اقرأ وحمل من موقع جامعة ورقلة مباشرة
أولوية تطويرالأداءالبرلماني في مجال الرقابة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية
الدكتوربن داود براهيم
ملخص المداخلة:
تعد المعاهدات الدولية أبرز صور الالتزام الدولي وفقا لما جاءت به اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية لسنة 1969، حيث تغير الوضع الذي جرى عليه العمل قبل هذه الإتفاقية، إذ كانت الدول تحتكم إلى ما تمليه دساتيرها وقوانينها الداخلية، وهذا ما يؤدي بها إلى التحلل من الالتزامات الدولية الناجمة عن الاتفاق الدولي.
لكن بمجيء هذه المعاهدة الأم أي اتفاقية فيينا أضحى الالتزام بالمعاهدة أو الاتفاقية المبرمة لا مناص منه لأن كل الدول وافقت على ما جاءت به اتفاقية فيينا لعام 1969، حيث أن أبرز ما جاءت به اتفاقية فيينا ضرورة تنفيذ المعاهدة داخليا مما يعني أن يتم تعديل أو إلغاء كل ما يتنافى مع المعاهدة المبرمة، وإثر ذلك لا يمكن الاحتجاج بنص داخلي لأجل وقف المعاهدة أو إنهائها أو الانسحاب منها.
أمام خطورة وأهمية هذا الموضوع تتضح لنا معالم فاعلية المعاهدة والتطبيق الداخلي لها، أي أن الانضمام لمعاهدة ما أو إبرام اتفاقية معينة يجعلنا نلتزم بها داخليا بل وستكون أسمى من القانون الداخلي، خاصة وأن المعاهدة يمكن أن تتضمن ما يتنافى مع قوانين داخلية يل أو تتنافى مع أولويات وتوجهات الدولة داخليا.
أهميةالموضوع:
تتجلى أهمية الموضوع في خطورة المعاهدات الدولية التي تعد أسلوبا لإدراج نظام خارجي دولي داخل الدولة، مما يعني إمكانية تنافيه مع سياسية الدولة داخليا، وبهذا إذا كان القانون المقترح من جهاز داخلي وسيطبق داخليا يستوجب موافقة البرلمان، وبالتالي ستكون مراقبة المعاهدة من باب أولى.
الهدفمنالموضوع: تهدف هذه الورقة البحثية إلى إبراز دور البرلمان في رقابة المعاهدات والاتفاقيات التي تبرمها حكومات الدول خاصة وأن البرلمان يمثل إرادة الشعب في الالتزام بأي اتفاق دولي.
وهذا وصولا إلى تفعيل دور السلطة التشريعية في رقابة ما تبرمه الدولة من اتفاقات ومعاهدات دولية.
الإشكالية:
تتمحور إشكالية الموضوع حول ماهية الدور الذي يؤديه البرلمان في رقابة المعاهدات الدولية، خاصة أمام التغييب المتتابع لدور المؤسسة التشريعية في رسم السياسة الداخلية والخارجية للدولة؟
المنهج المتبع:
إن المنهج المتبع في هذا البحث هو المنهج الوصفي التحليلي؛ وقد عرف البعض المنهج الوصفي بأنه ( الأسلوب المعتمد على دراسة الواقع والاهتمام بوصف الظاهرة وصفا دقيقا ويعبر عنها تعبيرا كيفيا أو كميا ، فالتعبير الكيفي يصف الظاهرة ويوضح خصائصها ، أما التعبير الكمي فإنه يعطينا وصفا رقميا إذ يوضح مقدار هذه الظاهرة أو حجمها ودرجات إرتباطها مع الظواهر المختلفة الأخرى )[1].
خطةالموضوع:
أولا: موقف المشرع الجزائري من المعاهدات الدولية
ثانيا: دور البرلمان في التصديق على المعاهدات
ثالثا: مدلول المصادقة على المعاهدة الدولية
رابعا: أهمية تفعيل الرقابة البرلمانية جراء سمو المعاهدة على القانون الداخلي
خامسا: إشكالية نشرالمعاهدات الدولية بعد تحقق الرقابة البرلمانية
سادسا: القيمةالقانونيةللمعاهدات ذات التصديق الناقص( تخطي صلاحية البرلمان)
سابعا: المجلس الدستوري ومراقبةالمعاهدات
أولا: موقف المشرع الجزائري من المعاهدات الدولية
نصت المادة 159 من دستور 1976 على أنه للمعاهدة نفس القيمة القانونية الداخلية للقانون ولا يمكن المصادقة عليها في حال تناقض بينها وبين أحكام الدستور إلا بعد تعديله وفق ما نصت عليه المادة 160 من ذات الدستور وهذا في غياب هيئة مختصة برقابة دستورية المعاهدة وأصبحت المعاهدة تسمو على القانون بعد صدور دستور سنة 1989، وتم إنشاء المجلس الدستوري الذي ينظر على رقابة دستورية المعاهدة.
وقد تنازل المشرع الدستوري عن الفقرة الثانية من نص المادة 7 من دستور سنة 1976 التي نصت على أنه" لا تجوز معارضة إجراء نزع الملكية للصالح العام بحجة أية اتفاقية دولية"، ولم يتم نقل هذا النص إلى دستور سنة 1989 في المادة 20 منه التي بقيت ذاتها في دستور 1996 فنصت على أنه" لا يتم نزع الملكية إلا في إطار القانون ويترتب عليه تعويض قبلي عدل ومنصف"، فتم إلغاء ما تعلق بالاتفاقية الدولية كحاجز أمام المستثمرين الأجانب"[2].
وقد جاء في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 أنها تخدم مقاصد الأمم المتحدة المنصوص عليها في الميثاق ، أي صيانة السلم والأمن الدوليين وإنماء العلاقات الدولية وتحقيق التعاون بين الأمم وبمقدار ما للمعاهدة من دور في تطوير سبل التعاون بين الدول قد تكون سببا في بعض المنازعات الدولية وربما الصراع بين الدول جراء الإخلال بها.
وقد تطور موقف الجزائر من المعاهدات الدولية خاصة بعد انفتاح الجزائر على المجتمع الدولي وأبرمت العديد من الاتفاقيات خاصة ما تلق منها بحقوق الإنسان هذه الاتفاقيات التي تنص على ضرورة أن يصدر بشأنها تشريع داخلي ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 التي نصت في المادة 03 منها على أن" تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين ولاسيما الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كل التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لكفالة تطور المرأة، وتقدمها الكاملين وذلك ليضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة بالرجل".
كما أكدت الفقرة "ب" من المادة الثانية على ضرورة "اعتماد التدابير التشريعية وغيرها المناسبة بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات لحظر كل تمييز ضد المرأة".
وأيضا اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي أكدت في المادة الرابعة منها على ضرورة أن " تتخذ الدول الأطراف كل التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة لأعمال الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية وفيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتخذ الدول الأطراف هذه التدابير إلى أقصى حدود مواردها المتاحة وحيثما يلزم في إطار التعاون الدولي".
كما نجد المعاهدات الخاصة بمكافحة الأعمال الإجرامية والمعاقبة عليها تنص على اتخاذ التدابير التشريعية خاصة أن القاضي لا بد له من الانطلاق من مبدأ الشرعية الجنائية[3] ، وقد نصت اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لمنع الإرهاب ومكافحته لعام 1999 في مادتها الثانية على أنه "تلتزم الدول الأطراف بالآتي:
أ- مراجعة قوانينها الوطنية وإقرار الأعمال الإرهابية كجرائم على النحو الوارد في هذه الاتفاقية وفرض العقوبات الملائمة على ارتكابها مع مراعاة الطابع الخطير لهذه الجرائم.
ب- النظر على وجه الأولوية في توقيع الصكوك الدولية المدرجة في الملحق أو التصديق عليها أو الانضمام إليها، إن لم يتم ذلك بعد.
ج- تنفيذ الأعمال المطلوبة بما فيها إصدار تشريع أو إضفاء الطابع الجنائي على بعض الأعمال على نحو ما هو منصوص عليه في الصكوك الدولية المشار إليها في الفقرة "ب" والتي صادقت عليها الدول، أو انضمت إليها والمبادرة بفرض العقوبات الملائمة على ارتكاب هذه الأعمال مع مراعاة الطابع الخطير لها.
د- إبلاغ الأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية بكافة الإجراءات التشريعية التي اتخذتها والعقوبات المفروضة على الأعمال الإرهابية في غضون سنة واحدة اعتبارا من تاريخ التصديق على الاتفاقية أو الانضمام إليها".
وقد نص دستور 1996 في المادة 131 منه على أنه" يصادق رئيس الجمهورية على اتفاقيات الهدنة، ومعاهدات السلم والتحالف والاتحاد والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص والمعاهدات التي تترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة بعد أن توافق عليها كل غرفة من البرلمان صراحة للموافقة، وقد تضمنت المادة ما يخضع من المعاهدات البرلمانية قبل التصديق عليها من طرف رئيس الجمهورية".
وقد تركت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 الحرية للدول في التعبير عن إرادتها في الالتزام بالمعاهدة بالتصديق أو الانضمام أو القبول أو الإقرار ونفس الشيء بالنسبة لمعاهدة فيينا لقانون المعاهدات بين المنظمات الدولية والدول أو بين المنظمات الدولية لسنة 1986 فتعتبر المنظمة الدولية على موافقتها على الالتزام بالمعاهدة بالإقرار الرسمي الذي يقابله التصديق بالنسبة للدول حسب المادة الثانية الفقرة"ب مكرر" من هذه الاتفاقية بالإضافة إلى حرية استعمال التعابير الأخرى سواء من طرف المنظمة الدولية أو الدولة كالقبول أو الإقرار، الانضمام وفقا للفقرة "ب مكرر 03 من المادة".
"والملاحظ أن الدستور الجزائري لم يستخدم سوى اصطلاح "التصديق" كدلالة على التزام الدولة بالمعاهدة، مما يجعل المعاهدة بعد ذلك تُدمج بالقانون الداخلي، وهذا ما جاء في قرار للمجلس الدستوري لعام 1989 المتعلق بقانون الانتخابات –المؤرخ في 20 أوت 1989- بناء على إخطار رئيس الجمهورية حيث جاء في قرار المجس "نظرا لكون أية اتفاقية بعد المصادقة عليها ونشرها تندرج في القانون الوطني، وتكتسب بمقتضى القانون الوطني المادة 123 من الدستور سلطة السمو على القانون".
ثانيا: دور البرلمان في التصديق على المعاهدات
وعن دور البرلمان في التصديق على المعاهدات لم نجد له موردا في دستور 1963 إلا دورا استشاريا في نص المادة 42 التي أكدت على توقيع ومصادقة رئيس الجمهورية على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بعد استشارة المجلس الوطني.
