الطعون في الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية
تمهيد: سيتم تقسيم طرق الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية وفق التقسيم التقليدي إلى طرق الطعن العادية وطرق الطعن غير العادية وفقالفقرات التالية:
• طرق الطعن العادية:
إن طرق الطعن العادية تهدف إلى إعادة نظر القضية من جديد شكلا وموضوعا وصولا إلى تعديل مضمون الحكم، وتتمثل أساسا في: الاستئنافوالمعارضة بالنسبة للمتهم المحكوم عليه غيابيا، ويتم الأول أمام درجة أعلى بينما الثاني يتم أمام نفس الجهة مصدرة الحكم.
فبالنسبة لقانون الإجراءات الجزائية تعتبر الأحكام الصادرة في الجنح والمخالفات قابلة للاستئناف (م416)، وبالمثل فالمعارضة تكون في الجنحوالمخالفات(م414)، ولذلك فلا أثر لهذين الطريقين بالنسبة للجنايات، أما قانون القضاء العسكري فهو لا يقبل استئناف أحكام المحاكم العسكرية، بينما الطريقالوحيد للطعن العادي هو المعارضة.
1-1-حظر استئناف أحكام المحاكم العسكرية: من مظاهر ذاتية قانون القضاء العسكري هو حظر الاستئناف، فالمحاكم العسكرية توصف لهذا بأنها أحاديةالدرجة، وذلك يعني أن أحكامها ابتدائية نهائية غير قابلة للاستئناف، ولعل الهدف من ذلك هو تفادي التعقيد وتطويل الإجراءات من جهة، وردعا للجرائمالعسكرية من جهة أخرى، وعلى العكس من ذلك فقرارات قاضي التحقيق العسكري تبقى قابلة للاستئناف أمام غرفة الاتهام.
يمكننا القول باختصار أن مبدأ التقاضي على درجتين هو من أهم المبادئ الضامنة لحق التقاضي، وهو يترجم العديد من المصالح والمزايا الأكيدة التيمنها: دفع بقاء الخطإ المحتمل النابع من بشرية المحكمة الناطقة بالحكم ولو لمرة واحدة من طرف قضاء أعلى يتميز بنوعية وعدد قضاة أفضل مما يزيد فياحتمالية إصابة العدالة وتحقيق الطمأنينة لدى المحكوم عليه والمجتمع، ومن ثمة فإهداره هو إهدار لأهم الضمانات الإجرائية للمتهم.
1-2- قبول المعارضة وإجراءاتها، إن المتهم الذي لم يحضر أمام المحكمة بمحض إرادته أو قسرا يحكم عليه غيابيا، وإذ لم يتكن من عرض حججه فإنالعدالة تقتضي إعطاءه فرصة ثانية لفعل ذلك، والطريق إلى ذلك هو السماح له بالمعارضة في الحكم، وهي تجد أساسها في المادة 199/5 ق.ق.ع، وهي لاتكون في الأحكام الحضورية ولا الحضورية الاعتبارية وإنما في الأحكام الغيابية وذلك بهدف منع إحرازها على الحجية.
1-2-1-قبول المعارضة: الأصل أن كل شخص كلف بالحضور تكليفا صحيحا وتخلف عن الحضور في اليوم والساعة المحددين في أمر التكليف تحكم عليهالمحكمة غيابيا إذا ما ثبت أن التكليف بالحضور لم يكن قد سلم لشخص المتهم أو قدم المتهم عذرا مقبولا لتخلفه عن الحضور.
وقد نصت المادة 191 ق.ق.ع على ورقة التكليف بالحضور وبياناتها، والتي يخلص منها إلى أن التكليف بالحضور هو إجراء إجباري يجب أن يتخذمن طرف المحكمة العسكرية، سواء بالنسبة للمتهم أو الشهود، ونصت المواد 198،197،176 على كيفية تبليغها في حالة غياب المتهم وفي حالة غيابه غيرالشرعي عن المؤسسة العسكرية، وقد حددت المادة 194/1 ق.ق.ع مهلة ثمانية أيام بين تاريخ تبليغ التكليف بالحضور وبين المثول أمام المحكمة دوناحتساب أي وقت آخر كمسافة الطريق، وعليه فإذا تمت هذه الإجراءات ثم ثبت للمحكمة أن المتهم لم يتسلم التكليف شخصيا أو قدم مبررا مقبولا لغيابه كانالحكم غيابيا وكان له الحق في المعارضة.
