الجرائم العسكرية
1- الاشتراك في الجرائم العسكرية: جاء النص على العقوبات المطبقة على الجرائم العسكرية قبل النص على هذه الجرائم، وذلك في الكتاب الثالث من قانون القضاء العسكري، وما يلاحظ على العقوبات أنها لم تنص على حالة الاشتراك في الجريمة مثلما فعل قانون العقوبات، فإذا كانت القاعدة العامة في هذا الأخير هي ما نصت عليه المادة 44 بالعقاب على الاشتراك في الجناية أو الجنحة دون المخالفة بنفس عقوبة الجناية أو الجنحة، فلسنا نحتاج إلى مثل هذا النص في قانون القضاء العسكري على اعتبار أن المادة 25 من هذا القانون والخاصة بالاختصاص النوعي قد حددت أن الفعل مثل الشريك كلاهما يتابعان معا ولو كان الشريك غير عسكري.
2- وصف عام وتقسيم للجرائم العسكرية: الجرائم المنظورة أمام القضاء العسكري نوعان فبعضها يتعلق بالقانون العام مثل جرائم القتل والسرقة، ومنها ما يتعلق بالحياة العسكرية، أو ما يطلق عليه الجرائم العسكرية المحضة.
وقد تناول قانون القضاء العسكري أنواع الجرائم العسكرية البحتة، وقسمها إلى أربعة أصناف رئيسية:
2-1- جرائم الإفلات من الخدمة العسكرية: العصيان والفرار والتحريض على الفرار وإخفاء الفار والتشويه المتعمد.
2-2- جرائم الإخلال بالشرف أو الواجب: الاستسلام والخيانة والتجسس والمؤامرة العسكرية والنهب والتدمير والتزوير والغش والاختلاس وانتحال البذل العسكرية والأوسمة والشارات المتميزة والشعارات وإهانة العلم أو الجيش والتحريض على ارتكاب أعمال مخالفة للواجب والنظام.
2-3- الجرائم المرتكبة ضد النظام: العصيان (التمرد العسكري والتمرد وأعمال العنف وإهانة الرؤساء وأعمال العنف والشتائم المرتكبة بحق الخفير أو الحارس ورفض أداء الخدمة الواجبة قانونا) وإساءة استعمال السلطة (أعمال العنف بحق المرؤوسين وإهانتهم وسوء استعمال حق المصادرة).
2-4- مخالفة التعليمات العسكرية.
هذه الجرائم لا يرتكبها إلا أفراد الجيش ولا مقابل له في القانون العام.
وبالمقابل فإن جرائم القانون العام التي ترتكب قد تكون من اختصاص المحاكم العسكرية أو من اختصاص القضاء العادي فهي إذن على نوعين:
بعضها يعتبر بمثابة جرائم عسكرية، وهي التي ترتكب في الخدمة أو ضمن مؤسسات عسكرية أو لدى المضيف كالسرقة التي يرتكبها عسكري داخل الثكنة.
وبعضها تبقى متصفة بصفة جرائم القانون العام، وهي التي ترتكب خارج الخدمة وخارج المؤسسة العسكرية وليس لدى المضيف.
والفائدة في التفرقة بين الجريمة العسكرية والجريمة غير العسكرية يكمن في أن الجرائم ذات الطابع العسكري المحض تكون من اختصاص المحاكم العسكرية سواء كان مرتكبها فاعلا أصليا أو فاعلا أصليا مساعدا أو شريكا ، وسواء كان عسكريا أم لا (المادة 25/1 ق.ق.ع) أما جرائم القانون العام فتكون المحكمة العسكرية مختصة بنظرها إذا توفر المعيار الشخصي المتمثل في كون الفاعل عسكريا أي الجاني (وحتى المجني عليه) أو شبه عسكري أثناء الخدمة أو في المؤسسات العسكرية أو لدى المضيف سواء كانوا فاعلين أصليين أو فاعلين أصليين مساعدين أو شركاء (م25/2 ق.ق.ع)
وقد سبق لنا الحديث عن المادة 324 ق.ق.ع التي تتحدث عن مخالفة التعليمات العسكرية، وهي جريمة ذات ركن مادي فضفاض وموسع مما يجعلها مخالفة لمبدأ الشرعية الجنائية، وعلى سبيل المثال فإن زواج العسكري دون أخذ رخصة من السلطة العسكرية المختصة اعتبر بمثابة جريمة مخالفة التعليمات العسكرية، بينما كان يمكن اعتباره مخالفة تأديبية تتعلق بمخالفة نظام الخدمة في الجيش، ومن هنا فلا يوجد تمييز واضح بين الأولى والثانية.
ثمة ملاحظة أخرى تتعلق بجريمة إهانة العلم المنصوص عليها في قانون القضاء العسكري في المادة 300، وعقوبتها الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات، في حين أن هناك نصا أشد منصوص عليه في قانون العقوبات في المادة 160 مكرر، والتي تنص على أنه يعاقب بالحبس من خمس إلى عشر سنوات كل من قام عمدا وعلانية بتمزيق أو تشويه أو تدنيس العلم الوطني، فنرى أن من اللازم الاكتفاء بالنص الموجود في القانون العام بدلا من هذه الازدواجية غير المبررة.
