على مرّ التاريخ، شكّلت تربية المواشي، في منطقتنا، مكوّن مهم في اقتصاد الإنسان وتغذيته (لحوم، حليب، جلد وصوف)، وتمّ استخدام مناطق الحرش مراعي للماعز. لا شك أن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط مناسبة جدًّا لتنمية الماعز، كما أنها مناسبة لتنمية القمح، الشعير، العنب والتين. الإثبات لذلك أنّ هذه النباتات معمرة في منطقتنا منذ آلاف السنين على الرغم من التطوّر الزراعيّ – التكنولوجيّ الكبير.
من بين الحيوانات في منطقتنا (أبقار، خراف، ماعز)، يَستغل الماعز الجنبات الخشبيّة بشكل جيد، من خلال مضغ الأوراق وأطراف الفروع (browsing) ،أمّا الأبقار والخراف فهي ترعى نباتات عشبيّة (grazing) بالأساس. كما أنّ الماعز يستطيع أن يبقى على قيد الحياة أكثر من الأبقار والخراف، ويستطيع أن يُنْتِج أكثر منها في الظروف الصعبة.
التدخُّل الذي يعتمد على المرعى كغذاء استثنائي أو أساسي، قد يؤدّي إلى رعي زائد يضر بالمنظر النباتي والبيولوجي. لهذا السبب ولأسباب أخرى تمّ اعتبار الماعز كمسببات أضرار متطرفة لجنبات الحرش. وفي سنة 1950 صدر في البلاد "قانون حماية النباتات من أضرار الماعز" (العنزة السوداء) الّذي بموجبه لا يُسمح للإنسان أن يربي ماعز "إلّا في الأراضي التي يملكها"، ويحدّد القانون عدد الماعز الذي يُسمح تربيتها في أراضي الأشخاص الذين يربون الماعز.
لكن، هناك من يدّعي أنّ الرعي في الحرش لا يستطيع إبادة النباتات بشكل متطرّف. أحد الشروح لذلك أنّ جنبات الحرش مرّت خلال آلاف السنين بعمليّة الرعي والتشويش المختلف الذي أدّى إلى تطوّر نباتات ذات آليات مناسبة لهذه الأوضاع. عندما نُدير القطيع بطريقة غير صحيحة نؤدّي إلى ضرر كبير لدى النباتات، لكن الماعز وحدها لا تستطيع أن تهدم النبات الطبيعي دون مساعدة الإنسان. من المهم أنْ نذكر أنّ الرعي الزائد هو أحد العوامل التي تؤثّر بشكل متطرّف على منظر النباتات، مثل: الحرائق، قَطع النباتات، تحويل مساحات أراضي للزراعة وغير ذلك.
مع تطوّر الزراعة المكثفة تمّ التخلي عن مساحات أحراش كثيرة لصالح مساحات أراضي سهلة المعالجة بواسطة آلات ميكانيكيه. مثلًا: التوقف عن استعمال الأراضي وانخفاض عدد الماعز الذي يرعى في الكرمل، بين سنوات الخمسينيات السبعينيات، أدّى إلى تطوّر نباتات متشابكة "أغلقت" الحرش وأدّت إلى انتشار نباتات مقاومة للرعي بطريقة لا تخضع للمراقبة. أدى هذا الوضع المتطرّف إلى نتائج أخرى، من بينها انتشار الحرائق (نتيجة لوجود كتلة أحيائيّة نباتية عالية في الحرش)، إغلاق المكان أمام المتجولين والمتنزهين، انخفاض تعداد أنواع النباتات والحيوانات التي تتغذى على النباتات العشبية وانخفاض في تعداد أنواع الجيوفيتات (النباتات الأرضية).
للحفاظ على مجتمعات النباتات في مناطق البحر الأبيض المتوسط، يجب الحفاظ على نظام تشويش وعلى طابع هذا التشويش الذي يؤثّر على تطوّر هذه المجتمعات النباتية. بدأ الاعتراف، في السنوات الأخيرة، أنّ رعي الماعز له دور مهم في التدخُّل لمعالجة وإدارة مساحات الحرش. يستطيع تدخُّل الرعي في الحرش أن يخدم هدفين، يخدم صاحب القطيع لأنّ المرعى يزود الغذاء لقطيعه، والهدف الثاني مرتبط بالمصلحة العامة للناس، لأنّه بهذه الطريقة يتمّ الحفاظ على الحرش ورعايته. لإدارة تدخُّل يتحقّق فيه هذين الهدفين على النحو الأمثل، يجب تنفيذ رعي استدامة بطريقة تخضع للمراقبة.