يمكنكم تحميل المحاضرات من
هنـــــــــــــــــــــــــــــا
مخطط الدراسة:
- نظرية المعرفة.
- نظرية المنهجية.
- منهجية البحث العلمي.
- المناهج الخاصة بالعلوم القانونية.
المراجع:
- إبراهيم (مروان عبد المجيد)، أسس البحث العلمي لإعداد الرسائل الجامعية، مؤسسة الوراق، عمان، ط1، 2000. (متوفر على النت)
- أبو ريان (محمد علي)، العلوم الإنسانية ومناهجها، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2001. (متوفر على النت)
- أبو سليمان (عبد الوهاب إبراهيم)، كتابة البحث العلمي صياغة جديدة، مكتبة الرشد، الرياض، ط9، 2005. (متوفر على النت)
- آث ملويا (لحسين بن شيخ)، حوليات القانون، دار الهدى، عين مليلة، ط2012.
- الدغيمي (محمد راكان)، أساليب البحث العلمي ومصادر الدراسات الإسلامية، مكتبة الرسالة، عمان، ط2، 1997. (متوفر على النت)
- السبحاني (الشيخ جعفر)، المدخل إلى العلم والفلسفة والإلهيات: نظرية المعرفة، الدار الإسلامية، بيروت، ط1، 1990. (متوفر على النت)
- الشريف (عبد الله محمد)، مناهج البحث العلمي دليل الطالب في كتابة الأبحاث والرسائل العلمية، مكتبة الإشعاع للطباعة والنشر والتوزيع، ط1996. (متوفر على النت)
- الشنيطي (محمد فتحي)، المعرفة، دار الثقافة للطباعة والنشر، ط1981. (متوفر على النت)
- الشيخلي (عبد القادر)، البحث العلمي بين الحرية والمؤسسة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2001. (متوفر على النت)
- الصيرفي (محمد عبد الفتاح)، البحث العلمي الدليل التطبيقي للباحثين، دار وائل للنشر، عمان، ط1، 2002. (متوفر على النت)
- العيسوي (عبد الرحمن)، مناهج البحث العلمي في الفكر الإسلامي والفكر الحديث، دار الراتب الجامعية، ط1997. (متوفر على النت)
- النشار (سامي)، نظرية العلم الآرسطية، دراسة في منطق المعرفة العلمية عند أرسطو، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1995. (متوفر على النت)
- النشار (سامي)، نظرية المعرفة عند أرسطو، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1995. (متوفر على النت)
- بدوي (عبد الرحمان)، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط3، 1977. (متوفر على النت)
- بوبر (كارل)، نظرية المعرفة في ضوء المنهج العلمي، ترجمة: قاسم (محمد محمد)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ط1986. (متوفر على النت)
- بوحوش (عمار)، الذنيبات (محمد محمود)، مناهج وطرق إعداد البحوث، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط4، 2007.
- تشيزهولم (رودرك م)، نظرية المعرفة، ترجمة: الحصادي (نجيب)، الدار الدولية للنشر والتوزيع، مصر، ط1، 1995. (متوفر على النت)
- جارودي (روجيه)، النظرية المادية في المعرفة، دار دمشق، دمشق، د ت، (متوفر على النت)
- جعلوك (محمد علي شارف)، أصول التأليف والإبداع، دار الراتب الجامعية، بيروت، ط1، 2000. (متوفر على النت)
- حامد (خالد)، منهج البحث العلمي، دار ريحانة، القبة، ط1، 2003.
- حجاب (محمد منير)، الأسس العلمية لكتابة الرسائل الجامعية، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، 2000. (متوفر على النت)
- حسن (أحمد عبد المنعم)، أصول البحث العلمي، ج1 و ج2، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، ط1، 1996. (متوفران على النت)
- حمدان (محمد زياد)، البحث العلمي كنظام، دار التربية الحديثة، عمان، ط1989. (متوفر على النت)
- خروع (أحمد)، المناهج العلمية وفلسفة القانون، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط3، 2005.
- خضر (عبد الفتاح)، أزمة البحث العلمي في العالم العربي، د م ط، ط3، 1992. (متوفر على النت)
- دويدري (رجاء وحيد)، البحث العلمي أساسياته النظرية وممارسته العملية، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 2000. (متوفر على النت)
- ديكارت (رينيه)، مقال عن المنهج، ترجمة: الخضيري (محمود محمد)، الهيئة العامة المصرية للكتاب، مصر، ط1985. (متوفر على النت)
- زكريا (فؤاد)، نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان، دار مصر للطباعة، مصر، ط1991. (متوفر على النت)
- زيدان (محمد فهمي)، الاستقراء والمنهج العلمي، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية، ط1977. (متوفر على النت)
- ساعاتي (أمين)، تبسيط كتابة البحث العلمي،المركز السعودي للدراسات الاستراتيجية، مصر، ط1، 1999. (متوفر على النت)
- شالمرز (آلان)، نظريات العلم، ترجمة: الحسين (سحبان)، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1990. (متوفر على النت)
- شروخ (صلاح الدين)، منهجية البحث العلمي للجامعيين، دار العلوم، عنابة، 2003.
- شلبي (أحمد)، كيف تكتب بحثا أو رسالة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط21، 1992. (متوفر على النت)
- شميشم (عبد الوهاب)، مناهج العلوم القانونية، دار الخلدونية، الجزائر، ط2006.
- صابر (فاطمة عوض) و خفاجة (ميرڤت علي)، أسس ومبادئ البحث العلمي، مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية، الإسكندرية، ط1، 2002. (متوفر على النت)
- عبيدات (محمد) وآخرون، منهجية البحث العلمي القواعد والمراحل والتطبيقات، دار وائل للنشر، عمان، ط2، 1999. (متوفر على النت)
- عروة (أحمد) وآخرون، قضايا المنهجية في العلوم الإسلامية والاجتماعية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، ط1، 1996. (متوفر على النت)
- عقيل (عقيل حسين)، فلسفة مناهج البحث العلمي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1999. (متوفر على النت)
- عليان (ربحي مصطفى) وغنيم (عثمان محمد)، مناهج وأساليب البحث العلمي النظرية والتطبيق، دار صفاء للنشر والتوزيع، ط1، 2000. (متوفر على النت)
- عليوان (اسعيد)، مطبعة موجهة للسنة الثالثة LMD مقياس: تقنيات البحث العلمي وتحقيق المخطوطات، جامعة الأمير عبد القادر قسنطينة، 2009-2010.
- عوابدي (عمار)، مناهج البحث العلمي وتطبيقاتها في ميدان العلوم القانونية والإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط5، 2005.
- غراويتز (مادلين)، مناهج العلوم الاجتماعية، الكتاب الثاني، منطق البحث في العلوم الاجتماعية، ترجمة: عمار (سام)، مطبعة طربين، دمشق، ط1993. (متوفر على النت)
- غناي (زكية)، منهجية الأعمال الموجهة في القانون المدني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط2، 2008.
- فرانيير (جان-بيار)، كيف تنجح في كتابة بحثك، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1994. (متوفر على النت)
- قاسم (محمود)، المنطق الحديث ومناهج البحث، مكتبة الأنجلومصرية، مصر، ط2، 1953. (متوفر على النت)
- قندليجي (عامر)، البحث العلمي واستخدام مصادر المعلومات، دار اليازوري العلمية، عمان، ط1، 1999. (متوفر على النت)
- ليبنتز (ج.ف)، أبحاث جديدة في الفهم الإنساني: نظرية المعرفة، ترجمة: كامل (أحمد فؤاد)، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ط1983. (متوفر على النت)
- مبارك (محمد الصاوي محمد)، البحث العلمي أسسه وطريقة كتابته، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، ط1، 1992. (متوفر على النت)
- محمد (علي عبد المعطي)، المنطق ومناهج البحث العلمي في العلوم الرياضية والطبيعية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ط2، 2004. (متوفر على النت)
- محمود (محي محمد مسعد)، كيفية كتابة الأبحاث والإعداد للمحاضرات، المكتب العربي الحديث، ط 2، 2000. (متوفر على النت)
- محيرق (مبروكة عمر)، دراسات في المعلومات والبحث العلمي والتأهيل والتكوين، عصمي للنشر والتوزيع، القاهرة، ط 1996. (متوفر على النت)
- مراح (علي)، منهجية التفكير القانوني نظريا وعمليا، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط3، 2007.
- نجم (أحمد حافظ) وآخرون، دليل الباحث، دار المريخ، الرياض، ط1988. (متوفر على النت)
- نعمان (منصور) والنمري (غسان ذيب)، البحث العلمي حرفة وفن، دار الكندي للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 1998. (متوفر على النت)
- هيكل (محمد حسين)، الإيمان والمعرفة والفلسفة، دار المعارف، القاهرة، ط2. (متوفر على النت)
ملاحظة فيما يخص المراجع: تبقى هناك العديد من المراجع التي لم تذكر أغلبها متوفر على النت.
الباب الأول: نظرية المعرفة
هذه النظرية الفلسفية تبحث في مشكلة المعرفة، وتحاول الإجابة عن مختلف التساؤلات المرتبطة بها، مثل: هل المعرفة فطرية أم مكتسبة (كيف نعرف ما نعرفه؟)، ما هو مدى المعرفة الإنسانية وحدودها ووسائلها وإمكانياتها (ما هي إمكانية الإنسان في بلوغ اليقين في المعرفة؟).
