س/ تكلم عن العلاقة بين القانون الدولى والقانون الداخلى (مشكلة التداخل عند التطبيق بين القانونين الدولى والداخلى ؟
يثير موضوع العلاقة بين القانون الدولى والقانون الداخلى مشاكل مختلفة يرتبط الفصل فيها بموقف الفقه من مسألة أساس إلزامية القانون الدولى ، أى حسب ما إذا كان الفقه يأخذ بالمذاهب الإرادية ، أم يعتنق المذاهب الموضوعية فى هذا الخصوص .
فى دراستنا لهذا الموضوع نعرض أولاً، لنظرة الفقه الدولى إلى هذه المشكلة ، ثم نبين الوضع فى العمل الدولى ، ونعرض أخيراً لالة تطبيقية وهى الخاصة بالوضع فى جمهورية مصر العربية .
أولاً : فى الفقه الدولى :
إنقسم الفقه الدولى إلى اتجاهين رئيسين فيما يتعلق بمسألة العلاقة بين القانون الدولى والقانون الداخلى ، وهما مذهب ثنائية القانون ومذهب وحدة القانون.
1 – مذهب ثنائية القانون :
إنطلاقاً من النظرية الإرادية التى مؤداها أن أساس القانون الدولى هو إرادة الدولة، يذهب أنصار ثنائية القانون ، وعلى رأسهم الأساتذة تريبل وأنزيلوتى ، إلى القول بأن القانون الدولى والقانون الداخلى يشكل كل منهما نظاماً قانونياً مستقلاً ومنفصلاً عن الآخر ، ولا يتصور اختلاطها ولكل منهما ميدانه الخاص بالتطبيق ، ولا ينفذ القانون الدولى داخل أى دولة إلا إذا صدر فى صورة تشريع داخلى .
يستند أنصار هذا المذهب فى تبرير وجهة نظرهم إلى عدة حجج أهما :
( أ ) الإختلاف فى المصادر بين النظامين
، فالقانون الداخلى ينتج عن عمل إرادى إنفرادى من جانب الدولة ، أو يتم التعارف عليه داخل حدود الدولة أى يتكون من خلال العرف الداخلى ، بينما ينتج القانون الدولى عن إرادة مشتركة من جانب الدول أعضاء الجماعة الدولية ، سواء أكانت صريحة فى صورة معاهدات ، أو ضمنية فى صورة قواعد عرفية .
(ب) الأشخصا المخاطبة بالقواعد القانونية تختلف من نظام الآخر .
ففى النظام الداخلى ، يخاطب القانون الأفراد فى علاقاتهم المتبادلة ، أما فى النظام الدولى ، فإن المخاطب بقواعده القانونية هم أشخاص القانون الدولى (الدول والمنظمات الدولية فى علاقتها المتبادلة) .
(جـ) يتميز النظام القانون الداخلى بوجود سلطات علياً منظمة تتولى التشريع والقضاء وتطبيق القانون وتوقيع الجزاء على من يخرج على القانون بينما لا يختص النظام القانونى الدولى بسلطة تشريعية منظمة ، والرجوع إلى القضاء يتوقف على رضاء أطراف النزاع ، كما لا يختص بسلطة عليا تتولى مراقبة ومتابعة تطبيق وتنفيذ القانون .
( د ) لا تتوقف صحة قواعد القانون الداخلى على توافقها مع قواعد القانون الدولى . فالقاضى الداخلى يلتزم بتطبيق القانون الداخلى ، بصرف النظر عن توافقه أو عدم توافقه مع القانون الدولى . حقاً إن هذه المخالفات قد تستتبع إثارة المسئولية الدولية ، ولكن ليس ذلك بحتمى دائماً .
(هـ) ولكى يكون للقاعدة الدولية أثراً فى النظام الداخلى ، يتعين أن يستقبلها هذا الأخير ويحولها إلى قاعدة داخلية وفقاً للإجراءات الشكلية التى نص عليها القانون الداخلى وبالذات الدستور . لإصدار التشريع الداخلى . وقد يكفى فى نظر بعض أنصار هذا المذهب ، الإحالة إلى القاعدة الدولية فى التشريع الداخلى .
