محاضرة: أصول حسن السبك (الصياغة)
يمكننا تلخيص أصول حسن السبك في الجمل الثمانية الآتية:
1-خصص جملة لكل فكرة ، ولا تجعل أكثر من فكرة في الجملة الواحدة
من الشائع في الوثائق القانونية أن نجد جملا تتضمن أكثر من فكرة واحدة (أو أكثر من حكم واحد بالأصح)، لكن الصياغة الجيدة هي عكس ذلك حيث يحسن أن تتضمن كل جملة فكرة واحدة، وبالتالي تخصص فقرة جديدة لكل فكرة أو حكم، ولنمثل لذلك بالمادة 9 من القانون التجاري التي تنص:
هذه المادة تتضمن ثلاثة أفكار أو أحكام: الفكرة الأولى: إلزامية مسك الدفاتر اليومية. الفكرة الثانية: على الأقل مراجعة الحسابات شهريا. الفكرة الثالثة: اشتراط الاحتفاظ بالوثائق التي تمكن من المراجعة اليومية في الحالة الثانية.
2-استخدم الجمل القصيرة ومتوسطة الطول:
يعتبر أفضل متوسط عدد للكلمات في الجملة التي تتناول موضوعات معقدة أو فنية هو 20 كلمة في الجملة، وقد يكون تنويع طول الجمل مطلوبا لتفادي الملل والرتابة (الذي يؤدي بدوره إلى تأخير الفهم)، فتستخدم جمل طويلة ثم جمل قصيرة أو متوسطة أو العكس.
3-استخدم أسلوب التبنيد لتوضيح عناصر الجملة الطويلة:
كانت الوثائق القانونية في الماضي تكتب بدون استخدام علامات الترقيم، فكانت الجمل القانونية تأخذ تركيبة مطولة متواصلة معقدة جدا بدون تقسيم إلى فقرات، وقد ظهر أسلوب التبنيد كحل مناسب للغموض واللخبطة التي تحدث بسبب ذلك، ويقصد به تقسيم الجمل الطويلة إلى جمل قصيرة في شكل بنود، سواء كانت مرقمة أو مرتبة فقط عن طريق مطات. مثال:
وعلينا أن نتذكر أنه لا يجب الإسراف في استخدام أسلوب التبنيد بدون داع، وإنما فقط عندما يؤدي إلى زيادة وضوح الجملة وتمييز عناصرها، ففي بعض الأحيان قد يكون من اللائق تخصيص فقرات أو مواد منفصلة بدلا من التبنيد.
ومع ذلك فقد وجدنا كثيرا من النصوص لا يستعمل فيها المشرع أسلوب التبنيد فيؤدي ذلك إلى مزيد من الغموض وكأنه يحن إلى الأسلوب القديم في طول جمله وغموضها، مثل نص المادة 372 عقوبات .
ويمكن إعادة صياغة المادة بالشكل التالي ليتضح معناها الصحيح:
كل من توصل إلى:
- استلام أو تلقي أموال أو منقولات أو سندات أو تصرفات أو أوراق مالية أو وعود أو مخالصات أو إبراء من التزامات؛
- أو إلى الحصول على أي منها؛
- أو شرع في ذلك؛
وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع فيه إما:
- باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي.
- أو بإحداث الأمل في في الفوز بأي شيء أو في وقوع حادث أو أية واقعة أخرى وهمية أو الخشية من وقوع شيء منها.
يعاقب بالحبس من ... إلخ
4-استخدم التوازي والتوازن والكلمات التكرارية التركيبية:
سبق لنا شرح هذه المصطلحات وتكتفي بذكر المثال التالي:
التجديد والإنابة :
المادة 287 : يتجدد الالتزام :
- بتغيير الدين إذا اتفق الطرفان على استبدال الالتزام الأصلي بالتزام جديد يختلف عنه في محله أو في مصدره،
- بتغيير المدين إذا اتفق الدائن والغير على أن يكون هذا الأخير مدينا مكان المدين الأصلي على أن تبرأ ذمة المدين الأصلي دون حاجة لرضائه، أو إذا حصل المدين على رضا الدائن بشخص أجنبي قبل أن يكون هو المدين الجديد،
- بتغيير الدائن إذا اتفق الدائن والمدين والغير على أن يكون هذا الأخير هو الدائن الجديد.
في هذه المادة تم استخدام التبنيد بالإضافة إلى التوازن والتكرار.
5-ابدأ الجملة بالفعل:
إذا جاء الفعل في بداية الجملة بدأ القارئ يفهم الحدث الذي تتضمنه، أما إذا تم تأخيره فعندما يصل القارئ إلى الفعل يضطر إلى تذكر ما سبق أن قرأه ليفهم المعنى، لذلك فالفعل في أول الجملة هو بداية الصياغة الواضحة والجيدة.
6-ضع الكلمات التي تتصل ببعضها البعض متجاورة بقدر الإمكان:
كالفعل والفاعل مثلا، فالتباعد يخل بالفهم، أما التقديم والتأخير فهو من حسن الصياغة أحيانا كما في الأمثلة التالية:
" يعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة ...."
" تعتبر بيوعا عقود التوريد التي ...."
وحسب بعض المتخصصين إن ذاكرتنا قادرة على تذكر سبعة تفاصيل متتالية، ولذك فأقصى حد للفصل بين فعل وفاعل مثلا هو سبع كلمات إلى عشرة لا أكثر.
مثال:
7-استخدم صيغة المبني للمعلوم:
إذا كنت تريد أن يعرف القارئ من هو الفاعل فلا بد من استخدام صيغة المبني للمعلوم، لأن صيغة المبني للمجهول تعني جهالة الفاعل، وهذه الحالة تكون الحاجة إليها قليلة.
8-استخدم صيغة المثبت بدلا من المنفي:
نحن نفهم الجمل المثبتة بشكل أسرع من الجمل المنفية، وفي الجمل المنفية يتعين علينا أولا معرفة ما الشيء المنفي ثم نفيه في خطوة لاحقة، وقد يشبه هذا محاولة فهم لغة أخرى عن طريق ترجمتها، ومثال ذلك:
المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: لا يجوز لأي شخص،التقاضي ما لم تكن له صفة، وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون.
يمكن صياغتها كالآتي: يسمح لكل شخص بالتقاضي إذا كانت له صفة، وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون.
ولذلك نلاحظ أن النصوص القانونية تخلو من العبارات المنفية إلا في بعض الحالات التي تكون فيها أسباب وجيهة، كإرادة خلق استثناء معين.