والحقيقة أن العبرة في حضورية الحكم أو غيابيته تتعلق بمدى تمكن المتهم من الدفاع عن نفسه، وعليه:
- إذا لم يتمكن المتهم من الدفاع عن نفسه بسبب تغيبه عن جلسات المرافعة كلها أو بعضها فالحكم يكون غيابيا ولو حضر يوم النطق بالحكم.
- إذا تغيب المتهم عن جلسات المرافعة كلها أو بضعها لكنه حضر يوم النطق بالحكم ووجهت له التهمة ليبدي أوجه الدفاع عن نفسه كان الحكم حضوريا.
- إذا تغيب المتهم عن بعض الجلسات لكنه تمكن من الاطلاع على ما دار فيها والدفاع عن نفسه كان الحكم حضوريا.
- إذا تغيب المتهم يوم النطق بالحكم ولم تجر فيه مرافعة كان الحكم حضوريا.
- ونصت المادة 141 ق.ق.ع على أنه ينبغي للمتهم المبلغ شخصيا أن يحضر أمام المحكمة فإذا لم يحضر ولم يقدم عذرا صحيحا تقبل به المحكمة التي دعتهللحضور فيحكم عليه بحكم يعتبر بمثابة حضوري(حضوري اعتباري)، وتسبب المحكمة ذلك ضمانا لحقوق المتهم.
- وهناك حالات أخرى يعتبر فيها الحكم حضوريا اعتباريا رغم غياب المتهم كحالة التشويش والضجيج (م143)، أو حالة رفض الامتثال رغم إنذاره (م142 ) وفيها كلها لا يكون للمتهم حق المعارضة.
1-2-2-إجراءات المعارضة: لا بد أولا أن نذكر بكيفية إصدار المحاكم العسكرية لأحكامها، ثم إلى الأحكام الجائز الطعن فيها بالمعارضة، ثم إلى إعلانها، ثمإلى آثار الأحكام الغيابية، ثم إلى شكل وميعاد المعارضة، وأخيرا إلى الجهة المختصة بنظر المعارضة وآثار المعارضة أمامها.
1-2-2-1-كيفية إصدار المحاكم العسكرية لأحكامها: لعلنا أصبحنا نعلم أن المحاكم العسكرية تصدر أحكامها طبقا للقواعد المنصوص عليها في المواد من 285 إلى 315 ق.إ.ج، مع مراعاة بعض التحفظات، ومن ثمة فإنه بعد إقفال باب المرافعة وتلاوة الأسئلة التي ينبغي على المحكمة أن تجيب عليها يأمررئيس الجلسة بإخراج المتهم من قاعة الجلسة، وينسحب أعضاء المحكمة إلى غرفة المداولات، فيتداولون ويصوتون من غير حضور وكيل الدولة العسكريوالدفاع وكاتب الضبط، ولا يبت في الأسئلة إلا بأغلبية الأصوات، وبالإجابة بكلم نعم أو لا.
والأسئلة لا ينبغي أن تكون متشعبة بل يكون لكل واقعة سؤال ولكل ظرف مشدد سؤال ولكل عذر قانوني سؤال وكذلك الأسئلة الاستدراكية، ويجب ألاتكون الأسئلة متناقضة.
وفي حالة الإجابة بنعم حول الإدانة بأغلبية الأصوات يتداول أعضاء المحكمة حول العقوبة عن طريق الاقتراع السري والأحادي(أي كل متهم علىحدة)، ويجوز للمحكمة أن تقرر بأغلبية الأصوات توقيف تنفيذ العقوبة في حالة الجنح والمخالفات فقط (م166/4 ق.ق.ع)، أما العقوبات التبعية فهي ليستبحاجة إلى النطق بها، مع العلم أن هناك عقوبات تبعية عسكرية خاصة كالعزل والعسكري وفقدان الرتبة(م244.)
