الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى ..
وبعد ..
كيفية إعداد بحث فقهي:
1-جمع عناصر الموضوع وترتيبها.
2- جمع المصادر والمراجع التي سيعتمد عليها في البحث، ومحاولة الاستقصاء ما أمكن؛ فقد يوجد في الأنهار ما لا يوجد في البحار، ويوجد في الكتب أو الرسائل الصغيرة ما لا يوجد في المراجع والأمهات.
3- القراءة الواسعة المتأنية في الموضوع؛ لتصور الموضوع تصورًا عامًّا، وتكوين فكرة عامة عنه، دون تكوين رأي محدد منذ البداية.
4- البدء بتدوين المادة العلمية في أوراق أو بطاقات خاصة تسهِّل الاستفادة منها، والرجوع إليها، مع تنظيم هذه البطاقات وترتيبها، ووضع عناوين كبيرة في أعلاها تدل على محتواها.
5-البدء بكتابة الموضوع متبعا الخطوات التالية:
1- تصور المسألة
مثلا: مسألة خلوة أجانب بأجنبية:
الْخَلْوَة في اللغة : من خلا المكان والشيء يخلو خلوا وخلاء ، وأخلى المكان : إذا لم يكن فيه أحد ولا شيء فيه ، وخلا الرجل وأخلى وقع في مكان خال لا يزاحم فيه . وخلا الرجل بصاحبه وإليه ومعه خلوا وخلاء وخلوة : انفرد به واجتمع معه في خلوة ، وكذلك خلا بزوجته خلوة . والْخَلْوَة: الاسم ، والْخِلْو : المنفرد … ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا المصطلح عن معناه اللغوي.
الأجنبية : هي من ليست زوجة ولا محرما ، والمحرم من يحرم نكاحها على التأبيد ، إما بالقرابة ، أو الرضاعة ، أو المصاهرة.
2- تحرير محل النزاع:
أجمع العلماء على تحريم خلوة الرجل بالأجنبية، ولكن الفقهاء اختلفوا إذا خلا رجال بأجنبية ، هل يحرم أم لا ؟ على أقوال يأتي بيانها - إن شاء الله -.
ومثلا:
حجة قول([1]) الصحابي:
تحرير محل النزاع:
قول الصحابي إما أن يثبت له حكم الرفع أو لا؟ والأول سبق الكلام عنه، وكلامنا فيما لم يثبت له حكم الرفع - وهو لا يخلو من أن يشتهر، أو لا يشتهر، أو لا يعلم اشتهر أم لم يشتهر.
- والأول وهو ما اشتهر من أقوالهم: إما أن يوافقه سائر الصحابة على ذلك، أو يخالفوه، أو لا ينقل لنا كلامهم في ذلك.
- فإن اشتهر قوله ووافقه الصحابة فهو إجماع وهو حجة باتفاق.
- وإن اشتهر فخالفوه، فهنا ثلاث مسائل:
الأولى - أن قول بعضهم ليس حجة على بعض:
قال الجويني: [واجمعوا أن قول الصحابي لا يكون حجة على الصحابي] .
قال الآمدي: [اتفق الكل على أن مذهب الصحابة في مسائل الاجتهاد لا يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين، إماماً كان أو حاكماً أو مفتياً] .
قال الشوكاني: [اعلم أنهم قد اتفقوا على أن قول الصحابي في مسائل الاجتهاد ليس بحجة على صحابي آخر. وممن نقل هذا الاتفاق القاضي أبو بكر والآمدي وابن الحاجب وغيرهم].
قال الشنقيطي: [قول الصحابي الذي ليس له حكم الرفع ليس بحجة على مجتهد آخر من الصحابة إجماعاً] .
الثانية - ألا نخرج عن أقوالهم:
قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يقول: (إذا كان في المسألة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث لم نأخذ فيها بقول أحد من الصحابة ولا من بعدهم خلافه وإذا كان في المسألة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول مختلف نختار من أقاويلهم ولم نخرج عن أقاويلهم إلى قول من بعدهم) - وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان - بإذن الله - في باب الإجماع -.
الثالثة - أننا نرجح من بين أقوالهم ما ترجحه القرائن.
قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (20/ 14): (وان تنازعوا - أي الصحابة - رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء).
- وأما أن يشتهر ولا يعلم له مخالف أو موافق فهذا هو الإجماع السكوتي، وهو حجة ظنية على الراجح من أقوال العلماء.
قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (20/ 14): (وأما أقوال الصحابة فان انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء).
وإن لم يشتهر قوله أولم يعلم هل اشتهر أم لا؟. فهذا هو موطن النزاع.
3- عرض الخلاف بين العلماء في المسألة (أقوال العلماء).
4- توثيق الأقوال بالرجوع للمصادر الأصيلة في كل مذهب ثلاثة كتب على الأقل ممكن ننقل عن واحد ونعزو للآخرين.
مثال:
اختلف العلماء في مسألة التعزير بالمال على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الجواز مطلقاً
وهو قول أبي يوسف، وأحد قولي الحنفية، وهو قول الشافعي في القديم، وقول عند المالكية وأحمد في مواضع مخصوصة من مذهبيهما. ونصره تقي الدين ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم . وعزاه أبو رخية([2]) لإسحاق بن راهويه وقال: وقال به نفر من المحدثين. وعزا الخطابي للحسن البصري، والأوزاعي وأحمد وإسحاق القول بعقوبة الغال في ماله([3]). وعزاه الأخميمي([4]) ، وكذا الشوكاني في النيل([5]) للإمام يحيى والهادوية من الزيدية.
توثيق قول أبي يوسف وأحد قولي الحنفية:
قال الزيلعي في تبيين الحقائق (3/208): (وعن أبي يوسف أن التعزير بأخذ الأموال جائز للإمام).
قال علاء الدين الطرابلسي في معين الحكام (ص/195): (يجوز التعزير بأخذ المال وهو مذهب أبي يوسف وبه قال مالك).
قال ابن نجيم في البحر الرائق (5/45): ولم يذكر محمد التعزير بأخذ المال وقد قيل روي عن أبي يوسف أن التعزير من السلطان بأخذ المال جائز كذا في الظهيرية وفي الخلاصة سمعت عن ثقة أن التعزير بأخذ المال إن رأى القاضي ذلك أو الوالي جاز ومن جملة ذلك رجل لا يحضر الجماعة يجوز تعزيره بأخذ المال).([6])
5- الأدلة والمناقشة
أدلة القول الأول([7]):
الدليل الأول:
استدلوا بما رواه أبو داود (1575)(1/494)، والنسائي (2444)(1/554)، (2449)(5/25)، وأحمد (5/2، 4)، والدارمي (1677)(1/486)، وعبد الرزاق (6824)(4/18)، وأبو عبيد في الأموال (988)(1/446)، وابن زنجويه في الأموال (1133)، وابن الجارود في المنتقي (341)(1/93)، والروياني في مسنده (913)(2/109)، وابن خزيمة (2266)(4/18)، والطحاوي في معاني الآثار (2/9)، (3/297)، والطبراني في الكبير (16655)(19/410)، والحاكم (1448)(1/554)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في سننه (4/116)، وفي معرفة السنن والآثار (2254)(3/241) – كلهم – من طرق كثيرة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعاً: (في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فانا آخذوها منه وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا جل وعز لا يحل لآل محمد منها شيء) واللفظ لأحمد.
وجه الاستدلال من الحديث:
هذا الحديث ظاهر الدلالة في تقرر العقوبة بأخذ المال، حيث أنه صلى الله عليه
وسلم قضى على من منع زكاة ماله بأخذ شطر ماله زيادة على المستحق عليه.
مناقشة الدليل:
اعترض المانعون من العقوبة المالية على الاستدلال بهذا الحديث بعدة اعتراضات:
الاعتراض الأول: الاختلاف في رواية بهز عن أبيه عن جده، وتضعيفها مطلقاً.
قال ابن حجر في تلخيص الحبير(2/161): (وقال الشافعي ليس بحجة وهذا
الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ولو ثبت لقلنا به).
الاعتراض الثاني: الاختلاف في الاستدلال بالحديث.
