محاضرات في مقياس:
الجرائم ضد الأفراد
الأستاذ: بوصيدة فيصل
المحاور:
المحور الأول: الجرائم ضد الأشخاص:
- الجرائم الماسة بالحياة والسلامة الجسدية: [القتل العمد – الظروف المشددة والمخففة والأعذار – القتل الخطأ-جرائم العنف-صور خاصة لأعمال العنف-العنف غير العمد].
- الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار والعرض: [القذف-السب-البلاغ الكاذب-الاغتصاب-الفعل المخل بالحياء-التحرش الجنسي].
- الجرائم الماسة بحرية الإنسان وحرمته: [القبض على الأشخاص-انتهاك حرمة المسكن-المساس بالحياة الخاصة-إفشاء الأسرار وانتهاك المراسلات].
- جرائم مستحدثة: [التمييز-الاتجار بالأشخاص-الاتجار بالأعضاء-الهجرة غير الشرعية].
المحور الثاني: الجرائم ضد الأموال:
- السرقة-النصب-خيانة الأمانة-إصدار شيك بدون رصيد-إخفاء الأشياء المسروقة-تبييض الأموال.
المحور الثالث: الجرائم الماسة بالأسرة والآداب:
الإجهاض-ترك الأسرة-عدم تسديد النفقة.
المحور الرابع: الجرائم المعلوماتية:
الدخول غير المشروع-التخريب-المساس بسلامة المعطيات.
الباب الأول
الجرائم ضد الأشخاص
الفصل الأول
الجرائم الماسة بالحياة والسلامة الجسدية
المبحث الأول
القتل العمد
قتل الشخص لنفسه يسمى الانتحار، وهذا لم يعاقب عليه القانون ولا حتى على محاولة الانتحار.، وكنتيجة لذلك لا يعاقب على المساعدة على الانتحار لأن المساعدة هي اشتراك ولا عقاب على الفعل الأصلي (الانتحار) فلا عقاب على الاشتراك.
هذا منطقيا، لكن المشرع خرج عن هذا المنطق وعاقب على المساعدة بتقديم سلاح أو سم قاتل المادة 272 ق.ع: "كل من ساعد عمدا شخصا في الأفعال التي تساعده على الانتحارأو تسهله له أو زوده بالأسلحة أو السم أو بالآلات المعدة للانتحار مع علمه بأنها سوف تستعمل في هذا الغرض يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا نفذ الانتحار".
كما أن الذي يشاهد فعل الانتحار ويمتنع عمدا عن تقديم المساعدة يقع تحت نص المادة 182 ق.ع.
لا يعتد في القتل برضاء الضحية.
سوف ندرس ثلاث حالات للقتل: وهو القتل بمعنى الكلمة، والتسميم، وقتل الأطفال حديثي العهد بالولادة.
المطلب الأول
القتل بمعنى الكلمة
هناك القتل البسيط (م 254 و 263/3 ق.ع.ج) ، والقتل المشدد.
[ملاحظة: القتل البسيط هو تكييف فعل القتل الذي يتضمن العناصر التي توجد في كل أنواع القتل، أي أن أنواع القتل الأخرى تتضمن عناصر إضافية مميزة].
تنص المادة 254 ق.ع على أن: "القتل هو إزهاق روح إنسان عمدا"، هذا الركن الشرعي أو القانوني للجريمة، أما الركن المادي فهو فعل إزهاق روح الإنسان، أما الركن المعنوي فهو العمد.
في فقه القانون الجنائي الخاص لدينا ركن إضافي نسميه الركن المفترض، وهذا الركن يستخلص بالمنطق، وهو يوجد في بعض الجرائم، وفي جريمة القتل هناك ركن مفترض يتمثل في حياة المجني عليه، أي حتى تقوم جريمة القتل يفترض أن يكون المجني عليه حيا وقت ارتكاب الجريمة، فإذا كان ميتا فقد تقع جريمة أخرى وهي جريمة تشويه الجثة، أو نتحدث عما يسمى الجريمة المستحيلة.
وكذلك فالجريمة تقع على الإنسان، أما قتل الحيوان فهو مخالفة معاقب عليها بالمادة 475 ق.ع.
كذلك فالجريمة تقع على أي إنسان بغض النظر عن جنسه ونوعه وسنه أو حالته الصحية أو مركزه الاجتماعي أو مركزه الوظيفي، لأن الحق في الحياة حق لكل إنسان.