وبعد وقف العمل بدستور 1963 وخلال الفترة ما بين 1965 و1976 تم تغييب دور البرلمان وكان لرئيس الدولة أن يصادق على المعاهدات بمراسيم أو أوامر.[4]
وضمن دستور سنة 1976 تم منح المجلس الشعبي الوطني وظيفة مشاركة رئيس الدولة في عملية التصديق على المعاهدات فنصت المادة 158 على أن المعاهدات التي تعدل محتوى القانون يصادق عليها رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الشعب الوطني".
ولم يتم توضيح المعاهدات السياسية ولا التي تغير نص القانون أما اتفاقيات الهدنة والسلم أشركت المادة 1976 الهيئة القيادية للحزب والمجلس الشعبي الوطني في الموافقة عليها .
والواضح أن أول فترة تشريعية من سنة 1977 إلى سنة 1981 لم تخضع أية اتفاقية دولية للمجلس الشعبي الوطني".
أما العهدة الثانية من 1982 إلى 1986 فكان نصيبها 14 اتفاقية دولية أم العهدة الثالثة من 1987 إلى 1991 تم إخضاع 31 اتفاقية دولية.
وضمن دستور سنة 1989 تم وضع حصر للمعاهدات التي تستوجب موافقة البرلمان وتم نقل ذات المادة إلى دستور 1996 في نص المادة 131 حيث نصت على أنه.
"يصادق رئيس الجمهورية على اتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم التحالف والاتحاد والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص والمعاهدات التي تترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة بعد أن توافق عليها كل غرفة من البرلمان صراحة."
وخلال الفترة من 1992 إلى 1998 تم إخضاع 14 اتفاقية لموافقة البرلمان غير أن المعاهدات الثنائية منذ 1963 إلى 1998 والمصادقة عليها من البرلمان لم تتجوز 24 معاهدة فقط".
ورغم هذا نجد العديد من الخروقات فالعديد من الاتفاقيات نجدها تترتب عليها نفقات اضافية ولم تمر عبر البرلمان، فاتفاقية المقر بين الجزائر ومنظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة لإقامة ممثلية لها بالجزائر الموقع عليه في 31 جويلية 2001 والمصادق عليها في 20 أوت 2001 تم التوقيع والمصادقة عليه بعد اختتام دورة الربيع البرلمانية، ولم يُعرض على البرلمان للموافقة عليه، رغم أنه يرتب نفقات إضافية غير واردة ضمن ميزانية عام 2001.
ثالثا: مدلول التصديق على المعاهدات الدولية
عُرِّف التصديق بأنه قبول المعاهدة بصورة رسمية من السلطة التي تملك حق عقد المعاهدة[5]، وقد أكدت المادة 11 من اتفاقية فيينا لعام 1969 على أنه يمكن للدولة أن تعبر عن ارتضائها الالتزام بالمعاهدة بالتوقيع عليها، أو بتبادل الوثائق المكونة لها، أو بالتصديق، أو بالقبول أو بالموافقة، أو بالانضمام إليها، أو بأي وسيلة أخرى يُتفق عليها، بَيْدَ أن المادة الحادية عشر في فقرتها الثانية من اتفاقية 1986 استخدمت عبارة » التأكيد الرسمي « بدل عبارة التصديق.
ويُقصَد بالتصديق[6] التصرف القانوني الذي بموجبه يتم الحصول على إقرار السلطات المختصة داخل الدولة للمعاهدة التي تم التوقيع عليها، وفق الإجراءات الدستورية لكل دولة طرف في المعاهدة بواسطة رئيس الدولة بِمَعية برلمان الدولة أو للبرلمان وحده، وهذا ما يتباين ويختلف من دولة إلى أخرى، وهو بذلك قبول للمعاهدة بصفة رسمية من السلطة المختصة بعقد معاهدات باسم الدولة، وبذلك يضع التصديق على الدولة عبء تنفيذها واحترام بنودها ويُكسِب المعاهدة صفة الإلزام وعدم انتهاك مبادئها، وإجراء التصديق لا يخضع لشكل معين فإما أن يكون صريحا عندما يتم في صورة وثيقة مكتوبة يعلن بواسطتها قبول الدولة للالتزامات الناشئة عن المعاهدة وتنفيذها، وقد يكون ضمنيا عندما تبدأ الدولة بتنفيذ بنود المعاهدة بعدما تم التوقيع عليها[7].
ولاشتراط التصديق كمرحلة لاحقة للتوقيع هناك العديد من الأهداف المرجوة ومنها:
1- تجنب إنهاء المعاهدات وإبطالها حيث تعطى فرصة للدولة في إعادة دراسة جوهر المعاهدة وهل تتلاءم مع مصالحها أم لا وبالتالي يتم إقرر الالتزام بها أو لا يتم.
2- يعطي التصديق فرصة للتيقُّن من توقيعات المفوضين هل تمت وفق ما هو محدد في وثائق التفويض أم لا حتى يتم إقرارها ، إذ بواسطة التصديق يتسنى لصاحب السلطة إقرار الالتزام بالمعاهدة والأخذ بأحكامها.
3- يتيح التصديق للبرلمان بوصفه ممثلا للإرادة الشعبية في أن يكون له كامل النظر في ما يكون لصالح الشعب خاصة في الأنظمة التي جعلت من موافقة السلطة التشريعية إجراء جوهريا[8].
ومن أحكام التصديق أيضا أنه لا يسري بأثر رجعيٍّ إذ يجعل المعاهدة سارية النفاذ منذ التوقيع عليها، إذ لا تنفذ إلا منذ تبادل التصديقات كقاعدة عامة ويمكن أن يتم الاتفاق على خلاف ذلك بنص صريح يُدرج ضمن المعاهدة[9].
وقد نصت المادة 77 من التعديل الدستوري الصادر في 28 /11/ 1996على أنه يضطلع رئيس الجمهورية بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، بالسلطات والصلاحيات الآتية : "...9/ يبرم المعاهدات الدولية ويصادق عليها".
ونصت المادة 97 على أنه "يوقع رئيس الجمهورية اتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم.
ويتلقى رأي المجلس الدستوري الاتفاقيات المتعلقة بهما.
ويعرضها فورا على كل غرفة من البرلمان لتوافق عليها صراحة".
ونصت المادة 131 على أنه "يصادق رئيس الجمهورية على اتفاقيات ومعاهدات السلم، والتحالف، والاتحاد والمعاهدات المتعلقة بحدود الدولة، والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص، والمعاهدات التي تترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة، بعد أن توافق عليها كل غرفة من البرلمان صراحة ".
ونصت المادة 132 من نفس الدستور على أن "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية، حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون".
وهذا مع وجوب إعمال ما نصت عليه المادة 168 من التعديل الدستوري لسنة 1996 التي أكدت على أنه "إذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق أو اتفاقية فلا يتم التصديق عليها" ، مما يعني أن سمو المعاهدة على القانون لا يعني سموها على الدستور رغم العموم الذي جاءت به المادة 27 من اتفاقية فيينا ، والتي تقضي بسمو المعاهدة على كل صور القانون الداخلي دونما تحديد.
رابعا: أهمية تفعيل الرقابة البرلمانية جراء سمو المعاهدة على القانون الداخلي
نجد العديد من الأنظمة التي تبنت المساواة بين المعاهدات والأحكام الواردة في قوانينها الداخلية، ومن ذلك ما أوضحته المادة 159 من الدستور الجزائري لسنة 1976 بنصها على أن "المعاهدات الدولية التي صادق عليها رئيس الجمهورية طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور تكتسب قوة القانون"، وذلك رغم تعارض هذه المادة مع قانون الجنسية الصادر سنة 1970 في نص مادته 37، وأيضا المادة 21 من القانون المدني الجزائري والتي تنص على أنه "لا تسري أحكام المواد السابقة -المتعلقة بتنازع القوانين- إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في الجزائر"[10]؛ وبذلك إذا قلنا بأن المعاهدة في درجة واحدة مع القانون فإن تعديل أحدهما أو إلغاؤه يستتبع تعديل أو إلغاء الآخر، على خلاف ما إذا كانت المعاهدة في درجة أسمى من القانون الداخلي.
والملاحظ أن هناك العديد من المعاهدات التي تتطلب إجراءات تشريعية حتى تضمن تنفيذها واحترام تطبيقها داخليا[11].
وقد أكدت المادة 27 من ذات الاتفاقية المعنونة بالقانون الداخلي واحترام المعاهدات على أنه "مع عدم الإخلال بنص المادة 46 لا يجوز لطرف في معاهدة أن يتمسك بالقانون الداخلي كسبب لعدم تنفيذ هذه المعاهدة "؛ وقد نصت المادة 46 من نفس الاتفاقية على أنه:
"1-لا يجوز لدولة أن تتمسك بأن التعبير عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة قائم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص بإبرام المعاهدات كسبب لإبطال رضاها ، إلا إذا كان إخلالها واضحا بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد قانونها الداخلي.
2-يعتبر الإخلال واضحا، إذا تبين بصورة موضوعية لأية دولة تتصرف في هذا الشأن وفق السلوك العادي وبحسن نية"، وفي ذات الصدد نصت المادة 47 المُعنونة بـ "قيود خاصة على السلطة في التعبير عن رضاء الدولة" على أنه" إذا كانت سلطة ممثل الدولة في التعبير عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة معينة مقيدة بقيد خاص وأغفل الممثل مراعاة هذا القيد، فلا يجوز التمسك بهذا لإبطال ما عبر عنه من رضا إلا إذا كانت الدولة المتفاوضة قد أبلغت بهذا القيد قبل تعبيره عن الرضا".
ولا تبرم المعاهدة إلا لأجل تنفيذ وتطبيق ما تضمنته من حقوق والتزامات، وللمعاهدة أثناء نفاذها قوة القانون بين أطرافها، فهي تجبر كل الدول المصادقة عليها أو المُنْضمة إليها أن تنفذها، ويستوجب على كل طرف أن يتخذ الإجراءات والخطوات اللازمة لتنفيذها في بُعدِها الدولي وفي بُعدها الداخلي على حسب طبيعة المعاهدات، إذ نجد الكثير من المعاهدات المقصد منها أن تنفذ داخليا[12]، ولا يمكن للدولة أن تمانع تنفيذ معاهدة صادقت عليها بذريعة أن التزاماتها مُبالغ فيها أو أنها لا تتلاءم مع أوضاع معينة، إلا وفق ما تضمنته أحكام القانون الدولي من استثناءات.
وإذا كان الالتزام بمعاهدة ما يقتضي إدراجها ضمن القانون الداخلي حتى يُحتج بها فإن الإنتهاء أو إعادة النظر يتطلبان إعادة النظر في كل القوانين أو التنظيمات التي صدرت إعمالا للمعاهدة واستنادا إليها، ثم إن ضرورة إدراج المعاهدة ضمن القانون الداخلي خاصة في المجالات الهامة والمتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم تكمن في تجاوز إغفال ما لم يتم إدراجه.