إن المعرفة اليوم تنقسم إلى معرفة علمية ومعرفة غير علمية، فالأولى هي العلم، وهي تتميز بالمنهجية، أي بسلوك طرق محددة للوصول إلى النتيجة، أما المعرفة الثانية فهي معرفة لكنها ليست علما، لأنها لا تصل إلى قوانين ثابتة أو نظريات، بل هي مجرد تجارب وخبرات وأفكار وخيالات وتخمينات.
لقد كان الاهتمام بنظرية المعرفة موجودا منذ بداية الفلسفة، أي منذ سقراط وهيراقليطس وبارمنيدس والسوفسطائيين وأفلاطون، وقد خصص هذا الأخير جزءا من محاورات "مينون" و"الجمهورية" لهذا الموضوع، أما أرسطو فتناولها في كثير من الكتب، مثل: النفس، والميتافيزيقا، والأخلاق.
ومما كتبه أرسطو:"كل معرفة، فهي في نظرنا شيء حسن جليل، ومع ذلك فنحن نؤثر معرفة على أخرى، إما لدقتها، وإما لأنها تبحث عما هو أشرف وأكرم". وقد حاول أرسطو تخليص العلم من كثير من الخرافات والأساطير التي سيطرت عليه، كما في كتابه أجزاء الحيوان، وقد أدى شغف أرسطو بالعلم والمعرفة أن خصص جزءا كبيرا من تفكيره لوسائل المعرفة الإنسانية، فأسس علم المنطق، واعتبره بمثابة ميزان للعقل، وذلك حين لاحظ أن الناس يعتمدون في المعرفة على الحواس فقط، فأكد محدودية تلك الحواس وقصورها، ووجد أن العقل هو القادر على تحليل ما تعطيه الحواس، وهو القادر بالتالي على بناء المعرفة الإنسانية.
من هنا، فسنتاول في نظرية المعرفة العلمية ما يلي:
الفصل الأول: المعرفة والعلم
المبحث الأول: العلم
المطلب الأول: تعريف العلم
العلم هو أهم مدخل للمعرفة، فهو معرفة موثوقة حول الأمور المتعلقة بالخبرة الإنسانية، هو يطلق على كل العلوم، كما يطلق على كل علم مستقل أيضا، فيقال: العلم أساس التطور، أي كل العلوم، ويقال: علم الفلك، علم الاجتماع ... إلخ
وليس كل دراسة لظاهرة ما يعتبر علما، فلو حاول المحاولون أن يجعلوا من التنجيم علما، على أساس أنه دراسة لظواهر معينة تربط بين النجوم وسلوكات الأفراد في حاضرهم ومستقبلهم، وأسسوا له جامعات ما أصبح مؤهلا ليكون فرعا من فروع العلم، والسبب في رفض التنجيم كعلم ليس لطبيعته، وإنما لأنه لا يقوم على منهجية علمية، ولهذا أصبح العلم يختلط بالمنهجية العلمية.
فكل معرفة يرفضها العلم فإنه يرفضها لاعتبارات منهجية، كما أن المعرفة العلمية قد تصبح غير علمية، وفقا للأبحاث المنهجية التي تجرى، فالعلم ليس منظومة معرفية بقدر ما هو نتيجة دراسة منهجية محددة، لذلك نرى أن أفضل تعريف للعلم أنه المعرفة التي يتم الوصول إليها بمنهجية علمية.
المطلب الثاني: المسلمات (الافتراضات) التي يقوم عليها العلم
وفقا لنظرية المعرفة فهناك مسلمات يقوم عليها العلم، وتتمثل أساسا في:
أولا: انتظام الطبيعة
الأحداث لا تحدث بشكل عشوائي، حتى في البيئات المتغيرة باستمرار هناك نوع من الانتظام، مثال ذلك: انتظام قدوم الفصول الأربعة.
ثانيا: إمكانية دراسة الطبيعة
الإنسان هو جزء من الطبيعة، وهو قابل للدراسة مثل الطبيعة تماما، سواء في نواحيه المادية أو غير المادية، ولكن الدراسات المادية سواء التي تدرس الطبيعة أو الإنسان أكثر دقة من العلوم التي تدرس الإنسان في جوانبه غير المادية (العلوم الإنسانية أو الاجتماعية).
ثالثا: السببية في الطبيعة (كل الظواهر الطبيعية لها مسببات)
هذا يعني رفض التفسيرات الدينية والروحية والسحرية للظواهر، فمسببات الظواهر موجودة في الطبيعة وليس خارج الطبيعة، وقد كان لهذه السببية دور كبير في الثورة العلمية.
ثالثا: النسبية في المعرفة
الحقائق العملية يجب البرهنة عليها بشكل علمي وموضوعي، ويبقى احتمال الخطأ ورادا دوما، وهذا يقودنا أيضا إلى البحث دائما عن تحسين معارفنا طبقا لقاعدة: المعرفة أفضل من الجهل.
رابعا: المعرفة وليدة الخبرة (التجربة) وكذلك العقل
سبق أن ذكرنا أن المعرفة هي بالأساس وليدة التجربة أي التي تنطلق من الحواس، ولكن العقل النظري أيضا له دور في استخلاص المعارف.
ملاحظة: هناك بعض الباحثين يذكرون المسلمات التي يقوم عليها العلم بطريقة أخرى أو بإضافة عناصر أخرى، مثل الرأي الذي يرى أن المسلمات التي يقوم عليها العلم هي: افتراض وحدة الطبيعة (وجود حالات متشابهة في الطبيعة وما يحدث في حالة في الماضي مثلا يحدث في حالات أخرى في الحاضر والمستقبل)، مسلمة الأنواع الطبيعية (عوامل مشتركة بين الأشياء)، افتراضات خاصة بالعمليات العقلية (مسلمة صحة الإدراك، مسلمة صحة التذكر، مسلمة صحة التفكير أو الاستدلال)، مسلمة الوضعية أو الحسية، مسلمة الاطراد، مسلمة الحتمية، مسلمة الثبات.
المطلب الثالث: أهداف العلم
إن الهدف الأساسي للعلم هو النظرية، والقانون، والقانون أكثر ثباتا من النظرية، فالنظرية هي بمثابة تفسير مؤقت، ويمكن تلخيص أهداف العلم في ثلاثة:
الفرع الأول: التفسير
يسعى العلم بالدرجة الأولى إلى التفسير، أي الإجابة عن سؤال: لماذا، ويكون التفسير عن طريق ربط الظاهرة بسبب ما، أو بظاهرة أخرى، وذلك من خلال قانون عام، وهناك نوعان من التفسير:
أولا: تفسير استناطي : يستند إلى المنطق الأرسطي، أي صحة النتائج بناء على صدق المقدمات، فطالما المقدمات صادقة فالنتائج صحيحة، فكل جسم يرمى في الهواء يعود للسقوط على الأرض وذلك بسبب الجاذبية، فهذا قانون عام.
ثانيا: تفسير احتمالي (أو استقرائي): في هذه الحالة حيث لا يكون التعميم ممكنا، يكون التفسير احتماليا، مثل الحالة في العلوم الإنسانية، وكأن العالم يضع تفسيرا يقول فيه هناك احتمال قوي أن يكون سبب الظاهرة (الاجتماعية) هو كذا، فلو كان حزب ما دائما يفوز في الانتخابات بنسبة 70 بالمائة لمدة خمسين سنة فلا يمكن القول أنه في المرة القادمة سيفوز بهذه النسبة.
الفرع الثاني: التنبؤ
تعتبر إمكانية إنشاء تنبؤات صحيحة الميزة الأساسية للعلم، وبقدر ما تكون المعرفة ضئيلة حول ظاهرة ما يكون التنبؤ ضعيفا، أما حيث يكون التفسير ممكنا، ويكون هناك قانون واضح فالتنبؤ يغدو سهلا، فعندما تعلم أن الماء يتجمد في الصفر فإنه يمكن التنبؤ بما يحدث لسيارتك إذا لم تزودها بمانع للتجمد.
يمكن القول أن التنبؤ هو عملية معاكسة للتفسير، فإذا كان التفسير هو أن x هو سبب حصول z فإن التنبؤ هو بما أن x موجود فإن z سيحصل.
الفرع الثالث: الفهم
يشكل الفهم الركن الثالث في المعرفة العلمية، ويعني فهم الظواهر وكشف العلاقات بينها، سواء منها الظواهر الطبيعية أو الإنسانية (الاجتماعية)، ووصفها وصفا دقيقا.
ويمكن إضافة هدف رابع وهو حل المشكلات والضبط والتحكم في الظواهر وصنع القرارات إلخ.
المبحث الثاني: المعرفة
المعرفة أعم وأوسع من العلم،
المطلب الأول: صور (أساليب) الحصول على المعرفة
يمكن التمييز بين ثلاثة أساليب أخرى غير العلم (الأسلوب العملي) استخدمت عبر التاريخ للوصول إلى المعرفة:
1- الأسلوب السلطوي:
يعتمد على الثقة في أشخاص يعتقد أنهم مصدر المعرفة بسبب مكانتهم السياسية أو الاجتماعية، كشيخ القبيلة، أو الكاهن، أو رجل الدين، أو الملك، وغيرهم، وقد لا يقبل الناس بهذه المعارف فيلقون الزجر والعقاب على ذلك.
2- الأسلوب الروحي:
يعتمد على أشخاص لهم سلطة روحية كالأنبياء والوسطاء والعرافين، وقد يصبح الناس تحت تأثير الحالة النفسية (الإحباط واليأس وحتى الجهل) أكثر ميلا لقبول المعرفة المنتجة بهذا الأسلوب.
