التلازم اللفظي
1- تعريف:
هي ظاهرة لغوية تتعلق باللغة عامة كما تتعلق باللغة القانونية، ويطلق عليها أيضا التصاحب اللفظي، وهذا التلازم يرجع إلى الحفظ الصوتي ويرجع إلى بعض التراكيب البلاغية كما يرجع إلى بعض الأمثال المتداولة، وأيضا إلى بعض الشحنات الثقافية والدينية والفنية وغيرها، ومنها القانونية أيضا، فهي ظاهرة تجعل لفظتين أو أكثر متلاصقتين متضامتين مجتمعتين بشكل دائم إلى درجة أنه إذا ذكرت اللفظة الأولى تنبأنا وتوارد إلى خاطرنا وجاءت اللفظة الثانية على ألسنتنا بالبديهة والسليقة نظرا لكثرة الاستعمال والتداول حتى أصبحت بمثابة صورة منطبعة في الذهن.
واللغة القانونية هي من أزخر اللغات ثراء بالمتلازمات أو المتصاحبات اللفظية، رغم طابعها الجاف والمليء بالاصطلاحات الفنية والقانونية، وبعدها التام عن الأدب والبلاغة، ولكن هذه المتصاحبات تكسب اللغة القانونية نوعا من البلاغة، ومن الجدير بالذكر أن هذه المتصاحبات كثيرا ما تجد عوائق لدى ترجمتها من لغة إلى أخرى، وذلك بالنظر إلى ما يعتري كل لغة من خصوصيات، وخاصة في متلازماتها اللفظية، فما يعتبر متلازمة لفظية في لغة ما قد يصعب إيجاد نظيره في لغة أخرى إذا اعتمدنا الترجمة اللفظية أو النصية، وإنما قد تصبح جملة أو مجموعة عبارات أخرى لا يربط بينها أي تلازم.
وفي الوثائق القانونية المختلفة تتنوع المتلازمات اللفظية، فهناك متلازمات خاصة بالعقود، وأخرى خاصة بالأحكام القضائية، وأخرى خاصة بالنصوص القانونية، وكذلك النصوص الفقهية أيضا.
فاللغة القانونية هي بالأساس لغة معيارية، أي ذات تراكيب وصيغ كثيرة الاستعمال والتكرار مثل الحيثيات في الأحكام القضائية، وبعض الصيغ الأخرى مثل: بعد الاستماع، حيث أن، لهذه الأسباب، من حيث الشكل ... إلخ
لنفهم فكرة التلازم اللفظي نفترض افتراضا وهو أننا نملك حرية الكلام، ونملك أن نستعمل أي تعابير نشاء، وقد نعبر عن فكرة واحدة باستعمال العديد من الصيغ والتراكيب المختلفة تماما حتى في الأفعال والأسماء وعدد الكلمات المستعمل، وهذا الافتراض هو افتراض صحيح وسليم، ولكن هناك افتراضا آخر صحيح وسليم أيضا، وهو أننا نحبذ استعمال نفس التراكيب أو نفس الجمل دائما عندما نريد التعبير عن نفس الفكرة التي عبرنا عنها سابقا، وهذا ما يعبر عنه بالتلازم اللفظي، وهو جد مستخدم في اللغة القانونية لاعتبارات عديدة ترجع إلى نمطيتها وجفافها وبعدها عن التنميق والتزويق، وإلى ثرائها بالمصطلحات القانونية والمصطلحات التقنية الأخرى.
أو لنتصور الموضوع بطريقة أخرى، في الحقيقة أننا أحرار في إنشاء الكلام من جهة، ولكننا أيضا من جهة أخرى نستعمل دائما – عند التأمل في كلامنا – نفس التعابير، وذلك أننا إذا كنا أحرارا في اختيار الكلمة الأولى للتعبير عن أمر ما فنحن لسنا كذلك عند اختيار الكلمة الثانية، فالكلمة الأولى قد تلزمها كلمة ثانية معينة دون كلمة أخرى، وهذه هي ظاهرة التلازم اللفظي.