وبذلك تكون العلاقة قائمة ما بين الإنتهاء وصلة المعاهدة بالقانون الداخلي، فإذا كان المقرر وفق القانون الوطني أن المعاهدة أسمى من القوانين الداخلية فإن تعديل المعاهدة أو إنهائها سيكون ذو أثر على هذه القوانين بتعديلها أو إلغائها أيضا.
وقد أشارت إلى ذلك المادة السادسة والعشرون من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 بنصها "كل معاهدة نافذة تكون ملزمة لأطرافها ، وعليهم تنفيذها بحسن نية"، ونصت المادة السابعة والعشرون على أنه "لا يجوز لطرف في معاهدة أن يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذ المعاهدة"[13].
والواضح أن مجالات التداخل ما بين القانون الداخلي والدولي لا تنفك عن بعضها فجُلُّ الاتفاقات الدولية لابد وأن تجد ما يجسدها من قوانين داخلية وممارسات وطنية.
غير أن محكمة العدل الدائمة أصدرت حكمها في الرابع من فبراير/شباط 1992 مؤكدة أنه "حسب المبادىء المعترف بها لا يمكن لدولة أن تتذرع بدستورها في علاقتها بالدول الأخرى قصد التهرب من الالتزامات التي يفرضها عليها القانون الدولي أو المعاهدات السارية"[14] ، وقد كانت هذه أول قضية تم الفصل فيها بحكم يعطي أولوية التطبيق للمعاهدة على دستور الدولة[15].
خامسا: إشكالية نشرالمعاهدات الدولية بعد تحقق الرقابة البرلمانية
يعد النشر وفق الأنظمة الداخلية إجراءً جوهريا[16] فلا يلزم أي شخص أن يُطبِّق نصا قانونيا ما لم يتم نشره كطريق للإطلاع عليه، وفي ذلك نصت المادة 04 من الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر/أيلول 1975 المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم على أنه "تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية.
تكون نافذة المفعول بالجزائر العاصمة بعد مُضي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي الأخرى في نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة الموضوع على الجريدة "، وبهذا لا يكون هناك إلزام للنصوص القانونية إلا بنشرها في الجريدة الرسمية[17].
ولكن هل تترتب نفس الآثار على عدم نشر المعاهدة خاصة إذا علمنا سُمُوَّها على القانون، بمعنى هل كان هناك نص دستوري أو قانوني يستوجب ذكر شرط النشر للمعاهدات الدولية حتى تترتب عنها آثارها.
الملاحظ ضمن المادة 132 من التعديل الدستوري الجزائري لسنة 1996 أنها لم تتطرق لنشر المعاهدة، بيد أن المادة 151 فقرة 01 من الدستور المصري الصادر بتاريخ 09 نوفمبر/تشرين الثاني 1971 تشترط النشر بنصها "رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة"[18].
وكذلك كان نص المادة 55 من الدستور الفرنسي الصادر سنة 1958 التي جعلت من بين الشروط الواجب توافرها لتجسيد سمو المعاهدة على القانون.
- ضرورة تصديق رئيس الجمهورية عليها.
- ضرورة نشرها.
- ضرورة تطبيق الطرف الآخر لها.
أي لابد من المصادقة والنشر وتجسيد المعاملة بالمثل حتى يتم العمل بالمعاهدة.
وعن الغاية المرجوة من النشر يقول الأستاذ R.PINTO بأنه في الفترة الممتدة مابين 1958 و1973 عرفت فرنسا الكثير من المعاهدات غير المنشورة والتي فاقت الألف ، وبهذا فإن الهدف من نشر المعاهدات هو مايلي :
- تلافي المعاهدات السرية.
- تيسير عمل القاضي والحيلولة دون عدم تطبيق المعاهدات غير المنشورة .
- التجسيد الفعلي لمكانة المعاهدة خاصة على الصعيد الداخلي .
- نشر المعاهدة يؤكد مرورها عبر العديد من القنوات المحددة لها كما يبرز شرعيتها[19] .
ونشر المعاهدة يُجسد إدراجها ضمن القوانين الداخلية؛ وفي قرار للمجلس الدستوري الجزائري رقم 01 المؤرخ في20 أوت/آب1989 المتعلق بقانون الانتخابات تمت الإشارة إلى ضرورة النشر لتحقيق سمو المعاهدة على القانون.
وبذلك أوضح المجلس الدستوري بأن المعاهدة لا تُرتِّب آثارها داخليا إلا بعد نشرها، ولهذا يعد النشر شرطا جوهريا حتى تندمج المعاهدة في القانون الداخلي بالرغم من عدم وجود شرط دستوري يستوجب النشر ، وقد نص قرار المجلس الدستوري على ضرورة نشر المعاهدات والاتفاقات الدولية ومما أورده في ذلك "...ونظرا لكون أية اتفاقية بعد المصادقة عليها ونشرها، تندرج في القانون الوطني، وتكتسي بمقتضى المادة 123 من الدستور سلطة السمو على القوانين، وتخول كل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات القضائية...".
والملاحظ أن عملية النشر واردة ضمن دساتير بعض الدول فقط ، وعمليا جُلُّ الدول لا تعمد إلى نشر معاهداتها للعديد من المبررات ، وحتما سيبقى الإشكال قائما إذا ما تعلقت المعاهدة بحقوق الأفراد ، وفي ذلك صدر عن المشرع الفرنسي مرسوم في 14 مارس/آذار1953 والمتمَم في11 أفريل/نيسان1986 مُستَوجِبًا نشر كل ما تعلق بالتحفظات والتفسيرات المقدمة[20] ، والانسحاب من المعاهدات ونقضها، وبذلك تمتنع المحاكم عن تطبيق معاهدة غير منشورة.
وعدم نشر المعاهدة لا يعني بالضرورة عدم العمل بها أو إغفالها وإنما المغزى في أغلب الأحيان يكون لعدة أسباب سياسية أو أمنية أو بُغية تأجيل النشر إلى حين تطبيق المعاهدة من باقي الأطراف، أو حتى يتم تعديل بعض القوانين الداخلية لتتماشى مع المعاهدة ثم يتم نشرها، وقد كانت هناك العديد من الأمثلة التي تؤكد انضمام أو مصادقة الجزائر على معاهدات دولية ولم يتم نشرها إلا بعد برهة من الزمن[21].
ونشر المعاهدات في النظام القانوني الداخلي للجزائر يتجلى من خلال الاطلاع على الجريدة الرسمية منذ الاستقلال إلى يومنا هذا[22]، بغض النظر عن المدة التي تفصل ما بين التوقيع على المعاهدة وتاريخ التصديق عليها ونشرها؛ والملاحظ إزاء ذلك أن هناك معاهدات أبرمت ولم تنشر إلا بعد مدة طويلة، وهناك معاهدات أبرمت وتمت المصادقة أو الانضمام إليها ولم تنشر إطلاقا.
ولكن الجلي أن نشر المعاهدة لا يُعَد شرطا لسريان المعاهدة، فهذا الإجراء خاص بالقانون الداخلي ولا صِلة له بالقانون الدولي، وبذلك فإن تخلف النشر لا يُعِيب المعاهدة من وجهة نظر القانون الدولي، ولا يؤول ذلك بالمعاهدة إلى التوقف أو الإنهاء، ولا يمنع ذلك من القول بأن المعاهدة لن تكون سارية في حق الأفراد إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية لأجل أن يتم الإحتجاج بها[23].
وبالاطلاع على سلسلة الاتفاقات التي صادقت عليها الجزائر نجد العديد منها لم يتم نشره إلى يومنا هذا، ومن هذه الاتفاقات اتفاقية حظر جريمة الإبادة الجماعية والمعاقب عليها، التي تمت الموافقة عليها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع ديسمبر/تشرين الأول 1948 والتي انضمت إليها الجزائر سنة 1963[24] ، وكذلك انضمام الجزائر سنة 1963 إلى الاتفاقية المتعلقة بالرق والموقعة في جنيف سنة 1926 ، المعدلة بموجب بروتوكولات نيويورك لسنة 1953 والاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق الموقعة بجنيف في عام 1956[25].
وأيضا انضمام الجزائر سنة 1963 بتحفظ إلى الاتفاقيات الدولية لحظر الإتجار بالنساء والأطفال الموقعة بجنيف سنة 1921 المعدلة بموجب بروتوكول 12 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1947[26] وكذا الاتفاقية الخاصة بحظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير الموقعة بجنيف سنة 1950، وغيرها من الاتفاقات الملحقة والتي انضمت إليها الجزائر أيضا سنة 1963[27] ، وأيضا انضمام الجزائر سنة 1970 إلى اتفاقية منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول المبرمة ببيروت سنة 1968[28].
وأيضا انضمام الجزائر سنة 1982 إلى الاتفاقية الخاصة بالتجارة الدولية في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض الموقعة بواشنطن في 03 مارس/آذار سنة 1977[29].
وكذلك مصادقة الجزائر سنة 1983 على الاتفاقية الدولية لسنة 1974 المتعلقة بإنقاذ الحياة البشرية في البحر المبرمة في لندن في 01 نوفمبر/تشرين الثاني 1974[30].
وكذا انضمام الجزائر سنة 1989 إلى البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف المبرمة في 12 أوت/آب 1949 والمتعلقين بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة والنزاعات غير الدولية المسلحة المصادق عليهما في جنيف سنة 1977[31].
وأيضا مصادقة الجزائر سنة 1995 على المعاهدة المؤسسة للمجموعة الاقتصادية الإفريقية الموقع عليها بأبوجا (نيجيريا) في 03 جوان/حزيران 1991[32].
وكذلك مصادقة الجزائر سنة 1996 على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقع عليها بمونتيجوباي (جمايكا) في 10 ديسمبر/كانون الأول 1982[33]، وتكون بذلك هذه بعض الأمثلة لإتفاقيات صادقت أو انضمت إليها الجزائر ولم يتم نشرها.
وبهذا نجد أن التصديق لا يُعد كافيا إذ لابد من النشر، وتمتنع المحاكم الوطنية لذات الغرض على أن تطبق بعض المعاهدات الدولية مُبدية دفعا متعلقا بالنظام العام يمكن إثارته في أية مرحلة من مراحل سير الدعوى[34] ، وهذا ما قد يجعل الدولة محل مُساءلة دولية أو محل خلاف مع الدول الأخرى المتعاقدة .
ونجد بذلك أن النشر قد يتم بمجرد التصديق أو بعده بمدة زمنية قد تقصر وقد تطول وقد لا يتم مطلقا، وبذلك فسريان أحكام المعاهدة في القانون الداخلي يمكن تصوره ضمن ثلاث حالات وهي:
- من تاريخ التصديق عليها من طرف البرلمان ( في الحالات التي يشترط فيها الدستور ذلك ).