3- الأسلوب الفلسفي العقلاني:
يتم الحصول على المعرفة باعتماد مبادئ المنطق (من استنتاج وقياس واستقراء)، وكذلك الحدس، فتقوم الفلسفة العقلانية على أساسين: أولهما أنه يمكن للعقل أن يفهم العالم بشكل مستقل عن مجرد الظواهر التي تقع تحت الحواس، وثانيهما: أن المعرفة موجودة بشكل مستقل عن التجربة والخبرة الشخصية.
ويتم إنتاج المعرفة بهذا الأسلوب عن طريق التفكير المجرد المضبوط بقواعد علمية تجعل من نتائجه علمية، وقد أسس لهذا الأسلوب أرسطو كما ذكرنا، وأنصار هذا الاتجاه يبرهنون على نظريتهم بأن الرياضيات تتضمن حقائق عالمية، وفي الحقيقة أن علم المنطق هو جزء ضروري من المنهجية العملية وهو مطلوب في جميع العلوم.
ملاحظة: هناك تقسيمات عديدة لهذه الأساليب منها:
تقسيم أول: أسلوب أهل الرأي والتقليد والعرف – أسلوب الخبرة والتجربة – أسلوب القياس المنطقي والاستدلال – الأسلوب الاستقرائي أو التجريبي.
تقسيم ثان: الطريقة الخضوعية – الطريقة الروحية – الطريقة المنطقية – الطريقة العلمية.
تقسيم ثالث: الصدفة – المحاولة والخطأ، السلطة والتقليد – الخبرة – التكهن والجدل – الاستنباط والاستقراء – الطريقة العلمية في البحث
المطلب الثاني: مراحل المعرفة (مراحل التفكير البشري)
مر التفكير البشري (والذي حصيلته المعرفة) بثلاث مراحل كالتالي:
أولا: المرحلة الحسية (المعرفة الحسية):
في هذه المرحلة استخدم الإنسان حواسه المجردة لفهم وتفسير الأشياء (مرحلة الوصف).
ثانيا: المرحلة الفلسفية التأملية (المعرفة الفلسفية):
في هذه المرحلة استخدم الإنسان عقله للتفكير في كثير من الأمور والبحث فيها مثل الموت والحياة والوجود والخلق والخالق.
ثالثا: المرحلة العلمية التجريبية (المعرفة العلمية):
في هذه المرحلة استطاع الإنسان ربط الأسباب بمسبباتها ربطا موضوعيا، عن طريق البحث العلمي المحكوم بمنهجية دقيقة، وصولا إلى نظريات وقوانين وتعميمات مفيدة.
المطلب الثالث: الخصائص التي تميز العلم عن المعرفة
العلم مرتبط بالاستدلال الفكري أي بالمنهجية العلمية، ومن أهم خصائص العلم نذكر ما يلي:
1- الموضوعية أوالتجرد: فالبحث العلمي يجب أن يكون منزها عن الهوى الذاتي، وأن تكون الغاية عند الباحث هي الدخول إلى الحقيقة واكتشافها، سواء اتقفت مع ميول الباحث أم لم تتفق، والباحث لا يستطيع التخلي عن الذاتية بصفة مطلقة وإلا اختفى الإبداع، ولكن الموضوعية تتجلى في تطبيق الوسائل العلمية في الاستدلال، من منطق أو تجربة، مرفقة بالتحليل والموازنة والنقد والأسانيد، ثم بعد ذلك أن يبتعد عن الذاتية والتحيز واحترام الأمانة العلمية والوثوقية.
2- المنهجية، أي اتباع الطريقة العلمية في البحث من صياغة الإشكالية إلى جمع البيانات وفرض الفروض وتحليل المعلومات وصولا إلى صياغة النتيجة، ويمكننا تعريف المنهجية مؤقتا بأنها:"نظام من القواعد الصريحة الواضحة والإجراءات التي يبنى عليها البحث وتقيم ادعاءات المعرفة بناء عليها".
3- الشمولية والتعميم، وما يعرف بالاستقصاء العلمي، أي تعميم النتيجة على مجتمع كبير من الحالات، لا على حالات قليلة معزولة، فالعلم يجب أن يتسم بالتعميم، وقابلية التكرار.
4- المصداقية والوثوقية، يتصف البحث بالمصداقية عندما يصل إلى استنتاجات صحيحة
5- التنظيم والدقة، أي تنظيم التفكير، فالإنسان في العادة يفكر بطريقة عفوية، ولكن العلم لا يقبل التفكير العفوي التلقائي، بل يعتمد الفكر المنظم.
6- التراكمية، فالطريقة التي يتطور بها العلم تبين أنه يأخذ من النظريات السابقة نقطة انطلاق لنظريات جديدة، وقد يلغي تلك النظريات، أو يعدلها ويوسعها، فيصبح العلم كأنه بناء يتكون من طوابق، على عكس المعارف الأخرى التي لا تلغي بعضها، مثل الفن، فاللوحات الفنية، والقطع الموسيقية، والأشعار الجميلة لا تلغي اللوحات والقطع والأشعار القديمة، أما العلم فهو في تطور، وهو يتطور بشكل عمودي أي أنه يعود لمناقشة نفس الظواهر ليكتشف نظريات جديدة، كما يتطور بشكل أفقي، فلا يبحث دائما نفس الظواهر بل يبحث عن ظواهر جديدة.
7- الإمبريقية، تعني دراسة العالم المحسوس فقط، أما الدراسات التي تتعلق بالميتافيزيقا فهي تبقى ملتصقة بالفلسفة وحدها، ونحن نعلم أنه قد حدث انفصال بين العلم والفلسفة إن صح التعبير، لأن الحقيقة أنه حدث انقلاب فلسفي لصالح الفلسفة التجريبية على حساب الفلسفة المثالية.
8- السببية، إن الظواهر ترد إلى أسباب، وليس إلى الصدفة والخرافة، فهذان الأخيران هما أكبر معوق للتفكير العلمي، وهما سبب جمود العقل البشري.
الفصل الثاني
التفكير والبحث العلمي
المبحث الأول: التفكير العلمي
المطلب الأول: خصائص التفكير العلمي
- التخلي عن المعلومات السابقة، أي أن يقف الباحث من بحثه موقف الجاهل، ويتجاهل كل ما يعرفه، فلا يتأثر أثناء بحثه بمعلوماته السابقة، وهو ما يسمى بالشك المنهجي، أي أنه يتعمد الشك ليصل إلى الحقيقة، وذلك إمعانا في النزاهة والموضوعية.
- الملاحظة الحسية هي أساس ومصدر الحقائق، أما التجربة فهي تبقى تجربة، وذلك أن الذي يتدخل في سيرها هو الباحث، وفي بعض العلوم لا يمكن القيام بتجارب، لذلك فالملاحظة تبقى أقوى من أي تجربة.
- نزوح العلم إلى القياس الكمي (التكميم)، وقد استتبع الخاصية السابقة أن اعتقد بعض العلماء أن العلم هو التجربة فأخضعوا جميع الظواهر حتى الإنسانية منها للتجربة، وليس الأمر كذلك، وليس بالضرورة أن يتم التعبير عن الحقيقة دائما بطريقة كمية (أعداد وإحصاءات ورموز رياضية)، وإن كانت التفسيرات الكمية من أهم التفسيرات وأدقها.
- النزاهة والموضوعية والأمانة العلمية، هي صفات عديدة في الباحث وفي البحث تتعلق بالتجرد والحياد والابتعاد عن الأهواء الذاتية والرغبات الشخصية، والتحرر من أي سلطة، والإخلاص للحقيقة وحدها الابتعاد عن التعصب والمغالاة، وباختصار شديد احترام أخلاقيات البحث العلمي.
- الاعتقاد بمبدأي الحتمية والسببية الذين هما أساس العلوم، عكس الخرافة والصدفة والأسطورة التي هي سبب لانتكاسة العقل والفكر وتأخر العلم.
- الولع بالتخصص الدقيق، لقد اتسع العلم، وتعددت فروعه، حتى أصبح العلماء يجعلون في العلم تخصصات دقيقة جدا، وذلك بعد أن غلبت النزعة المادية في العلم.
المطلب الثاني: أطوار أو مراحل التفكير العلمي
منذ نشأ الإنسان على الأرض وهو يحاول معرفة الحقائق بأدوات مختلفة، أولها الحواس، وثانيها العقل، وقد تطورت قدرة الإنسان على إدراك ما حوله، أما الخرافة فقد سيطرت في مرحلة الإنسان البدائي فشكلت مع الأساطير عائقا حقيقيا أمام التفكير البشري.
وفي الفلسفة نعرف المذهب العقلي الذي يقول: أن الحقائق العلمية إنما تكون عن طريق الاستدلال العقلي الخالص، فهو يقوم على الإيمان بالعقل وحده، ولذلك فحتى الأمور اللاهوتية (الدينية) أخضعوها للعقل، وابتعدوا بها عن التفسيرات الخارقة للطبيعة.
ثم جاء المذهب التجريبي الذي يقول إن المعرفة تكون عن طريق الخبرة الحسية، في صورة ما تعطيه الحواس أو ما تعطيه التجربة.
إن بداية البحث العلمي الدقيق في التاريخ الإنساني غير معروفة على وجه اليقين، ويؤكد الباحثون أن الشعوب الشرقية (الهنود، البابليون، المصريون) أسبق من غيرهم في المعرفة والبحث العلمي.
