اختصاص المحاكم العسكرية
مخطط: تمهيد:
1- بالنسبة للاختصاص المحلي.
2- بالنسبة للاختصاص النوعي.
3- بالنسبة للدعوى المدنية التبعية.
4- اجتهاد للمحكمة العليا حول الدعوى المدنية التبعية أثار التباسا.
تمهيد:
الاختصاص هو من الشروط الشكلية للدعوى، وهو شرط من النظام العام، أي لا يمكن اتفاق الأطراف على مخالفته، فهو موضوع لحسن سير العدالة، وهو يعني المجال الذي يسمح للمحكمة في نطاقه أن تنظر الدعوى بأن تكون مَختصة بها محليا ونوعيا، فهو إن صح التعبير معبر أو جسر يمر منه الاتهام أو الدعوى، فلا يسمح للمحكمة أن تفصل في الدعوى إلا إذا مرت عبر المعبر الصحيح محليا ونوعيا.
1- بالنسبة للاختصاص المحلي:
أي النطاق الجغرافي الذي تمارس فيه المحكمة العسكرية اختصاصها، وقد رأينا الاختصاص مرتبطا بالنواحي العسكرية (راجع المرسوم رقم 84-358 مؤرخ في 5 ربيع الأول عام 1405 الموافق 28 نوفمبر سنة 1984 يتضمن إعادة التنظيم الإقليمي للنواحي العسكرية)، وطبقا للمادة 4 من قانون القضاء العسكري (يشار إليه لاحقا ق.ق.ع):"يمتد اختصاص المحاكم العسكرية لكامل الناحية العسكرية التي يوجد بها مقر المحكمة بغض النظر عن مساحتها أو عدد الأفراد أو الوحدات".
أما معيار الاختصاص فقد جاء في المادة 30 ق.ق.ع، ويمكن تلخيصها في الآتي:
- تختص المحكمة العسكرية إذا كانت الجريمة مرتكبة على إقليمها، أي أن يقع الجرم في دائرة اختصاصها؛
- تختص إذا تم توقيف المتهم أو المتهمين في دائرة اختصاصها؛
- تختص إذا كان المتهم أو المتهمون يتبعون وحدة خاضعة لاختصاصها؛
- في حالة التنازع يعود الاختصاص للمحكمة التي وقع الجرم بدائرة اختصاصها؛ وهو أفضل الضوابط التي اختارتها القوانين المقارنة؛
- إن الاختصاص يختلف عندما يكون المتهم نقيبا أو ذا رتبة أعلى، فوزير الدفاع الوطني يعين محكمة لا تكون هي المحكمة التي يتبعا في العادة المتهم أو المتهمون، إلا في حالة الاستحالة المادية لذلك كأن يكون المتهمون تابعين لكل النواحي العسكرية؛ وهذا يعبر عنه بامتياز التقاضي، مثلما هو الحال بالنسبة للوزراء وغيرهم.
- إن الاختصاص بالنسبة لموظفي السفن المحروسة يعود للمحكمة التي يحال إليها موظفو سفينة الحراسة طبقا للمادة 31 ق.ق.ع؛
- إن الاختصاص عندما يتعلق الأمر بأجنبي عن الجيش (في حالة الجرائم التي ينص على وقوعها من الأجانب عن الجيش) أو محرر من التزاماته العسكرية قبل الشروع في الملاحقات يتحدد بمكان إقامة المتهم طبقا للمادتين: 34 و 35 ق.ق.ع؛
- بالنسبة للمعتقلين في دائرة اختصاص محكمة عسكرية تنظر هذه الأخيرة فيما يرتكبون من جرائم طبقا للمادة 36 ق.ق.ع؛
- طبقا للمادة 280 ق.ق.ع فإن حالات تنازع الاختصاص بين القضاء العام والقضاء العسكري أو بين جهتين للقضاء العسكري تحل عن طريق عريضة توجه من المحكمة العسكرية إلى المحكمة العليا تثير فيها الإشكال، وتحل الأخيرة الإشكال طبقا للمادة 545 ق.إ.ج، وهذا الحل أي إسناد الفصل في تنازع الاختصاص للمحكمة العليا يوافق الحل الذي كان يأخذ به التشريع الفرنسي، وطبقا للمبادئ القضائية في كل من الجزائر وفرنسا فإن القضاء سواء منه العادي أو العسكري ليس له أن يتنازل عن الاختصاص، وإنما يحل تنازع الاختصاص عن طريق المحكمة العليا، أما القانون المصري فهو يسمح للقضاء العسكري وحده أن يقبل الاختصاص أو يتنازل عنه دون أن ينازعه أحد.
قضية (1): ألقت الشرطة على (أ) وفي حيازته كمية من المخدرات، وصرح (أ) بأن البضاعة سلمت له من (ب) وهو عسكري أحضرها بمساعدة (ج) و(د)، تم فتح تحقيق ضد (ب) و(ج) فقط، انتهى بصدور أمر بإحالتهما إلى محكمة الجنح بتهمة الاتجار في المخدرات، والتي قضت بعدم اختصاصها على أساس أن أحد المتهمين عسكري وارتكب الوقائع في الخدمة، ولما أرسل ملف القضية إلى المحكمة العسكرية فإن نيابة هذه المحكمة قررت متابعة (ج) و(د)، ولما عرضت القضية على المحكمة صرحت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، قدم النائب العام لدى المجلس التابعة إليه محكمة الجنح طلبا إلى المحكمة العليا ملتمسا فيه الفصل في تنازع الاختصاص السلبي مع العلم أن الحكمين الصادرين كلاهما قد اكتسبا قوة الشيء المقضي به لعدم وقوع طعن فيهما، فماذا سيكون موقف المحكمة العليا؟
جواب: هذه القضية نظرت بالفعل أمام المحكمة العليا، وأصدرت فيها قرارها رقم 34620 بتاريخ 24/05/1983، وقد قررت المحكمة العليا أنه من المقرر قانونا أنه ينشأ عن صدور حكمين نهائيين من محكمة الجنح والمحكمة العسكرية الدائمة بعدم اختصاص كل منهما بنظر الدعوى تنازع في الاختصاص يمنع السير في الدعوى، ولعدم وجود هيئة عليا مشتركة بين الجهتين المذكورتين حسب التدرج في السلك القضائي فإن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى (المحكمة العليا) هي المختصة بالفصل في هذا التنازع وفقا للقانون، ولكن لما تبين أن النيابة العامة العسكرية لم تفصل في التهمة الموجهة من طرف قاضي التحقيق بالمحكمة العادية إلى (ب) الذي هو عسكري مما يجعل أنها لم تستنفذ ولايتها في الدعوى وكان لذلك حكمها باطلا، وعليه قضت المكمة العليا بإبطال الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة وبإحالة القضية وجميع الأطراف أي (أ،وب، وج، ود) إلى محكمة عسكرية دائمة غير الأولى للفصل فيها من جديد طبقا للقانون.
قضية (2): أدين (أ) وهو عسكري برتبة رائد من طرف المحكمة العسكرية الدائمة للبليدة التي يتبعها بتهمة مخالفة التعليمات العسكرية، وقد طعن (أ) بالنقض في حكم المحكمة العسكرية بناء على أن قانون القضاء العسكري في مادته 30 ق.ق.ع ينص على أنه عندما يكون المتهم بدرجة نقيب فأعلى يعين وزي الدفاع الوطني المحكمة العسكرية المختصة والتي لا تكون محكمة الناحية العسكرية التي يتبعها المتهم أو المتهمون، فماذا سيكون موقف المحكمة العليا؟
جواب: هذه القضية نظرت بالفعل أمام المحكمة العليا، وأصدرت فيها قرارها رقم 41772 بتاريخ 21/11/2007، وقد قررت المحكمة العليا أنه من المقرر قانونا أنه لا تكون المحكمة العسكرية التابع لها المتهم بدرجة نقيب فأعلى مختصة بالفصل في الجريمة المنسوبة إليه، وأن وزير الدفاع هو من يعين المحكمة المختصة، وحيث أن ما ذكره الطاعن وجيه إذ أن امتياز التقاضي من النظام العام لا تجوز مخالفته، وبما أن الطاعن له رتبة رائد وكان يعمل بإقليم الناحية العسكرية الأولى فإن المحكمة العسكرية بالبليدة غير مختصة لمحاكمته عن الأفعال المنسوبة إليه، وعليه يتعين نقض وإبطال الحكم المطعون فيه وإحالة القضية والأطراف أمام المحكمة العسكرية بقسنطينة للفصل فيها مجددا.
2- بالنسبة للاختصاص النوعي:
كرست المادة 3 ق.ق.ع معيارا شخصيا عاما بمقتضاه تعتبر من اختصاص المحاكم العسكرية الجرائم المرتكبة من العسكريين التابعين لمختلف الأسلحة والمصالح العسكرية والأفراد المماثلين لهم.
هذا المعيار في الحقيقة غير كاف لأن المادة 25 من نفس القانون تسلك مسلكا مخالفا، وهو ما أكدته المحكمة العليا أيضا في قرار لها بتاريخ: 08/01/1991 حيث جاء فيه:" إن صفة العسكري وحدها لا تخول الاختصاص للمحكمة العسكرية إذا كانت الجريمة المرتكبة عادية وكان اقترافها قد وقع خارج المؤسسة أو الخدمة العسكرية "، وجاء في قرار أخرى لنفس المحكمة صادر عن الغرفة الجنائية الأولى بتاريخ: 23/11/1982 ما يلي:" " إن صفة العسكري لا تكفي وحدها لجعل الجريمة العادية من اختصاص المحكمة العسكرية بل لا بد من توافر أحد الشروط المقررة بالمادة 25 الفقرة الأولى من قانون القضاء العسكري، و هي أن تقع الجريمة داخل المؤسسة العسكرية أو في الخدمة أو لدى المضيف .وبناء على ذلك، إذا ثبت أن السرقات التي ارتكبها المتهم لم تقع ضمن الشروط المذكورة و قضت المحكمة العسكرية بعدم اختصاصها فإن حكمها هذا يكون مطابقا للقانون".
فهناك إذن معايير أخرى استند إليها قرار المحكمة العليا، وهي التي جاءت بها المادة 25 ق.ق.ع والتي تتمثل بالأساس في المعيار الموضوعي الذي يستند إلى الأفعال المرتكبة ذاتها، ومكان ارتكابها، أو ظروف ارتكابها.
أ- الأخذ بالمعيار الشخصي بمفرده: في الحقيقة أن المعيار الشخصي يعد كافيا لوحدة لاختصاص القضاء العسكري، وذلك في حالة الحصار أو حالة الطوارئ تطبيقا لنص المادة 40/2 ق.ق.ع؛ ويراد بالعسكريين ما جاءت به المادة 26 ق.ق.ع الأشخاص القائمون بالخدمة أو المعدودون في حالة حضور أو استيداع أو غياب نظامي خلال مدة العفو السابقة للفرار، أو الأشخاص غير القائمين بالخدمة وهم باقون تحت تصرف وزارة الدفاع الوطني ويتقاضون الراتب"، أما المماثلون والذين جاء ذكرهم في المادة 3 ق.ق.ع فهم قد يكونون أشخاصا مدنيين يعملون بجانب العسكريين ويتقاضون راتبهم من وزارة الدفاع الوطني رغم عدم خضوعهم لنظام الخدمة في الجيش، أو عسكريون في وضعية خارج الخدمة الفعلية، لكنه يظلون تابعين لوزارة الدفاع الوطني، ولا يدخل ضمن قائمة المماثلين ، أفراد الأسلاك شبه العسكرية مثل عناصر الشرطة والجمارك رغم تقراب أساليب الانضباط لدى هذه الهيئات بالمقارنة مع ما هو معمول به تجاه العسكريين.
وقد أضيف بموجب المادتين 27 و28 ق.ق.ع طائفة أخرى تتضمن أشخاصا يأخذون حكم العسكريين دو نأن يرد ذكرهم في المادة 26 ق.ق.ع، والفرق بين هؤلاء يكمن في الوضعية المهنية لكل منهم، فالعسكريون والمماثلون لهم المشار إليهم في المادة 26 يوجدون ضمن قائمة مستخدمي وزارة الدفاع الوطني وفقا للتشريع المعمول به، بينما يعود انتساب من جاء ذكرهم في المادتين المذكورتين إلى الجيش لأسباب عرضية مثلما هو الشأن بالنسبة للمتطوعين والمعفيين من الخدمة والمطرودين من الجيش.
ب-ارتكاب عسكري لفعل مجرم أثناء الخدمة، وعبارة أثناء الخدمة تفيد –حسب الفقه والقضاء-ارتكاب الفعل المجرم أثناء تنفيذ أمر صادر من السلطة التدرجية، ومثالهم: العسكريون المتمركزون بشكل مستقر على قارعة الطريق من أجل دعم وحدات الشرطة مثلا، فهؤلاء لا يبرر تواجدهم خارج موقعهم الطبيعي في المؤسسات العسكرية إلا أمر صادر عن السلطة التدرجية وإن طال مقامهم. ويأخذ حكمهم أيضا العسكريون الذين يتلقون أوامر بالتوجه إلى نقطة ما ولو بصورة عرضية، فلا يثبت بالتالي عنصر الخدمة ما لم يكن العسكري في موضع المتلقي للأمر، فمتى تحقق ذلك عاد الاختصاص للمحاكم العسكرية.
إذن فكلما ارتكبت جريمة من طرف عسكري أو مماثل له أثناء الخدمة بالمفهوم المذكور فإن اختصاص النظر فيها يعود للقضاء العسكري، سواء تعلق الأمر بجناية أو جنحة أو مخالفة ذات طابع عسكري محض، أو تلك المنصوص عليها في القانون العام، ومثاله: الجندي الذي يضبط في حالة سكر أثناء قيادته لعربة عسكرية بموجب أمر بمهمة، فيكون عرضة للمتابعة أما م القضاء العسكري، وذلك رغم أن الجريمة المرتكبة هي السياقة في حالة سكر والمعاقب عليها بموجب قانون المرور وليس لها أي طابع عسكري.
كما لا يختلف الوضع بالنسبة لاختصاص المحاكم العسكرية إن كان العسكري أو المماثل له فاعلا لجرم أو ضحية له، فمعيار الخدمة يمتد ليشمل الفرضيتين، وهذا ما سبق أن فصلت فيه المحكمة العليا في قرار لها بتاريخ 25/01/2000، وذلك بمناسبة النظر في طعن بالنقض حول تنازع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء العسكري نتيجة كون العسكري توفي أثناء الوظيفة، وجاء فيه:" إن الجرائم المرتكبة من طرف عسكريين ضد عسكريين أو مدنيين ضد عسكريين إذا وقعت بسبب الوظيفة فإنها تخرج عن اختصاص القضاء العادي وأن القرار المطعون فيه لما صرح بعدم الاختصاص النوعي بسبب صفة المجني عليه كعسكري ووقوع الجريمة أثناء الخدمة يمنع القاضي العادي من التحقيق في ظروف الوفاة.
وبهذا القضاء من المحكمة العليا يمكن القول أن القضاء العسكري قد بسط ولايته الكاملة على القضايا الجزائية المرتكبة أثناء الخدمة.
قضية: ارتكب (س) وهو عسكري، وأثناء قيامه بمهمة عسكرية جريمة قتل وجرح خطأ، وتمت متابعته أمام القضاء العادي وإدانته، ولدى متابعته أمام المحكمة العسكرية تبين للمحكمة أن القضية منظورة أمام القضاء العادي، فطلبت المحكمة العسكرية من المحكمة العادية التخلي عن القضية إلا أن هذه الأخيرة كانت قد فصلت فيها، بل أن المجلس القضائي صادق على الحكم بعد الاستئناف أيضا، ورفعت النيابة العامة لدى المحكمة العليا طعنا لصالح القانون تنفيذا لتعلميات وزير العدل طالبة نقض الحكم الصادر عن غرفة الاستئناف الجزائية وإحالة القضية إلى المحكمة العسكرية، فماذا سيكون موقف المحكمة العليا؟
جواب: هذه القضية نظرت بالفعل أمام المحكمة العليا، وأصدرت فيها قرارها رقم 23007 بتاريخ 17/04/1984، وقد قررت المحكمة العليا أنه إذا كان مؤدى حكم المادة 25 ق.ق.ع هو أن المحكمة العسكرية تختص بمحاكمة الفاعل الأصلي للجريمة متى كانت مرتكبة من عسكري في إطار الخدمة أو ضمن مؤسسات عسكرية فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون ويستوجب إبطاله لصدوره من جهة غير مختصة قانونا، وعليه فمتى طعن لصالح القانون ضد الحكم المطعون فيه وفقا للمادة 530 الفقرة 3 ق.إ.ج فإن ذلك يؤدي إلى البطلان لا إلى النقض كما أن المحكوم عليه يستفيد من هذا البطلان، وعليه يستوجب إبطال حكم محكمة الجنح وقرار المجلس بدون إحالة.
ج- وقوع الجريمة داخل مؤسسة عسكرية: ويقصد بالمؤسسة العسكرية في مفهوم قانون القضاء العسكري كل بناية موضوعة تحت تصرف الجيش لأجل القيام بمهامه بغض النظر عن طريقة الاستعمال، فقد تأخذ شكل مكاتب إدارية كمقر النواحي العسكرية، أو مقر القيادات أو المديريات الجهوية، وقد تستعمل للتدريب والتأهيل مثل مراكز التكوين والمدارس العسكرية، كما قد تأخذ شكل المؤسسات الخدماتية كالمستشفيات وقد تكون مهيأة للصناعة الحربية ؛ فكل هذه المواقع على اختلاف ما أعدت له تخضع للنظام العسكري، وبالتالي تختص المحاكم العسكرية بالنظر في كل الجرائم المرتكبة بداخلها سواء تلك المنصوص عليها في قانون القضاء العسكري أو في القانون العام.
والسفن البحرية أيضا تأخذ حكم المؤسسة العسكرية وفقا للمادة 29 ق.ق.ع، وكذلك الطائرات العسكرية والمنشآت المحدثة بصفة نهائية أو مؤقتة والمستعملة من طرف الجيش لتحط بها الفيالق المتنقلة والأرضيات المهيأة لاستقبال السفن والطائرات الحربية؛ بينما يستثنى من مجال اختصاص القضاء العسكري الأحياء السكنية الموضوعة تحت تصرف وزارة الدفاع الوطني والمتواجدة خارج أسوار الوحدات العسكرية.
فالجرائم المرتكبة داخل المؤسسات العسكرية المذكورة كلها تخضع بقوة القانون لاختصاص المحاكم العسكرية، وذلك مهما كانت طبيعتها، أو صفة مرتكبها (عسكريا أم مدنيا، أو الحالة التي يكون عليها الفاعل (في الخدمة أو خلال فترات الراحة أو التوقيف).
قضية: على إثر شجار مع موظفي شركة التأمين وتدخل قوات الدرك الوطني وداخل ثكنتهم قام المساعد الأول (أ) بإهانة رجال الدرك وسبهم بعد أن سبق له إهانة وسب موظفي شركة التأمين، ولدى عرض القضية على المحكمة العسكرية الدائمة قضت الأخيرة بعدم الاختصاص، وقد رفع وكيل الجمهورية العسكري طعنا بالنقض ضد هذا الحكم، فماذا سيكون موقف المحكمة العليا؟
جواب: هذه القضية نظرت بالفعل أمام المحكمة العليا، وأصدرت فيها قرارها رقم 56137 بتاريخ 19/05/1987، وقد قررت المحكمة العليا أنه من المقرر قانونا الجريمة التي يرتكبها عسكري داخل مؤسسة عسكرية تدخل في اختصاص المحكمة العسكرية، ومن المقرر أيضا أن تعدد الجرائم المرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة والصادرة من متهم واحد يقتضي ضمها وإحالتها على جهة قضائية واحدة، ولما كان من الثابت في قضية الحال أن المتهم قام بأفعال السب والإهانة بادئ الأمر بمقر شركة التأمين ثم تواصلت بمقر فرقة الدرك الوطني الذي هو بمثابة مؤسسة عسكرية، وأن هذه الجريمة بالتالي ارتكبها عسكري داخل مؤسسة عسكرية فهي تدخل في اختصاص المحكمة العسكرية، وحيث أنها أيضا مرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة مع أفعال السب والإهانة المرتكبة على مستوى شركة التأمين، وأن حسن سير العدالة يقتضي ضم الأفعال كلها وإحالة المتهم (أ) على جهة واحدة، ولما كانت المحكمة العسكرية قد قضت بعدم الاختصاص فهي بذلك أخطأت في تطبيق القانون، ومتى كان ذلك استوجب نقض الحكم المطعون فيه.
د-ارتكاب الجريمة لدى المضيف، والمضيف هو كل شخص طبيعي أو معنوي من غير العسكريين، يستوي في ذلك أشخاص القانون العام والخاص، حيث يسخر ما في حيازتهم لإيواء عسكريين بمناسبة ظروف معينة أو لأجل القيام بمهمة رسمية، إذ يجبر صاحب الموقع أو مسيره على استقبالهم وتجنب مزاحمتهم على الأما كن. فإذا ما ارتكبت جريمة لدى المضيف مهما كانت طبيعتها عاد الاختصاص للقضاء العسكري؛ ومن أمثلة المضيف، تواجد فصيلة من قوات الجيش داخل حرم الجامعة أو المدرسة أو ملعب رياضي أو مسكن مواطن غير مأهول، تحسبا لوقوع أعمال شغب أو للرد على أعمال إرهابية في تلك المنطقة. إذ كلما دعت الضرورة لتواجد قوات مسلحة في مكان معين ليست به مؤسسة عسكرية تقوم هذه ا لقوات باستعمال المنشأة المعدة لأغراض مدنية من أجل إقامة عناصرها وتمركزهم، ويأخذ حكم المضيف أيضا المكاتب الموضوعة تحت تصرف العسكريين المكلفين بالأمن لدى المصالح الإدارية للدولة.
ولا يكون مضيفا بالمعنى المقصود في نص المادة 25 ق.ق.ع صاحب موقع تقاضى أجرا مقابل تسليمه لإدارة الجيش، فقد اعتبر المشرع الجرائم المرتكبة لدى المضيف من الجرائم العسكرية، وأخرجها بالتالي من اختصاص قضاء القانون العام وذلك استنادا إلى رغبة المشرع في توفير حماية أكثر فعالية للأشخاص الملزمين بقبول الغير ضمن محيط حيازتهم، وأيضا اعتبار ذلك المكان امتداد للمؤسسة العسكرية.
ه-حالة الارتباط، والارتباط هو الصلة التي تجمع عدة جرائم بعضها البعض دون أن تمنع من بقاء كل جريمة حينما تكون الأفعال غير مستقلة عن الأخرى، ونميز بين حالة عدم التجزئة حينما تكون الأفعال غير قابلة للتجزئة مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا إلى درجة تجعل منها تشكل جريمة واحدة. أما الارتباط فهو الصلة التي تجمع عدة جرائم ببعضها دون أن تمنع استقلال كل منها عن الأخرى، ويترتب على كل من الارتباط وعدم التجزئة ضم الدعاوى وبالتالي امتداد الاختصاص بالنسبة للنوع أو المكان إذا كانت الجرائم بسبب الزمن أو الأمكنة التي ارتكبت فيها من اختصاص محاكم مختلفة أو نتيجة علاقة سببية أو تسهيل الواحدة للأخرى، ويتحقق هذا الأثر ليس في مرحلة الحكم فحسب بل خلال التحقيق أيضا، والفائدة من الضم ترجع إلى تمكين القاضي من الإحاطة بجميع الوقائع المرتبطة ببعضها ومنع تضارب الأحكام وتوفير الوقت والمصاريف.
وقد وردت حالات الارتباط في المادة 188 من قانون الإجراءات الجزائية، وجاءت ضمن أربع حالات تكون فيها الجرائم مرتبطة من بينها: أن ترتكب هذه الجرائم في وقت واحد من عدة أشخاص مجتمعين، نتيجة الارتباط الوثيق بين جريمتين، ويفترض لقيام هذه الحالة عدم إمكانية التجزئة أو الفصل بين الجرائم نتيجة الارتباط الوثيق بين جريمتين أو أكثر بحيث لا يمكن فهم الواقعة من دون بقية الوقائع كأن يقوم الفاعل بتزوير محررات لأجل النصب أو ارتكاب مجموعة جرائم من أجل تحقيق غرض واحد كسرقة الضحية ثم قتلها وتحطيم منزلها بغرض تضليل التحقيق، فيترتب على وجود هذه الحالة أنه إذا كانت الجريمة الأصلية من اختصاص المحاكم العسكرية لكن وقوعها مرتبط بجرائم للقانون العام عاد الاختصاص للقضاء العسكري، وفي قرار للمحكمة العليا اعتبرت هذه الأخيرة مطابقا للقانون حكم المحكمة العسكرية الفاصل في جرائم مرتبطة ارتكبها نفس المتهمين وكانت الجريمة الرئيسية تدخل في اختصاص المحاكم العسكرية.
و-حالة الطوارئ، وهي الحالة القانونية التي تكون عليها الدولة في ظروف غير مألوفة تدفع بالسلطة إلى اتخاذ إجراءات استثنائية مناسبة لمواجهة الوضع الطارئ دون أن يمس ذلك بمبدأ الفصل بين السلطات أو يؤدي إلى تعليق العمل بالدستور، فالمادة 91 من الدستور تنص على:" يقرر رئيس الجمهورية إذا دعت الضرورة الملحة حالة الطوارئ أو الحصار لمدة معينة بعد اجتماع المجلس الأعلى للأمن واستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس مجلس الأمة، ورئيس الحكومة، ورئيس المجلس الدستوري، ويتخذ كل التّدابير اللازمة لاستتباب الوضع "، فحالة الطوارئ ليست بالوضعية العادية التي يكون فيها حكم الدولة نافذا أو ينعم فيها المواطنون بالأمن والاستقرار، و لا ترقى كذلك إلى درجة حالة الحرب التي يجمد فيها الدستور وما يتبع ذلك من انحصار للحريات وتراجع في الحقوق عملا بنص المادة 96 من الدستور، فإذا ما قامت ضرورة تفرض على السلطة الخروج على المبادئ المعتادة عن طريق ممارسة بعض الإجراءات التي تمكنها من مواجهة الظروف الطارئة، يجب أن يكون ثمة تناسب بين حجم الصلاحيات الممنوحة للهيئات العامة و بين متطلبات الظروف الطارئة .
إن الاختصاص النوعي للمحاكم العسكرية في مثل هذه الأوضاع لا يستند إلى صفة الفاعل ولا على ظروف ارتكاب الجريمة، وإنما يؤسس على مدى ما يلحقه الفعل من ضرر بالنظام العام، ويستوي في ذلك أن يكون مرجع التجريم قانون العقوبات أو قانون القضاء العسكري أو أي قانون آخر.
وبالرجوع إلى حالة الطوارئ التي عرفتها الجزائر في وقت أزمتها، وبالتحديد إلى المرسوم الرئاسي المتضمن إعلان حالة الطوارئ وكذا المرسوم التشريعي المتضمن تمديد فترة حالة الطوارئ المعلنة سنجد أن من أهم الإجراءات التي أقرها ما يلي:
-1 منح وزير الداخلية و الجماعات المحلية صلاحية تقرير وضع الأشخاص الذين يقومون بنشاطات تحتمل الإضرار بالنظام العام، في مرا كز أمن لمدة غير محددة و دون الحاجة إلى حكم قضائي؛
-2 منح والي الولاية صلاحية الأمر بالتفتيش ليلا أو نهارا؛
-3 تمكين المحاكم العسكرية من النظر في كافة الجنايات و الجنح الخطيرة الماسة بأمن الدولة ت صفة مرتكبها أو الشريك أو المحرض.
وفي الحقيقة فهذا النص في فقرته الثالثة التي تعنينا لا حاجة إليه مادام أن قانون القضاء العسكري قد نص في الفقرة 2 من المادة 40 على هذا الحكم:" أما في زمن السلم، وفي حالة إعلان الحكم العرفي أو حالة الطوارئ، فيمتد اختصاص المحاكم العسكرية الدائمة على جميع أنواع الجرائم المرتكبة من المتقاضين المبينين في المواد 26 و27 و 28 مع مراعاة أحكام الفقرة 3 من المادة 25.
ز-اختصاص القضاء العسكري بناء على وصف الجريمة (نوعها)
بالإضافة إلى المعايير المختلفة التي رأينها فهناك معيار آخر يتحدد به اختصاص المحاكم العسكرية، عملا بنص الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 25ق.ق.ع، وهو نوع الجريمة المرتكبة، ويتعلق الأمر أساسا بنوعين من الجرائم:
النوع الأول: يشمل الجرائم الوارد ذكرها في الكتاب الثالث من قانون القضاء العسكري، وهي عبارة عن جرائم عسكرية محضة يمكن أن يرتكبها إلا من كان منتميا لعناصر الجيش أو المماثلين لهم .
النوع الثاني: الجرائم الماسة بأمن الدولة متى تجاوزت مدة العقوبة المقررة لها خمس سنوات حبسا.
الجرائم العسكرية المحضة، يقصد بها تلك الجرائم المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة 25 ق.ق.، وهي مخالفات من ذلك النوع الذي يتعارض مع نظام الخدمة في الجيش كالعصيان والفرار والتمرد العسكري ورفض الطاعة والفرار أو الفرار أمام العدو والتشويه المتعمد و الاستسلام و مخالفة التعليمات العسكرية، فكلما ارتكبت جريمة عسكرية محضة عاد الاختصاص للمحاكم العسكرية، وذلك عملا بالنص الصريح للفقرة الأولى :" تنظر المحاكم العسكرية الدائمة في المخالفات الخاصة بالنظام العسكري والمنصوص عليها في الكتاب الثالث الوارد بعده . فيحال إليها كل فاعل أصلي للجريمة وكل مشترك آخر وكل شريك في الجريمة، سواء كان عسكريا أم لا".
وقد جاء التأكيد على هذا من خلال قرار صادر عن الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا مؤرخ في 24/01/1984 حيث اعتبرت الجرائم ذات الطابع العسكري المحض هي من اختصاص المحاكم العسكرية. إلا أن مثل هذا النص يجعلنا نفترض أن مثل هذه الجرائم ترتكب في العادة من طرف عسكريين، وبالتالي فهو أقرب إلى المعيار الشخصي، ولكن هذا الافتراض غير سليم دائما، فليس هناك ما يمنع من اشتراك المدنيين مع العسكريين في ارتكاب هذه الجرائم، كالتحريض على الفرار أو إخفاء الفار، ولكن يبقى أن الأصل في هذه الجرائم هو وجود طرف عسكري، ومن ثمة يبقى رجحان كفة ارتكاب عسكري أو مماثل له للجرائم الواردة في الكتاب الثالث من قانون القضاء العسكري أفضل معيار للقول فيما إذا كان الأمر يتعلق بجريمة ذات طابع عسكري أم لا.
هذا يعني أن خطورة الفعل لا تصلح معيارا لاعتبار الجريمة ذات طابع عسكري فهناك العديد من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، لكنها لا تعتبر جرائم عسكرية، وتبقى من اختصاص جهات القانون العام، ولا تخضع لاختصاص المحاكم العسكرية إلا على أساس الارتباط بين الجرائم الذي سبق شرحه، ومن أمثلة ذلك جنايات المساهمة في حركات التمرد (المادة 88 إلى 90 من قانون العقوبات).
الجرائم الماسة بأمن الدولة، لم يرد أي تعريف دقيق أو وصف موحد بشأن المقصود بجرائم أمن الدولة في أي من النصوص التي تضمنت هذه الطائفة من الجرائم ، غير أن الفقه والقضاء يكاد يتفق على أن جرائم أمن الدولة هي جرائم سياسية، لكن هذا تعريف بغير معرف، وعلى الرغم من كثرة النصوص الصادرة في شأن الأفعال الموصوفة بالجرائم الماسة بأمن الدولة لم يحاول المشرع تحديد المقصود بأمن الدولة واكتفى بالنص عليها، مما أحدث تضاربا حول الأفعال التي يمكن اعتبارها حقيقة ماسة بأمن الدولة، فتارة يكون الأمن بمفهوم السكينة هو المستهدف من خلال ما يرتكب من أفعال يكون الغرض منها التوصل إلى فقدان المواطن لثقته في سلطان الدولة، وتارة أخرى نجد المرغوب في حمايته هو الاقتصاد الوطني على اعتبار أن المساس بالمصالح الاقتصادية للدولة يعد بمثابة اعتداء عليها، ومرة يقترن أمن الدولة بعدم الإضرار بنظام الحكم.
هكذا إذن يختلف مفهوم أمن الدولة باختلاف الحالات الجديرة بالحماية تبعا للموضوع والظروف التي استدعت التجريم، وقد جاء في قرار صادر عن المحكمة العليا:"تعاقب المادة 71 الفقرة 3 من قانون العقوبات بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة كل من أجرى مع عملاء دولة أجنبية مخابرات من شأنها الإضرار بالمركز العسكري أو الدبلوماسي للجزائر أو بمصالحها الاقتصادية الجوهرية. يستفاد من مراجعة هذا النص ومقارنته بالمواد السابقة والموالية له أن هذه الجريمة تكون جناية ضد أمن الدولة، ويلزم لتوافرها إفشاء الأسرار لدولة أجنبية أو لمن يعملون لصالحها وأن يكون من شأن هذا الإفشاء الإضرار بمركز الجزائر العسكري أو الدبلوماسي أو الاقتصادي. وطبقا لأحكام المادة 25 من قانون القضاء العسكري تختص المحاكم العسكرية بالمتابعة والفصل في هذه الجناية سواء كان مرتكبها عسكريا أم لا، كما يستفاد من الفقرة الثالثة من المادة 25 ق.ق.ع تنص :" وتختص المحاكم العسكرية الدائمة خلافا لأحكام المادة 248 من قانون الإجراءات الجزائية بالفصل في الجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة وفقا للنص الوارد في قانون العقوبات وذلك عندما تزيد عقوبة السجن عن خمس سنوات"، وعندما تكون الجريمة من نوع الجنحة فلا تختص المحاكم العسكرية بها إلا إذا كان الفاعل عسكريا أو مماثلا له .
يتضح مما سبق بأن المشرع أحال اختصاص النظر في الجرائم الماسة بأمن الدولة إلى القضاء العسكري متى تحق أحد الفرضين، أولهما: أن تزيد العقوبة المقررة للفعل المجرم عن 5 سنوات سجنا فيحال عليها أطراف وملف الدعوى بغض النظر عن صفتهم؛ وثانيهما: أن تكون العقوبة أقل من خمس سنوات، فلا تنظر المحكمة العسكرية إلا في الوقائع التي يكون قد ارتكبها عسكري أو مماثل له.
أما في زمن الحرب فيعود الاختصاص بالنسبة لجرائم أمن الدولة إلى القضاء العسكري مهما كان وصف الجريمة أو صفة مرتكبها.
أما الجرائم الإرهابية والتخريبية فمع أن المستقر عليه هو كونها من الجرائم الماسة بأمن الدولة إلا أن قانون الإجراءات الجزائية في المادة 248 قرر بأن محكمة الجنايات هي الجهة القضائية الوحيدة المختصة بالفصل في الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية طبقا للمواد 87 مكرر إلى 87 مكرر 9.
يرى الدكتور بربارة عبد الرحمان في رسالة الدكتوراه التي تعد مرجعا أساسيا لهذه المحاضرات أن منح المحاكم العسكرية اختصاص النظر في القضايا الماسة بأمن الدولة أدى إلى توسيع مجال تدخلها بالنظر إلى كونها جهات قضاء غير عادية ويفترض مبدئيا عدم نظرها إلا في القضايا المرتكبة من طرف عسكريين أثناء الخدمة دون أن يمتد اختصاصها ليشمل مقاضاة المدنيين بمناسبة ارتكابهم لجرائم واردة في التشريعات العامة، مما يشكل تعديا على الاختصاص الموضوعي للقانون العام.
قضية: حكمت المحكمة العسكرية الدائمة على (أ) وهو مدني بالسجن لمدة خمسة عشر عاما لارتكابه الأفعال المنصوص عليها في المادة 71/3 من قانون العقوبات، والتي اعتبرتها المحكمة جناية ضد أمن الدولة، طعن (أ) في الحكم بالنقض أمام المحكمة العليا، وجاء في عريضة النقض أن المتهم ليس عسكريا وأن الجريمة المسندة إليه ليس لها طابع عسكري، وأنه يتوجب التالي إحالة قضيته على المحاكم العادية، فماذا سيكون موقف المحكمة العليا؟
جواب: هذه القضية نظرت بالفعل أمام المحكمة العليا، وأصدرت فيها قرارها رقم 47851 بتاريخ 10/03/1987، وقد قررت المحكمة العليا أن قواعد الاختصاص هي من النظام العام، وأن مخالفتها يترتب عليه البطلان، وحيث يستفاد من المادة 25/3 ق.ق.ع أن المشرع قسم الجرائم ضد أمن الدلوة إلى نوعين:
أولا: جرائم يعاقب عليها القانون لمدة تقل عن خمس سنوات وتختص بالنظر فيها المحاكم العسكرية سواء على شرط أن يكون فاعلها عسكريا أو شبيها بالعسكري؛
ثانيا: جرائم يعاقب عليها القانون بأكثر من خمس سنوات وتختص بالفصل فيها المحاكم العسكرية سواء كان فاعلها عسكريا أم لا.
وحيث أن الجريمة المتابع من أجلها المتهم والمنصوص عليها بالمادة 71/3 ق.ع والمعاقب عليها بالسجن لمدة عشرين سنة فإن هذه الجريمة تختص بالنظر فيها المحاكم العسكرية سواء كان فاعلها عسكريا أم لا، وعليه فالدفع بعدم الاختصاص غير مؤسس ويتعين رفضه.
3- بالنسبة للدعوى المدنية التبعية،
مراجعة:
تنشأ بمجرد ارتكاب أي جريمة دعوى عمومية تحفظ للمجتمع حقه في القصاص وتوقيع العقاب ضد الفاعل، غير أن النشأة لا تعني بالضرورة تحريك الدعوى العمومية كلما ارتكبت جريمة، إنما هو أمر متروك لنظر النيابة العامة بوصفها الطرف القائم عن الحق العام، لها أن تأمر بملاحقة من تعتبره مرتكبا للجريمة وتقديمه للقضاء من أجل توقيع الجزاء عليه عملا بمبدأ ملاءمة المتابعة تنفرد به دون سواها، ويستفاد من خلال قرار صادر عن المحكمة العليا، بأن المقصود من تحريك الدعوى العمومية أو الجزائية، بداية السير فيها ورفعها إلى قاضي التحقيق أو للمحكمة بغية الفصل فيها.
والأصل أن النيابة العامة حرة في تحريك الدعوى العمومية أو عدم تحريكها ما لم ينص القانون صراحة على خلاف ذلك، فبمجرد ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص والمعاقب عليها وفقا للتشريع الجزائي تولد دعوى عمومية سواء كانت الجريمة من الجرائم بالمجتمع بأسره أدون مساس بمصلحة معينة لفرد من الأفراد، أو كانت بالإضافة إلى إضرارها الأكيد بالمجتمع لها ضرر خاص بآحاد الأفراد، فإن كانت الجريمة من هذا النوع الأخير فإن من تعرض حقه أو مركزه القانوني للتعدي ولم يتخذ في شأن الاعتداء أي إجراء يرمي إلى جبر الضرر اعتبر موقفه تنازلا منه عن حقه المدني، وليس مانعا من نشوء الدعوى العمومية أو عائقا أمام النيابة العامة لممارسة صلاحياتها في تحريك الدعوى العمومية لكونها دعوى يراد من ورائها المطالبة بالجزاء عن جريمة وقعت، وذلك ما لم يوجد قيد قانوني يحول دون ذلك.
في الحقيقة أن أغلب الجرائم تتولد عنها بالإضافة إلى الدعوى الجزائية دعوى أخرى تخص بالدرجة الأولى الضحايا من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، وهي التي اصطلح على تسميتها بالدعوى المدنية التبعية، ولها قواعد عديدة، منها أنه يسمح برفعها أمام القضاء الجزائي بدلا من القضاء المدني (م 2 ق.إ.ج)، طبقا لمبدأ تضامن الدعوى المدنية مع الدعوى العمومية، مع احتفاظ كل واحدة منهما باختصاصها وغايتها، فالدعوى الجزائية من اختصاص الدعوى العمومية من حيث مباشرتها (أي إجراءاتها أما تحريكها فتشترك أطراف أخرى معها في التحريك)، والدعوى المدنية تبقى خاضعة لنفس الإجراءات المتبعة أمام القضاء المدني (من حيث التقادم والتنازل والسير ...).
ينبغي التفرقة بين الدعوى المدنية التبعية والطلبات المدنية، فهذه الأخيرة تعني كافة الدعاوى الناشئة عن الجريمة عدا دعوى التعويض، مثال ذلك: دعوى بطلان العقد الناشئة عن جريمة التزوير، ودعوى الحرمان من الإرث الناشئة عن جريمة قتل المورث، ودعوى تعويض ضرر لم ينشأ مباشرة عن الجريمة، ودعوى رجوع المسئول عن الحقوق المدنية على المتهم بما دفعه من تعويض وهكذا، وهذه الطلبات لا تدخل في اختصاص القضاء الجزائي تبعا للدعوى الجنائية؛ أما الأمر برد الأشياء الموضوعة تحت يد القضاء فلا يعد قضاء في موضوع الدعوى المدنية وإنما هو إجراء يؤمر به لمن هو أحق بحيازة الشيء في الظاهر ولا يمنع من عرض النزاع بعد ذلك على المحكمة المدنية.
إن الاعتراف للقاضي الجزائي باختصاصه في الدعوى المدنية متى اقترنت بدعوى جزائية يرجع إلى أسباب ودواعي عديدة أهمها: حسن أداء للعدالة، والقصاص في ظرف زمني معقول، مصلحة المتضرر في إبقاء دعاه أمام القاضي الجزائي، تبسيط الإجراءات واختصارها كي لا يضار الطرف المدني من أحالته مرة ثانية على القضاء المدني بعد الفصل في الشق الجزائي، الاحتكام إلى قناعة واحدة تكون قد ترسخت لدى قاضي الأصل وهو القاضي الجزائي، توفير الوقت والجهد والنفقات، الاستفادة من ميزات الإثبات الجنائية الحرة مع دور القاضي الإيجابي في البحث عن الحقيقة وباستعمال القوة العمومية عكس القاضي المدني الذي له دور سلبي حيادي يتمثل في الفصل بناء على ما قدمه الخصوم.
ليس هذا فحسب فالطرف المدني لم يعد فقط يحصل على هذا الامتياز، بل له امتيازات أخرى أكبر، منها أن له الحق في تحريك الدعوى العمومية، ومزاحمة النيابة العامة في ذلك، عن طريق الادعاء المباشر(م1/2 ق.إ.ج)، أو عن طريق التكليف المباشر بالحضور إلى جلسة المحاكمة(م324و337 مكرر ق.إ.ج)، أو عن طريق الشكوى المصحوبة بالادعاء المدني أمام قاضي التحقيق (م72و73 ق.إ.ج)، وبالنظر إلى هذه الطرق خاصة منها الطريق الثاني نجد أنه لا يقتصر على التحريك بل حتى التكييف والتبليغ ولا يبقى للنيابة العامة سوى تسجيل القضية، بينما يتحمل الطرف المكلف بالحضور كامل المسؤولية بالنسبة لادعائه.
هذا وكما أن للطرف المضرور حق اختيار الطريق الجزائي لنظر دعواه المدنية التبعية فله حق اللجوء إلى قاضيه الطبيعي أي القاضي المدني، فإذا كانت الدعوى المدنية منظورة أمام محاكم الجنح أو الجنايات تفصل فيها طبقا للمادتين 316 و357/2 ق.إ.ج، ولا شك أن ذلك لا يكون إلا إذا كان الضرر المطلوب التعويض عنه ناشئا مباشرة عن الجريمة، ويترتب عن الارتباط بين المدني والجزائي هنا 3 قواعد في غاية الأهمية:
1- أن الجزائي يوقف المدني: وذلك منعا لتضارب الأحكام، ومنعا لتأثر القاضي الجنائي بالحكم المدني، فإذا أخطرت المحكمة الناظرة في دعوى مدنية بأن موضوع النزاع معروض بالموازاة أمام محكمة جزائية كان عليها وجوبا توقيف سير الدعوى إلى حين الفصل في الدعوى العمومية بصفة نهائية، أي بعد استنفاذه لكافة طرق الطعن العادية وغير العادية مهما طال أمد ذلك، وهي قاعدة من النظام العام تثيرها المحكمة المدنية من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك بها المدعى عليه وإن لم تفعل وقع حكمها باطلا، وجاز للمدعى عليه التمسك ببطلانه ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا.
2- أن الحكم الجزائي له حجية على المدني ويقيده، وهذا مراعاة لما يقتضيه النظام العام من منع التضارب بين الأحكام، فالحكم الجزائي متى أصبح نهائيا وجب على الكافة احترامه، والأحكام الصادرة بالإدانة لها حجيتها أمام القضاء المدني فيما يتعلق بالخطأ المسبب للضرر، وعلى القاضي المدني أن يأخذ ويؤسس حكمه على ما نطق به القاضي الجزائي، ويتقيد بما فصل فيه من وقائع وكان فصله فيها ضروريا، فإذا حدث على سبيل المثال أن قضت المحكمة الجزائية بإدانة المتهم نتيجة ثبوت الوقائع المنسوبة إليه، ولم تتصد للتعويض، وعرض ذلك على القاضي المدني فليس للأخير إلا الأخذ بما استقر عليه الأول، والحكم بالتعويض عملا بمبدأ حجية ما يصدر عن القاضي الجنائي، وليس للقاضي المدني أن يرى عكس ذلك، وبلا شك فإن الحكم الجنائي لو صدر بالبراءة فذلك لا يعني انتفاء التعويض أمام القاضي المدني لأن الفعل الضار الموجب للتعويض قد يتحقق ولو لم تتحقق الجريمة، وبالعكس فإن الطرف المحكوم له بالبراءة هو الذي له أن يطلب التعويض وأمام نفس المحكمة التي قضت بالبراءة، وذلك بسبب إساءة الحق في الادعاء مدنيا (في حالة تحريك الدعوى العمومية من طرف المضرور).
3- بالنسبة للمسائل العارضة، أو الدفوع العارضة أو الفرعية التي تعرض على القضاء الجزائي، وهي التي يجب الفصل فيها من طرف جهات قضائية أخرى، مثل: إثبات حق عيني عقاري أو إثبات رابطة الزوجية، فهي تشكل استثناء من قاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، ويتعين إحالة الأطراف إلى الجهات المختصة لنظرها خلال مهلة معينة، فإن لم يقم المتهم خلال المهلة المحددة برفع الدعوى أما الجهة المختصة صرف النظر عن دفعه، أما إذا فعل فإنه يغل يد القاضي الجزائي عن الفصل في الدعوى العمومية لغاية فصل القضاء الآخر في النزاع المرفوع أمامه.
ينبغي التفرقة تماما بين المسائل العارضة والمسائل الأولية، فهذه الأخيرة هي دفوع تتعلق بنفس الدعوى كالدفع بسقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية أو سبق الفصل فيها أو بصدور عفو، أو انعدام الشكوى التي يشترطها القانون، فالقاضي الجزائي إذا أثيرت أمامه مسألة أولية من هذا القبيل فإنه لا يحيلها بل يفصل فيها، ويجب إبداؤها قبل أي دفاع في الموضوع ولا تكون مقبولة إلا إذا كانت بطبيعتها تنفي عن الواقعة التي تعتبر أساسا للمتابعة وصف الجريمة.
الآن، بالنسبة لهذه المسائل أمام المحاكم العسكرية:
بالنسبة الدعوى المدنية التبعية لا تنظر فهي المحاكم العسكرية أصلا، فهي ممنوعة من البت فيها بموجب المادة 24 ق.ق.ع، ويستتبع ذلك أنه من غير الجائز الادعاء مدنيا أصلا أمام المحكمة العسكرية، كما لا يجوز تحريك الدعوى العمومية أمام المحاكم العسكرية سواء بالطريق المباشر أيا كانت طبيعة الجريمة أو صفة المتهم، أو عن طريق الشكوى أمام سلطات التحقيق العسكرية، ومن باب أولى التكليف المباشر بالحضور، ويستتبع ذلك كذلك أن المحاكم العسكرية بعد أن تفصل في الدعوى العمومية وإذا حدث أن حصل مطالبة بالتعويضات أمامها فإنها تحكم بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية التبعية، وهذا الأمر من النظام العام بحيث تستجيب له المحكمة لدى إثارته من النيابة العامة أو من أي طرف له مصلحة، أو تثيره من تلقاء نفسها، وهذا المنع من ممارسة الدعوى المدنية أمام القضاء العسكري جاء به قانون القضاء العسكري رغم كل المزايا التي يحققها الجمع بين الدعويين ونظرهما أمام جهة واحدة، ورغم المبدأ القائل بأن قاضي الأصل هو قاضي الاستثناء.
بالنسبة لرد الأشياء: طبقا للفقرتين 2 و 3 من المادة 169 ق.ق.ع فإن للمحكمة العسكرية أن تأمر أثناء جلسة المحاكمة برد جميع الأشياء المحجوزة لصالح مالكها، و إذا لم يحكم أثناء جلسة المحاكمة برد الأشياء المحجوزة يجوز لمن له مصلحة تقديم طلب حول الموضوع في شكل عريضة يوجه إلى المحكمة العسكرية التي أصدرت الحكم.
بالنسبة لقاعدة الجزائي يوقف المدني: ولأن القضاء العسكري لا ينظر إلا في الشق الجزائي، فإن المحكمة المدنية ملزمة بوقف السير في الدعوى إلى حين القضاء في الدعوى العمومية، وعلى هذا يظل القاضي المدني مغلول الأيدي لا يستطيع السير في الدعوى المدنية رغم اختصاصه بنظرها إلا بعد الفصل نهائيا في الدعوى الجزائية.
بالنسبة لقاعدة الجزائي يقيد المدني، إن للحكم الصادر عن المحاكم العسكرية نفس حجية الحكم الصادر عن المحاكم الجزائية العادية، ولذلك فمن دون شك أن القاضي المدني يرتبط بالحكم الجزائي الصادر عن المحاكم العسكرية فيما فصلت فيه من وقائع وكان فصله فيها ضروريا.
بالنسبة للمسائل العارضة، فهي تحال إلى الجهات المختصة من طرف المحاكم العسكرية، على عكس الدفوع أو المسائل الأولية التي لا تحال بل تفصل فيها المحكمة العسكرية إذا أثيرت وقبل أي دفاع في الموضوع.
سؤال: ماذا لو أن الطرف المدني طلب التأسيس أمام المحكمة العسكرية وقبلت تأسيسه ولكنها لم تفصل في الدعوى المدنية فهل تكون بذلك قد خرقت القانون أو خالفت قاعدة جوهرية للإجراءات؟
هذا هو موضوع قرار مهم للمحكمة العليا ( قرار رقم 108129، مؤرخ في 12 جانفي 1993، مجلة قضائية للمحكمة العليا عدد 2 لسنة 1995، ص.163) ندرسه فيما يلي:
4- اجتهاد للمحكمة العليا حول الدعوى المدنية التبعية أثار التباسا،
الوقائع:
- متابعة س-ط ومن معه بتهمة ارتكاب جريمة الاعتداء على سلطة الدولة.
- التماس أحد المحامين بالجلسة من رئيس المحكمة الإشهاد له بأن جمعية "المجتمع المدني" تأسست طرف مدني واستجابة رئيس المحكمة لذلك
الإجراءات:
- رئيس المحكمة العسكرية بورقلة قبل تأسيس جمعية مدنية تدعى "المجتمع المدني" كطرف متضرر وأعطى إشهادا بذلك بناء على طلب من الدفاع.
- النيابة العامة طعنت في الحكم بناء على أن تأسيس الجمعية كطرف مدني يعد إخلالا وخرقا جوهريا للإجراءات.
- المحكمة العليا رفضت الطعن بناء على أن تأسيس الجمعية كطرف مدني لا يشكل خرقا جوهريا للإجراءات مادام أن المحكمة لم تفصل في الدعوى المدنية.
- تضمن الطعن بالنقض عدة أوجها أهمها الوجه المشار إليه سابقا والمتعلق بمخالفة الأشكال الجوهرية في الإجراءات، والثاني يتعلق بخرق القانون، بناء على قبول تأسيس الجمعية والسماح لمحاميها بتناول الكلمة، وذلك أن المادة 24 ق.ق.ع تمنع المحكمة العسكرية من نظر الدعوى المدنية.
مناقشة قرار المحكمة العليا
إن اعتبار المحكمة العليا لموقف المحكمة العسكرية بورقلة القاضي بقبول التأسيس كطرف مدني أمرا غير مخالف للأشكال الجوهرية في الإجراءات ما دامت المحكمة العسكرية لم تفصل في الدعوى المدنية فيه نظر،
فمن جهة، إن مجرد إعطاء صفة الطرف المدني للجمعية ومشاركتها في المرافعات يمثل اعترافا من الجهة القضائية الناظرة في الوقائع بوجود طرف في النزاع لم يأت ذكره إطلاقا في قانون القضاء العسكري مما يعتبر استحداثا لعنصر غير وارد في التشريع.
ومن جهة ثانية، فإن قانون الإجراءات الجزائية عندما أقر باختصاص القاضي الجزائي بالفصل في الدعوى المدنية التبعية بين كيفية ممارسة هذا الاختصاص، من حيث تدخل الطرف المضرور وحقوقه إلى غاية الفصل في الدعوى، لكن قانون القضاء العسكري لم يتضمن أيا من ذلك على اعتبار أن هذا القضاء غير مختص تماما بنظر كل ما له صلة بالتعويض.
وعليه فلعل هذا القضاء من المحكمة العليا سيعتبر سابقة من شأنها أن تسمح في المستقبل بمزيد من التدخل من القضاء العسكري في الجانب المدني، وقد يصل الأمر بالمحاكم العسكرية أن تحكم مثلا بتعيين خبير لتقدير الضرر، ومع ذلك لا يعد عملها هذا خرقا لإجراءات جوهرية، مع العلم أن إعطاء صفة معينة لمن ليس له صفة والسماح له بالتدخل في الدعوى له أضرار كثيرة على سير الدعوى وعلى حقوق الدفاع، خاصة أن إعطاء الصفة يستتبع السماح لصاحب الصفة باعتباره طرفا بتقديم طلباته، ومن ثم لا يسعنا إلا القول بأن قضاء المحكمة العليا المذكور هو قضاء غير سديد، ولكن المشرع مدعو من جهة أخرى للسماح للمحاكم العسكرية بنظر الدعوى المدنية التبعية بنص صريح نظرا لما يحققه الجمع بين الدعويين العمومية والمدنية من مزايا كثيرة ومتنوعة أشرنا إليها في هذه المحاضرة.