هناك نصوص عديدة متشابهة أو مزدوجة الأوصاف بين القانونين، وهذا قد يؤدي إلى تنازع في الاختصاص.
3- إحصاء عام للجرائم العسكرية: إن الجرائم العسكرية المحضة وفق عملية إحصاء قام بها الدكتور عبد الرحمان بربارة هي 26 جريمة، وذلك بالنظر إلى هناك جرائم كثيرة تتشابه من حيث المصطلح مع جرائم القانون العام دون أن تتشابه معها كلية من حيث المضمون، كالخيانة والتجسس (م 277 ق.ق.ع – م 61 ق.ع)، والعصيان (المواد 304، 137، 254 ق.ق.ع – م 183 ق.ع) والفرار أو الهروب ( م 255 وما يليها ق.ق.ع بالنسبة للفرار- م 188 وما يليها ق.ع بالنسبة للهروب)، والتزوير والغش (م293 وما يليها ق.ق.ع – م 197 وما يليها ق.ع)، والاختلاس (م295 ق.ق.ع – م 29 من القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20-02-2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته) وإهانة العلم والجيش (م 300 ق.ق.ع – م 160 مكرر و 146 ق.ع) والعنف ( م 310 ق.ق.ع – م 264 وما يليها ق.ع) والنهب والتدمير (م 286 و288 ق.ق.ع – م 411 ق.ع) وانتحال البذلة العسكرية والأوسمة والشارات (م298 و 299 ق.ق.ع – م 244 وما يليها ق.ع).
أما بقية الجرائم فهي جرائم لا نظير لها في قانون العقوبات، فهي عسكرية صرفة، مثل التمرد (انظر المادة 305 ق.ق.ع – بينما نص قانون العقوبات في المادة 88 وما يليها على جرائم المساهمة في حركات التمرد)، والتمرد العسكري (م 302 وما يليها ق.ق.ع) ورفض الطاعة (م 307 وما يليها ق.ق.ع)، ومخالفة التعليمات العسكرية (م 324 وما يليها ق.ق.ع) والتشويه المتعمد (م 273 وما يليها ق.ق.ع) وجرائم الإخلال بالشرف والواجب ( م 275 و276 ق.ق.ع).
4- حول جريمة الفرار: وبالعودة إلى القسم الأول من الجرائم، وهي الجرائم التي تتشابه تسمياتها مع التسميات المعروفة في القانون العام نجد مثلا جريمة الفرار في قانون القضاء العسكري، وهي تختلف تماما عن جريمة الهروب المنصوص عليها في قانون العقوبات، فالأولى تتعلق بمغادرة العسكري للوحدة العسكرية من دون إذن أو سبب مشروع، بينما الثاني هو مغادرة المقبوض عليه أو المعتقل قانونا أو المحبوس أو المسجون للأماكن التي خصصتها السلطة لحبسه، وأحكام الجريمتين مختلفة تماما، فعلى سبيل المثال فإن تقادم جريمة الفرار غير تقادم جريمة الهروب، فجريمة الفرار بالنسبة للعسكري لا تتقادم إلا ابتداء من يوم بلوغ العسكري سنة الخمسين سنة، أي تضاف إليها مدة التقادم والتي هي خمس سنوات مثلا، وذلك تطبيقا للمادة 236 ق.ق.ع.
قضية: حكمت المحكمة العسكرية بالبليدة على المتهم (ح.ص) بعام حبس نافذ بتاريخ: 09/07/2007 بسبب ارتكابه جنحة الفرار التي ارتكبها في الفترة ما بين 14/08/1994 إلى غاية 20/05/2007 علما أنه مولود بتاريخ: 20/03/1957، فطعن (ح.ص) في الحكم بالنقض مبديا وجها وحيدا للطعن يتمثل في مخالفة قاعدة جوهرية في الإجراءات بحكم أنه كان يبلغ من العمر وقت محاكمته أكثر من خمسين سنة مما يعد خرقا لنص المادة 236 ق.ق.ع لكون العقوبة المحكوم بها تعتبر عقوبة متقادمة، وبما أن التقادم من النظام العام يمكن إثارته في أي مرحلة من مراحل الدعوى، فما هو وجه سداد هذا الطعن؟
جواب: هذه القضية عرضت بالفعل أمام المحكمة العليا في الملف رقم 520653 وفصلت فيها بتاريخ: 19/12/2008، حيث جاء في قرارها ما يلي:"حيث أن حاصل ما ينعاه الطاعن غير سديد، ذلك أن المادة 236 ق.ق.ع لا تنص على أن تقادم العقوبة الصادرة عن القرار تبدأ من يوم بلوغ الفار سن الخمسين، بل تنص على أن لا يسري إلا ابتداء من اليوم الذي يبلغ فيه العاصي أو الفار سن الخمسين"، أي أنه لا يبدأ سريان مدى تقادم العقوبة إلا عند بلوغ الفار سن الخمسين، وفي قضية الحال فإن تقادم العقوبة يبدأ بعد مضي خمس سنوات كاملة من يوم 20/03/2007 أي تاريخ بلوغ المتهم خمسين سنة، وهذا طبقا للمادة 614 ق.إ.ج (خاصة بتقادم العقوبات في الجنح) مما يتعين معه رفض الطعن.