وقد ظهرت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين حاجة جماهيرية واسعة لطلب المعرفة وخاصة التقنية منها، وأطلق على ذلك الثورة العلمية، ويرى بعض الفلاسفة أن العلم هو طور جديد في المعرفة، حيث أوجد اتجاها جديدا ومناهج مبتكرة، حتى أن البعض راحوا يتساءلون عن السر الكامن وراء كل هذه المبتكرات، وعن سر تميز علماء تلك الفترة الذين قاموا بهذه الثورة العلمية (عصر النهضة)، ومهما كانت الأسباب فإن المنهج العلمي الرصين قد تكون مع عصر النهضة وكان له الأثر الكبير على الثورة العلمية التي حصلت بعد ذلك.
المبحث الثاني: البحث العلمي
المطلب الأول: تعريف البحث العلمي
من تعاريف البحث العلمي المتداولة أنه عملية الاستقصاء الذي يتميز بالتنظيم الدقيق لمحاولة التوصل إلى معلومات أو معارف أو علاقات جيدة، والتحقق من هذه المعلومات والمعارف الموجودة وتطويرها باستخدام طرائق أو مناهج موثوق في مصداقيتها.
كما يعرف البحث العلمي بأنه "عملية فكرية منظمة يقوم بها شخص يسمى الباحث، من أجل تقصي الحقائق في شأن مسألة أو مشكلة معينة تسمى موضوع البحث، باتباع طريقة علمية تسمى منهج البحث، بغية الوصول إلى نتائج صالحة للتعميم أو علاج لمشكلة ما بطريقة أيضا قابلة للتعميم على المشاكل المماثلة تسمى نتائج البحث.
فيما يخص الباحث ففي عصرنا الحالي أصبح البحث كما يضطلع به باحثون أفراد تقوم به كذلك مجموعات بحث تسمى فرق أو وحدات أو مراكز أو مخابر بحث أو دراسات.
فيما يخص موضوع البحث هناك دوافع عديدة للبحث منها: حب المعرفة، التحضير لدرجة علمية، الحصول على جائزة، الحصول على ترقية، الوفاء بمطالب الوظيفة (مؤسسة معينة تطلب من موظف لديها القيام ببحث معين للتغلب على مشكلة معينة تواجهها)، الرغبة في تحقيق فكرة، عدم الرضا برأي معين، حب الشهرة والظهور، الاهتمام الشخصي بمشكلة ما... إلخ وهذه دوافع ذاتية، أما الدوافع الموضوعية للبحث فهي ترجع إلى وجود إشكالية حقيقية أو ظهور حاجات جديدة أو العمل على إيجاد بدائل جديدة والرغبة في تحسين الإنتاج أو الرغبة في زيادة الدخل القومي أو الرغبة في التنبؤ ... إلخ
أما فيما يخص منهج البحث، فهو يتمثل فيما يسمى الطريقة العلمية فهذه الأخيرة هي أسلوب التفكير العلمي الذي على الباحث أن يتبعه فهي تعتمد على المنطق والاستدلال والموضوعية وصولا إلى نتائج منطقية أيضا، فاكتشاف حلول المشاكل قد يقع أحيانا بالصدفة، لكن الطريقة العلمية لا تصل إلى حل المشاكل بالصدفة إنما باتباع خطوات دقيقة تسمى المنهج العلمي، وهي تتميز بمايلي: الانطلاق من تساؤل واضح وليس من أفكار مسبقة، الوصول إلى نتائج موثوقة لكنها غير قطعية ولا مطلقة، الاعتماد على منهج قابل للتكرار وقابل التأكد والتحقق منه واختباره وصولا إلى نتائج وتعميمات قابلة هي أيضا للاختبار، وليس إلى مسلمات غير قابلة للتأكيد.
إن نتائج البحث هي عبارة عن تعميمات في صورة نظريات أو قوانين، وهي تتصف بالثبات (أي الاتساق وقابلية الاختبار)، والصدق (أي صحة أدوات القياس وصحة التجارب)، والموضوعية (التحرر من التحيز والتعصب والذاتيات)، وأخيرا العلمية أي تلك المعرفة التي تضيف جديدا إلى العلم بخصائصه المعروفة.
المطلب الثاني: أنواع البحوث العلمية
هناك العديد من التقسمات لأنواع البحوث العلمية حسب الزوايا لتي يتم التقسيم انطلاقا منها:
حسب المنهج: بحوث نظرية (رياضية، فيزيائية وطبيعية، إنسانية) – بحوث تجريبية (طبيعية، إنسانية) – بحوث ميدانية – بحوث تطبيقية
حسب الهدف: بحوث استطلاعية – بحوث وصفية – بحوث تفسيرية أو برهانية
يمكن تقسيم أنواع البحوث العلمية وفق الفروع التالية:
الفرع الأول: البحوث التنقيبية
أي التنقيب عن حقائق معينة، دون محاولة التعميم، أو حتى استخدام هذه الحقائق في حل مشاكل معينة، كالبحث في تاريخ نشأة كليات الحقوق عبر العالم.
الفرع الثاني: البحوث التفسيرية النقدية
هي بحوث فكرية، أي مشكلتها الأساسية تنتمي إلى عالم الأفكار، أكثر من تعلقها بالحقائق، حيث يتم طرح الآراء المختلفة وتحليلها وتصنيفها وتفسيرها ثم نقدها، وذلك باعتماد المبادئ المعروفة في حقل التخصص، وتكون المناقشة معقولة أي وفق قواعد المنطق، ويصل البحث إلى نتائج.
الفرع الثالث: البحوث الكاملة
هي تهدف إلى حل المشكلات ووضع التعميمات عن طريق التنقيب عن الحقائق وطرح الآراء المختلفة ونقدها فهو يجمع بين النوعين السابقين.
الفرع الرابع: البحوث الوصفية
هي بحوث تهدف إلى وصف الظواهر والأحداث والعلاقات والأشياء وتشخيصها عن طريق جمع المعلومات والحقائق والملاحظات عنها، دون تحليلها أو تفسيرها أو نقدها، وإنما تقديمها على حالتها، مثل الدرسات المسحية ودراسات الحالة ودراسات النمو (الدراسات التطورية).
الفرع الخامس: البحوث التجريبية
هي بحوث تتناول ظواهر معينة عن طريق معرفة العوامل التي تؤثر فيها، وذلك باستخدام المنهج التجريبي حيث يتم فرض فروض معينة ثم قياسها واختبارها عن طريق تجارب دقيقة مضبوطة وصولا إلى نتائج معينة، وقد أصبح هذا المنهج مستخدما في العلوم الإنسانية بينما ميدانه الأساسي هو العلوم الطبيعية.
الفرع السادس: أنواع البحوث الأكاديمية
إن البحوث الأكاديمية تجرى في الجامعات من طرف الطلاب والأساتذة والباحثين، فمنها: البحوث الصفية التي يجريها الطلاب أثناء الدراسة، وبحوث الدراسات العليا ويجريها الطلبة أيضا في مراحل الدراسة العالية التي تسمى عندنا بما بعد التدرج، وهناك البحوث التي يقوم بها الأساتذة وهو يشمل الكتب التي ينتجونها والمقالات العلمية التي ينشرونها والمداخلات العلمية التي تقدم في ملتقيات علمية أو ندوات دراسية، كلها تخضع لمنهجية البحث العلمي، وإن اختلفت أحجامها ومسمياتها وأهدافها.
المطلب الثالث: أخطاء البحث العلمي
تتعدد مصادر الأخطاء في الأبحاث العلمية، منها ما يرجع إلى أخطاء الحواس كالخطأ في تدوين الملاحظات أو تصنيف البيانات المحصل عليها، ومنها ما يرجع إلى أخطاء الذاكرة حين يعتمد عليها الباحث أحيانا، ومنها أخطاء المنطق وترجع إلى عدم الاستدلال بشكل جيد على ادعاءات الباحث وتحليلاته، ومنها الأخطاء التقنية التي تسجلها الآلات إلى غير ذلك من الأخطاء التي ترجع إلى الإنسان أو إلى الأدوات المستخدمة.
وعلى كل حال فإذا كانت هذه الأخطاء تعد مقبولة وبعضها يكون غير قابل للتفادي، فإن غير المقبول هو الأخطاء المنهجية التي ترجع إلى عدم استخدام المنهجية بطريقة سليمة في مختلف أطوار البحث، وهو ما يقودنا للبحث في نظرية المنهجية.
الباب الثاني: نظرية المنهجية
الفصل الأول: حول المناهح والمنهجية
المبحث الأول: تعاريف
المطلب الأول: تعريف المنهجية
المنهج يعني مجموعة من القواعد التي يتم وضعها بقصد الوصول إلى الحقيقة في العلم، إنه الطريقة التي يتبعها الباحث في دراسته للمشكلة لاكتشاف الحقيقة.
والمناهج أو طرق البحث عن الحقيقة تختلف باختلاف المواضيع، ولهذا توجد عدة أنواع من المناهج العلمية، سندرسها لاحقا، ومن أهم تعاريف المنهج العلمي تعريف الدكتور عبد الرحمان بدوي الذي وصفه بأنه"فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، وإما من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين".