وتعود بعدها المحكمة إلى قاعة الجلسة ثم يستحضر الرئيس المتهم ويتلو أمام الحرس المسلح الأجوبة المعطاة عن الأسئلة وينطق بالحكم بالإدانة أوبالإعفاء من العقاب أو البراءة، ويعين المواد القانونية وأحكام القوانين الجزائية التي جرى تطبيقها، وفي حالة البراءة والإعفاء يخلى سبيل المتهم (نحو الوحدةالتابع لها)، وفي حالة الإدانة يلزم بالمصاريف لصالح الخزينة، وبعد أن يصدر الرئيس الحكم ينبه المحكوم عليه بأن من حقه الطعن بالنقض ويذكر هل ملهةالطعن(م174 ق.ق.ع).
ويجب أن يكون أي دفع بعدم اختصاص المحكمة العسكرية نوعيا أو محليا قبل البدء في المرافعات وقبل أي دفاع في الموضوع وليس لأول مرة أمامالمحكمة العليا، أما الدعوى المدنية التبعية فلا تنظر أمام المحكمة العسكرية بل يتعين الحكم فيها بعدم الاختصاص إن كانت قد رفعت، ولا يكون هناك تسبيبللأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية على اعتبار أنها تخضع كما رأينا للاقتناع، وبالنسبة لبيانات الحكم فيمكن مراجعتها في المادة 176 ق.ق.ع.
1-2-2-2-الأحكام الجائز الطعن فيها بالمعارضة، يجوز المعارضة في كل أحكام المحاكم العسكرية بما فيها الأحكام الصادرة في الجنايات، على عكس مانعرف بالنسبة لقانون الإجراءات الجزائية حيث لا تجوز المعارضة في أحكام محكمة الجنايات، وذلك بالنظر إلى أن إجراءات التخلف عن الحضور هيالكفيلة بإحضار المتهم، أو يتم القبض عليه، فإذا حصل ذلك أعيدت المحاكمة وسقط الحكم الغيابي الصادر فيها.
ودون شك أنه لا يجوز الطعن بالمعارضة في الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا، كما أنه لا يصح الطعن بالنقض ضد الحكم الغيابي إلا حين يصيرالطعن بالمعارضة غير ممكن.
ويرى الدكتور صلاح الدين جبار أن استبعاد إجراءات التخلف عن الحضور بالنسبة للجنايات العسكرية والسماح بالمعارضة فيها يرجع إلى كونهاإجراءات معقدة ومبالغ فيها، ولا تكون ملائمة لبعض العصاة والفارين.
1-2-2-3-كيفية إعلان(تبليغ)أحكام المحاكم العسكرية الغيابية: بعد انتهاء مدة الثمانية أيام المذكورة سابقا لمثول المتهم يصدر الحكم غيابيا بناء على طلباتوكيل الجمهورية العسكري، وإذا استحال على المتهم الحضور استحالة مطلقة الاستجابة للتكليف بالحضور فبإمكان ذويه أو أصدقائه تبيلغ عذره للمحكمة،وإذا رأت أن عذره مقبول تأمر بتأجيل المحاكمة لمدة معينة حسب العذر، ويمكن محاكمة المساهمين والأمر برد الأشياء لمالكيها.
أما الحكم الغيابي فيتم تبليغه طبقا للمادة 196 ق.ق.ع ويذكر فيه تنبيه المحكوم عليه بجواز المعارضة والأثر المترتب على عدم ممارسة هذا الحق،وفي حالة عدم العثور على المحكوم عليه في العنوان المذكور في ورقة التبليغ يحرر محضر يثبت فيه الغياب وكل الاستعلامات التي تؤدي إلى معرفة المكانالذي يقيم فيه المعني بعد الاستفسار عن ذلك، ويرسل إلى السيد وكيل الجمهورية العسكري، والنسبة للعسكريين المتغيبين بصفة غير قانونية فيتم التبليغ إلىالهيئة العسكرية التي ينتمون إليها.
1-2-2-4-آثار الأحكام الغيابية: إذا كان الحكم الغيابي صادرا ضد فار أو عاص التجأ إلى بلد أجنبي وبقي فيه زمن الحرب تهربا من واجباته العسكرية فإنالمحكمة العسكرية تقضي بمصادرة جميع الأملاك العائدة إليه في الحاضر أو المستقبل لفائدة الأمة (م203/2 ق.ق.ع) ويكون الحارس القضائي هو وكيلالدولة العسكري ذاته.