* نقد مذهب ثنائية القانون :
إنتقد المناهضون لتوجه مذهب ثنائية القانون فكر هذا المذهب ، حيث يرون أنه يفتقر إلى حجج قاطعة ومنطقية مقبولة وذلك على النحو التالى :
1- ليس سليماً الإستناد إلى اختلاف مصادر القاعدة القانونية بين القانون الداخلى والقانون الدولى ، للقول بانتماء كل منهما إلى نظام مستقل .
فهذه الحجة تنطوى على خلط بين مفهومين للمصدر ، المصدر كسبب منشئ للقاعدة ، والمصدر كأداة للتعبير عنها .
2 – القواعد القانونية سواء كانت قواعد دولية أم قواعد دولية أم قواعد داخلية ، تخاطب فى نهاية المطاف الأفراد وتهمهم بصفة مباشرة . فليس صحيحاً وجود اختلاف بين القانون الدولى والقانون الداخلى بسبب اختلاف الأشخاص المخاطبين بأى منهما .
3 – وحول ما يتعلق بالقول باختلاف البنيان القانونى فى المجتمع الدولى عنه فى المجتمع الداخلى ، فإن هذا الاختلاف ليس فى الطبيعة وإنما فى الدرجة ولا جدال فى أن هذا البنيان فى المجتمع الدولى لا زال متواضعاً إذا ما قورن بمثيله فى المجتمع الداخلى ، وذلك راجع إلى حداثة المجتمع الدولى مقارناً بالمجتمع الداخلى.
ولا يمكن اعتبار هذا الاعتراض حجة جوهرية لا تدحض ، وبالتالى فإنه لا يصلح أساساً للقول بإنفصال النظام الدولى عن النظام الداخلى .
4 – من الصعب أن نسلم بصحة قواعد قانونية متعارضة بزعم أنها تنتمى إلى نظم قانونية مختلفة ، كما أنه من النادر أن يحدث أن ترتض دولة قواعد دولية وتخالفها فى نفس الوقت فى قانونها لاداخلى ، إذ أن مثل هذا التصرف يحملها المسئولية القانونية .
5 – غالباً ما يطبق القاضى الداخلى قواعد عرفية دولية على منازعات معروضة أمامه دون أ، يتوقف ذلك على استقبالها فى التشريع الداخلى وفقاً لإجراءات شكلية محدودة .
2 – مذهب وحدة القانون :
وفقاً لهذا المذهب ، ينتمى القانون الدولى والقانون الداخلى إلى نظام قانونى واحد كما أن لهما نفس الأساس وهو الأساس الموضوعى للقاعدة القانونية . وبتعبير آخر ، القانون الدولى والقانون الداخلى فرعان لنظام قانونى واحد يحكم المجتمع البشرى . ومن أنصار هذا المذهب فقهاء المدرسة النمساوية وعلى رأسهم الأستاذ " كلسن " وتزعمها فى الفقه الفرنسى الأستاذ " جورج سل " . ولكن اختلف تبرير هذه الوحدة فى النظام القانونى من اجانب إلى آخر ، ففى نظر كلسن ترجع هذه الوحدة فى النظام إلى تدرج فى القواعد القانونية مبنى على تبعية كل قاعدة لقاعدة أخرى ، بينما يؤسسها جورج سل على الوحدة الإجتماعية للوحدات التى تدخل فى علاقات تخضع للقواعد القانونية .
1 – سيادة القانون الداخلى :
يجد القانون الدولى أساسه ، فى الاختصاصات التى منحها القانون الداخلى لأجهزة الدولة ، التى تتولى مهمة مباشرة الشئون الخارجية. فالدولة ، من خلال هذه الإجهزة ، تلتزم بأن تتصرف ، فى علاقاتها الدولية ، فى حدود الإختصاصات التى حددها قانونها الداخلى .
ومن هنا تبدو سيادة القانون الداخلى على القانون الدولى حيث أن الأخير لا يعدو فى الواقع سوى أن يكون جزءاً من القانون الداخلى .
غير أن من شأن الأخذ بهذا الرأى ، أن يفقد القانون الدولى أساسه القانونى خاصة فى حالة تغيير أو تعديل القانون الداخلى أو النظام الداخلى للدولة . بيد أن ذلك لا يحدث ، حيث من الثابت أن القانون الدولى لا يتأثر بأى تغييرات أو تعديلات داخلية فى دولة من الدول .