في الواقع لا توجد طريقة علمية واحدة يمكن الاعتماد عليها بمفردها للكشف عن الحقيقة، لأن العلوم تختلف، ومن ثمة تختلف طرق البحث فيها، وتختلف وسائل البحث وأواته أيضا، فبعض العلوم تعتمد الاستنتاج الذي ينطلق من الملاحظة، وبعضها تعتمد المعادلات الرياضية، وبعضها تعتمد التجارب العلمية في المخابر، وبعضها تعتمد الاستقراء والتأمل والتحليل، ولكن اختلاف المناهج لا يعني تعارضها فهي تكمل بعضها.
من جهة أخرى إذا كانت المناهج تكمل بعضها، فهي أيضا مناهج صحيحة تم اعتمادها من قبل، على عكس المناهج الخاطئة التي يوصى بعدم اعتمادها، فالمنهج هو عبارة عن طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العمل، فالمناهج العلمية جاءت عن طريق دراسات متخصصة من طرف علماء المناهج، وهناك قواعد مشتركة بين جميع العلوم تجعلنا نعتبر كل تلك المناهج هي تابعة لمسمى واحد هو المنهج العلمي.
وقد أثار كلود برنارد مشكلة: هل المنهج يوضع من طرف فلاسفة وعلماء مناهج مسبقا ثم يتعين على الباحثين اتباعه، أم هو موضوع من طرف علماء متخصصين؟
يرى البعض أن المنهج يوضع من طرف فلاسفة لأنه عملية فلسفية قبل كل شيء، لكن كلود برنارد يرى عكس ذلك، وأن المنهج يولد في المعمل الذي هو معبد العلم الحقيقي، فكل عالم في ميدانه هو الذي يضع المنهج، أما آراء الفلاسفة وتوجيهاتهم فهي لم تساهم في تطور المناهج بل الذي ساهم في ذلك هو جهود المتخصصين.
والحقيقة أن المناهج وإن اختلفت من تخصص إلى آخر فهي تنطلق من منطقات فلسفية واحدة، ويجب أن يكون هناك تكامل بين الفلاسفة المختصين في المناهج والعلماء المتخصصين، ويمكن القول أن المناهج كلها يمكن ردها إلى ثلاث فروع كبرى هي: الاستدلال والتجريب والاسترداد (المنهج التاريخي).
المطلب الثاني: الفرضية والنظرية والقانون
هي مستويات ثلاثة تتدخل في المنهج العلمي، فالمنهج العلمي يقتضي الانطلاق من فرضيات، ويطلق عليها أيضا النظريات الافتراضية، والنظرية الافتراضية هي عبارة عن افتراض مؤقت، أو بالأحرى تفسير مؤقت يضعه الباحث بهدف الوصول إلى تأكيده أو نفيه، فإذا استطاع تأكيده عن طريق خطة علمية متكونة من خطوات دقيقة وصلنا إلى ما يسمى النظرية، فالنظرية هي تفسير أو هي نسق من التفسيرات ومن الرؤى حول ظاهرة معينة، أو هي مبدأ عام وضع لتفسير حقيقة ما.
إن النظرية قد تصبح قانونا إذا وصلت إلى قدر معين من الدقة، ولكن النظرية أقل من القانون في درجة اليقينية، أو بالأصح فالنظرية تقع في مرتبة وسط بين الفرضية التي هي تفسير مؤقت والقانون الذي هو تفسير دقيق مترجم في قواعد واضحة يكفي تطبيقها للوصول إلى تفسير الظاهرة (مثل قانون الجاذبية وقوانين مندل والقوانين الفيزيائية والرياضية).
لكن النظرية مثل القانون تبقى كلها لا تعبر عن حقائق يقينية، وقد تخضع النظريات إلى تعديلات معينة من زمن لآخر مثلما حدث للكثير من النظريات دون أن تصبح قوانين، فهي تبقى في إطارها النظري وهي تساعد على الفهم وتكون منطلقا للبحوث العلمية.
بالإضافة إلى مصطلح الفرضية والنظرية والقانون هناك العديد من المصطلحات المهمة التي يعطيها لنا علم المنهجية ولها أهميتها الخاصة لاستعمال هذا العلم مثل: المفاهيم التي ينطلق منها الباحث والتي تعبر عن لغة البحث التي يتعين عليه شرحها فهي أساس التواصل بين الباحث والآخرين، وكذلك التعاريف سواء منها التعاريف المفاهيمية أو الإجرائية، وسنتعرف عليها لاحقا.
المبحث الثاني: المنهج التاريخي
مفهومه – خطواته – تقييمه
المطلب الأول: مفهومه
المنهج التاريخي أو الاستردادي يعتمد على استرداد ما وقع في الماضي لمحاولة تفسيره وربطه بالحاضر، فيحاول استرجاع البيانات والمعلومات ذات الطابع المعرفي، ويطلق عليها الوثائق، ويطلق على المنهج أيضا المنهج الوثائقي، ففي الحقيقة أن ما يتم استرجاعه هنا لا يقع تحت الملاحظة مباشرة، ولكن ما يقع تحت الملاحظة هو آثار ودلائل من خلالها وعن طريق خطوات المنهج يتم تفسير وتحليل الأحداث والظواهر التي حصلت، ولهذا فهو يتطلب الكثير من الحيطة والحذر.
وكما هو واضح فهذا المنهج يستخدم أكثر في علم التاريخ، ويعرف بأنه التدوين الموثق للأحداث الماضية، لكنه ليس حكرا على علم التاريخ، بل يمكن استعماله في أي علم آخر يحتاج إليه من أجل تفسير أي ظاهرة، ففي العلوم القانونية يتم البحث في تاريخ الأنظمة القانونية المختلفة سواء منها المدنية أو التجارية أو الإدارية أو الدستورية أو الجنائية، كالزواج والطلاق والجريمة والعقاب وغيرها، فهو منهج ضروري للباحث القانوني.
المطلب الثاني: خطواته
إن خطوات هذا المنهج هي خطوات أي منهج دراسة والتي تتلخص في خمسة نقاط أساسية: تحديد المشكلة (اختيار الموضوع)– جمع البيانات (الوثائق والمصادر والحقائق) – النقد (التحليل) – صياغة الفرضيات واختبارها (التركيب) – تفسير النتائج (إنشاء الموضوع).
الفرع الأول: اختيار المشكلة
إن أصول اخيار المشكلة في جميع المناهج واحدة تتمثل في الضوابط التالية:
- في البحث التاريخي تكون المشكلة متعلقة بالماضي، ويجب أن تكون لها أهمية واقعية وقيمة وجودية.
- المشكلة أو بالأحرى الإشكالية تنطلق من المبادرة الذاتية للباحث، وتنبثق من فضوله العلمي، ويجب أن تكون جديدة في مضمونها وعنوانها، وتضيف جديدا إلى المعرفة التاريخية، وقد تكون من بين الموضوعات المطروحة سابقا لكن يتم التطرق لها من زوايا جديدة (هذا يحتم بداهة الاطلاع على الدراسات السابقة)، فعثور الباحث على مشكلة صالحة لبحثه هو ثمرة الاطلاع الدائب والقراءة المستمرة الواعية.
- عند تعيين الباحث للمشكلة فقد تتضح هذه الأخيرة في ذهنه وضوحا كافيا فينطلق في الخطوات الموالية، أو تكون غير واضحة ويكتنفها بعض الغموض فيلجأ حينئذ إلى مزيد من القراءة والمطالعة والتأمل والتفكير ليصل إلى إشكالية صالحة للبحث.
- إن المشكلة هي أساس البحث العلمي، والبحث الذي يبدأ من فراغ ينتهي إلى فراغ، وعلى الباحث أن يراعي فيها مجموعة من المعطيات قبل الانطلاق في دراستها (هل حددت تحديدا دقيقا ؟ هل هي تعبر عن أهداف الدراسة ؟ هل صيغت بعبارات وأسئلة دقيقة ؟ هل الظروف مواتية لدراستها من مراجع وإمكانيات مادية والزمن المتاح؟)
الفرع الثاني: جمع البيانات
البيانات من حقائق ووثائق هي وسيلة الإجابة عن الإشكالية، وهي حسب بعض الباحثين قسمان: روايات مأثورة ومخلفات محسوسة، وحسب البعض هي مصادر أساسية وأخرى ثانوية، ويمكننا تقسيمها إلى ثلاثة: وثائق مكتوبة وروايات ووثائق أخرى.
أولا: الوثائق المكتوبة والمطبوعة والمخطوطة، تشمل وثائق الأرشيفات، وثائق المنظمات المجتمعية المختلفة، المدونات الإعلامية من صحف ونشريات ودوريات، التقارير السرية الحكومية والخاصة، المؤلفات في مختلف التخصصات، وهذه كلها قد توجد في المكتبات والتي تحتوي أيضا أمورا أخرى كالنقود والمعاجم والموسوعات والمخطوطات والأطالس والخرائط والأدلة... إلخ
ثانيا: الروايات الشفوية المباشرة: من أشخاص شهدوا الحادث التاريخي بأنفسهم، أو سمعوا عنه، أو قرؤوا عنه في مصادر نادرة ... إلخ
ثالثا: الوثائق الأخرى: تشمل المخلفات المحسوسة (مباني-جسور-مدن-قلاع-بقايا إنسانية-صور-سجاد-فنون)، والوسائل الناطقة الأخرى (المسجلة)، والمخلفات الأثرية التي تزخر بها المتاحف بأنواعها (متاحف الفن والتاريخ والعلم).