وإذا كان الحكم غيابيا وطعن فيه المحكوم عليه بالمعارضة لكنه بعد ذلك لم يحضر فلا تؤخذ معارضته بعين الاعتبار، وأكثر من ذلك يسقط حقه فيظروف التخفيف، وتسقط بقوة القانون سلطته الأبوية تجاه أولاده وفروعه (م200/3 ق.ق.ع)، وتجري الوصاية عليهم طبقا لقانون الأسرة، وهو نوع منالردع العام.
1-2-2-5-شكل وميعاد المعارضة: تكون المعارضة بموجب تصريح كتابي أو شفوي إلى كاتب ضبط السجن أي المؤسسة العسكرية للوقاية وإعادة التربيةإذا تم توقيف المتهم (م199/5 ق.ق.ع)، أو إلى العون المكلف بتبليغ الحكم، أو إلى كاتب ضبط المحكمة العسكرية إن كان طليقا.
وتكون المعارضة جائزة القبول إذا قدمت في خلال (5) أيام من تاريخ التبليغ الشخصي تسري من تاريخ التوقيع على محضر التبليغ، وتجوزالمعارضة في هذا الأجل ولو لم يتم التبليغ(إذا علم المحكوم عليه بالحكم بطريقة ما)، وتقلص المدة إلى 24 ساعة إذا جرى توقيفه (م199 ق.ق.ع).
ولم يتطرق قانون القضاء العسكري إلى مدى سريان الميعاد، ومن ثمة فالقواعد العامة تقضي بأن تتقادم العقوبة في مدة معينة، فإذا لم يبلغ المحكومعليه خلال مدة سقوط العقوبة سقطت في مدة التقادم (م412 ق.إ.ج)، وإذا تقادمت العقوبة يصبح غير جائز إعادة المحاكمة (م616 ق.إ.ج).
1-2-2-5-الجهة المختصة بنظر المعارضة وآثار المعارضة أمامها:
إن المحكمة المختصة هي ذات المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي، ولكن هناك استثناءات معينة، فحينما يوقف المتهم في دائرة اختصاص محكمةأخرى فإنها تتحقق من هويته وبالتالي تفصل في مدى قبول المعارضة، ومن ثم التطرق للموضوع، وتكون محكمة محل إقامة المتهم مختصة أيضا بنظرالمعارضة (م35 ق.ق.ع)، أما المتهمون الموجودون خارج البلد فتكون المحكمة المختصة هي الأقرب إليهم عند رجوعهم، ومحكمة مكان اعتقال المتهممختصة بنظر معارضته، وأخيرا فإنه في حالة إلغاء المحكمة العسكرية التي أصدرت الحكم تعين محكمة من وزير الدفاع لنظر المعارضة، ولعل الغرض منهذه الاستثناءات هو تلافي بعد مكان المحكمة.
أما بالنسبة لأثر المعارضة فيتمثل أساسا في وقف تنفيذ الحكم الغيابي المعارض فيه، وإعادة الخصومة أمام المحكمة، فيظل الحكم القابل للمعارضةغير قابل للتنفيذ، فإذا انتهى الأجل أصبح قابلا للتنفيذ، أما إذا تمت المعارضة فيتوقف التنفيذ، وذلك بأن هذا الحكم ضعيف فيما قضى به، دون أن ينفى عنهصفة الحكم إلى أن يقضى في المعارضة، فقد يؤيد الحكم، أما إذا عدل فإن الحكم الأول يصبح لاغيا والثاني هو القابل للتنفيذ، وبعبارة أخرى أن المعارضةفي الحقيقة تعلق التنفيذ إلى غاية البت في المعارضة.
إن الفصل في المعارضة يكون بناء على حضور المعارض، فإذا غاب أصبحت المعارضة كأن لم تكن، وتقوم المحكمة بتنفيذ الحكم الصادر فيالمعارضة والذي يؤيد الحكم الغيابي (انظر المادة 203 ق.ق.ع)، وحينئذ يتبقى للمحكوم عليه فقط حق الطعن بالنقض ضمن المهلة القانونية المنصوص عليهافي المادة 181 ق.ق.ع ابتداء من تاريخ تبليغه بالحكم شخصيا.