ومن جهة أخرى ، لا يتفق هذا الرأى مع القاعدة المستقرة فى العمل الدولى والتى تقضى بتحميل الدولة المسئولية القانونية الدولية عن أعمالها الداخلية أو سلطتها القضائية أو سلطتها التنفيذية .
2 – سيادة القانون الدولى :
إتجه الفريق الثانى إلى تقرير ، أن القانون الداخلى هو الذى يشتق من القانون الدولى ، وأن الأخير هو الذى له السمو فى سلم التدرج القانونى فالقانون الدولى هو الذى يحدد اختصاصات الدولة ، ويجب على (الدولة ألا تخرج عن إطار هذه الإختصاصات . ومن نتائج هذه الفكرة ، أن القانون الداخلى لا يمكن أن يطبق إلا فى الحدود التى وضعها القانون الدولى .
إن منطق هذه الفكرة يقوم على تشبيه العلاقة بين القانون الدولى والقانون الداخلى ، بالعلاقة بين قوانين الولايات فى الدولة الفيدرالية والقانون الفيدرالى المركزى لهذه الدولة .
ويرد على ذلك أنصار وحدة القانون ، بأنه ينبغى التجرد من وجهة النظر التاريخية ، وبحث المشكلة على أساس من التطور القانونى البحث . كما أن الإعتراض الثانى شكلى يجب استبعاده لأنه لا يتفق مع حقائق الأشياء .
ثانياً : فى العمل الدولى :
لا يقطع العمل الدولى بإتجاه موحد فيما يتصل بتأييد أى من المذهبين السابقين ، ثنائية القانون أو وحدة القانون . غير أنه من استقراء العمل الدولى يتضح ما يلى:
( أ ) أن الإتجاه العام فى القضاء الدولى هو تأكيد سيادة القانونى الدولى على القانون الداخلى.
(ب) أن القواعد الدولية العرفية تطبق فى معظم الدول على أنها قوانين البلاد وفى حاجة إلى إجراء معين يدمجها فى القانون الداخلى ، شريطة ألا تخالف القانون المحلى المعمول به .
(جـ) " ليس هناك من إتفاق بين الدول فيما يتعلق بأحكام المعاهدات فلكل دولة نظامها فى شأن الأخذ بأحكام المعاهدات ضمن القانون الداخلى " .
1 - القضاء الدولى يؤكد سيادة القانون الدولى :
أكد العديد من القرارات القضائية الدولية ، مبدأ سمو القانون الدولى على القانون الداخلى ، وذلك لحسم مشكلة العلاقة بين القانون الدولى والقانون الداخلى خاصة فى حالة التنازع بين قواعدهما . ولعل أوضح دليل على ذلك ترتيب المسئولية القانونية الدولية على الدولة ، فى حالة خروج تشريعاتها الداخلية على قواعد القانون الدولى ، وذلك بتأكيد المحاكم على ضرورة مطابقة القوانين الداخلية للقواعد الدولية التى تلتزم بها الدولة . وهذا ما أعلنته المحكمة الدائمة للعدل الدولى فى رأيها الإفتائى فى قضية الجماعات اليونانية البلغارية فى 31 يوليو 1930 بتقريرها وجود مبدأ عام معترف به فى القانون الدولى مؤداه ، أنه فى العلاقات بين الدول الأطراف فى معاهدة ، لا تسمو نصوص التشريع الداخلى على أحكام هذه المعاهدة .
2 - تطبيق القانون الدولى فى النظام الداخلى :
1 – تطبيق القانون الدولى العرفى فى النظام الداخلى :
تأخذ كثير من الدساتر الداخلية بمبدأ صلاحية القاضى الداخلى لتطبيق القواعد الدولية العرفية ، دون أن يحتاج ذلك إلى إجراء شكلى وخاص ، كإستقبال القاعدة أو تحويلها .
ومن الأمثلة على ذلك ، نص المادة 25 من دستور جمهورية ألمانيا الفيدرالية الصادر فى 8 مايو 1949 الذى ، يقضى بأن قواعد القانون الدولى العامة تشكل جزءاً من القانون الفيدرالى ، كما تكون سابقة لكافة القوانين عند التطبيق ، ومنشئة لالتزامات وحقوق مباشرة بالنسبة لسكان الإقليم الفيدرالى .