الفرع الثالث: نقد الوثائق
هو عملية فكرية تراجعية، لأنها ترجع إلى حقائق ماضية والتحقق من صحتها عن طريق استدلالات فكرية، فروايات الأشخاص معرضة للتحريف والكذب والنسيان، والمخلفات المختلفة عرضة للتلف والتغير والتزوير، زمن هنا فالنقد يتجه إلى الوثيقة من الناحية الخارجية للتأكد من صدقيتها وصحتها أولا، ثم يتم نقدها داخليا من خلال معرفة الحقائق التي تتضمنها.
أولا: النقد الخارجي، يتناول هوية الوثيقة وأصالتها (إثبات صحة الأصل)، وتحديد مصدرها (زمانها ومكانها وهل هي أصلية أم منسوخة، كتبت بخط صاحبها أم بخط شخص آخر، بلغة عصرها أم بغير ذلك، هوية صاحبها أو ناسخها ... إلخ).
ثانيا: النقد الداخلي، يتناول تقييم الوثيقة من حيث المادة الموجودة في الوثيقة وصدقها، مدى صحة ودقة الحقائق الموجودة فيها، وذلك بناء على معطيات كثيرة، مما يتطلب من الباحث شخصية قوية وخيالا مبدعا وثقافة واسعة وذكاء وقوة ملاحظة، فهذه العملية شديدة التعقيد. مثلا: قد يستنتج الباحث أخطاء في الوثيقة من خلال تناقض في أقوال الشهود، تناقض في الروايات الرسمية وغير الرسمية، تناقض في نفس الرواية، تناقض بين المصادر ... إلخ
الفرع الرابع: التركيب التاريخي
إذا كانت عملية النقد من شأنها أن تعطي للباحث حقائق التاريخ بصورة مبعثرة ومنفصلة، فإن عملية التركيب تتعلق بتفسير الحقائق التاريخية، عن طريق ربطها ببعضها البعض، أو بأسباب معينة، وذلك بناء على فرضيات يقوم الباحث بصياغتها، ثم يقوم بالتحقق منها، فالحادث التاريخي ليس حدثا معزولا بل هو حدث مربوط بأسباب وعلل، وهذا ما تهدف إليه هذه المرحلة.
إذا كانت الفرضيات موجودة في ذهن الباحث حتى قبل أن يقوم بجمع البيانات ونقدها، فإنه بعد ذلك يقوم بإعادة صياغة تلك الفرضيات، ويعدل فيها، ويلجأ المؤرخ خلال هذه المرحلة إلى القيام بعملية المحاكمة، أي ملء الفجوات والثغرات، فقد تكون المحاكمة سلبية بالتأكيد على أن الحادث الناقص الذي يتم البحث عنه لم يقع أبدا، وقد تكون إيجابية إذا كان العكس أي استنتاج حقيقة تاريخية لم يتم إثباتها من قبل.
إن التعليل هو هدف التركيب، وهو ذروة العملية التركيبية، فهو يقود إلى إلى بحث العلاقة بين الحقائق، وقد أكد الاتجاه الحديث في التاريخ إلى أن هذا الأخير هو دراسة أسباب، أما سرد الأحداث التاريخية المتسلسلة فليس غرضا للبحث التاريخي مهما بلغ من الدقة والموضوعية، فهو لم يعد يمثل في نظر المؤرخين المعاصرين سوى تقويم كرونولوجي لا يفسر واقع الإنسان وفعالياته المختلفة.
الفرع الخامس: إنشاء الموضوع
أي تدوين البحث ونتائجه عن طريق صياغته صياغة تاريخية، ولا بد أن يركز على المهم من الأحداث والحقائق التاريخية، كما يركز على تفسير الظواهر تفسيرا يستفيد منه في المستقبل، وعلى الباحث أن يتحرى الموضوعية في بحثه، وإن كان هناك تشكيك كبير في الموضوعية في البحوث التاريخية.
وعلى كل حال فالصياغة النهائية للبحث تتم وفق طريقة إعداد البحث العلمي التي سنشرحها في وقتها.
المطلب الثالث: تقويم المنهج التاريخي في البحث
أنكر بعض العلماء الطبيعيين والمناطقة على المعرفة التاريخية علميتها، بحجة عدم إمكان إخضاع نتائجها للتجريب، وهذا يقال على كثير من العلوم الاجتماعية.
ويرى البعض أن التاريخ هو نوع ممتع من الأدب، يتضمن أقاصيص صادقة وكاذبة، وغير صحيح أن التاريخ يعيد نفسه، وهذا عكس ما نقوله نحن من أن التاريخ يجب أن يفرز بين الكذب والصدق.
وهناك من يرى أن الباحث التاريخي يصل إلى بعض الحقائق لكنه لا يصل إلى كل الحقائق، فالمعرفة التي ينتجها ناقصة غير كاملة، ناهيك عن التزوير الذي يلحق كثيرا منها.
كل هذه الانتقادات وغيرها لا تمس المنهج التاريخي في البحث من حيث أنه يحاول تلافي كل هذه النقائص والعيوب، من خلال الابتعاد به عن التزوير والكذب، وعدم جعله مجرد جمع للحقائق بل تفسير لها، ودون شك فهو لا يخضع للتجريب لكنه يخضع لمنهج علمي رصين يصل به إلى نتائج علمية تصل إلى حد التنبؤ مع تحفظ بالنسبة لكل الأخطاء المحتملة.
المبحث الثالث: المنهج الاستدلالي
مفهومه – مبادئه – أدواته
المطلب الأول: مفهوم الاستدلال
من أجل فهم جيد لمصطلح الاستدلال يحسن بنا العودة إلى علم المنطق الأرسطي.
علم المنطق التقليدي الذي وضعه أرسطو فصار ينسب إليه، واسمه المنطق الصوري لأنه منطق مجرد لا يتلق بأشياء بذواتها بل بأي شيء، فهو منهج للتفكير مطلقا، عن طريق تمييز معرفة الخطأ والصواب في الفكر، ومن الجدير بالذكر هنا أن المنطق ضروري في كل العلوم لأنه شامل لكل صور الفكر (لذلك عرفوه بأنه علم قوانين الفكر)، فهو علم معياري أي ضابط لكل العلوم.
إن أبسط تحليل للفكر يبدأ مما يسمى في علم المنطق القضية، فقولنا السماء تمطر أو هذا كتاب كل منهما قضية، فالقضية هي وحدة التفكير، ولكنها تحلل أيضا إلى حدود، فالحد هو لفظة أو تركيبة من ألفاظ (مثل قولنا رئيس الجمهورية الجزائرية الحالي)، أحد حدي القضية اسمه الموضوع والآخر المحمول، وتربط بينهما رابطة، كما أن كل حد سواء الموضوع أو المحمول ينطلق من تصور (في الذهن).
ثم هناك حدود كلية (كقولنا إنسان) وحدود جزئية (كالجزائر لأن هناك جزائر واحدة)، وهناك حدود عينية تشير إلى شيء معين (كرجل) حدود مجردة (كالإنسانية)، وهناك حدود سالبة (كغير ذكي) وحدود موجبة (كذكي)، وهناك حدود نسبية أو متضايفة (كزوج وأب وأستاذ إذ لا بد من زوجة وولد وتلميذ) وحدود مطلقة (كمعدن).
ويجدر بنا أيضا أن نعرف أن هناك للفظة الواحدة مفهوم وما صدق، فقولنا إنسان له مفهومه هو مجموع ما يتميز به من خصائص كأن نقول هو حيوان ناطق أو منطقي، أما ماصدقه فهو كل الأفراد الذين يمكن أن يطلق عليهم لفظ إنسان.
فإذا جئنا إلى القضايا التي هي الحد الأدنى من الكلام المفهوم الذي يعبر عن فكرة، والتي تحتمل الصدق أو الكذب، فهي عبارة إخبارية.
مثلا: إذا قلت عدد سكان القاهرة 10 ملايين، هي قضية لأنها تحتمل الصدق أو الكذب، أما لو قلت: افتح الباب، أو ليت الشباب يعود يوما فهي ليست قضية لأنها لا تحتمل الصدق والكذب.
أما الاستدلال الذي هو موضوعنا، فهو يتألف من هذه القضايا، حيث يتم الانتقال من قضية إلى أخرى عن طريق عملية ذهنية تسمى الاستدلال، فإذا قال لك أحدهم أن بعض الطلبة فقط حاضرون اليوم، يمكنك أن تستدل بطريقة مباشرة على أن بعض الطلبة غائبون.
فيمكن القول أن الاستدلال مرادف للاستنباط، ولكن في علم المنطق يعتبرون الاستنباط نوعا من الاستدلال، وهو الاستدلال الصوري، وقد يكون الاستدلال استقرائيا إذا كان حسيا وليس صوريا.
وينقسم الاستدلال المباشر إلى نوعين: استدلال عن طريق التقابل بين القضايا، واستدلال عن طريق التكافؤ (التعادل) بين القضايا.