ولهم في ذلك وجوه:
1- قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (3/242): (وقرأت في كتاب الغرمين لأبي عبيد الهروي: قال الحربي: غلط بهز في لفظ الرواية وإنما هو: 'وشطر ماله'([8]) يعني أنه يجعل ماله شطرين فيتخير عليه المصدق ويأخذ الصدقة ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة . فأما مالاً يلزمه فلا).
وقال ابن قدامة في المغني (2/229): (وحكى الخطابي , عن إبراهيم الحربي أنه يؤخذ منه السن الواجبة عليه من خيار ماله , من غير زيادة في سن ولا عدد , لكن ينتقي من خير ماله ما تزيد به صدقته في القيمة بقدر شطر قيمة الواجب عليه . فيكون المراد ب " ما له " هاهنا الواجب عليه من ماله , فيزاد عليه في القيمة بقدر شطره , والله أعلم .).
2- وقد عرض الشيخ العثيمين وجهاً آخر في تقدير هذه الغرامة فقال في الشرح الممتع: (وشطر المال أي: نصفه. ولكن هل هو شطر ماله عموماً أو شطر ماله الذي منع منه زكاته؟
الجواب: في هذا قولان للعلماء:
الأول: أننا نأخذ الزكاة ونصف ماله الذي منع زكاته.
الثاني: أننا نأخذ الزكاة ونصف ماله كله.
مثال ذلك: إذا كان عند رجل مائة من الإبل ومائة من الغنم، ومنع زكاة الغنم. فعلى القول الأول: نأخذ منه خمسين من الغنم، وزكاة الغنم. وعلى القول الثاني: نأخذ منه خمسين من الغنم، وخمسين من الإبل وزكاة الغنم؛ لأن المراد المال كله، والنص محتمل. فإذا كان محتملاً، فالظاهر أننا نأخذ بأيسر الاحتمالين؛ لأن ما زاد على الأيسر فمشكوك فيه، والأصل احترام مال المسلم. ولكن إذا انهمك الناس وتمردوا في ذلك ومنعوا الزكاة، ورأى ولي الأمر أن يأخذ بالاحتمال الآخر فيأخذ الزكاة ونصف المال كله فله ذلك).
3- قال السيوطي في شرحه لسنن النسائي (5/16): (وقيل معناه أن الحق مستوفي منه غير متروك وان تلف شطر ماله كرجل كان له ألف شاة فتلفت حتى لم يبق له إلا عشرون فإنه يؤخذ منه عشر شياه لصدقة الألف وهو شطر ماله الباقي)
الاعتراض الثالث: أن هذا الحديث منسوخ .
قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (3//241): (واستدل الشافعي على نسخه بحديث البراء بن عازب فيما أفسدت ناقته([9]) . فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في
تلك القصة أنه أضعف الغرامة بل نقل فيها حكمه بالضمان فقط . فيحتمل أن يكون هذا من ذاك).
الاعتراض الرابع: وهو يقوي معنى النسخ وذلك بأن هذا الحديث متروك الظاهر.
قال ابن حجر في فتح الباري (13/355): (ويؤيده أطباق فقهاء الأمصار على ترك العمل به فدل على أن له معارضا راجحا وقول من قال بمقتضاه يعد في ندرة المخالف).
قلت: وهناك مسلك آخر يؤيد هذا الوجه، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم لم يعملوا بظاهر هذا الحديث، فقد حصل منع الزكاة أيام أبي بكر رضي الله عنه ولم ينقل عنه ولا عن غيره من الصحابة القول بموجب هذا الحديث فكان واقعهم العملي بمثابة إجماع على عدم أخذ الزيادة.([10])
مناقشة هذه الاعتراضات:
الاعتراض الأول:
ويجاب عن هذا الاعتراض بذكر كلام العلماء في إسناد بهز عن أبيه عن جده،
ومن صحح هذا الحديث من العلماء.
هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، أبو عبد الملك القشيري .
وهو موثق عند الجمهور كما قال الحافظ في الفتح (13/ 355)، فقد وثقه: يحيى بن معين، وعلي بن المديني، والنسائي، والترمذي، والحاكم، وغيرهم.