هذا ومن الجدير بالذكر ، أنه لكى يتم التطبيق القضائى المباشر للقواعد العرفية الدولية ، يجب أن تكون المسألة المعروضة على القاضى الداخلى داخلة فى إطار إختصاصه المحدد وفق القانون الداخلى ، وأن تكون القاعدة الدولية المستعان بها تقبل بطبيعتها التطبيق المباشر على موضوع المسألة المتنازع حولها أو أن تتعلق بمركز واقعى أو قانونى يتوقف وجوده فى القانون الداخلى على قابلية القاعدة الدولية التى تحكم الموضوع ، للتطبيق .
إلى جانب ما سبق ، فإن هناك قلة من الدساتير ت
تطلب إجراءات خاصة لتطبيق القواعد الدولية العرفية فى الداخل .
يتضح من مراجعة موقف الدساتير المختلفة من تطبيق المعاهدات الدولية انقسامها ، أساساً إلى إتجاهين :
إتجاه يتطلب ضرورة إدماج المعاهدة فى القانون الداخلى بواسطة التشريع لكى يمكن قبول تطبيقها فى الداخل ، حتى ولو كانت إجراءات إبرامها والتصديق عليها قد تمت وفقاً للقوانين الداخلية وإقرار الجهاز التشريعى فى الدولة ويتطابق هذا الإتجاه مع ما ينادى به أنصار مذهب ثنائية القانون .
إتجاه ثان ، يضم الكثير من الدساتير الحديثة ، منها دساتير الولايات المتحدة الأمريكية ، قطر ، وسلطنة عمان ، يتجه إلى أن المعاهدات التى تبرمها الدولة تأخذ حكم القانون الداخلى وتطبق مباشرة داخل الدولة . وهذه هى فكرة مذهب وحدة القانون .
ثالثاً : الوضع فى جمهورية مصر العربية :
لدراسة الموقف فى جمهورية مصر العربية بالنسبة لمشكلة العلاقة بين القانون الدولى والقانون الداخلى ، نعرض لهذا الموقف بالنسبة للعرف ثم للمعاهدات .
1 – تطبيق العرف الدولى :
لم يتضمن الدستور المصرى الصادر فى سبتمبر 1971 أى إشارة حول هذه المسألة ، غير أن الإستقرار العام للعمل القضائى فى مصر يوضح لنا أنه يسير مع الإتجاه الدولى من اعتبار العرف الدولى مصدراً لقواعد قانونية تطبقها المحاكم . فلقد طبقت محكمة النقض المصرية العرف الدولى . كما طبقه أيضاً مجلس الغنائم المصرى .
ولم يكن مجلس الدولة المصرى يساير هذا الإتجاه فى بادئ الأمر ولكن تغير موقف مجلس الدولة بعد صدور الدستور المصرى المؤقت لعام 1956 حيث إتجهت فتاوى المجلس إلى تأكيد إعتبار العرف الدولى مصدراً لقواعد القانون الداخلى .
2 – تطبيق المعاهدات الدولية داخل مصر :
تعرض الدستور المصرى الصادر عام 1971 للعلاقة بين المعاهدات الدولية والقوانين المصرية مبيناً نظام تطبيق المعاهدات الدولية داخل مصر ، وذلك بصورة غير مباشرة ، وقد نصت على ذلك المادة 151 من الدستور .
يفيد هذا النص :
(أ) أن إبرام المعاهدات الدولية والتصديق عليها هو عمل من إختصاص رئيس الجمهورية كقاعدة عامة .
(ب) أن المعاهدة التى تبرم وفقاً لهذه الأوضاع تصبح فى قوة القانون الداخلى بعد أن تنشر وفقاً لإجراءات نشر القوانين ، أى فى الجريدة الرسمية للدولة . فالمعاهدة إذا ما أبرمت بطريقة صحيحة تصبح فى حكم القانون الداخلى دون حاجة إلى إصدارها فى صورة قانون داخلى أو إدماجها فى تشريع داخلى وكل ما تطلبه الدستور هو نشرها فى الجريدة الرسمية ، وهو إجراء شكلى بسيط قصد به إعلام الكافة داخل الدولة بالقواعد الجديدة ، كما هو الإجراء الذى يتبع عند صدور أى شريع جديد . بذلك نخلص إلى تقرير أن الدستور المصرى ينهج مذهب وحدة القانون .