !!
قال عمال : إن شئت لم أحدث به ، فرد عمر : نوليك من ذلك ما توليت!! أي طالما زعمت أن هذا قول النبي صلي الله عليه وسلم فلا يسعنا إلا العمل به.
في هذا الحديث:
1- أن العالم مهما علا قدره قد يخطيء في الفتوي في أمر ظاهر غير خفي.
2- أن الأقل علماً ومكانة قد يصيب فيما أخطأ فيه الأعلم والأعلي قدراً.
3- أن العالم مهما علا قدره قد ينسي ما يتذكره غيره.
4- أن العالم مهما بلغ علمه وعلا قدره قد يحكم بخلاف ما في كتاب الله عز وجل سهواً أو خطاءً.
5- أن حسم النزاع في أي مسألة لا يكون إلا بالرجوع إلي الكتاب والسنة لا غير.
6- لا يسع المؤمن بعد معرفة قول الله أو قول رسوله إلا الاتباع وأن يقول سمعنا وأطعنا.
7- ذكر التيمم من الجنابة جاء مرتان في كتاب الله تعالي ، ووقعت حادثة مخصوصة حضرها عمر بل كان طرف فيها ومع ذلك لم يتذكر ما حدث ولا تذكر الآيتين.
8- لو لم يكن عمار حاضراً لأصبح ترك الصلاة من الجنابة حتي تجد ماءً فتوي من عمر رضي الله عنه لما ينازعه أحد فيها ولقيل لنا هذا هو فهم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه !! ألم يكن يعرف ما جاء في كتاب الله ؟؟ هو أفهم لكتاب الله منكم.
9- فهم الصحابة رضي الله عنهم لا يقر الخلاف ديناً بل ما فهموه وتعلموه هو الاستسلام لما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَالمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ؛
"أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ المِسْوَرُ: لاَ يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ، فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ، حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ: اصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ صلي الله عليه وسلم يَفْعَلُ.".
أَخرجه مالك، والحُميدي، وأَحمد، والدَّارِمي، والبخاري، ومسلم، وأَبو داوُد، وابن ماجة، والنسائي، وابن خُزيمة.
اختلاف آخر بين اثنين من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، هل يغسل المحرم رأسه أم لا يغسلها ؟
ماذا يصنع أي مسلم يتعرض لمثل هذا ؟؟
كما صنعا تماماً يبحث عن النبي صلي الله عليه وسلم ماذا قال أو ماذا فعل.
من الذي عنده هذا العلم ؟ إنه خالد بن زيد رضي الله عنه.
وجد المسور رضي الله عنه ابا أيوب يغتسل فسأله ، فرد عليه رداً عملياً بأن أراه كيف كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟
انتهي الخلاف.
في هذا الحديث:
1- الخلاف في الحكم وارد بين أهل العلم.
2- وجود الخلاف ليس دليلاً علي مشروعيته.
3- ينبغي للمختلفين أن يسعوا للخروج من هذا الخلاف.
4- الخروج من الخلاف لا يكون إلا بكتاب الله أو حديث النبي صلي الله عليه وسلم.
5- فهم الصحابة رضي الله عنهم لا يقر الخلاف ديناً بل ما فهموه وتعلموه هو الاستسلام لما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم.
وهكذا وفي كل رواية صحيحة ثابتة لا شذوذ فيها ولا علة ستجد أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم سعوا لحسم الخلاف بالرجوع إلي النص ، ولا يمكن أن تجد بأي حال من الأحوال بسند صحيح أو ضعيف اثنان من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم اختلفا في مسألة فقال أحدهما للآخر: فليعمل كل منا بما فهمه ولا تثريب علينا ، أو : الخلاف في الفروع سائغ ، أو مثل هذه الترهات التي خرج بها علينا أبناء اليهود المنتحلين لثوب الإسلام.
هذا هو فهم الصحابة رضي الله عنهم ، التحاكم للنص عند الاحتلاف والخروج قولاً واحداً ، فهل تريدون الأخذ بفهم السلف الآن ؟؟؟
أمثلة علي فهم السلف:
الآن دعونا نضرب نماذج أكثر من فهم السلف للحديث الشريف ، لعل هذه النماذج تبين بوضوح لبعض المغرر بهم بعبارة ( فهم السلف ) إلي اي مدي يحاربون الإسلام بدون أن يعوا ذلكَّ.
لنذهب الآن إلي موطأ مالك بن أنس برواية محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة وأحد رجال مدرسة الرأي التي نحت النصوص وأعملت عقولها :
- أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال : كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر
قال محمد : تأخير العصر أفضل عندنا من تعجيلها إذا صليتها والشمس بيضاء نقية لم تدخلها صفرة وبذلك جاءت عامة الآثار وهو قول أبي حنيفة وقد قال بعض الفقهاء : إنما سميت العصر لأنها تعصر وتؤخر.
هذا هو فهم السلف ، في الحديث أنهم كانوا يصلون العصر مع النبي صلي الله عليه وسلم ثم يخرج المصلي مع النبي صلي الله عليه وسلم إلي بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر ، أي بعد مدة من 10 دقائق إلي 20 دقيقة ، أي دلالة في هذا الحديث علي أن تأخير العصر أفضل ؟ وأنها سميت العصر لأنها تعصر وتؤخر ؟؟ هذا هو الفهم الذي أضيف إلي النص.
- أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده
قال محمد : هذا حسن وهكذا ينبغي أن يفعل وليس من الأمر الواجب الذي إن تركه تارك أثم وهو قول أبي حنيفة.
محمد صلي الله عليه وسلم يقول " فليغسل " والشيباني يقول هذا حسن !!!! وليس من الأمر الواجب !!! هل هذا دينٌ أم رأيه ؟؟؟؟ هذا هو فهم السلف الذي يدعو إليه البعض ، يدعوك لترك محمد بن عبد الله واتباع شخص آخر لم تشهد أنه رسول الله ّّ
يتبع ..........................