فالأول: يتعلق بقضايا متعارضة لا تصدق معا ولا تكذب معا، مثالها:
كل الطلبة حاضرون ك م (كلية موجبة)
لا واحد من الطلبة حاضر ك س (كلية سالبة)
بعض الطلبة حاضرون ج م (جزئية موجبة)
بعض الطلبة ليسوا حاضرين ج س (جزئية سالبة)
هذه القضايا الأربعة (وتسمى قضايا حملية) تشترك في الموضوع والمحمول، لكنها تختلف في الكم والكيف، وهناك علاقات منطقية تربط بينها، أولها: التقابل بالتضاد (بين ك م و ك س، لا تصدقان معا وقد تكذبان معا)، وثانيها: التقابل بالتناقض ( بين القضيتين المختلفتين في الكم والكيف أي بين ك م و ج س وبين ك س و ج م، القضيتان المتناقضتان لا تصدقان معا ولا تكذبان معا، فإذا صدقت إحداهما كذبت الأخرى، وإذا كذبت صدقت الأخرى)، وثالثها: التقابل بالدخول تحت التضاد (بين الجزئيتين المختلفتين في الكيف أي بين ج م و ج س، لا تكذبان معا ولكن قد تصدقان معا)، ورابعها: التقابل بالتداخل (بين القضيتين المتفقتين في الكيف والمختلفتين في الكم، أي بين ك م و ج م، وبين ك س و ج س، إذا صدقت الكلية صدقت الجزئية المتفقة معها، والعكس غير صحيح، ولكن إذا كذبت الجزئية كذبت الكلية المتداخلة معها، والعكس أيضا غير صحيح).
أما الثاني: أي الاستدلال المباشر عن طريق التعادل بين القضايا، فهو انتقال من قضية معلومة إلى قضية أخرى تختلف معها في الموضوع أو المحمول أو فيهما معا، وتكون كل من القضيتين الأولى والثانية من نفس درجة الصدق أو الكذب، وهو أنواع: العكس المستوي، نقض المحمول، نقيض العكس، وعكس النقيض، ونقض الموضوع. (تراجع في الكتب المتخصصة)
هذا عن الاستدلال المباشر، أما الاستدلال غير المباشر، والذي يطلق عليه القياس، وهو أهم ما جاء به المنطق الأرسطي، ويتم فيه الانتقال من المعلوم (مقدمات القياس) إلى المجهول (نتيجة القياس) بواسطة معينة (حد ثالث يربط بين الحدين)، وهو أنواع: القياس الحملي، والقياس الشرطي المتصل، والقياس الشرطي المنفصل، والقياس المختلط.
خلاصة:
خلاصة ما سبق أن المنهج الاستدلالي يعتمد على الاستدلال أي على علم المنطق الذي يدور بين الاستدلال المباشر والاستدلال غير المباشر، وهما يشكلان المنطق الأرسطي أو الصوري، ومن جهة أخرى هناك الاستقراء وهو يشكل المنطق الحديث الذي يختلف تماما عن المنطق الأرسطي في أنه بالأساس يتنقل من الجزئيات إلى الكليات والعموميات، وهو أيضا استدلال لكنه استدلال قضية من أكثر من قضيتين (استدلال قضية من قضيتين فقط هو استدلال غير مباشر).
مخطط توضيحي:
المطلب الثاني: مبادئ الاستدلال
عرف الدكتور عبد الرحمان بدوي الاستدلال بأنه:" البرهان الذي يبدأ من قضايا يسلم بها إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة دون التجاء إلى التجربة، وهذا السير إما بواسطة القول أو الحساب". ويجدر بنا تحليل هذا التعريف لفهم الاستدلال؛
فهو أولا: برهان، أو هو بالأحرى استنتاج، ثم هناك فرق بين الاستدلال والبرهنة، فالاستدلال هو عملية نظرية أو صورية إذ هي لا تهتم بصدق المقدمات بقدر ما تهتم بصحة النتائج بناء على التسليم بصحة المقدمات، فنقول مثلا: كل مسلم أمين، وفريد مسلم، إذن ففريد أمين، هو استدلال صحيح، ولكنه يحتاج إلى برهنة، والبرهنة تأتي من إثبات أولا أن كل مسلم أمين، فإذا صدقت هذه المقدمة كانت النتيجة أيضا صادقة وصحيحة.
وثانيا: هو يبدأ من قضايا يسلم بها إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة، فالاستدلال كما رأينا يتألف من قضايا، أو أن مجاله وميدانه هو القضايا.
وثالثا: الاستدلال يقوم على عمليات عقلية منطقية وليس على التجربة التي هي أساس لمنهج آخر مخالف هو المنهج التجريبي، الذي هو بالأساس منهج مادي وليس عقليا إذ يتناول المحسوسات وليس الأفكار.
ورابعا وأخيرا: أن هذا الاستدلال يكون بواسطة القول أو الحساب، فالأول هو علم المنطق الذي يتعلق بما نقوله من أقوال وأفكار،و الثاني هو الاستدلال الرياضي، فالرياضيات تعتمد كلية على الاستدلال.
فإذا جئنا إلى القضايا التي ينطلق منها الاستدلال لوجدنا أنها عند التدقيق فيها مستنتجة أصلا من قضايا سابقة لها، عن طريق الاستدلال أيضا، ولكن لا بد أن هذه العملية ليست لانهائية حيث توجد قضايا بلا شك غير مستنتجة من قضايا سابقة، وهذه القضايا تسمى مبادئ أو تصورات أو قضايا أولية، وهي مبادئ الاستدلال الأولى، والتي تتلخص في ثلاثة: البديهيات، والمصادرات، والتعريفات.
1- البديهيات:
عرف الدكتور عبد الرحمان بدوي البديهية بأنها:"قضية بينة بنفسها، وليس من الممكن أن يبرهن عليها، وتعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها".
يستخلص من التعريف ثلاث خصائص للبديهية:
- البينة الذاتية، أي وضوحها للنفس بلا برهان.
- الأولية المنطقية، أي أنها غير مستخلصة من غيرها.
- الصورية، أي انطباقها على الأفكار الخاصة بكل العلوم.
ومثالها: من يملك الأكثر يملك الأقل، والكل أكبر من الجزء
فهي من جهة مسلمة عند كل العقول، ومن جهة أخرى مقبولة في كل العلوم.
2- المصادرات:
المصادرة أقل درجة من البديهية، فهي ليست بينة بذاتها، ولكن يتفق على صحتها ويسلم بصحتها مع عدم وضوحها للعقل (أو بتعبير أدق: يصادر على صحتها)، وذلك نظرا لفائدتها طالما أنها لا تنطوي على تناقض، لكن دون إمكانية البرهنة عليها.
والمصادرات تختلف حسب كل علم، وليست عامة لكل العلوم، وتساهم في استنتاج نتائج جد هامة، وتلك النتائج الصحيحة هي بالتالي البرهان أيضا على صحة المصادرة، كما يمكن إنكار مصادرة ما والانطلاق من مصادرة أخرى مختلفة عنها دون إشكال.
ومثالها: من نقطة خارج المستقيم يمكننا رسم مستقيم واحد فقط يمر بهذه النقطة ويوازي المستقيم الأول، ومثالها: فكرة المماس التي لا أساس لها في الحقيقة لكننا نصادر على صحتها، وأيضا نصادر على أن المستقيم ليس له سمك لكن الحقيقة هي أن لكل مستقيم سمك.
3- التعريفات:
لكل علم تعريفاته، ويقال عن التعريف أنه يعبر عن ماهية المعرف وعنه وحده وعنه كله، أي جامعا مانعا، وقد تعدد التعريفات لكن أحدها فقط هو الذي تتحقق فيه هذه الخاصية، مثل تعريف المثلث بأنه شكل هندسي متكون من ثلاثة مستقيمات متقاطعة مثنى مثنى في مستوي، ويطلق عليه التعريف التكويني أو الرياضي.
وهناك التعريف التجريبي، وهو لا يتشكل دفعة واحدة بل قد يحتاج إلى تجارب، مثل تعريف الإنسان بأنه حيوان ثديي، فهذا التعريف احتاج إلى تجارب كثيرة، كما يحتاج أيضا إلى تجارب جديدة كلما ظهر جديد بالنسبة للإنسان أو بالنسبة للثديي.
ويرى بعض الفلاسفة أن التعريفات هي بمثابة فروض لكنها ليست بحاجة إلى تجربة.
ومن الجدير بالذكر أن التعريف ليس قضية (بحسب مفهوم القضية في علم المنطق)، فلا يقال عنه صادق وكاذب، فهو عمل اصطلاحي.
خلاصة: لقد اعتدنا في بحوثنا العلمية أن نستخدم هذه المبادئ الثلاثة معا، فنذكر البديهيات والمصادرات والتعريفات، ثم نشرع في الاستدلال، أي في الربط بين القضايا المختلفة للوصول إلى نتائج جديدة.
المطلب الثالث: أدوات الاستدلال
للاستدلال أدوات عدة أهمها: القياس، التجريب العقلي، التركيب
الفرع الأول: القياس
إن النتيجة في القياس هي نتيجة افتراضية، لأن القياس لا يضمن لنا الصحة الخارجية (الواقعية) للنتيجة، بل كل ما يقوله هو أن النتيجة يجب أن نسلم بها إذا سلمنا بالمقدمات، ولذلك فهو غير مجد بقوة في الرياضيات التي تعتمد البرهنة لأنها يجب أن تضمن صحة المقدمات، ولذلك فالقياس هو تحصيل حاصل عكس البرهنة التي تنتقل إلى حقائق جديدة.
بالإضافة إلى ذلك فالبرهنة في الحقيقة تتضمن سلسلة مركزة من الأقيسة (الشرطية)، فالقياس هو بمثابة فقرة من فقرات البرهنة.
ومن هنا صح القول أن أهمية القياس كبيرة جدا بالنظر إلى كل هذا الدور الخفي الذي يقوم به في الرياضيات، أما في غير الرياضيات فالقياس أيضا لا غنى عنه، وله أهمية كبيرة تعادل دوره في الرياضيات.