الفرع الأول
الركن المادي للجريمة
يتكون الركن المادي من السلوك الإجرامي و النتيجة الإجرامية ورابطة السببية.
الفقرة الأولى
السلوك الإجرامي
جريمة القتل تقع بأي سلوك إيجابي يفضي إلى الوفاة، وذلك باستعمال أي وسيلة، (إحراق، إغراق، قتل بسلاح أو بالضرب)، وقد يكون بدون تماس مباشر مع جسم الضحية كحفر حفرة يقع فيها الضحية، أو وضع ألغام مثلا.
مسائل خاصة
المسألة الأولى: القتل بالامتناع
أما السلوك السلبي فقد يقع به القتل، ولكن اختلف في العقاب عليه.
1- المشرع الجزائري لا يعاقب صراحة على هذا القتل بالامتناع، ولكنه يعاقب على عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر (182 ق.ع)، ويعاقب أيضا على بعض الأفعال السلبية بعينها والتي تفضي إلى الوفاة.
مثل جريمة ترك الأطفال والعجزة وتعريضهم للخطر (المادة 314 ق.ع)، وجريمة منع الطعام والعناية عن القصر دون السادسة عشر من العمر (المادة 262 ق.ع).
كما يعاقب على الامتناع عن تقديم مساعدة مطلوبة قانونا ولكن بعقوبة المخالفة فقط في المادة 451 بند 8 ق.ع.
فيستخلص من ذلك أنه لا يجوز القياس على هذه الحالات.
2- رأي فويرباخ (ألمانيا) و روتر (فرنسا): فرق هذان الفقيهان بين حالتين:
أ- إذا كان الشخص ملزما قانونا بفعل وامتنع عنه كان الترك معاقبا عليه كالأم التي تمتنع عن
إرضاع وليدها والممرضة التي تمتنع عن إعطاء الإسعاف وعامل سكة الحديد يمتنع عن تحويل الإشارة.
ب - إذا كان الامتناع عن عمل غير مأمور به قانونا فلا عقاب.
3- في القانون الفرنسي وبمناسبة قضية مختلة بواتييه وهي مختلة عقليا تركها أهلها في بيت مغلق وذهبوا للسهر وعند عودتهم وجدوها على وشك الموت فتوبعوا بتهمة الضرب والجرح العمدي لكن القضاء برأ ساحتهم مما كرس مبدأ أن الامتناع لا يساوي الفعل (راجع القضية هنا وهنا).
4- في مصر قضي بأن القتل يحصل بالامتناع في قضايا معينة كامتناع أم عن إرضاع وليدها أو
ربط حبله السري، وهذا يعاقب عليه القانون الجزائري بنص خاص.
المسألة الثانية: القتل بوسائل نفسية:
لا شك أن نص القانون عام ولم يشترط في وسيلة القتل أن تكون مادية فيمكن إدخال الوسائل النفسية مثل رجل يقتل آخر وبجواره امرأة فتموت فزعا، ويرى قارو أن القول بتأثير العوامل النفسية صعب الإثبات، أما الفقه والقضاء الغالب في فرنسا فهو رفض الاعتداد بالوسائل النفسية.
المسألة الثالثة: القتل بوسائل الدجل:
لا يعتبر المشعوذ قاتلا باستخدامه التعاويذ والسحر بنية القتل، ولو مات المجني عليه إثر ذلك صدفة، لأن تلك الوسائل لا تحدث الموت في نظر العلم، ينطبق الأمر على أي وسيلة مشابهة.
الفقرة الثانية
النتيجة الإجرامية
وهي إزهاق الروح، ولا يشترط أن تحدث النتيجة بعد الفعل فقد تتراخى إلى زمن بعيد. وهنا أيضا مسائل.
المسألة الأولى: عدم حدوث الوفاة بسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه:
إذا لم تحدث الوفاة رغم تحقق السلوك الإجرامي فهو شروع، وهذا الأخير معاقب عليه كالفعل التام طبقا للمادة 33 ق.ع بما أن جريمة القتل العمد هي جناية (الشروع في الجنحة يعاقب عليه إذا نص القانون على ذلك فقط).
المسألة الثانية: تحديد لحظة الميلاد
إن لجريمة القتل ركنا مفترضا وهو وقوع الفعل على إنسان حي، والإنسان الحي يبدأ قانونا من لحظة الميلاد، لأن قتل الجنين هو إجهاض (له عقاب خاص).