- من تاريخ سريانها دوليا (وهو التاريخ الذي يتم تحديده في المعاهدة نفسها).
- من تاريخ نشر المعاهدة داخليا بالجريدة الرسمية للدولة.
والملاحظ ضمن ما يتعلق بالنشر دائما القرار الذي أصدره المجلس الدستوري الجزائري والمؤرخ في 20 أوت/آب 1989 المُؤكِد لضرورة النشر، والمرسوم الذي أصدره المشرع التنظيمي في 10 نوفمبر/تشرين الثاني1990 جاء في مادته العاشرة "يسعى وزير الشؤون الخارجية إلى المصادقة على الاتفاقيات والاتفاقات والبروتوكولات واللوائح الدولية التي توقعها الجزائر أو التي تلتزم بها كما يسعى إلى نشرها..."[35].
ولكن ما يلاحظ على هذا المرسوم ما يلي :
- صيغة العموم التي احتواها المرسوم ولم يرقَ الأمر إلى الالتزام بالنشر وإنما هو مجرد سعي وكأن هنالك نوايا بعدم تعميم هذا الإجراء.
- وجود العديد من الاتفاقات والمعاهدات اللاحقة التي لم يتم نشرها إما لمبررات استراتيجية تخص أمن الدولة أو حتى لن تكون سندا أمام القضاء وهيئات الدولة.
والمعروف أن المعاهدة يجب أن تكون محل مرسوم تصديق أو قانون يسمح بالتصديق ، ويلي ذلك إجراء النشر الذي يتولاه مرسوم أو قانون التصديق ذاته أو بموجب مرسوم جديد ، وبالتالي لابد من التصديق والنشر معا حتى تُرتِب المعاهدة آثارها داخليا ، ويبقى الإلتزام والمسؤولية الدولية قائمين ولا يمكن الحديث عن الانتهاء جراء ذلك[36].
ويكون الأمر على عدة أوضاع فعدم ظهور مرسوم أو أمر التصديق أو النشر ونص المعاهدة ضمن الجريدة الرسمية لا يُمَكِّن المتقاضي من الاحتجاج بها لجهله بأحكامها ، وعدم توافر ما يجعل المعاهدة مدرجة ضمن القانون الوطني ، والوضع الثاني يظهر فيه مرسوم أو أمر النشر في الجريدة الرسمية دون نشر النص فهذا الوضع يكون على صورتين :
الصورة الأولى : أن يظهر مرسوم أو أمر التصديق في الجريدة الرسمية دون ورود النص ، فبصورة مبدئية لا يمكن الاعتداد بهذه المعاهدة والدفع بها أمام القضاء الداخلي ، بيد أن الغرفة الجزائية للمحكمة العليا في إحدى قراراتها[37] سنة 1967 تم ضمنه تطبيق أحكام معاهدة على المنازعة المرفوعة أمامها ولم تقبل الدفع بعدم نشر المعاهدة، مما يعني أن التصديق كان كافيا لإدراج المعاهدة ضمن القانون الداخلي، ولو لم يتم النشر الذي بدا بأنه ليس شرطا من شأنه وقف المعاهدة.
الصورة الثانية : صدور مرسوم أو أمر النشر دون نص المعاهدة في الجريدة الرسمية ، هذا ما يُنبئ على أن المعاهدة قد تم إدراجها ضمن القانون الداخلي.
ولكن ما يهم ضمن الدراسات القانونية الدولية أن المعاهدة ستبقى ملزمة دوليا وعدم نشرها داخليا التزام تتحمله الدولة خاصة وأن اتفاقية فيينا ألزمت بذلك[38] .
فالنشر بغض النظر عن كونه أداة للإعلام حتى لا يُعذر أحد بجهله للمعاهدات ، فهو مرحلة تكتسب على إثرها المعاهدة قوتها القانونية في النطاق الداخلي لها ، وبالتالي فتماطل الدولة عن نشر معاهدة ما سيجعلها تتحمل مسؤوليتها والجزاءات المقررة جراء عدم النشر ونتيجة ما قد يتسبب فيه من آثار، وهذا رغم عدم تحمل الأفراد لأي نتيجة ، إذ لا يمكن ترتيب عقوبات ما إزائهم نتيجة أفعال لم يُدركوا بعد تجريمها وترتيب عقوبات عليهم وفق اتفاقية أبرمتها دولتهم ولم يتم نشرها[39].
ومن جانب آخر نجد أن القاضي لا يُمكنه أن يُطبق معاهدات غير منشورة، لعدم علمه بها ونتيجةً لأن دولة القاضي لم تقم بنشر المعاهدة داخليا ، وهذا ما يجعله حسب رأي الأستاذ بوغزالة يتصل بوزارة الخارجية، والسبب هو عدم النشر الذي (...يرتب جهل الأفراد بها، وامتناع القاضـي عن تطبيقها في حالة إثارتها من قِبل أحد المتقاضين الذي قد علم بها من مصدر آخر غير الجريدة الرسمية للدولة كالجريدة الرسمية لدولة أخرى طرف في المعاهدة)[40].
وبطبيعة الحال نجد أن محل النشر هو كل معاهدة دولية تم إبرامها والتصديق عليها، ويخرج عن ذلك الاتفاقيات المبسطة والتنفيذية التي لا تستوجب إجراءات شكلية معينة والتي تكون ملزمة بمجرد التوقيع عليها، ويستثنى من ذلك أيضا اتفاق الجنتلمان (Gentelmen’s agreement) أو ما يسمى باتفاق الشرفاء، والذي يكون بمثابة اتفاق شخصي وُدِّي بين رؤساء الدول أو الحكومات.
كما يلاحظ أيضا وجود العديد من المعاهدات التي تتضمن نصوصا قانونية ذات تطبيق ذاتي أمام القضاء دونما حاجة لأن يصدر تشريع بغية تنفيذها فتكون جاهزة للتطبيق مباشرة، ويسمي الفقه الأنجلوسكسوني هذه المعاهدات بالنافذة بصفة ذاتية Self Exécutif Traitiés.
والجلي أنه ليست كل المعاهدات تجد تطبيقا لها من طرف المحاكم، فهناك معاهدات يبقى الالتزام على عاتق الدولة ككيان مستقل ضمن التزامات دولية بحتة[41].
وما يمكن إبداؤه أن نشر المعاهدات أمر ضروري ولكن لا نجد شرطا يؤكد على ذلك ضمن كل الدساتير وضمن اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات، هذا ما يجعل المعاهدات الدولية على ضربين فهناك معاهدات تتعلق بمصالح الأفراد وواجباتهم، فهي تستوجب التصديق والنشر وتكون بذلك أسمى من القوانين الداخلية، وهناك معاهدات تعقدها الدولة ولا تتعلق بمصالح المواطنين بطريق مباشر أو تتعلق بمسائل سرية لا يتطلب الوضع عرضها على الرأي العام مما يجعل نشرها أمراً غير مؤكد.
وقد كانت انجلترا وايرلندا وايطاليا من الدول التي تضمنت دساتيرها ضرورة إصدار قانون داخلي يصوت عليه البرلمان حتى يتسنى تطبيق المعاهدة وتُنفذ بنودها ، هذا ما أقرته العديد من الدول كالإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت التي استوجبت ضرورة استقبال المعاهدة بواسطة تشريع داخلي صادر عن البرلمان أو ما في حكم ذلك من أساليب التشريع الداخلية[42].
وفي ذلك نصت المادة 125 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لسنة1971، على أنه "تقوم حكومات الإمارات باتخاذ ما ينبغي من تدابير لتنفيذ القوانين الصادرة عن الاتحاد والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي يبرمها ، بما في ذلك إصدار القوانين واللوائح والقرارات والأوامر المحلية اللازمة لهذا التنفيذ ، وللسلطات الاتحادية الإشراف على تنفيذ حكومات الإمارات للقوانين والقرارات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والأحكام القضائية الاتحادية ، وعلى السلطات الإدارية والقضائية المختصة في الإمارات تقديم كل المساعدات الممكنة لسلطات الإتحاد في هذا الشأن"[43].
ونصت المادة 68 من دستور دولة قطر لسنة 2003 على أنه "يُبرم الأميرِ المعاهدات والاتفاقيات بمرسوم ، ويبلغها لمجلس الشورى مشفوعة بما يناسب من البيان ، وتكون للمعاهدة أو الاتفاقية قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية ، على أن معاهدات الصلح والمعاهدات المتعلقة بإقليم الدولة أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة أو التي تتضمن تعديلا لقوانين الدولة ، يجب لنفاذها أن تصدر بقانون ، ولا يجوز في أي حال أن تتضمن المعاهدة شروطا سرية تناقض شروطها العلنية"[44].
ونصت المادة 70 من دستور دولة الكويت على أنه "يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويبلغها مجلس الأمة فورا مشفوعة بما يناسب من البيان ، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية.
على أن معاهدات الصلح والتحالف والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة أو ثرواتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة، ومعاهدات التجارة والملاحة والإقامة، والمعاهدات التي تُحمِّل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة في الميزانية أو تتضمن تعديلا لقوانين الكويت يجب لنفاذها أن تصدر بقانون.
ولا يجوز في أي حال أن تتضمن المعاهدة شروطا سرية تناقض شروطها العلنية "[45].
وما يتضح أن مثل هذه الدساتير التي اشترطت صدور قوانين داخلية -وإن اقتصر الأمر على أنواع محددة من المعاهدات- تُنبِئ على أنها أقرت بنظرية الثنائية التي أكدت على أن نفاذ وسريان المعاهدة داخليا يستوجب صدور تشريع داخلي جراء الانفصال بين النظامين الوطني والدولي ؛ ووفق ما ورد في آخر فقرات المادتين 68 و70 من الدستور الإماراتي والقطري على التوالي أنه لا يجوز البتة أن يحصُل التنافي ما بين ما تُضمِره المعاهدة وما تُظهِره وإلا آلت نتيجة لذلك إلى البطلان أو على الأقل إلى إعادة النظر فيها .
سادسا: القيمة القانونية للمعاهدات ذات التصديق الناقص( تخطي صلاحية البرلمان)
الكثير من دساتير الدول تستوجب ضرورة موافقة السلطة التشريعية على بعض المعاهدات قبل أن يتم التصديق عليها، وهذا ما نجده ضمن المادة 131 من التعديل الدستوري الجزائري الصادر في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1996 بنصها "يصادق رئيس الجمهورية على اتفاقيات الهدنة، ومعاهدات السلم والتحالف والاتحاد، والمعاهدات المتعلقة بحدود الدولة، والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص، والمعاهدات التي تترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة، بعد أن توافق عليها كل غرفة من البرلمان صراحة"، وكذا ما نصت عليه المادة 53 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 والمادة 151 من دستور جمهورية مصر لسنة 1971.