وقال عنه ابن عدي: [ قد روى عنه ثقات الناس، و قد روى عنه الزهري، وجماعة من الثقات، وأرجو أنه لا بأس به، و لم أر له حديثا منكرا، وإذا حدث عنه ثقة، فلا بأس به].
وقد تكلم فيه بعض الأئمة بما ليس بقادح: منهم شعبة، وابن حبان.
- قال أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادى فى كتاب " التمييز " : قلت لأحمد ـ يعنى ابن حنبل ـ : ما تقول فى بهز بن حكيم ؟ قال : [سألت غندرا عنه فقال : قد كان شعبة مسّه، لم يبين معناه، فكتبت عنه].
والظاهر من هذه العبارة أن الإمام أحمد لم يقبل هذا الجرح؛ لأنه غير مفسر، وكتب عن بهز.
وقد وردت هذه العبارة على نحو آخر في نسخة أخرى من التهذيب ولفظها:[ كان شعبة مسه، ثم تبين معناه ، فكتب عنه.] وظاهر هذه العبارة رجوع الإمام شعبة عن تضعيف بهز.
- قال ابن حبان: [قال ابن حبان : كان يخطىء كثيرا، فأما أحمد وإسحاق فهما يحتجان به، وتركه جماعة من أئمتنا، و لولا حديثه: " إنا آخذوها و شطر ماله " لأدخلناه في" الثقات "، وهو ممن استخير الله فيه.].
وقد تعقب الذهبي مقالة ابن حبان هذه حيث قال في تاريخ الإسلام(9/80 – 81): [ قلت علي بن حاتم البستي في قوله هذا مأخوذات .
إحداهما- قوله: كان يخطئ كثيراً وإنما يعرف خطأ الرجل بمخالفة رفاقه له، وهذا انفرد بالنسخة المذكورة وما شاركه فيها، ولا له في عامتها رفيق، فمن أين لك أنه أخطأ([11]).
الثاني- قولك: تركه جماعة، فما علمت أحداً تركه أبداً، بل قد يتركون الاحتجاج بخبره، فهلا أفصحت بالحق .
الثالث- ولولا حديث: إنا آخذوها، فهو حديث أنفرد به بهز أصلاً ورأساً، وقال به بعض المجتهدين([12])، ويقع بهز غالباً في جزء الأنصاري، وموته مقارب لموت هشام بن عروة، وحديثه قريب من الصحة .]
- وأما قول الحاكم : [كان من الثقات ، ممن يجمع حديثه ، و إنما أسقط من الصحيح روايته عن أبيه عن جده ، لأنها شاذة ، لا متابع له فيها].
وإنني لن أتوقف هنا لتحرير مذهب الحاكم في الشاذ، وهل أنه يشترط للحكم بالشذوذ مجرد التفرد، أما أن صنيعه في يلزم منه تقييد كلامه بالمخالفة مع التفرد، وذلك لأن كلامه هنا على رواية بهز بأنه لا متابع له في روايته عن أبيه عن جده مدفوع من أصله، لوجود متابع له فيها.
قال محمد علي بن الصديق في رسالته"صحيفتا عمرو بن شعيب وبهز بن حكيم عند المحدثين والفقهاء": [ كما أن صحيفة معاوية بن حيدة لم تصلنا إلا من طريق حفيده بهز، ولهذه الصحيفة أيضاً متابعة جيدة ]. إلا أنني لم أقف من هذه الرسالة إلا على خاتمتها الذي سجل فيه هذه النتيجة، فمن أراد التثبت فليراجع الرسالة المذكورة.
Z وأما حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري البصري، فقد قال عنه أحمد بن عبد الله العجلي: تابعي ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في" الثقات "، استشهد به البخاري في "الصحيح".
ومثله ومثل هذا الإسناد لا ينزل عن منزلة الحسن.
الجواب عن الاعتراض الثاني:
ويجاب عن الوجه الأول فيه تكلف وبعد([13]) ، وعلى فرض صحته ففيه أيضاً دلالة على التعزير المالي لأن العدول عن أخذ الزكاة من وسط إبله إلى خيارها فيه أيضاً تعزير مالى بالفرق بين الصفتين([14]).