نظريا فالحياة تبدأ ببداية عملية الولادة وحتى قبل تمامها. في فرنسا قضي بأن الجنين الذي في بطن أمه لا تقع عليه جريمة القتل وذلك في قضية سائق دهس امرأة حاملا في الشهر السادس، وبعد خمسة أيام وضعت طفلة ميتة، وأكدت الخبرة الطبية أن الطفلة ولدت قبل الأوان وأنها كانت قابلة للحياة وسبب وفاتها هو جروح على مستوى الرأس، ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يقتضي التفسير الضيق للقانون الجنائي، وعليه فلا يمكن اعتبار الجنين كالإنسان الحي، وهذا القضاء التي تأخذ به كثير من الدول الأوروبية ربما يرجع إلى إباحة الإجهاض في هذه الدول، وعليه فالجنين لا يحظى بالحماية الجنائية.
وفي الشريعة الإسلامية لا يعاقب من يقتل الجنين بالحد و إنما بالتعزير.
المسألة الثالثة: وقوع القتل على ميت
بما أن القتل لا يقع إلا على إنسان حي فيمكن القول بأن الجريمة منتفية أصلا لتخلف ركن وهو ركن مفترض، ولكن هناك من يطلق على هذه الوضعية الجريمة المستحيلة ويعاقب عليها.
ينبغي طبعا أن يكون الجاني على جهل بالاستحالة لأنه إذا كان يعلم فالقصد الجنائي ينعدم وبالتالي تنعدم المسؤولية.
هناك اتجاهان في تفسير الجريمة المستحيلة.
1- اتجاه يرى أن العقاب على المحاولة يتطلب الشروع في التنفيذ ثم خياب الأثر، وهذا لا يتصور في الجريمة المستحيلة فليس هناك شروع في التنفيذ أصلا لأنه تنفيذ مستحيل، ومن جهة أخرى فالنية وحدها لا عقاب عليها، وهذا اتجاه موضوعي.
2- اتجاه يرى أن المحاولة قائمة في الجريمة المستحيلة ما دام الجاني كان يعتقد أن القتل ممكن و
بالتالي فلا عبرة بالاستحالة في كافة صورها، وهذا اتجاه شخصي.
وبين هذين الموقفين هناك مواقف أخرى لبعض الفقهاء:
1- فالفقيه الفرنسي قارو يرى أن تخلف ركن في الجريمة يترتب عليه تخلف الجريمة، وهكذا فالجريمة المستحيلة غير تامة ولا عقاب عليها.
2- والاتجاه الغالب في الفقه والقضاء يفرق بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية، فهذه الأخيرة فقط يعاقب عليها. أما الاستحالة المطلقة كأن ينعدم محل الجريمة (كما لو أطلق شخص النار على غريمه النائم بقصد قتله فإذا بغريمه جثة هامدة قبل إطلاق النار عليه، أو إذا قتلت الأم وليدها الممسوخ مسخا يخرجه من عداد بني الإنسان)، أو تكون الوسيلة المستخدمة غير صالحة تماما لإحداث النتيجة فلا عقاب فيها (كما لو استخدم الجاني في جريمته مسدسا غير قابل للاستعمال على أي وجه أو استخدم في تسميم غريمه سكرا)
في الجزائر، وبمقتضى المادة 33 ق.ع فحالة الاستحالة النسبية والمطلقة كلاهما يعاقب عليهما باسم المحاولة، أي أن المشرع الجزائري أخذ بالنظرية الشخصية ولا مكان للعمل بنظرية الجريمة المستحيلة.
الفقرة الثالثة
رابطة السببية
لا بد من وجود رابطة سببية بين الفعل المادي و الموت الذي أعقبه، فلو ضرب الجاني شخصا على رجله وبعد أيام توفي المجني عليه إثر سكتة قلبية، فلا يسأل عن جريمة القتل، لأنه وإن كان المجني عليه م يمت إلا إثر فعل الجرح أو الضرب فإن وفاته لم تكن نتيجة مباشرة للفعل، فهذا الأخير لم يكن سببا منتجا بل هو ظرف عارض لا غير.
فهناك ثلاث نظريات حول حالة ما إذا تعددت عوامل أو أسباب الوفاة فأيها يعتبر السبب المنتج للوفاة.
النظرية الأولى: نظرية تعادل الأسباب (ألمانيا):
كل الأسباب متساوية، فسبب النتيجة هو كل العوامل التي أدت إليها، بصرف النظر عن قيمة كل عامل منفردا (أي ولو كان لوحده غير قادر على إحداث النتيجة) ما دام أنه كان لازما لوقوع النتيجة، ففعل الجاني هو سبب للنتيجة، و عليه فتقع عليه مسؤولية الوفاة.
