الفصل الأول
جرائم الفساد
تمهيد: جرائم الفساد في الجزائر هي مصطلح بديل لمصطلح الجرائم ضد المصلحة العامة، أو الجرائم الواقعة أو المرتكبة من الموظفين، فقد كانت معاقبا عليها بموجب نصوص قانون العقوبات، إلا أن المشرع فضل في سنة 2006 أن يحول تلك النصوص إلى نص خاص ملحق أو مكمل لقانون العقوبات ومستقل عنه وهو القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20/02/2006، والمتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، مع إضافات جديدة، وخصوصيات معينة.
إن الدافع إلى هذا الاختيار هو مصادقة الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المؤرخة في 31 أكتوبر 2003، والتي صادقت عليها الجزائر عن طريق المرسوم الرئاسي رقم 04-128 بتاريخ: 19 أفريل 2004.
إن الجامع بين جرائم الفساد هو صفة الموظف أو من شابهه أو من في حكمه، فهي من جرائم ذوي الصفة، أو بعبارة أخرى فما يجمع بينها هو شرط مفترض يتمثل في توافر صفة معينة في فاعلها، وهي صفة الموظف أو من في حكمه، سنتطرق إلى هذا الشرط المفترض في مبحث تمهيدي، ثم نتطرق إلى تلك الجرائم تباعا.
مبحث تمهيدي
التطور التاريخي لصفة الموظف
المطلب الأول
قبل 2006
يمكن التمييز بين المراحل الآتية:
1- مرحلة تعريف الموظف العام في قانون العقوبات: كانت المادة 149 تنص على ما يأتي: يعد موظفا في نظر القانون الجزائي كل شخص تحت أي تسمية وفي نطاق أي إجراء يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة أو مرفق ذي منفعة عامة"
تعليق:
- هذا التعريف مخالف لتعريف الموظف المعروف في القانون الإداري.
- هذا التعريف الخاص بالقانون الجنائي وهو تعريف موسع مقارنة بالمفهوم الخاص بالقانون الإداري.
- هذا التعريف تأثر فيه المشرع الجزائري بالاجتهاد القضائي الفرنسي.
- يتلخص هذا المفهوم والذي سنرى أنه يتطابق مع مفهوم الشبيه بالموظف الذي أخذ به المشرع لاحقا في حصر مفهوم الموظف في أي شخص يتمتع بقسط من السلطة العامة، وهم الذين يتولون وكالة عمومية سواء عن طريق انتخاب شرعي أو بمقتضى تفويض من السلطة التنفيذية ويساهمون بهذه الصفة في تسيير شؤون الدولة أو الجماعات المحلية.
2- مرحلة استبدال عبارة الموظف في نظر القانون الجزائي بمصطلح الشبيه بالموظف، كان ذلك بموجب تعديل قانون العقوبات عن طريق الأمر 75-45 المؤرخ في 17/06/1975، مع تغيير بسيط في التعريف الذي أصبح كالتالي: الشبيه بالموظف يقصد به كل شخص يتولى وظيفة أو وكالة في المؤسسات الاشتراكية أو المؤسسات ذات الاقتصاد المختلط أو الهيئات المصرفية أو الوحدات المسيرة ذاتيا للإنتاج الصناعي أو الفلاحي أو في أية هيئة من القانون الخاص تتعهد بإدارة مرفق عام".
تعليق
- تزامنت هذه المرحلة مع التوجه الاقتصادي الاشتراكي الذي بدأ منذ 1971.
- يتعلق الأمر بكون هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بتسيير المؤسسات الاقتصادية الاشتراكية يديرون ويتصرفون في أموال عمومية قصد المشرع حمايتها ممن وضع في أيديهم ولو لم يكونوا من الموظفين بالمعنى الدقيق.
- لا يتعلق الأمر بكل العاملين في الشركات الوطنية والمزارع الفلاحية المسيرة ذاتيا وإنما بمسيري تلك الشركات والذين يعينون في هذه الوظيفة من طرف السلطات العمومية، وممثلي العمال في مجالس الإدارة والذين يتولون وكالة بالانتخاب.