أما إذا حضر المعارض فيجب على المحكمة إعادة النظر في الدعوى برمتها، حتى لو تخلف المعارض عن الحضور في الجلسات التي تؤجل إليهاالقضية، وحتى لو لم يبد دفاعا في الجلسة التي حضر فيها، وإذا تم إصدار الحكم بعد ذلك يكون حضوريا حتى لو غاب المعارض أيضا، ولا معارضة لوغاب إذ لا معارضة في المعارضة.
وليس المطلوب هو إعادة التحقيق بل فقط إعادة المحكمة والفصل في نفس الطلبات التي نظرتها في المرة الأولى، ويكون ذلك في أقرب جلسة (المادة 202 ق.ق.ع)، ولا يضار المعارض جراء معارضته، ولا يساء مركزه فيحكم عليه بأكثر مما حكم عليه في المرة الأولى، فالمعارضة لا بد أن تكون لمصلحةالمعارض، ثم لا يجوز للمحكمة أيضا من باب أولى أن تحكم بعدم اختصاصها.
• طرق الطعن العادية:
1-الطعن بالنقض لصالح الأطراف: حسب المادة 180 وما بعدها ق.ق.ع يمكن الطعن بالنقض ضد جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية
راجع كتاب الدكتور: جبار صلاح الدين
2-الطعن لصالح القانون: نصت المادة 186 ق.ق.ع على هذا الطريق من طرق الطعن غير العادية بقولها:"تسري على أحكام المحاكم العسكرية أحكام المادة 530 ق.إ.ج المتعلقة بالطعن لصالح القانون".
والطعن لصالح القانون هو حق للمجتمع من أجل صيانة حقوق الإنسان واحترام الضمانات والإجراءات التي نص عليها القانون لصالح استقرار المجتمع وحسن سير العدالة، فبالرغم من وجود الطعن بالنقض الذي يسمح بتصحيح الأخطاء القانونية للمحاكم الجزائية فإن هذه الأحكام رغم حيازتها لقوة الشيء المقضي فيه تبقى عرضة للأخطاء القانونية والإجرائية.
ومن المعروف أن الأحكام متى صارت نهائية واستنفذت طرق الطعن بالنقض حازت حجية الشيء المقضي فيه وأصبحت عنوانا للحقيقة وأن قاعدة حجية الشيء المحكوم فيه تقوم على فكرة الاستقرار القانوني، غير أن المشرع رأى أنه لا يكفي أن يكون الحكم صحيحا وعادلا، بل يجب أن يحترم القانون والقواعد الإجرائية الموصلة إلى الحقيقة القانونية والموضوعية، فإذا لم تتفطن النيابة العامة أو من له حق من الأطراف إلى تلك الأخطاء وانتهت آجال الطعن بالنقض فإن الفرصة تبقى قائمة، لأن النائب العام لدى المحكمة العليا له الحق في استخدام هذه المؤسسة القانونية التي يطلق عليها الطعن لصالح القانون.
فإذا وصل إلى علم النائب العام لدى المحكمة العليا صدور حكم نهائي من محكمة أو مجلس قضائي أو محكمة عسكرية، وكان هذا الحكم مخالفا للقانون أو لقواعد الإجراءات الجوهرية، فإن عليه أن يعرض الأمر على المحكمة العليا بموجب عريضة.
فالطعن لصالح القانون هو نوع من الطعن بالنقض، وإن كان يختلف معه في شروطه وآثاره وأطرافه، فمن حيث الأطراف أو الأشخاص فالنائب العام لدى المحكمة العليا هو المخول بإثارة هذا الطعن انطلاقا من عدم تجزئة النيابة العامة، وهو بمقابل التماس إعادة النظر الذي يكون في يد المحكوم عليه، وإن كان الطعن لصالح القانون قد يكون في صالح المتهم كما قد يكون ضد مصلحته، وليس النائب العام لدى المحكمة العليا هو الوحيد المخول بذلك بل أيضا كل من وزير الدفاع الوطني ووزير العدل لهما هذا الحق، فبالنسبة لوزير الدفاع فإنه يخطر وزارة العدل، وهذه الأخيرة يعطي التعليمات للنيابة العامة باعتبارها تقع تحت سلطته.
وقد يتبادر للذهن سؤال جوهري وهو: ماذا إذا كانت النيابة العامة قد صدرت الأحكام المطعون فيها لصالح القانون مطابقة لطلباتها، ودون شك أنه حتى لو صدرت الأحكام مطابقة لطلبات النيابة العامة فإن حق المجتمع يقتضي استعمال الطعن لصالح القانون مادامت غايته هي تحقيق العدالة.