الفرع الثاني: التجريب العقلي
معناه أن يقوم الإنسان داخل عقله بكل الفروض والتحقيقات (التجارب والبراهين) التي قد ييأس أو لا يتيسر له أن يقوم بها في الخارج.
فالعالم قبل أن يقوم بالتجارب العلمية يتخيل في ذهنه كل العمليات العقلية التي سيقوم بها، فالتجريب العقلي يشبه التجربة، لكنه يجري بلا أدوات بل في الذهن، كما يشبه البرهنة أيضا، فالبرهنة هي عملية تجريب عقلي في النهاية.
ولهذا التجريب فوائد كثيرة، فهو يوفر الوقت والمال والمكان، وكل ما تحتاجه التجربة، بل يقال أن جاليليو قام بكل التجارب في عقله واقتنع بها قبل أن يقوم بها في الواقع، ولذلك فالتجريب العقلي يعلم الجرأة على التفكير، إذ يمكنه أن يفرض فروضا لا يمكن فرضها لو كان العالم قد شرع في التجربة ميدانيا قبل أن يقوم بالتفكير والتجريب العقلي.
ويقول ديكارت أنه يستطيع أن يستغني عن أي تجربة فيزيائية لأنه يستطيع ان يقوم بكل العمليات الممكنة في ذهنه.
الفرع الثالث: التركيب
التركيب ما هو إلا عملية استنتاج من مقدمات معينة، حيث يأتي الباحث بمقدمة معينة يفترض صحتها، ثم يستخلص منها كل النتائج الممكنة، ولا يرتد إلى الوراء كما في التحليل، فالرياضيات كما تعتمد التحليل فهي تعتمد التركيب بشكل أكبر، ولولا ذلك لكانت الرياضيات كلها تحصيل حاصل.
المبحث الرابع: المنهج التجريبي
مفهوماته – خطواته – أنواع التصاميم التجريبية – ميزاته وعيوبه
المطلب الأول: مفهوماته
عادة ما يعتبر المنهج التجريبي هو الطريقة العلمية نفسها، لأنه يسمح بإعادة اختبار النتائج، عن طريق إعادة التجربة التي هي أساس هذا المنهج، ولذلك يعد أدق المناهج، وهو يعتمد الاستقراء بدلا من الاستنتاج، ولذلك فأساسه الأول هو الملاحظة.
التجربة: هي ملاحظة مقصودة تحت ظروف متحكم فيها، أو مفتعلة، يقوم بها الباحث لاختبار الفروض العلمية، للكشف عن العلاقة بين نوعين من العوامل: العامل السببي، والنتيجة (أو المتغير التابع).
العامل (المتغير) المستقل: هو العامل الذي نريد أن نقيس مدى تأثيره في الموقف، لذلك يسمى العامل التجريبي أو المتغير التجريبي.
العامل التابع: ويسمى أيضا العامل الناتج،وهو العامل الناتج عن تأثير العامل المستقل.
المجموعة التجريبية: هي المجموعة التي يتم إدخال المتغيرات المستقلة عليها وملاحظة التغيرات التي تحصل تدريجيا.
المجموعة الضابطة: هي مجموعة يحتفظ بها تحت ظروف عادية للمقارنة بينها وبين المجموعة التجريبية بعد إدخال المتغيرات عليها.
ضبط إجراءات التجربة: يتم دائما عند إجراء التجارب إعادة ضبطها لتفادي تأثير عوامل أخرى غير التي أدخلها المجرب بنفسه، وتؤدي إلى نتائج غير سليمة بسبب تأثير العوامل غير المرغوب فيها، أو التي لم يحسب لها حساب.
الملاحظة: هي أساس الاستقراء العلمي عموما، وتنصب في الأعم على مجموعة الظواهر التي اتخذها ذلك العلم موضوعا لدراسته، والملاحظة قد تكون ملاحظة بسيطة غير مقصودة أي تلقائية (مثل نيوتن والتفاحة)، وقد تكون ملاحظة علمية مقصودة أي مستثارة (رصد حركة الكواكب).
الفروض: هي حلقة وسطى بين الملاحظة والتجربة، فكل ملاحظة لا توجه نظر الباحث إلى فكرة يمكن التحقق من حقيقتها بالتجربة ليست ملاحظة علمية، وكل تجربة لا تنطلق من فروض علمية دقيقة هي تجربة عقيمة.
والفروض من الممارسات الشائعة جدا في حياة الإنسان، ولا سيما حينما تحوم به مشكلة ما، فإن كانت الإشكالية هي الخطوة الأولى في البحث العلمي فإن الفروض هي الخطوة الثانية مباشرة، فقد يرسب الطالب في الامتحان (ملاحظة)، فيتساءل عن الأسباب (إشكالية) ثم يطرح عدة فروض (عدم فهم الأسئلة، كان مرهقا بسبب السهر، لم يعط الإجابة حظها من العناية ...)، فهذه فروض عفوية.
أما الفروض العلمية فهي ليست بهذه البساطة لأنها تقوم على أسس منهجية، حيث تكون عبارة عن تفسيرات مؤقتة للعلاقة بين المتغيرات، في انتظار التحقق منها بواسطة التجربة أو التجارب.
تأخذ الفرضية إما صيغة الإثبات (فرضية مباشرة)، أي إثبات وجود علاقة سلبية أو إيجابية بين المتغيرين، أو صيغة النفي، أي نفي وجود أي علاقة (الفرضية الصفرية).
المطلب الثاني: خطواته
تبعا للمفاهيم السابق بيانها فإن المنهج التجريبي كمنهج للبحث يكاد يقوم على ذات الخطوات الخاصة بالبحث، وهي كالتالي:
الملاحظة - تحديد المشكلة – وضع الفرضية أو الفروض التي تكون خصيصا للتجريب – اختبار الفروض عن طريق التجريب وفق أحد التصميمات التي سيتأتي بيانها – الوصول إلى النتيجة في شكل تعميمات أو نظريات – تدوين البحث أو التقرير النهائي.
والتجريب ليس خاصا بالعلوم الطبيعية فقط بل يستخدم أيضا في العلوم الإنسانية والاجتماعية (انظر المراجع).
المطلب الثالث: أنواع التصاميم التجريبية
- منهج المجموعة الواحدة : له نوعان
مع قياس بعدي فقط: تدرس مجموعة واحدة تحت تأثير متغيرين مستقلين بدون استخدام مجموعة ضابطة، مثلا: تجريب طريقة تدريب رياضة على مجموعة معينة ثم تجريب طريقة أخرى، والمقارنة بين نتائج الطريقتين لمعرفة أيهما أنجع.
ملاحظة: في الحقيقة تكون المجموعة الواحدة تجريبية وضابطة في نفس الوقت، فتكون ضابطة قبل إدخال المتغيرات، وتجريبية بعد إدخالها.
مع قياس قبلي وبعدي، في هذه الحالة يتم أخذ مجموعة واحدة لكن تعرض لقياس قبلي قبل إدخال المتغير المستقل، مثلا: قياس درجة لياقة فئة من المعوقين، ثم تعريضهم لتمرين لياقة عن طريق الكرة الطائرة، ثم القياس مرة أخرى بعد إدخال هذا العامل.
- منهج المجموعتين (التصميم المقارن): تكون إحداهما تجريبية والأخرى ضابطة، أي لا تجرى عليها التجربة ويقارن بينها وبين المجموعة التي أدخلت عليها المتغيرات، وهو أيضا نوعان:
مع قياس بعدي فقط: تؤخذ من العينة مجموعتان عشوائيا أو على أساس التكافؤ، وتدخل التغييرات على أحد المجموعتين، وتقارن بالمجموعة الضابطة.
مع قياس قبلي وبعدي، للمجموعة المختارة عشوائيا أو على أساس التكافؤ، ومقارنتها بالأخرى الضابطة.
- منهج التجريب لأكثر من مجموعة تجريبية، مع مجموعة واحدة ضابطة، مثلا مجموعتان تجريبيتان والثالثة ضابطة.
المطلب الرابع: مزايا وعيوب المنهج التجريبي
لعل أهم ميزة للمنهج التجريبي هي إمكانية إعادة التجربة والتحقق منها، كما أن شرعية الفرضية التي يتم وضعها من أجل التجربة، ثم إجراء التجربة، يجعل هذا المنهج يمتاز بالواقعية، كما أنه من ناحية أخيرة يستطيع أن يصل إلى تفسير العلاقات بين الظواهر وليس مجرد وصفها.
أما ما يؤخذ عليه فهو أن التجربة تجري في ظروف صناعية (أي مصطنعة) تخضع لأهواء واختيارات المجرب (التحيز)، وفي ضوء إمكانياته، كما أن البحث التجريبي يتطلب أحيانا إجراءات إدارية معقدة، وفي بعض مجالات البحوث توجد صعوبة في الحصول على تعاون أفراد الدراسة.
وكذلك من أهم الانتقادات التي وجهت إلى المنهج التجريبي هي صعوبة التحكم في التجربة، والوصول إلى ما يسمى بالضبط التجريبي، أي تحييد كل العوامل الأخرى التي تتدخل في الظاهرة دون أن يتم أخذها بعين الاعتبار، كما أن المجموعات خاصة الإنسانية شديدة التباين ويصعب إيجاد مجموعات تجربيبة متكافئة حقا.
المبحث الخامس: المنهج الجدلي