3- مرحلة التخلي عن عبارة الشبيه بالموظف: وتتضمن مرحلتين:
3-1- في البداية تم تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم 88-20 المؤرخ في 12/07/1988، أين تخلى المشرع عن مصطلح الشبيه بالموظف، وأصبح يعبر عنه بمصطلح من يتولى وظيفة أو وكالة في الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات الاقتصادية العمومية أو أية هيئة أخرى خاضعة للقانون الخاص تتعهد بإدارة مرفق عام (المادة 119 ق.ع)
تعليق:
- هذا النص يتوافق مع قانون توجيه المؤسسات العمومية والاقتصادية المؤرخ في 12/01/1988،
- هذا القانون صنف المؤسسات إلى ثلاثة: مؤسسات عمومية خاضعة للقانون العام (مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، مؤسسات عمومية ذات طابع إداري) ومؤسسات عمومية خاضعة للقانون الخاص وهي المؤسسات العمومية الاقتصادية (تأخذ شكل شركات مساهمة أو شركات ذات مسؤولية محدودة تملك الدولة أو الجماعات المحلية فيها جميع الأسهم أو الحصص) وثالثا هيئات الضمان الاجتماعي وهي مؤسسات ذات قانون خاص ومتميز.
3-2- تم تعديل المادة 119 ق.ع الخاصة بجرائم الاختلاس بموجب القانون رقم 01-09 المؤرخ في 26/06/2001، حيث تم تكريس التخلي عن مصطلح الشبيه بالموظف مع تغيير طفيف في التعريف الذي أصبح كالتالي: كل شخص تحت أية تسمية وفي نطاق أي إجراء يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام.
تعليق
- هذا التعريف قام بحذف عبارة المؤسسات العمومية الاقتصادية.
- حذف عبارة المؤسسات العمومية الاقتصادية يرجع إلى صدور قانونين خاصين بخوصصة هذه المؤسسات، وهما الأمر رقم 95-25 (مؤرخ في 25/09/1995) والأمر رقم 01-04 (المؤرخ في 20/08/2001).
- إن الخوصصة أخذت أحد شكلين: فتح رأسمال المؤسسات العمومية الاقتصادية للخواص (أفرادا أو شركات مواطنين أو أجانب) عن طريق بيع بعض الأسهم، أو التنازل عن بعض رأسمالها.
- من أمثلة المؤسسات التي قامت ببيع بعض أسهمها للخواص: فندق الأوراسي، مجمع صيدال، مجمع الرياض.
- من أمثلة المؤسسات التي تنازلت عن بعض رأسمالها: مؤسسة الحجار للحديد والصلب.
4- إشكالية تطبيق الفقرة الثانية من المادة 119 ق.ع
بعد أن تخلى المشرع عن مصطلح الشبيه بالموظف جعل مفهوم من يتولون وظيفة أو وكالة يقتصر على أولئك التابعين أو الذين يسهمون في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام، ولم يذكر المؤسسات العمومية الاقتصادية باعتبار هذه الأخيرة آيلة للخوصصة وبالتالي الخضوع للقانون الخاص، لكن الفقرة الثالثة من المادة 119 (والخاصة بالاختلاس) جاءت كما يلي:"عندما ترتكب الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة ... إضرارا بالمؤسسات العمومية الاقتصادية التي تملك الدولة كل رأسمالها أو ذات رأس المال المختلط فإن الدعوى العمومية لا تحرك إلا بناء على شكوى من أجهزة الشركة المعنية المنصوص عليها في القانون التجاري.
تعليق:
- يتبين أن هناك احتمالين: أن المشرع سها عن ذكر المؤسسات العمومية الاقتصادية في الفقرة 2، أو أن الفقرة الثالثة هي التي جاءت في غير محلها، وأن المشرع لم يوفق في إيرادها لأنها غير ذات معنى على اعتبار أن الفقرة الثانية التي تضمنت تجريم الاختلاس الصادر من الذين يتولون وظيفة أو وكالة لم تذكر المؤسسات العمومية الاقتصادية.
- إن حل هذا الإشكال حسب الأستاذ بوسقيعة يكون بترجيح الاحتمال الثاني على اعتبار أّن الفقرة الثانية خاصة بالتجريم وهي تخضع للتفسير الضيق ومن ثمة فلا توجد جريمة اختلاس بالنسبة لمن يتولون وظيفة أو وكالة في المؤسسات العمومية الاقتصادية، والفقرة الثالثة ليست ذات تأثير وجاءت بلا معنى وهي تتعلق بإجراء من إجراءات المتابعة.
- إن قانون النقد والقرض (الأمر رقم 03-11 المؤرخ في 26-08-2003) تضمن استثناء من المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تخضع لأحكام جريمة الاختلاس، ويتعلق الأمر بالبنوك والمؤسسات المالية، حيث يخضع مسيروها (الرئيس أو أعضاء مجلس الإدارة أو المديرون العامون) لأحكام الاختلاس طبقا للمادة 132 من القانون المذكور.
المطلب الثاني
بعد 2006