وسُمِّي التصديق تصديقا ناقصا إذا كان رئيس الجمهورية قد صادق على المعاهدة دون تمريرها على السلطة التشريعية والموافقة عليها وفق ما يحدده الدستور، فما هو جدوى مثل هذه المعاهدة وهذا التصديق، وما صِلة ذلك بالإنتهاء؟ هذا ما كانت الإجابة عليه وفق العديد من الآراء:
1/ الاتجاه الأول:
التصديق الناقص يؤدي إلى بطلان المعاهدة[46]: يرى أنصار هذا الاتجاه أن التصديق الناقص يُفضي إلى بطلان المعاهدة، فوجود نص دستوري يجعل من التصديق مسألة مشتركة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية يستوجب الاحترام وخرقه يؤدي إلى عدم صحة الإجراء وتجاوز الاختصاص، ولا يترتب على المعاهدة أي أثر دولي، خاصة إذا أدركنا بأن المعاهدة ستُرتب آثارها على مواطني كل دولة طرف، مما يجعل موافقة ممثليهم في البرلمان أمرا هاما[47].
وهذا الاتجاه حظي بتأييد كبير فمعظم الدول حرصت في دساتيرها على التأكيد بأن المعاهدات لن تكون نافذة ولا مجال لتطبيقها إلا إذا كان التصديق كاملا ومن الجهات المختصة ، وقد كان من السوابق في ذلك معاهدة سنة 1858 المتعلقة بتعيين الحدود بين كل من كوستريكا ونيكاراغوا إذ تم التصديق عليها من كلتا الدولتين ، بَيْد أن نيكاراغوا لم تتبع الإجراءات المحددة ضمن دستورها؛ تغيرت حكومة نيكاراغوا التي كان التصديق في عهدها ، فأبدت الحكومة معارضتها للانتهاكات الدستورية للحكومة السابقة المتمثلة في عدم احترام الإجراءات الدستورية للتصديق مما دفع بحكومة كوستاريكا للاحتجاج ليتم عرض النزاع على التحكيم وصدر سنة 1988 قرار يؤيد فيه دفوع حكومة نيكاراغوا[48].
2/ الاتجاه الثاني:
التصديق الناقص يرتب آثار المعاهدة[49]: يؤكد أنصار هذا الاتجاه أن التصديق الناقص يرتب آثاره وينجر على المعاهدة كل ما تضمنته من حقوق والتزامات طالما أن التصديقات قد تم تبادلها و تتمثل حجج هذا الاتجاه في الآتي :
- مجرد إقرار هذا الرأي سيؤدي إلى استقرار العلاقات الدولية وتجنب كل الإعاقات التي يتمسك بها الأطراف بقوانينهم الداخلية ولا وجود لما يُلزم دولة متعاقدة في أن تبحث على ما تشترطه دساتير باقي الأطراف.
- التصديق ما هو إلا تكوين لإرادة الدولة وهناك اختلاف بين تكوين الإرادة والإعراب عنها، فالتكوين يتطلب خطوات معينة ، بينما الإعراب فهو من اختصاص رئيس الدولة أو من يحل محله لكونه ممثِلا للدولة أمام باقي الدول ، وفي كونه الأداة التي تعرب وتعلن بموجبها الدولة عن نواياها.
- يستوجب الواقع أن يتم إخضاع قواعد القانون الوطني للقانون الدولي العام الذي تعد قواعده أساسية وواجبة الاحترام استنادا إلى مبدأ سيادة القانون الدولي العام وهو ما يدحض كل ما قد تتمسك به الدولة من قواعد داخلية لأجل عدم احترامها لالتزاماتها التعاهدية الدولية.
- سريان المعاهدة وتنفيذها يمر عبر عدة مراحل تفاوض وتحرير وتوقيع ثم تصديق ، كل ذلك يتطلب وقتا ، مما يجعل بإمكان كل السلطات الداخلية أن تطلع على ما تم التفاوض عليه وتحريره وتوقيعه بغية إعادة النظر فيه ، فإن تمت مرحلة التصديق لم يكن بالإمكان الاحتجاج بالقواعد الداخلية[50].
3/ الاتجاه الثالث :
التصديق الناقص يُرتب آثار المعاهدة بُغية ترتيب المسؤولية الدولية[51] : يؤكد هذا المذهب فكرة نفاذ المعاهدة التي لم يتم التصديق عليها تصديقا كاملا أخذا بفكرة مسؤولية الدولة دوليا ، فإن كان تصرفها فاسدا وكانت هي السبب فيه باسم رئيسها استوجب الأمر أن تتحمل مسؤوليتها في ذلك كاملة ، ولا يمكنها الإدعاء بعدم مشروعية التصديق للقول ببطلان المعاهدة وبالتالي عدم تطبيقها حيث أن المخطئ لا يمكنه أن يستفيد من خطئه ولا يُعذر أحد بجهله للقانون.
هذا وإن تم القول بأن الكثير من الدول تتمسك ببطلان المعاهدة لمخالفتها للدستور ، خاصة وأن أغلب الدول لم تعترف بسمو المعاهدة على الدستور واكتفت بتأكيد سموها على القانون أو أنها في مرتبة واحدة معه ، فإذا تم التسليم بذلك وجب الأخذ في الحسبان أنه لا يمكن أن نرتب البطلان ونُسبب بذلك أضرارا لِغير الطرف في المعاهدة خاصة إذا كان حَسَن النية ، بالإضافة إلى عدم وجود أي إلزام يُوجِبه على أن يتأكد من صحة تصديق كل طرف في المعاهدة [52].
بالإضافة إلى أن صمت السلطة التشريعية بُرهة من الزمن وعدم اعتراضها على هذا التصديق الناقص ، وبِدء سريان نفاذ المعاهدة دليل على ارتضائها وإقرارها للمعاهدة ، ومن القضايا الدولية في ذلك اتفاقية البريد المبرمة سنة 1853 بين انجلترا والأوروغواي؛ حيث أنه في سنة 1873 أصدرت حكومة الأوروغواي مرسوما تُعلِن فيه رفضها للاتفاقية بتداعيات أن السلطة التشريعية لم تكن قد وافقت عليها سابقا، وقد كان من الدفوع التي ردت بها انجلترا أن الاتفاقية أُبرمت منذ 20 سنة وكان صمت السلطة التشريعية طوال هذه المدة إقرارا بصحتها [53].
وما رجح عليه العمل الدولي هو الرأي الأول إذ أخذت به جُلُّ الدول وأكده القضاء الدولي في العديد من القضايا[54]، بالإضافة إلى ما أقرته اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات في المادة46 المتعلقة بأحكام القانون الداخلي بشأن الاختصاص بإبرام المعاهدات بتأكيدها عدم جواز تمسك الدولة بأن التعبير عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص بإبرام المعاهدات كسبب لإبطال رضاها، إلا إذا كان إخلالا واضحا بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد قانونها الداخلي، وأكدت ذات المادة أن الإخلال يعد واضحا إذا تبين بصورة موضوعية لأية دولة تتصرف في هذا الشأن وفق السلوك العادي وبحسن نية.
ونصت المادة 47 المُعنونة بـ "قيود خاصة على السلطة في التعبير عن رضاء الدولة" على أنه" إذا كانت سلطة ممثلي الدولة في التعبير عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة معينة مقيدة بقيد خاص وأغفل الممثل مراعاة هذا القيد، فلا يجوز التمسك بهذا لإبطال ما عبر عنه من رضا إلا إذا كانت الدولة المتفاوضة قد أبلغت بهذا القيد قبل تعبيره عن الرضا".
وبهذا لا يمكن للدولة أن تستند إلى أن التصديق كان ناقصا للمطالبة ببطلان المعاهدة والتحرر من التزاماتها ، إلا إذا كان العيب واضحا وتعلق بمسألة جوهرية ، أما عدا ذلك كأن يتعلق الأمر بتصديق ناقص، ولم يكن ما أعابه من الأمور الواضحة وفق نص المادة 46 فيعد التصديق صحيحا ومرتبا لكل آثاره ولا يمكن التمسك به للمطالبة بالبطلان[55].
سابعا: المجلس الدستوري ومراقبة المعاهدات
بعد أن تطرق دستور سنة 1963[56] للمجلس الدستوري بتشكيلة مختلطة تجمع ما بين السلطات الثلاث للدولة ، تخلى دستور 1976 عن المجلس الدستوري ليتبناه دستور 1989 من جديد مع إعادة تنظيم تشكيلته واختصاصاته إذ أصبح يتكون من سبعة أعضاء ، اثنان منهم يمثلان السلطة التنفيذية، يعينهما رئيس الجمهورية بدل عضو في دستور1963 ، وعضوان يمثلان السلطة القضائية يتم انتخابهما من طرف الجمعية العامة لقضاة المحكمة العليا ، في حين كانت السلطة القضائية ممثلة دونما انتخاب في دستور 1963 ، إذ يعد رئيس المحكمة العليا ورئيسا الغرفتين المدنية والإدارية تلقائيا ممثلين للسلطة القضائية لدى المجلس الدستوري، بالإضافة إلى عضوين ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني بدل ثلاثة نواب كما كان في دستور 1963.
ويتولى رئيس الجمهورية تعيين رئيس المجلس الدستوري[57] بعدما كان ينتخب من بين الأعضاء في دستور 1963 ؛ هذا ما يوضح أن السلطة التنفيذية ممثلة في 03 أعضاء مما يعكس هيمنتها على هذه الهيئة[58].
وقد تغيرت تشكيلة المجلس الدستوري بموجب التعديل الدستوري لسنة 1996 إذ أضيف عضوان يمثلان مجلس الأمة يتم تعيينهما بطريق الانتخاب من بين أعضاء مجلس الأمة ، ليصبح المجلس مشكلا من 09 أعضاء ، مع توزيع جديد بالنسبة لممثلي السلطة القضائية بتحويل ممثل لمجلس الدولة الذي تم استحداثه بموجب هذا الدستور ويبقى للمحكمة العليا ممثل واحد ، وقد نصت في ذلك المادة 164 من دستور 1996 على أنه "يتكون المجلس الدستوري من تسعة (09) أعضاء ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية ، واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني ، واثنان ينتخبهما مجلس الأمة، وعضو واحد تنتخبه المحكمة العليا وعضو واحد ينتخبه مجلس الدولة.
بمجرد انتخاب أعضاء المجلس الدستوري أو تعيينهم يتوقفون عن ممارسة أي عضوية أوأي وظيفة أو تكليف أو أي مهمة أخرى.
يعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس الدستوري لفترة واحدة مدتها ست سنوات، يضطلع أعضاء المجلس الدستوري بمهامهم مرة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد نصف عدد أعضاء المجلس الدستوري كل ثلاث سنوات ".
وما يهمنا ضمن اختصاصات[59] المجلس الدستوري مدى رقابته للاتفاقات والمعاهدات الدولية المصادق عليها ومدى تجسيد سموها على القوانين الداخلية ، وقد يكون القانون مطابقا للدستور ولكنه مخالف للمعاهدة المصادق عليها ، وبالتالي إذا صدر قانون داخلي مخالف لمعاهدة فهو بذلك سيكون حتما مخالفا للدستور الذي أقر صراحة في المادة 132 من التعديل الدستوري لسنة 1996 سمو المعاهدة على القانون.
هذه المسألة تطرق لها المجلس الدستوري الجزائري رغم أنه لم يُخطَر لمطابقة القانون لمعاهدة، وإنما أُخطِر على أساس المادة 155[60] من دستور 1989 التي تمنحه صلاحية الفصل في دستورية المعاهدات والقوانين واللوائح .
لكنه تطرق لمسألة موافقة القانون لمعاهدة دولية في أول قرار له في العشرين من أوت 1989[61] بناء على إخطار من رئيس الجمهورية[62] ، ويخص هذا الإخطار مراقبة مدى مطابقة عشرة[63] مواد من قانون انتخاب[64] المجلس الشعبي الوطني لسنة 1989 لأحكام الدستور ؛ وأثناء فحص المجلس الدستوري لمدى دستورية المادة 86 من هذا القانون التي اشترطت الجنسية الجزائرية الأصلية للمترشحين وأزواجهم ، وكذلك المادة 108 من نفس القانون التي استوجبت الجنسية الجزائرية الأصلية لزوج المترشح لرئاسة الجمهورية، اعتُبرت هذه المواد غير دستورية بالاعتماد على نص المادة 27 و47 من دستور 1989 وأيضاً قانون الجنسية[65].
فهو في البداية تولى تحديد الإجراءات الواجب إتباعها وهي المصادقة والنشر لدمج المعاهدة ضمن القانون الداخلي ، ثم استنادا للمادة 123 التي تقر بمبدأ سمو المعاهدات على القوانين استنتج مخالفة نصوص المواد المعروضة عليه لما ارتبطت به الجزائر من معاهدات ، واعتبر الشرط الوارد سابقاً مخالفاً لعهد الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 الذي انضمت إليه الجزائر سنة 1989[66] ، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي انضمت إليه الجزائر سنة 1987[67]، واعتبارها بمثابة أدوات قانونية تمنع صراحة كل تمييز مهما كان نوعه ، واستند المجلس في قراره إلى واقعة أن "أية اتفاقية بعد المصادق عليها ونشرها تندرج في القانون الوطني وتكتسب بمقتضى المادة 123 من الدستور سلطة السمو على القوانين ، وتخول كل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات القضائية"[68].
وبعد أن أكد المجلس الدستوري عدم دستورية شرط الجنسية الأصلية لزوج المترشح للانتخابات الرئاسية أكد مرة ثانية على نفس الشرط في قرار آخر سنة 1995 وبدون أن يتم إخطاره إذ أكد أنه بعد اجتماع المجلس الدستوري في الخامس والعشرين من جويلية/تموز1995 فإن المجلس الدستوري يُذكِّر بقراره المؤرخ في 20 أوت/آب 1989 وهذا ما يُعزي بتدخل المجلس الدستوري تلقائيا في حالة إعادة حكم أو قانون سبق وأن راقبه مؤكدا قراراته وآرائه التي قدمها سلفا.
بعد خمسة أيام من هذا التصريح قام رئيس الدولة بإخطار المجلس الدستوري لأجل رقابة البند السادس من المادة 108 من الأمر الصادر في 19 جويلية/تموز1995 المعدِّل لقانون الانتخابات لسنة 1989 ، وفي هذا الصدد أكد المجلس الدستوري أن قراراته نهائية وملزمة للسلطات ، وأن هنالك تجاهل بإلزامية القرار الأول المؤرخ في20 أوت/آب 1989 ولا داعي للفصل في مسألة واحدة مرتين اثنتين أي أن القرار الأول يطبق على ذات المسألة.
ويتضح بذلك أن مرجعية المجلس الدستوري الجزائري فيما أسماه الفقه بالكتلة أو المجموعة الدستورية هي الدستور بالإضافة إلى ما أبرمته الجزائر من معاهدات دولية[69]
وقد نصت المادة 168 من التعديل الدستوري لسنة 1996على أنه "إذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو إتفاق أو إتفاقية فلا يتم التصديق عليها " ، هذا ما يوحي بأن العلاقة مابين الدستور والمعاهدة لا تُثير أي إشكال حيث أنه إذا تبين التناقض بينهما فلا يتم التصديق على المعاهدة التي تعارضت أحكامها مع الدستور[70]؛ وبذلك فالمادة منحت المجلس الدستوري سلطة الرقابة على مدى دستورية المعاهدة قبل التصديق عليها[71] .
بالإضافة إلى ذلك نجد المادة 165 من ذات التعديل الدستوري نصت على أنه " يفصل المجلس الدستوري بالإضافة إلى الإختصاصات التي خولتها إياه صراحة ، أحكام أخرى من الدستور ، في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات إما بِرأي قبل أن تُصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة العكسية." .
هذا ما يوحي بأن المجلس الدستوري له كل الصلاحيات في إلغاء المعاهدات التي تمت المصادقة عليها ثم تبين عدم دستوريتها ، أي وكأنه يملك الرقابتين السابقة واللاحقة وهذا ما نستشفه من القراءة الأولى للمادة 165 " برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة العكسية"[72] ، أي بعد أن تدخل حيز التنفيذ ، بيد أن هنالك إحتمال آخر بعد قراءة المادتين 168 و169 يُفضي إلى القول بأن المجلس الدستوري لا يملك سوى الرقابة السابقة ، وليس له المَكنة في أن يلغي معاهدة تمت المصادقة عليها ولو اتضح تعارضها مع الدستور[73] ، حيث أكدت المادة 168 بطريق مباشر على سلطة المجلس الدستوري في إجراء الرقابة السابقة[74]، في حين نصت المادة 169 على أنه " إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري يفقد هذا النص أثره ، إبتداءً من يوم قرار المجلس".
وبذلك سيكون التساؤل مطروحا بحدة ، هل يملك المجلس الدستوري بالإضافة إلى الرقابة السابقة رقابة لاحقة تُمكِّنه من إلغاء معاهدة تمت المصادقة عليها بعد أن تراءى له عدم دستوريتها ؟.
إن قراءة المادة 165 بالمقاربة مع المادتين 168 و 169 يجعلنا نقف عند العديد من المسائل الجوهرية ، حيث أن المادة 168 أكدت على عدم إمكانية المصادقة على معاهدة إرتأى للمجلس الدستوري عدم دستوريتها ، كما أقرت المادة 169 أنه إذا قرر المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري فإن هذا النص سيفقد أثره بصفة رجعية ، هذا ما يُخوِّل المجلس رقابة سابقة على المعاهدات وفق نص المادة 168 ورقابة لاحقة فيما يخص القوانين والتنظيمات طبقا لنص المادة 169.
وبالتالي ستُتيح لنا المادتان 168 و169 إمكانية تفسير نص المادة 165 تفسيرا صائبا – وفق نص المادة 32 من إتفاقية فيينا لسنة 1969- لأجل إزالة الغموض الذي إكتنف نص المادة 165 سابقة الذكر، بما يؤيد سلطة المجلس في إجراء الرقابة السابقة دون اللاحقة على المعاهدات الدولية ، وذلك بالإستناد إلى مايلي:
- تضمنت المادة 165 المبدأ العام في حين تضمنت المادتان 168 و169 تحديدا وتفصيلا لمسألة الرقابة ، مما يؤكد أن السبب في أن المشرع الدستوري أخطأ في صياغة المادة 165 هو السرعة التي تم بها إعداد دستور سنة 1989 وعدم تدارك ذلك ضمن التعديل الدستوري لسنة 1969، ومن هذا فإن الغموض يُزاح بإعادة صياغة المادة 165 على هذا النحو " يفصل المجلس الدستوري بالإضافة إلى الإختصاصات التي خولتها إياه صراحة ، أحكام أخرى من الدستور ، في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات إما بِرأي قبل أن تُصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة العكسية فيما يتعلق بالقوانين والتنظيمات".
- لو كان قصد المشرع تمكين المجلس الدستوري من إجراء الرقابة اللاحقة على المعاهدات لتطرق إلى ذلك في نفس المادة التي تكلمت بطريق مباشر على الرقابة السابقة وهي المادة 168.
- بعد انضمام الجزائر إلى إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 أصبحت ملتزمة بما ورد في المادة 46 منها والتي أكدت على أولوية الإلتزامات الإتفاقية على قواعد القانون الدستوري في حال التعارض بينهما ، بالإضافة إلى ماهو مقرر وفق أحكام القانون الدولي من أن المعاهدة تدخل حيز التنفيذ بمجرد التصديق عليها[75] .
وبالتالي سيكون هذا ما ذهبت إليه المادة 165 على غرار ما أقره المشرع الدستوري الفرنسي وكذا العديد من التشريعات الأخرى.
ويبقى لرئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة الحق أيضا في إخطار المجلس الدستوري وفق ما نصت عليه المادة 166 من التعديل الدستوري لسنة 1996.
وقد نصت المادة 97 من هذا الأخير على أنه "يوقع رئيس الجمهورية على اتفاقيات الهدنة ومعاهدات السلم.
ويتلقى رأي المجلس الدستوري في الاتفاقيات المتعلقة بها.
ويعرضها فورا على كل غرفة من البرلمان لتوافق عليها صراحة" ؛ والملاحظ بعد إخطار المجلس الدستوري سيصدر قراره ويسجل لدى الأمانة العامة لهذا المجلس ويُرسَل إلى الجهة التي أحالته وأيضا إلى رئيس الجمهورية .
وإذا أصدر المجلس الدستوري قراره بعدم دستورية المعاهدة لا يعني ذلك سقوط الإلزام الدولي بتنفيذ المعاهدة على الصعيد الدولي ، خاصة وأن إقرار اللادستورية تواجهه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم 87/222 ، خاصة المادة 27 منها بنصها على أنه "مع عدم الإخلال بنص المادة 46 ، لا يجوز لطرف في معاهدة أن يتمسك بالقانون الداخلي كسبب لعدم تنفيذ هذه المعاهدة".