والأمر واضح بالنسبة لأي من الاحتمالين الذين ذكرهما الشيخ العثيمين.
وأما الوجه الثالث فقال السيوطي عقب ذكره: (وهذا أيضا بعيد لأنه قال إنا آخذوها وشطر ماله ولم يقل انا آخذوا شطر ماله).
الجواب عن الاعتراض الثالث:
قال ابن القيم في تهذيب السنن (4/319): (وأما معارضته بحديث البراء في قصة ناقته ففي غاية الضعف فإن العقوبة إنما تسوغ إذا كان المعاقب متعديا بمنع واجب أو
ارتكاب محظور وأما ما تولد من غير جنايته وقصده فلا يسوغ أحد عقوبته عليه).
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (4/180): (وزعم الشافعي أن الناسخ حديث ناقة البراء لأنه صلى الله عليه وسلم حكم عليه بضمان ما أفسدت ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم في تلك القضية أضعف الغرامة ولا يخفى أن تركه صلى الله عليه وسلم للمعاقبة بأخذ المال في هذه القضية لا يستلزم الترك مطلقا ولا يصلح للتمسك به على عدم الجواز وجعله ناسخا البتة).
قلت: ولا يصح القول بالنسخ لعدم المعارضة بين الحديثين، ولإمكان الجمع بينهما وإنما يتجه القول بالنسخ إن كان حديث البراء فيه ترك التضمين مطلقاً، وليس الأمر كذلك فحديث البراء فيه التضمين في حالة النهار فقط دون حالة الليل، فلم تصح المعارضة، وإلى نحو ذلك نحا الإمام الشافعي ، قال ابن حجر في فتح الباري (12/258): (قول الشافعي أخذنا بحديث البراء لثبوته ومعرفة رجاله ولا يخالفه حديث (العجماء جبار) لأنه من العام والمراد به الخاص فلما قال العجماء جبار وقضى فيما أفسدت العجماء بشيء في حال دون حال دل ذلك على أن ما أصابت العجماء من جرح وغيره في حال جبار وفي حال غير جبار).
الجواب عن الاعتراض الرابع:
وهذا الاعتراض الذي ذكره ابن حجر غير سديد؛ لأن فيه استدلال بمحل النزاع، بمعنى أن كل من قال بجواز التعزير المالي فقد قال بظاهر هذا الحديث، كما قال ابن القيم في تهذيب السنن (4/318): ( وقال بظاهر الحديث الأوزاعي والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه على ما فصل عنهم وقال الشافعي في القديم من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ شطر ماله عقوبة على منعه واستدل بهذا الحديث وقال في الجديد لا يؤخذ منه إلا الزكاة لا غير وجعل هذا الحديث منسوخا وقال كان ذلك حين كانت
العقوبات في المال ثم نسخت).
وأما بالنسبة لترك الصحابة العمل به في زمن الردة فلا يعارض الحديث لأنه يحمل على من لم تكن لهم شوكة ومنعة، وأما من كان لهم شوكة ومنعة فيفعل بهم من التأديب بالمقاتلة من الإمام كما فعل سيدنا أب بكر والصحابة. ([15])
تنبيه:
وأما مار واه عبد الرزاق في مصنفه (6825)(4/18) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري (أن عمر بن الخطاب كان يخمس مال من غيب ماله من الصدقة) فهو ضعيف وعلته عنععة الزهري وقد وصفه الشافعي، والدارقطني وغير واحد بالتدليس، كما أنه منقطع بين الزهري وعمر.
وعلى فرض صحته فإنه يشهد لصحة قول من قال بالتغريم المالي لمانع الزكاة، ويبقي وجه الجمع بين الحديث المرفوع، وهذا الأثر، وهو خارج عن محل النزاع، وليس هذا محل بسطه.
6- الترجيح.
(الن
@@@@@@@@@@
ملاحظات:
أهـ . انتهى – انتهى بنصه – أهـ بنصه - انتهى بحروفه- أهـ بحروفه. وممكن يكتفي بوضع علامات تنصيص.