فالتلازم اللفظي تعريفا إذن هو: تقارب مجموعة من الكلمات الاصطلاحية في الحق الدلالي العادي أو الاصطلاحي وذلك بحكم العادة في الدلالة والاستعمال، أو هو: تكرار معتاد لمجموعة من الكلمات والتي يأتي تكرارها من خلال شيوع الاستخدام، أو هي: ثبات لفظتين أو أكثر ودوامها وصحبتها وتعلقها ببعضها حين ورودها بشكل متكرر في الاستعمال اللغوي بحيث لا يصح استبدالها بلفظة أخرى.
2- أنواع:
المتلازمات أنواع منها:
- المتلازمات الحرة أو المفتوحة، وهي ألفاظ متلازمة دون وجود أي خصوصية علائقية معينة تربط بينها، حتى أنه يمكن بالفعل استبدالها بكلمات أخرى، وتركيبتها كالآتي: مفردة نواة + لفظة أو ألفاظ لازمة. مثلا: جريمة قد نستعمل قبلها كلمة: ارتكب جريمة أو اقترف جريمة، هذا إذا اعتبرنها هي الكلمة الثانية، أما إذا اعتبرناها الكلمة الأولى فقد نقول: جريمة تامة، جريمة مستحيلة، جريمة خائبة.
- المتلازمات المقيدة، هي أكثر تقييدا وذلك بحكم التداول، مثل قولنا: أكل عليه الدهر وشرب، فهذا تلازم مقيد بحكم الاستعمال المطرد لهذا التعبير الذي يدخل في باب الأمثال، ومثل كلمة تشريح الجثة، فنحن لا نستطيع استعمال عبارات أخرى مثل فتح الجثة أو تقطيع الجثة لأن التعبير هنا متداول ويرجع إلى الاصطلاح التقني أو العلمي.
- المتلازمات المجازية، هي ترجع إلى استعمال المجاز في لغتنا العادية، فنقول مثلا: الحاجة أم الاختراع، فهو تعبير مجازي، ويمكن في هذا النوع من التعابير استعمال مفردات بديلة، كأن نقول لا دخان بلا نار، أو نقول لا يوجد دخان من دون نار.
- العبارات المسكوكة المحضة، وهي عبارات ألفنا استعمالها رغم تمثلها في جملة طويلة، كأن نقول: الطيور على أشكالها تقع، وليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وبعد العسر يسر.
فلندخل الآن في باب التمثيل من اللغة العادية ومن اللغة القانونية:
نلاحظ مثلا إننا إذا ستعملنا كلمة خرير فالكلمة التي تتبادر إلى ذهننا ككلمة ملازمة لها هي كلمة: الماء أو المياه، وإذا استعملنا كلمة الطواف قلنا: الطواف بالكعبة، وإذا قلنا السعي قلنا: بين الصفا والمروة، وعندما نقول: السيارة تطوي فالكلمة هي: الأرض أو المسافات.
3- التركيب:
تتألف المتلازمات اللفظية كما سبق الذكر من لفظة نواة وألفاظ لازمة وتابعة، وبالتالي يمكن تصور عدة تراكيب للمتلازمات اللفظية كالآتي:
- التلازم اللفظي (فعل+ فعل) يجمع بينهما حرف عطف، مثل: يقبل ويدبر، يعطي ويمنع، يفرق ويجمع.
- التلازم اللفظي (فعل + اسم ذو معنى صريح)، مثل: تهب الرياح، يحل التمرين، يستل السيف.
- التلازم اللفظي (فعل + اسم ذو معنى مجازي)، مثل: اشتد عوده، ارتعدت فرائصه، لقنه درسا.
- التلازم اللفظي (فعل + مصدر في صورة مفعول مطلق)، مثل: يدنو دنوا، يغضب غضبا.
- التلازم اللفظي (فعل + اسم حال)، مثل: ينتصب واقفا، يسقط مغشيا عليه.
- التلازم اللفظي (فعل + اسم موصول + فعل)، مثل: أعذر من أنذر، عفا الله عما سلف، بهت الذي كفر.
- التلازم اللفظي (اسم مضاف + اسم مضاف إليه)، مثل: عين الصواب، فقدان الذاكرة.
- التلازم اللفظي (اسم + واو العطف + اسم) على سبيل التضاد، مثل: الخير والشر، الخطأ والصواب، الفضيلة والرذيلة.
- التلازم اللفظي (اسم + واو العطف + اسم) على سبيل التكامل، مثل: المال والبنون، روح وريحان.