والملاحظ أيضا أن العديد من المعاهدات تنص صراحة ضمن بنودها على إلزام الدول الأطراف بإصدار قوانين داخلية لضمان تطبيق المعاهدة ، وكذا تعديل القوانين القائمة وتحقيق تلاؤمها مع المعاهدة ، ومثال ذلك ما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 في مادتها الرابعة على أنه "تتخذ الدول الأطراف كل التدابير الشرعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة ، لإعمال الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية"[76].
وهذا ما هو واضح في العديد من الاتفاقات الدولية ، خاصة ما تعلق منها بالقانون الدولي الجنائي وبحقوق الأفراد وحرياتهم.
وفي مثل هذا الوضع تُطرح العديد من الإشكالات في حال صدور تشريع داخلي تطبيقا لاتفاقية دولية وتبين بعد ذلك عدم دستورية هذه الأخيرة ، فوفق نص المادة 169 من التعديل الدستوري لسنة 1996 فإنه "إذا ارتأى المجلس أن نصا تشريعيا أو تنظيميا[77] غير دستوري يفقد هذا النص أثره ابتداء من يوم قرار المجلس" ؛ في حين أن المشرع الدستوري لم يوضح ويحدد بداية فقدان المعاهدة لأثرها بعد إقرار المجلس لعدم دستوريتها.
وبذلك لو يُفسح المجال للبرلمان بغرفتيه في رقابة المعاهدات الدولية قبل أن تتم المصادقة عليها يجعلنا بمعزل عن إشكالية كوننا امام التزام بتنفيذ معاهدة تقرر عدم دستوريتها وبقاء الإلتزام بها وفقا لما تقرره أحكام القانون الدولي.
خاتمة:
من كل ما سبق يتضح لنا أن المعاهدات من الاعمال القانونية التي تستوجب إعمالا وتطبيق داخليا إما بأسلوب مباشر أو غير مباشر، وإذا كان كل نص قانوني يستوجب المرور عبر قنواتها المحددة منطقا وقانونا واهمها قناة الرقابة البرلمانية التي تؤكد وتُفعل النص الذي يخدم المجتمع، وسيكون بذلك من باب أولى أن تتم رقابة الوافد من النصوص الخارجية ممثلة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي حتما تستوجب التطبيق الداخلي وعدم التعارض مع مع النص الداخلي بل إن حصل التعارض فستكون الغلبة للنص الداخلي، وإذا كان النص الدستوري قد جعل للبرلمان صلاحية الإقرار من عدمه للمعاهدات المحددة حصرا في نص المادة 131 من دستور سنة 1996 وهي "اتفاقيات الهدنة، ومعاهدات السلم والتحالف والاتحاد والمعاهدات المتعلقة بقانون الأشخاص والمعاهدات التي تترتب عليها نفقات غير واردة في ميزانية الدولة"، فالواضح أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الشارعة تستوجب الموافقة والرقابة البرلمانية السابقة،
وما يمكن ملاحظته في هذا الصدد الآتي:
- ضرورة إيجاد نص دستوري يؤكد على الدور الرقابي للبرلمان في رقابة المعاهدات الدولية دون قيد او شرط على الصلاحيات الرقابية للبرلمان في ممارسة اختصاصاته
- ضرورة تفعيل البرلمان في حد ذاته لأجل إدراك حساسية هذه المسائل، بل وضرورة تحديث آليات انتقاء ممثلي الشعب سواء على مستوى المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة وهذا لأجل تأكيد فكرة الوعي البرلماني والدور المنوط بالبرلمان كأهم وأبرز مؤسسة دستورية.
- أهمية التأكيد على السياسة البرلمانية الواجب اتباعها إزاء الوافد من نصوص دولية خاصة ما كان في صيغة معاهدات شارعة، والتي تعد بمثابة التقنين الدولي لمسألة من المسائل وخصوصا ما كان نها مرتبطا بحقوق الإنسان.
-أهمية رفع اللبس في قضية المعاهدات التي تكلف عبئا إضافيا في ميزانية الدولة، حيث أن جل الإتفاقيات المبرمة مهما كان نوعها- والأمثلة متعددة- تكلف الدولة أعباء مالية غير مرصودة في ميزانية الدولة.
[1] عبيدان ذوقات وآخرون، البحث العلمي مفهومه وأدواته وأساليبه، دار الفكر، عمان ، الأردن، ط 8، 2008، ص 191 .
[2] زيوي خير الدين ادماج المعاهدات الدولية في النظام القانوني الداخلي طبقا لدستور سنة 1996 مذكرة ماجستير كلية الحقوق، بن عكنون الجزائر،2002-2003، ص 01.
[3] زيوي خير الدين، المرجع السابق، ص 04.
[4] Ali Maabroukie; lalgerie et les traites dans la constition de 1976, memoire de magistere. Alger ,1980 ;p60.
[5]) محمد المجذوب، القانون الدولي العام، المرجع السابق، ص 507.
[6]) وقد استعملت المادة 11 في فقرتها الثانية من اتفاقية فيينا لعام 1986 اصطلاح "التأكيد الرسمي" بدل التصديق كدلالة على رضا المنظمة ترتيب آثار المعاهدة .
[7]) عدنان طه الدوري، عبد الأمير عبد العظيم العكيلي، المرجع السابق، ص 226.
[8]) عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي، المبادئ العامة، المرجع السابق، ص 27.
[9]) نفس المرجع، ص27.
[10] ) بوغزالة محمد ناصر ، التنازع بين المعاهدة والقانون في المجال الداخلي ، المرجع السابق ، ص 72.
[11]) J.Hostert : Droit International et droit interne dans la convention de vienne sur le droit des traités, AFDI, 1969, P 92.
[12]) الأمثلة عديدة وكثيرة منها مثلا مصادقة الجمهورية الجزائرية في 17 ديسمبر 2000 على اتفاقية منع استعمال وتخزين وإنتاج الألغام المضادة للأفراد وتدميرها المبرمة بأوسلو في 18 سبتمبر 1997 بموجب المرسوم الرئاسي 2000/432 المؤرخ في 17 ديسمبر 2000 (ج ر العدد 01)، وقد أنشأ رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في 08 ماي 2003 نقطة مركزية تحت اسم الهيئة الوزارية المشتركة لتنفيذ الاتفاقية حول منع استعمال وتخزين وإنتاج وتحويل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 33/211 المؤرخ في 08 ماي 2003، والمتضمن إحداث لجنة وزارية مشتركة وتشكيلها وسيرها وتحديد مهامها لمتابعة تنفيذ اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها (ج ر العدد 33).
وقد كانت إشارة انطلاق عملية التدمير الفعلي في 24 نوفمبر2004 من طرف رئيس الجمهورية الجزائرية بحضور السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر، والملحقين العسكريين المعتمدين بالجزائر، وممثلين لاتفاقية أوتاوا، ممثلي المنظمات الدولية غير الحكومية.
[13]) عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، المبادئ العامة، المرجع السابق ، ص 295.
[14] ) بوغزالة محمد ناصر، التنازع بين المعاهدة والقانون في المجال الداخلي، المرجع السابق، ص51.
[15]) إيزغوين نوال، المرجع السابق، ص 28 .
[16] ( وفي التمييز بين النشر والإصدار يقول كاري دومالبرغ " إن الإصدار لا يحدث عادة في صورة علنية وأنه من المتفق عليه أن مرسوم الإصدار موجه أساسا للنشر الفوري ، وفي الواقع أن المرسوم لا يصدر إلا لترتيب آثار خارجية محددة تماما كما يفعل موثق العقود الذي يوثق الإدارة بوثيقة محددة داخل مكتبه ، حيث يعمل هذا الموثق في الداخل من أجل نتائج تحدث في الخارج".
عبد العزيز السيد الجوهري، القانون والقرار الإداري في الفترة مابين الإصدار والشهر، دراسة مقارنة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1991 ، ص 24.
[17]) محمد سعيد جعفور ، المدخل إلى العلوم القانونية ، دار هومة ، الجزائر ، الطبعة الثالثة ، 1999 ، ص 157.
[18]) ومن الدساتير الأخرى التي استوجبت النشر الدستور الصومالي الصادر في 01 جويلية 1960 بموجب الفقرة الأولى من المادة 06 بنصها "يكون لقواعد القانون الدولي المتفق عليها بوجه عام والمعاهدات الدولية الموقع عليها بمعرفة الجمهورية والتي تم نشرها وفقا للطرق المنصوص عليها بالنسبة للأعمال التشريعية قوة القانون".
[19] ) بوغزالة محمد ناصر، خرق المعاهدات الثنائية، المرجع السابق، ص 110 .
[20]) وقد صادقت الجزائر على اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 وأرفقتها بتصريحات تفسيرية مستبعِدة تطبيق العديد من أحكامها خاصة ما تعلق بحركة تفكير الطفل والتربية الدينية له على دين أبيه وفق قانون الأسرة الجزائري، وهذا ما ورد في نص الاتفاقية المنشورة في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية المتعلقة بحقوق الطفل لسنة 1989 ، ج ر سنة 1992 العدد 91 ، ص 2331.
زيوي خير الدين، المرجع السابق، ص 38.
وقد ورد ضمن أحد قرارت مجلس الشورى اللبناني أنه "عندما يقر مجلس النواب اتفاقا دوليا وينشره رئيس الدولة، يصبح الاتفاق جزءً من التشريع اللبناني يحق للأفراد التذرع به"، وجاء ضمن أحد قرارات محكمة التمييز أنه "...حيث أن نظام القانون الدولي لا يمكن أن يتوحد إلا إذا طبقت الدول المعاهدات والاتفاقات التي أبرمتها بكل صدق وأمانة...وحيث أن البروتوكول اللبناني-التشيكي المؤرخ في11نيسان 1957 هو من هذه الاتفاقية قد وقع وأبرم ونشر وفقا للأصول.."(والمعاهدة وفقا للأصول أي طبقا لمراحل المفاوضة، التوقيع، التصديق، والنشر)؛ علي عبد القادر القهوجي، المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي، المرجع السابق، ص 15.
أدمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، الطبعة الأولى، دار العلم للملايين، بيروت، 1970، ص 700.
[21] ) بعد مصادقة رئيس الجمهورية على المعاهدة سيكون له الحق في إعطاء الإشارة إلى نشرها أو عدم نشرها، وهذا ما هو مخول لوزير الخارجية أحيانا.
[22] ) أورحمون محمد الطاهر، المرجع السابق، ص 145.
[23] )هذا ما أكده الدكتور لعرابة بحيث أن المعاهدات لا حاجة لإصدارها ونشرها لكون هذا العمل إجراءً داخليا ولا صِلة له بالقانون الدولي.
A.LARABA : Droit conventionnel Algerien (1989-1994 ), Revue IDARA.vol05, N :01 ,1995, centre de documentation et de recherche adminstratives, Alger,1995, p 81.
[24]) بموجب المرسوم 63/338 المؤرخ في 11 سبتمبر 1963 المتضمن انضمام الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية بتحفظ إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ، ج ر عدد 66 سنة 1963 ، ص 943.
[25]) بموجب المرسوم رقم 63/340 المؤرخ في 11 سبتمبر 1963 المتضمن انضمام الجزائر إلى الاتفاقية الخاصة بالرق الموقعة بجنيف في 25 سبتمبر سنة 1926، المعدلة بموجب بروتوكولات نيويورك الموقعة في 7 ديسمبر 1953 ، والاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق ، الموقعة في جنيف في 07 سبتمبر 1956 ج ر عدد 66 سنة 1963 ، ص 943.
[26]) بموجب المرسوم 63/341 المؤرخ في 11 سبتمبر 1963 ، نفس الجريدة الرسمية.
[27]) نفس الجريدة الرسمية .
[28]) الأمر 70/48 المؤرخ في 03 يوليو 1970 ، المتضمن المصادقة على اتفاقية منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ، ج ر عدد 65 سنة 1970، ص 938.
[29]) بموجب المرسوم 82/498 المؤرخ في 25 ديسمبر 1982 ، ج ر عدد 55 سنة 1982 ، ص 3526.
[30]) بموجب المرسوم رقم 83/510 المؤرخ في 27 أوت 1983 ج ر عدد 39 سنة 1983 ، ص 2154.
[31]) بموحب المرسوم الرئاسي رقم 89/68 المؤرخ في 16 ماي 1989 ، ج ر 20 سنة 1989 ص 532.
[32]) بموجب المرسوم الرئاسي رقم 95/169 المؤرخ في 18 جوان 1995 ، ج ر عدد 33 سنة 1995 ، ص 06.
[33]) بموجب المرسوم الرئاسي رقم 96/53 المؤرخ في 22 جانفي 1996 ج ر عدد 06 سنة 1996 ،ص 12 .
[34]) علي عبد القادر القهوجي ، المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي ، المرجع السابق ، ص 16.
[35]) المرسوم المؤرخ في 10 نوفمبر 1990، المحدد لصلاحيات وزير الخارجية ، ج ر عدد 50 ، ص 1344.
[36]) جبار عبد المجيد ، المرجع السابق ، ص 145.
[37]) قرار الغرفة الجزائية للمحكمة العليا ، المؤرخ في 14 فيفري 1967 حولية العدالة 1967 ، ص 332.
[38]) جبار عبد المجيد، المرجع السابق ، ص 144.
[39]) علي عبد القادر القهوجي، المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي، المرجع السابق، ص 21.
[40] ) بوغزالة محمد ناصر، خرق المعاهدات الثنائية، المرجع السابق، ص118.
الصادق شعبان، المعاهدات في القانون الداخلي للدول العربية، مقال بمجلة حقوق الإنسان، المجلد الثالث، دراسة تطبيقية على العالم العربي، دار العلم للملايين، ط 01، بيروت ،1989 ، 165.
[41])C.Dominique:droit international, Pédon , Paris, 1986, P 447.
[42]) نفس المرجع ، ص 170.
[43]) دستور دولة الإمارات العربية المتحدة الصادر بتاريخ 18/07/1971 ، المعدل بموجب التعديل الدستوري رقم 01 لسنة 1996 الصادر بتاريخ 02 ديسمبر 1996.
[44]) دستور دولة قطر الصادر بموجب الاستفتاء الشعبي الذي جرى في 29 أبريل 2003.
[45]) دستور دولة الكويت الصادر في 11 أكتوبر 1962.
[46]) من مؤيدي هذا الاتجاه : الأستاذ شارل روسو والفقيه البلجيكي مورس بوركان والفقيه الألماني كارل ستراب.
[47]) عبد الكريم علوان ، الوسيط في القانون الدولي العام ، المبادىء العامة ، المرجع السابق ، ص 273.
[48]) محمد المجذوب ، القانون العام ، المرجع السابق ، ص 521.
[49]) من مؤيدي هذا الاتجاه لاباند La Band وبتنير Bittner في ألمانيا ، وفيتز مورس Fitz Maurice.
[50]) أحمد سرحال، المرجع السابق ،ص75.
عبد الكريم علوان ، الوسيط في القانون الدولي العام ، المبلدئ العامة ، المرجع السابق ، ص272.
[51]) من مؤيدي هذا الاتجاه فقهاء المدرسة الايطالية انزيلوتي Anzilotti وكافاليري Cavaglire وسالفيولي Salvioli.
[52]) محمد المجذوب ، القانون الدولي العام ، المرجع السابق ، ص 520.
[53]) محمد المجذوب ، القانون الدولي العام ، المرجع السابق، ص520.
[54]) من ذلك حكم محكمة العدل الدولية الدائمة في 07 جوان 1932 في قضية المناطق الحرة ، وحكمها في 05 أفريل 1933 في قضية غرينلند الشرقية.
[55]) عبد الكريم علوان ، الوسيط في القانون الدولي العام ، المرجع السابق ، ص 274.
[56]) نصت المادة 63 من دستور سنة 1963 على أنه "يتألف المجلس الدستوري من الرئيس الأول للمحكمة العليا ، ورئيسا الحجرتين المدنية والإدارية في المحكمة العليا وثلاثة نواب يعينهم المجلس الوطني وعضو يعينه رئيس الجمهورية ينتخب أعضاء المجلس الدستوري رئيسهم الذي ليس له صوت مرجح".
[57]) نصت المادة154 من دستور1989 على أنه "يتكون المجلس الدستوري من سبعة أعضاء، اثنان منهم يعينهم رئيس الجمهورية واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني، واثنان تنتخبهما المحكمة العليا من بين أعضائها، وبمجرد انتخابهم أو تعيينهم، يتوقفون عن ممارسة أي عضوية أو أي وظيفة أو تكليف أو مهمة أخرى، يضطلع أعضاء المجلس الدستوري بمهامهم مرة واحدة غير قابلة للتجديد مدتها ستة سنوات.
ويجدد نصف عدد أعضاء المجلس الدستوري كل ثلاث سنوات.
يعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس الدستوري لفترة واحدة مدتها ست سنوات غير قابلة للتجديد".
[58]) مسعود شيهوب، المجلس الدستوري الجزائري ، تشكيلته ووظائفه ، مقال منشور بمجلة النائب ، المجلس الشعبي الوطني، الجزائر، العدد 04، سنة 2004، ص 09 وما يليها.
طه طيار، المجلس الدستوري الجزائري تقديم وحوصلة لتجربة قصيرة، مقال بمجلة إدارة، المدرسة الوطنية للإدارة، الجزائر، العدد 02، 1996، ص 44.
W.LAGGOUNE:la conception du contrôle de constitutionalité en Algérie, Revue de l’Ecole National d’Administration, N:02, 1996, P 07 et s.
[59]) النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري لسنة 2000، ج ر 48 سنة 2000، ص 27، 32.
[60]) تنص المادة 155/1 على أنه "يفصل المجلس الدستوري بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور ، في دستورية المعاهدات والقوانين ،والتنظيمات إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة العكسية".
[61]) القرار رقم 01 المؤرخ في 20 أوت 1989 المتعلق بقانون الانتخابات ، جريدة رسمية 36 ،سنة 1989، ص 1049 ، 1052.
[62]) نصت المادة 166 من دستور 1996 على أنه "يخطر رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة المجلس الدستوري".
[63]) وهي المواد 61 ، 62 ، 82 ،83، 84 ، 91 ، 108 ، 109 ، 110 ، 111.
[64]) قانون رقم 89/13 المؤرخ في 07 أوت 1989 المتعلق بقابلية الانتخاب للمجلس الشعبي ،ج ر 32 ،سنة 1989.
[65]) جبار عبد المجيد ، تأملات حول قرار المجلس الدستوري الأول ، فيما يتعلق ببعض القضايا المرتبطة بالمعاهدات الدولية ، مقال بالمجلة الجزائرية للعلوم القانونية والسياسية ، العدد 01 ، 1996 ، ص 166.
[66]) بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89/67 المؤرخ في 16 ماي 1989 ، والمتضمن الانضمام إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري المتعلق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الموافق عليها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 16 ديسمبر 1966 ، ج ر 20 ، سنة 1989 ، ص 531 .(النص وارد ضمن ج ر عدد 11 لسنة 1997 ، ص 16).
[67]) بموجب المرسوم رقم 87/37 المؤرخ في 03 فبراير 1987 المتضمن المصادقة على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ، الموافق عليه في نيروبي سنة 1981 ، ج ر عدد 06 سنة 1987 ، ص 193 إلى 203.
[68]( Y.Chaouche Bachir: le conseil constitutionnel en Algérie, O.P.U, Alger 1999, P 15.
وقد أكد المجلس الدستوري ذلك أيضا بقراره رقم 01 ، م د 95 ، المؤرخ في 06 أوت1995 والمتعلق بدستورية البند السادس من المادة 108 من قانون الانتخابات ، ج ر 43 المؤرخة في 08 أوت 1995 ، ص 19.
الخير قشي ، المرجع السابق ، ص 272.
[69]) جبار عبد المجيد ، المرجع السابق ، ص 154.
[70]) الخيرقشي ، المرجع السابق ، ص276 و277
[71]) نفس المرجع ، ص278
[72]( O.Bendourou: Le conseil constitutionnel Algérien, in RDP 1991/6, PP 1615, 1640.
O.Bendourou : Le conseil constitutionnel Algérien du 28 février 1989, in RDP 1989, PP1326, 1328.
مشار إليهما ضمن مرجع :بوغزالة محمد ناصر ، التنازع بين المعاهدة الثنائية والقانون في المجال الداخلي ، المرجع السابق 336.
[73]) بوغزالة محمد ناصر ، التنازع بين المعاهدة الثنائية والقانون في المجال الداخلي، المرجع السابق ، ص338 ومايليها.
[74]) أوصديق فوزي ، الوافي في شرح القانون الدستوري ، الجزء الثاني ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 1994 ، ص 280 .
الخيرقشي ، المرجع السابق ، ص 277 .
[75]) بوغزالة محمد ناصر ، التنازع بين المعاهدة الثنائية والقانون في المجال الداخلي ، المرجع السابق ، ص338 ومايليها.
الخيرقشي ، المرجع السابق ، ص279 و280.
[76]) صادقت عليها الجزائر سنة 1992 ، جريدة رسمية رقم91 لسنة 1992، صفحة 2318.
[77]) الأمر رقم 01/02 المؤرخ في 20 أوت 2001 المتضمن تأسيس تعريفة جمركية جديدة (ج ر عدد 47 لسنة 2001 ، ص 3) صدر تطبيقا للقانون 91/09 المؤرخ في 27 أبريل 1991 والمتضمن الموافقة على الاتفاقية الدولية حول النظام المنسق لتعيين وترميز البضائع المحررة ببروكسل سنة 1983.