(منقول بنحوه) (انتهى بتصرف) (تم ببعض تغيير) ... إلخ. قد بكون النقل للمعنى في بعض المواضع.
أهـ بإختصار، أو مختصرا. يعني فيه كلمات أو عبارة لم أنقلها.
ذكر معلومات المصدر المنقول منه تاما في أول نقل أو في قائمة المراجع، أو المصادر.
الهوامش تحتوى على التعريف بالمصطلحات وشرح الغريب والتعريف بالمؤلفين الغير مشهورين وبالأماكن ...
([1]) دأب العلماء على التبويب لهذه المسألة بالقول، وهي عندي أعم من ذلك فيدخل فيها كل ما نسب للصحابي، ويدخل فيها عندي الإقرار.
([2]) مجلة الشريعة العدد الرابع ص/195.
([3])قال الخطابي في معالم السنن (2/260): أما تأديبه عقوبة في نفسه على سوء فعله فلا أعلم من أهل العلم فيه خلافاً ؛ وأما عقوبته في ماله فقد اختلف العلماء في ذلك ، فقال الحسن البصري : يحرق من ماله إلا أن يكون حيواناً أو مصحفاً، وقال الأوزاعي : يحرق متاعه وكذلك قال أحمد وإسحاق قالوا: ولا يحرق ما غل لأن حق الغانمين يرد عليهم ، فإن استهلكه غرم قيمته وقال الأوزاعي : يحرق متاعه الذي غزا به وسرجه وأكافه ولا يحرق دابته ولا نفقته إن كانت معه ولا سلاحه ولا ثيابه التي عليه.اهـ.
([4]) انظر فصل الأقوال (ص/28).
([5]) انظر نيل الأوطار (4/180).
([6]) وانظر أيضا: مجمع الأنهر (1/609)، بريقة محمودية (4/182)، لسان الحكام (1/401)، أنيس الفقهاء (ص/175).
([7]) ولهم في ذلك عشرات الأدلة التي تدل على العقوبات المالية، وسوف أتخير أصرحها دلالة في محل النزاع، وبالأخص أدلة النوع الثالث عند ابن تيمية والتي هي العقوبة بالمال ، وذلك لأن بإثباتها يثبت بها ما سواه بالأولى، والله الموفق.
([8]) شطر بضم الشين المعجمة وكسر الطاء المهملة المشددة فعل مبني للمجهول، وانظر التلخيص (2/161)، وشرح السيوطي على سنن النسائي (5/16)، وعون المعبود (4/317).
([9]) صحيح لغيره: أخرجه أبو داود (3570)(2/321)، وابن ماجه (2332)(2/781)، وأحمد (4/295)، (5/435، 436)، وغيرهم من طرق أن (ناقة للبراء دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وان ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها) وصححه الألباني في الإرواء (1527)، والصحيحة (238).
([10]) انظر بحث ماجد أبو رخية (ص/202) العدد الرابع من مجلة الشريعة.
([11]) قلت: وسوف يأتي قريباً الإشارة إلى أن بهز لم ينفرد بهذه الصحيفة، بل إن له فيها متابعة. وإثبات المتابعة، لا يستلزم إثبات المخالفة فيكون أصل جواب الذهبي هنا سديد مع مخالفته في سببه، وعليه فالصحيح أن نقول: أن هذا الجرح غير مفسر، وأنه على ابن حبان بيان الأحاديث التي أخطأ فيها بهز، مع أن قول ابن حبان مخالف لقول ابن عدي عن بهز: [ لم أر له حديثا منكرا].
([12]) قلت: وهذا الحديث قد صححه جماعة من الأئمة أمثال: أحمد، وابن معين، وابن المديني، وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/480): إسناده صحيح إلى بهز. والحديث حسنه الألباني في الإرواء (791)، وحسن إسناده الأرناؤوط في هامش المسند، وقال حسين أسد في هامش الدارمي: إسناده جيد. .
([13]) حتى أن الخطابي قالك لا أعرف هذا الوجه . كما في شرح السيوطي للنسائي (5/16).
([14]) انظر نيل الأوطار 4/140.
([15]) وانظر بحث أبو رخية فقد عرض وجوهاً أخرى للتوجيه (ص/204: 206) .