ويتضح من قراءة المادة 530 ق.إ.ج والتي أحال إليها قانون القضاء العسكري صراحة، والتي نظمت الطعن لصالح القانون أن لهذا الأخير شروطا نوجزها في الآتي:
1- أن يكون الطعن متعلقا بحكم نهائي من محكمة أو مجلس أو محكمة عسكرية: والمقصود بالحكم النهائي الحكم البات أي غير القابل لأي طعن، فهذا الحكم ينهي الدعوى الجزائية طبقا للمادة 6 ق.إ.ج فلا يجوز طرحها على القضاء من جديد، والمشرع الجزائري استعمل مصطلح الحكم النهائي بينما هو يقصد الحكم البات، ولذلك فهناك من يرى أن الحكم القابل للطعن بالنقض هو حكم نهائي يقبل الطعن لصالح القانون، لكن هذا الأخير يخص الأحكام التي لا تقبل أي وجه طعن آخر غير الطعن لصالح القانون والتماس إعادة النظر.
2- أن يكون هذا الحكم مخالفا للقانون أو لقواعد الإجراءات: أي أن الحكم قد تم الوصول إليه بعد المرور على سلسلة من الإجراءات مطابقة لما جاء به القانون سواء من قبل وكيل الجمهورية أو الأطراف أو التحقيق أو الحكم، ومثال ذلك وجود حالات تمنع القضاة من نظر الدعوى بسبب وجود قرابة بين القاضي والمتهم، أو قيام قاضي التحقيق بممارسة مهام المتابعة في القضايا التي حقق فيها، أو إغفال حقوق الدفاع أثناء الاستجواب، أو الحكم بعقوبة أكبر أو أكثر مما ينص عليه القانون.
3- ألا يكون الخصوم قد طعنوا في ذلك الحكم في الميعاد المحدد: لأن الطعن بالنقض يخول للمحكمة العليا التصدي لجميع الأخطاء والمخالفات التي ينطوي عليها الحكم ولو لم يثرها الطاعن، كذلك لو نظرت المحكمة العليا في الطعن بالنقض وقضت برفضه شكلا فلا يمنع ذلك من أن تنظر بعدها في الطعن لصالح القانون (قرار المحكمة العليا في الملف رقم:750886 بتاريخ:22/10/2008)، وبالتالي وبمفهوم المخالفة أيضا لا يمكن قبول الطعن لصالح القانون في حكم مطعون فيه بالنقض مفصول فيه موضوعا (قرار المحكمة العليا الفاصل في الملف رقم:717900 بتاريخ:10/11/2010).
أما من حيث آثار هذا الطعن على أحكام المحاكم العسكرية فإنها تتلخص في أنه إذا نقض الحكم المطعون فيه بهذا الطريق فإن وكيل الجمهورية العسكري أو المحكوم عليه ليس بإمكانها التمسك بهذا الحكم للتخلص مما قضى به الحكم المنقوض.
3- التماسات إعادة النظر المقدمة ضد أحكام المحاكم العسكرية
تمهيد: إن تقرير الحق في التماس إعادة النظر يرجع إلى مبررات عديدة منها: ظهور حالات مفجعة من الخطإ القضائي التي لا توجد وسيلة لإصلاحه، ومن هنا جاء قانون تحقيق الجنايات الفرنسي لسنة 1807 لتقرير هذا الطريق في ثلاثت حالات: تناقض الأحكام، حالة وجود المدعى قتله حيا، حالة الحكم بإدانة أحد شهود الإثبات في تهمة شهادة الزور، وهذه الصور لم تكن كافية لتغطية حالات أخرى ظهرت بعد ذلك، ومن هنا جاء قانون 8 يونيو 1885 والذي أضاف حالة رابعة وهي حالة حدوث أو ظهور واقعة جديدة أو تقديم أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأنها ثبوت براءة المحكوم عليه، وهي نفس الحالات التي نص عليها قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
أما بالنسبة لأحكام المحكام العسكرية فقد نصت المادة 190 ق.ق.ع على أنه يسري عليها الإجراءات المنصوص عليها في المادة 531 ق.إ.ج، وبالرجوع إلى تلك المادة يمكن استخلاص الأحكام التالية:
1- لا يجوز الخلط بين التماس إعادة النظر والطعن بالنقض، وإن كانا طريقين غير عاديين للطعن في الأحكام، ويرفعان إلى المحكمة العليا، فالفرق بينهما جلي وواضح من خلال الأوجه والأسباب التي يبنى عليها كل منهما، كذلك فالطعن بالنقض يكون لمواجهة الأخطاء التي تمس الجانب القانوني للحكم، بينما التماس إعادة النظر فيمس الجانب الواقعي ولا شأن له بالقانون، ومن جهة ثالثة فالتماس إعادة النظر لا يتقيد بمواعيد معينة عكس الطعن بالنقض المحدد بمهلة معينة في القانون، وأخيرا فالطعن بالنقض يتطرق إلى الأحكام الصادرة بالبراءة والإدانة معا بينما التماس إعادة النظر فيختص فقط بالأحكام الصادرة بالإدانة.