فلو ضرب الجاني شخصا برصاصة، فأدخل المستشفى فأجرى له العملية طبيب مخمور، أو انقطع الكهرباء، أو كان ضعيف البنية أو رفض العلاج فتوفي المجني عليه عد الجاني مسؤولا عن الوفاة لأنه أحد أسباب الوفاة.
النظرية الثانية: نظرية السبب المباشر والفوري (فرنسا وانجلترا):
ينبغي تجاهل الأسباب البعيدة التي ساهمت في إحداث النتيجة، ويكون فعل الجاني سببا للجريمة إذا كان من بين الأسباب التي لعبت دورا أساسيا وليس ثانويا في الوفاة، ففي المثال المذكور أين المجني عليه توفي على إثر سكتة قلبية لا يعد الجاني مسؤولا ، بينما في مثال الرصاصة فالجاني مسؤول لأن فعله سبب رئيسي وفعال.
النظرية الثالثة: نظرية السبب النشط:
إن الأسباب المتحركة وحدها التي تحدث تغييرا في الأمور أما الأسباب الساكنة فلا تحدث أثرا، فإذا صفع شخص شخصا آخر صفعة قوية وكان هذا الأخير مريضا بقلبه فمات، فالموت يعتبر حادثا بسبب الصفعة لأنها سبب نشط وليس بسبب المرض لأنه سبب ساكن.
النظرية الرابعة: نظرية السبب الملائم
سبب الجريمة هو الفعل الذي يعد قادرا على إحداث النتيجة في المجرى العادي للأمور، لو
تعاصرت معه أو أعقبته أو سبقته عوامل مألوفة يحدث مثلها في الحياة.
فالجاني الذي ضرب الرصاصة يعد فعله ملائما لإحداث النتيجة ولو تضافرت معه أسباب أخرى كخطأ الطبيب أو إهمال العلاج أو انقطاع الكهرباء لأنها كلها أسباب مألوفة، أما لو دهس سائق القطار رجلا كان ممدا على السكة فهذا أمر غير متوقع.
موقف القضاء الجزائري:
يبدو أن القضاء الجزائري ممثلا في قضاء المحكمة العليا يسير نحو الأخذ بنظرية السبب المباشر أو الفوري، وذلك على سبيل المثال في قضية رجل ترك بندقية الصيد فأخذها الطفل وتسبب في قتل أحد الأشخاص لأن عدم إخفاء السلاح وإن كان يعد إهمالا إلا أنه لم يكن سببا مباشرا في وفاة المجني عليه.
الفرع الثاني
الركن المعنوي
إن الركن المعنوي يتمثل في القصد الجنائي الذي عبر عنه المشرع بالعمد، وهذا القصد يتمثل في عنصرين:
- العنصر الأول، هو العلم بأن الفعل الذي أقدم عليه محظور، وهذا هو القصد العام ، وهو مطلوب قانونا في كل الجرائم العمدية.
- العنصر الثاني، و هو إرادة أو نية إزهاق روح المجني عليه، وهذا هو القصد الخاص، و هذا هو
الذي يفرق بين القتل العمد و القتل الخطأ.
ويلاحظ في القصد الجنائي في القتل أنه:
- قد يكون محددا أو غير محدد: ويتمثل في تعمد قتل شخص معين معروف للجاني، أو قتل شخص لا على وجه التحديد كمن يصوب النار في جماعة فيصيب منهم قتيلا، ففي كلتا الحالتين تتوفر جريمة القتل.
- قد يكون احتماليا: أي لم يكن واضحا للجاني لكنه حدث على غير ما توقعه بسبب خطئه في التوقع، كمن يضرب شخصا بعصا غليظة على رأسه فيموت، فيحاسب على أساس جريمة القتل رغم أن قصده لم يكن إحداثه، لأن النتيجة التي حدثت هي لازمة وحتمية لفعل الضرب، على عكس ما إذا ضربه ضربا خفيفا فمات فهنا لا يكون هناك قصد جنائي لأن النتيجة التي حدثت ليست لازمة للفعل، وبالتالي يحاسب على جريمة الضرب المفضي إلى الموت دون قصد إحداثه، وهي الجريمة المعاقب عليها بالمادة 264/3، 4 ق.ع حيث يعاقب الجاني بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة.