عناصر الفقيه كود للصناعة التشريعية
تمهيد: إن أهم خاصية للصياغة القانونية والتشريعية هي الإحاطة بجوانب المعنى المراد، ولنضرب لذلك مثالين:
المثال الأول: لو أراد المشرع صياغة قاعدة تخص حظر حمل الأسلحة، فهل تكفي صياغة القاعدة كما يلي: " يحظر على أي شخص كان حمل الأسلحة"؟ الجواب بالطبع هو : لا، لأن أسئلة كثيرة تطرحها هذه الصياغة:
- فهل المقصود بكل شخص كل الأشخاص بمن فيهم المرخص لهم بحمل الأسلحة؟
- وهل المقصود بحمل السلاح حمله بغرض استعماله، أم مجرد حمله؟
- وهل المقصود بالسلاح الأسئلة النارية والحربية؟ أم حتى الأسلحة البيضاء والخناجر والمطاوي والسيوف ؟
- وهل المفرقعات والقنابل تدخل في مفهوم الأسلحة؟؟
المثال الثاني: لو أراد موثق صياغة عقد إيجار، فهل يمكنه صياغة حكم دفع الأجرة كالتالي:" يدفع المستأجر الأجرة إلى المؤجر في بداية كل شهر"؟، الجواب دائما هو: لا، لأن هذه الصياغة قاصرة جدا، وعادة ما يتم تحديد أمور أخرى مثل:
- تحديد دفع الأجرة بأنها تكون نقدا.
- وأنها تكون مقابل إيصال.
- وأن هذا الإيصال مقدم من المؤجر يكون موقعا ومختوما ومؤرخا.
- وأن الأجرة تشمل رسوم النظافة والصيانة مثلا.
- وأن بداية الشهر يقصد بها أول الشهر وليس اليوم الثاني أو الثالث مثلا.
فتوضيح كل هذه الأمور هو هدف للصياغة وإلا فإن المفسرين سيختلفون في فهم النصوص والوثائق القانونية، وعموما فالجملة القانونية تتضمن عند تحليلها عدة عناصر، ومن أشهر التحليلات التي قيلت في هذا المجال نذكر تحليل الفقيه كود الذي قسم تلك العناصر إلى أربعة:
1/ الفاعل القانوني: أو المخاطب بالفعل القانوني.
2/ الفعل القانوني.
3/ الحالة التي ينطبق عليها الفعل القانوني.
4/ الشروط التي إذا تحققت ينفذ الفعل القانوني.
هذا التحليل قد لا ينطبق على كل الجمل التشريعية، فالوثائق القانونية الحديثة لا تهدف كلها إلى تحديد الالتزامات والواجبات والسلطات والامتيازات، فهناك وثائق هدفها التوضيح والتفسير والشرح والتعريف، وكذلك المواد التي تبين الهيئات والاختصاص، فهي قد لا تتضمن كل عناصر كود المذكورة.
العنصر الأول: الفاعل القانوني: هو الشخص الذي يخول حقا أو امتيازا أو سلطة، وغالبا ما يكون اسما أو ما يعادل الاسم.
أمثلة:
مثال 1: إذا بقي المستأجر في العين المؤجرة بعد إتمام الترميمات فليس له حق طلب الفسخ ( م 482/2 م).
مثال 2: يجب إخطار المؤجر بموجب محرر غير قضائي يتضمن إشعارا لمدة شهرين (م496 مكرر 2/4 م).
في كلا المثالين الفاعل القانوني هو المستأجر لأنه هو المعني بالالتزامات المفروضة.
مثال 3: يحظر دخول الكلاب إلى المنتزهات العامة ما لم تحمل تصريحا بذلك.
هذه الصياغة غير سليمة لأنها تجعل الفاعل كلبا وهو لا يعرف القراءة وبالتالي فالصياغة الصحيحة يمكن أن تكون كالتالي:
يحظر على أي شخص اصطحاب الكلاب إلى المنتزهات العامة ما لم يحمل تصريحا بذلك.
مثال 4: تؤسس بين الأشخاص الذين يلتزمون أو سيلتزمون بهذا القانون الأساسي النموذجي شركة ذات شكل تعاضدي لقانون خاص تتمتع بالشخصية المعنوية وذات هدف غير تجاري تسمى .............. باختصار.".............."
مثال 5: يجب أن يتضمن القانون الأساسي النموذجي لشركات التأمين المذكورة أعلاه الأحكام المحددة في ملحق هذا المرسوم.
مثال 6: تلغى كل الأحكام اﻟﻤﺨالفة للقانون الأساسي النموذجي المرفق بالملحق.
هذه الأمثلة الثلاثة يوجد فاعل قانوني لكنه ليس شخصا محددا لكنه في كل الأحوال يوجد التزام محدد قد يقع على شخص ما، فهناك العديد من الأصناف تدخل في مفهوم الفاعل القانوني مثل:
1- الشخص العام: عندما تستعمل عبارة " كل شخص" أو " كل من" فهنا يكون الفاعل شخصا عاما، وهو قد يكون فردا أو جماعة أو هيئة أي شخصا معنويا.
2- الشخص المميز لفئة معينة من الناس: كالتجار والأطباء والملاك، فهذه الصياغات قد تكون عامة ولكنها تقتصر على فئات محددة،
3- الشخص المعين بذاته: مثل المستأجر والبائع والمشتري.
وهناك العديد من الأمور التي يجب أن يراعيها الصائغ في هذا الصدد ومنها:
- ضرورة تحديد الفاعل القانوني بوضوح، فلو قيل: يجب إعطاء الإخطار كتابيا، فالفاعل الذي يجب عليه إعطاء الإخطار غير واضح، كذلك لو قال المشرع: يستحق العاملون عطلة أمومة/أبوة، فالفاعل وهو الذي يمنح العطلة غير واضح، وهكذا ..
- استخدام صورة المفرد للفاعل القانوني بدلا من صيغة الجمع، مثال: المادة 139: حارس الحيوان، ولو لم يكن مالكا له، مسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر. ولو ضل الحيوان أو تسرب، ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب لا ينسب إليه.
وهذا مفضل فقط، فكثيرا ما يتم استخدام صيغة الجمع، وطبقا لما هو متعارف عليه في قواعد التفسير فالمفرد يقصد به الجمع والعكس صحيح.
العنصر الثاني : الفعل القانوني:
عرفه الفقيه كود بأنه:" ذلك الجزء من الجملة الذي يعبر عن حق أو امتياز أو سلطة أو التزام أو مسؤولية تخول أو تفرض على الفاعل القانوني"، أي يحدد ما هو مطلوب من الفاعل، مثال: لا يمكن أن يتم الدفن دون ترخيص من ضابط الحالة المدنية مكتوب على ورقة عادية ودون نفقة. ولا يمكن أن يسلم الترخيص إلا بعد تقديم شهادة معدة من قبل الطبيب أو من قبل ضابط الشرطة القضائية الذي كلف بالتحقيق في الوفاة.
في الجملة الأولى هناك التزام مفروض على من يباشر فعل الدفن أن يستصدر ترخيصا من ضابط الحالة المدنية، وفي الجملة الأولى هناك التزام مفروض على ضابط الحالة المدنية أن لا يصدر ترخيص الدفن إلا بعد تقديم شهادة تثبت الوفاة من طرف الطبيب أو ضابط الشرطة القضائية.
وهناك بعض المواد قد لا تتضمن أي فعل قانوني، مثل: المادة 97 ق ح م: إن الزواج الذي يعقد في بلد أجنبي بين جزائريين أو بين جزائري وأجنبية يعتبر صحيحا إذا تم حسب الأوضاع المألوفة في ذلك البلد شريطة ألا يخالف الجزائري الشروط الأساسية التي يتطلبها القانون الوطني لإمكان عقد الزواج.
فهذه المادة تقرر أن الزواج بتلك الصورة صحيح وفقط، فهي مادة حكمية تصدر حكما على فعل ما. فليس مطلوبا من الفاعل أن يفعل شيئا ما بل هناك حكم على فعله بأنه صحيح.
يلاحظ بالنسبة للفعل القانوني أنه غالبا يكون في زمن المضارع، لأن صيغة الماضي تخص الإخبار بينما المواد القانونية تتجه إلى الحاضر والمستقبل والأنسب لها هو المضارع.
م 50: يتمتع الشخص الاعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان.
م 51: يعين القانون الشروط التي يجب توافرها لتأسيس مؤسسات الدولة ...
م 52: يمثل وزير المالية الدولة في حالة المشاركة المباشرة في العلاقات التابعة للقانون المدني.
العنصر الثالث : وصف الحالة:
إن الحكم القانوني الذي تتضمنه قاعدة قانونية ما نادرا ما يتضمن أكثر من حالة قانونية واحدة تنطبق عليها، فيقصد بالحالة الظرف أو الواقعة أو الحدث الذي إذا تحقق انطبق حكم القاعدة عليه.
مثال: م 81: يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد، أن يطلب إبطاله.
تتمثل الحالة في هذا النص في حالة وقوع المتعاقد في غلط جوهري وقت إبرام العقد.
وهناك 03 أوضاع للحالة:
- الحالة المفتوحة: لا يتم تقييدها بأي شرط أو استثناء أو أجل.
- الحالة المحدودة بنطاق معين: أي نطاق زماني أو مكاني، مثل: المادة 81 أعلاه محددة بنطاق زمني هو وقوع الحالة وهي الغلط وقت إبرام العقد.
- الحالة المرهونة بشرط أو استثناء، مثل: المادة 83 ق أ: من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد طبقا للمادة ( 43 ) من القانون المدني تكون تصرفاته نافذة إذا كانت نافعة له، وباطلة إذا كانت ضارة به وتتوقف على إجازة الولي أو الوصي فيما إذا كانت مترددة بين النفع والضرر، وفي حالة النزاع يرفع الأمر للقضاء.
وهناك العديد من الصيغ التي تدل على الحالة، مثل: إذا، متى، عندما، حيثما، في حالة، في الحالات ... إلخ
وينصح الفقيه كود أن توضع الحالة في بداية الجملة القانونية، وأن ذلك قد يجنب في تسعة أعشار الحالات اللجوء إلى العبارات التي تقيد المعنى، وتخل بالتالي بوضوح القاعدة القانونية، وقد توجد سياقات يتحتم فيها تأخير الحالة.
مثال: م 359 ق م: تسقط بالتقادم دعوى تكملة الثمن بسبب الغبن إذا انقضت ثلاث سنوات من يوم انعقاد البيع. وبالنسبة لعديمي الأهلية فمن يوم انقطاع سبب العجز.
ولا تلحق هذه الدعوى ضررا بالغير الحسن النية إذا كسب حقا عينيا على العقار المبيع.
العنصر الرابع: صيغ الشرط والاستثناء:
وهي العنصر الرابع في الجملة القانونية حسب الفقيه كود، فالشرط هو الوضع أو الأوضاع التي يجب تحقيقها قبل أن يصبح الحكم القانوني نافذا، ويتم التعبير عن الشرط بالعديد من الصيغ مثل: إذا ، والجمل الاعتراضية، مثل: بشرط أن، شريطة أن، على أن، بشرط، رهنا بـ، صيغة الشرط المنفي، مثل: ما لم.
ويعبر عن صيغ الاستثناء بعبارات مثل: إلا، ما عدا، على أن، ولكن ... إلخ