2- كذلك فهناك فوارق بينة بين التماس إعادة النظر والطعن بالاستئناف، فهذا الأخير يكون في الأحكام التي لم تحز الحجية، سواء كانت صادرة الإدانة أو البراءة، وفي جميع أنواع الجرائم، ويتطرق إلى الجانبين القانوني والواقعي في الحكم المطعون فيه بالاستئناف، أما التماس إعادة النظر فيكون ضد الأحكام الحائزة للحجية، والصادرة بالإدانة، وفي أحكام الجنايات والجنح دون المخالفات، ويتطرق إلى الجانب الواقعي في الحكم، ولئن كان التماس إعادة النظر يجوز بناء على ظهور وقائع جديدة فإن الاستئناف يبنى على نفس الوقائع التي سبق للمحكمة مناقشتها.
3- إن التماس إعادة النظر ليس هو الطريق النهائي لإصلاح الخطإ القضائي، فهناك العفو، والفرق بينهما أن العفو تملكه السلطة التنفيذية، أما التماس إعادة النظر فهو بيد المحكوم عليه، والعفو هو نوع من الرحمة بالمحكوم عليه ولو لم يتم اكتشاف الخطإ المستكن في الحكم، أما التماس إعادة النظر فيقوم على ظهور الخطإ وجلائه، وأخيرا فإن العفو لا يمحو الحكم ولا العقوبة المحكوم بها، بينما التماس إعادة النظر قد يفضي إلى حكم جديد يلغي الإدانة والعقوبة ويحل البراءة محلهما.
4- إن طريق التماس إعادة النظر باعتباره يقدم أمام المحكمة العليا التي قد يكون سبق لها تقرير نفس الحكم المطعون فيه، والتي لم تنظر إلا جانبه القانوني تعود مرة أخرى لتقويم نفس الحكم لكن هذه المرة بأن تطال الجانب الواقعي له، وذلك بحجة عدم الإبقاء على الخطإ، وإذا كانت قاعدة حجية الأحكام تفيد أن الحكم متى صار نهائيا فقد أصبح عنوانا للحقيقة ولا يجوز الطعن فيه، ومع ذلك فيجوز الطعن فيه بطريق إعادة النظر فذلك يرجع إلى فكرة الموازنة بين الاستقرار القانوني والعدالة، فيتقدم تقديم وترجيح كفة العدالة لأن طبيعة المجتمع المتعلم لا تقبل ببقاء أحكام الإدانة الخاطئة.
5- لقد نصت المادة 531 ق.إ.ج على الحالات التي يجب أن يؤسس عليها التماس إعادة النظر كما يلي:
- إما على تقديم مستندات بعد الحكم بالإدانة في جناية قتل (سواء كانت عمدية أو متجاوزة القصد) وليس شروعا في القتل، يترتب عليها قيام أدلة كافية على وجود المجني عليه المزعوم قتله على قيد الحياة.
- أو إذا أدين بشهادة الزور ضد المحكوم عليه شاهد سبق أن ساهم بشهادته في إثبات إدانة المحكوم عليه.
- أو على إدانة متهم آخر من أجل ارتكاب الجناية أو الجنحة نفسها بحيث لا يمكن التوفيق بين الحكمين.