وبالمثل قضت المحكمة العليا في قرار لها بتاريخ: 26/11/1985 أنه:" لما كانت المادة 70 من قانون القضاء العسكري تنص على أن سريان تقادم الدعوى الناجمة عن العصيان أو الفرار لا يبدأ إلا من اليوم الذي يبلغ فيه العاصي أو الفار سن الخمسين وكان من الثابت أن المتهم كان يبلغ من العمر يوم محاكمته خمسة وعشرين سنة فإن حكم المحكمة العسكرية القاضي بتقادم الدعوى الناجمة عن الفرار من الجيش يكون خاطئا في تطبيق القانون مما يستوجب بطلانه ونقضه".
5- حول جريمة العصيان: أما بالنسبة لجريمة العصيان المنوه والمعاقب عنها بالمادة 254 من قانون القضاء العسكري والتي تنص:" كل شخص يرتكب جرم العصيان المنصوص عليه في القوانين المتعلقة بالتجنيد، يعاقب في زمن السلم، بالحبس من 3 أشهر إلى خمس سنوات "، ليست هي جريمة العصيان الواردة في المادة 183 من قانون العقوبات :" كل هجوم على الموظفين أو ممثلي السلطة العمومية الذين يقومون بتنفيذ الأوامر أو القرارات الصادرة منها أو القوانين أو اللوائح أو القرارات أو الأوامر القضائية وكذلك كل مقاومة لهم بالعنف أو التعدي تكون جريمة العصيان. والتهديد بالعنف يعتبر حكم العنف ذاته "
والمراد من العصيان الأول Insoumission هو رفض الالتحاق بالوحدة العسكرية في إطار التجنيد، بينما المقصود من العصيان في القانون العام Rébellion مقاومة الضباط العموميون أثناء تنفيذهم للقرارات والأوامر الإدارية أو القضائية كالتصدي للمحضر القضائي أثناء التنفيذ.
إن تعبير العصيان ورد في قانون القضاء العسكري في ثلاث مناسبات، في المرة الأولى في المادة 137، وهي تتعلق بمن يحدثون الشغب أو الضجة أثناء جلسات المحاكمة في المحكمة العسكرية، حيث يعتبر المشوشون مهما كانوا (أي متهمين أو مدافعين) مرتكبين جرم العصيان، وتطبق عليهم العقوبة الخاصة بجريمة التمرد المنصوص عليها في المادة 305، وفي المرة الثانية في المادة 254 سابقة الذكر، وفي المرة الثالثة جاء عنوان ضمن الفصل الثالث من الباب الثاني الخاص بالجرائم ذات الطابع العسكري، وتضمن هذا الفصل الثالث ستة أنواع من الجرائم يطلف عليها جميعا وصف العصيان، وهي: التمرد العسكري، والتمرد، ورفض الطاعةّ، وأعمال العنف وإهانة الرؤساء، وأعمال العنف والشتائم المرتكبة بحق الخفير أو الحارس، وأخيرا رفض أداء الخدمة الواجبة قانونا، ومن هنا يمكن القول أن هذا التعدد غير مستساغ ويشكل عيبا من عيوب الصياغة يحسن بالمشرع تلافيه بإيجاد أوصاف مختلفة أو بجمع جميع الأوصاف تحت عنوان واحد.
6- الخيانة والتجسس: يكمن الفرق بين جريمتي الخيانة والتجسس المنصوص عليهما في كل من قانون القضاء العسكري وفقا لمواده من 277 إلى 282 وقانون العقوبات وفقا للمواد من 61 إلى 64، في الغاية من ارتكاب الجريمتين وصفة مرتكبهما وظروف ارتكابهما وإن كان ظاهر المصطلحين باللغتين العربية والفرنسية يوحي لأول وهلة بوجود تشابه بين النصين.
إن الهدف من تجريم الخيانة والتجسس وفقا للقانون العام هو حماية أمن الدولة بما فيها أمنها الاقتصادي دون أي اعتبار لصفة مرتكبهما أو لظروف ارتكابهما مع اختلاف وحيد بين الجريمتين يتعلق بجنسية الفاعل، بحيث لا تنسب الخيانة إلا لمواطن، أما الخيانة والتجسس من منظور قانون القضاء العسكري فهما موجهتان أساسا للعسكريين أثناء المواجهة مع العدو أو بمناسبة ذلك بغض النظر عن جنسية الفاعل.