- التلازم اللفظي (اسم + واو العطف + اسم) على سبيل المبالغة التوكيدية، مثل: الهدوء والسكينة، الأمان والاطمئنان.
- التلازم اللفظي (اسم + فعل)، مثل: حي يرزق، الحق يقال.
- التلازم اللفظي (اسم + صفة)، مثل: قول سديد، عاصفة هوجاء.
- التلازم اللفظي (صفة + صفة)، مثل: طنانة رنانة، مذموما مدحورا، كاف واف.
- التلازم اللفظي (صفة +حال)، مثل: مدهش حقا، مدهش للغاية، مرتبك جدا.
- التلازم اللفظي (ظرف +واو العطف + ظرف)، مثل: جيئة وذهابا، أولا وأخيرا، يمنة ويسرة.
- التلازم اللفظي اللائي ( مسبوق بلا)، مثل: لاهم ولا غم، لا إفراط ولا تفريط.
- التلازم اللفظي الاعتباطي إما على سبيل القسم، مثل: بأبي أنت وأمي، أو على سبيل الشتم، مثل: ثكلتك أمك، أو على سبيل الإطراء، مثل: لا فض فوك.
- التلازم اللفظي الشبه فعلي ( يبدأ بالحروف المشبه بالفعل)، مثل: إن مع العسر يسرا، ليت الشباب يعود يوما، ليت شعري.
4- أهمية المتلازمات اللفظية:
إن المتلازمات اللفظية تجعل الكتابة أكثر سلاسة، وأكثر عذوبة، كما أنها تجعلها سهلة الإدراك، وتجعل لغة الكاتب أو المتكلم أكثر سلامة من الأخطاء.
وأهمية المتلازمات اللفظية ترجع أيضا إلى توصيل المعنى، حيث يسهل فهم الجمل التي تستعمل هذا النوع من الصياغات، وذلك بسبب التقارب الدلالي بين الكلمات.
إن الثنائيات اللغوية هي أساس البلاغة في لغتنا العربية، حيث استعمل العرب كثيرا هذا النوع للتعبير عن الأفكار ببساطة، ناهيك عن جعلها الجمل قصيرة، وهذا ما يتفق مع اللغة القانونية التي تستعمل هذه التقنية، أي تقنية الجمل القصيرة.
5- أمثلة من القانون:
سوف نختار قانون الأسرة الجزائري ونستخلص منه عددا من المتلازمات اللفظية، والتي سنلاحظ أن كثيرا منها قد يكون مشحونا بالشحنة الدينية نظرا لاستمداد هذا القانون من الشريعة الإسلامية.
- الزواج هو عقد رضائي (المادة 4)
- إحصان الزوجين (المادة 4)
- إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي (المادة 5)
- غير أن اقتران الفاتحة بالخطبة بمجلس العقد (المادة 6)
- يكتسب الزوج القاصر أهلية التقاضي (المادة 7)
- يقدم طلب ترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمكان مسكن الزوجية (المادة 7)
- يجوز لكل زوجة رفع دعوى قضائية (م 8 مكرر)
- يحدد الصداق في العقد سواء كان معجلا أم مؤجلا (المادة 15)
- يجوز للزوجين اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي (م45 مكرر)
- تنحل الرابطة الزوجية بالطلاق (م47)
- الضرر اللاحق بها(م52)
- ارتكاب فاحشة مبينة (م53)
- عند نشوز أحد الزوجين (م55)
- تكون الأحكام الصادرة (م57)
- اليائس من المحيض، بدل الإيجار، سن الرشد، سن التمييز، تصرفات نافذة، النفع والضرر، شاهد الزور، قسمة التركات، مانع قاهر، أصل الملكية، الإيجاب والقبول.
يطلب من الطلبة تحديد أنواع هذه المتلازمات اللفظية.
خاتمة:
تعرفنا ظاهرة التلازم اللفظي على أنه يحسن بالصائغ القانوني أن يستعمل العبارات والتراكيب المتداولة باعتبارها قريبة من الفهم، وذلك باعتبارها تنتمي إلى نفس الحقل الدلالي، من أجل تحقيق الغرض الأساسي للصياغة الذي هو إضفاء المرونة والسهولة واليسر وكذلك الدقة والوضوح في النصوص القانونية.