- أو أخيرا بكشف واقعة جديدة أو تقديم مستندات كانت مجهولة من القضاة الذين حكموا بالإدانة مع أنه يبدو أن من شأنها التدليل على براءة المحكوم عليه.
6- من حيث من لهم الحق في تقديم التماس إعادة النظر، بالنسبة للحالات الثلاثة الأولى المذكورة آنفا فقد نصت المادة 531 المشار إليها سلفا على أنه يرفع الأمر مباشرة من وزير العدل أو من المحكوم عليها أو نائبه القانوني في حالة عدم أهليته أو من زوجه أو فروع أو أصوله في حالة وفاته أو ثبوت غيابه. أما الحالة الرابعة فإن الاختصاص الحصري يكون للنائب العام لدى المحكمة العليا متصرفا بناء على طلب وزير العدل، ويرجع ذلك إلى أن الحالات الثلاثة الأولى هي حالات منضبطة عكس الحالة الرابعة التي هي حالة عامة ومعقدة.
7- من حيث إجراءات إعادة النظر فبعد سماع مرافعات النيابة والخصوم، تنظر المحكمة في مدى توافر الشروط الشكلية لرفع الالتماس والمتمثل في رسالة أو عريضة تقدم من طرف كل من وزير العدل أو المحكوم عليه يبين فيها الحكم المطلوب إعادة النظر فيه والوجه الذي يستند إليه، ويكون مرفقا بالمستندات المؤيدة له، وكذا البحث فيما إذا كان الحكم المطعون فيه حائزا لقوة الشيء المقضي فيه، كما يتم بحث ما إذا كان وجه الطعن من بين الحالات المذكورة في القانون، وأن رافع الطعن من الأشخاص الذين يسمح لهم القانون بذلك، وما إذا كان الطلب قد استوفى إجراءات تقديمه، هذا من حيث الشكل، ثم تنتقل المحكمة إلى الموضوع فتتأكد من صحة الوجه المثار ( عن طريق التحقيق بنفسها أو بندب من يقوم بذلك) فإذا تأكد لها ذلك قضت بإلغاء الحكم وببراءة المتهم، ويذهب جمهور الشراح إلى أن المحكمة تتقيد بالأوجه المثارة عكس محكمة النقض الفرنسية التي ترى عكس ذلك بناء على أن القانون سمح للمحكمة بإجراء التحقيق ومن ثم يجوز لها إثارة أي وجه آخر تراه من خلال التحقيق.
8- من حيث آثار التماس إعادة النظر فإنه إذا كان الحكم المطلوب إعادة النظر فيه لم ينفذ بعد فإن تنفيذه يتوقف بقوة القانون من تاريخ إحالة الطلب من طرف وزير العدل إلى المحكمة العليا، وإذا كان محبوسا قبل تنفيذ العقوبة قبل إحالة طلبه على المحكمة العليا فإن يمكن وقف تنفيذ العقوبة بناء على أمر من وزير العدل أو من وزير الدفاع الوطني (م225 ق.ق.ع) كما تستطيع المحكمة العليا بعد إحالة الطلب لديها أن توقف تنفيذ الحكم بواسطة قرار، هذا قبل الفصل في الالتماس أما بعد الفصل فإن قرار المحكمة العليا ببراءة المحكوم عليه يمحو عنه كل آثار الإدانة التأديبية والجزائية والمادية، فتعاد المصاريف والغرامة إن كانت قد نفذت، وترد الأشياء المصادرة، ويمنح للمحكوم عليه أو لذوي حقوقه تعويضات عن الضرر المعنوي والمادي، وتتحمل الدولة تلك التعويضات وكل المصاريف (مثل مصاريف نشر الحكم) ويحق للدولة الرجوع على الطرف المدني أو المبلغ أو الشاهد زورا، ثم إن قرار البراءة الصادر في التماس إعادة النظر ينشر في دائرة اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم، وفي دائرة المكان الذي ارتكبت فيه الجناية أو الجنحة، وفي دائرة محل سكنى الملتمس، وآخر محل سكن له إذا توفي، ولا يتم ذلك إلا بناء على طلب الملتمس، كما ينشر عن طريق الصحافة في ثلاث جرائد تابعة لدائرة اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم. أما الملتمس الذي يخسر دعواه فيتحمل كامل المصاريف.