تعريف بيع المرابحة للآمر بالشراء.
عرفه العلماء المعاصرون بعدة تعريفات منها:-
1 - عرفه د. سامي حمود بقوله (أن يتقدم العميل إلى المصرف طالباً منه شراء السلعة المطلوبة بالوصف الذي يحدده العميل وعلى أساس الوعد منه بشراء تلك السلعة فعلاً مرابحة بالنسبة التي يتفقان عليها ويدفع الثمن مقسطاً حسب امكانياته).
قال الدكتور عفانة في بحثه صور تعامل المصارف الإسلامية مع بيع المرابحة للآمر بالشراء.
بعد البحث والتقصي وجد أن المصارف الإسلامية تتعامل بثلاث صور لبيع المرابحة للآمر بالشراء:
الصورة الأولى وهي الأكثر تداولاً والأشهر استعمالا بين المصارف الإسلامية وقد صورها لنا الدكتور يوسف القرضاوي تصويراً مبسطاً بصورة واقعية عملية فقال (ذهب زيد من الناس إلى المصرف الإسلامي وقال له: أنا صاحب مستشفى لعلاج أمراض القلب، وأريد شراء أجهزة حديثة متطورة لإجراء العمليات الجراحية القلبية، من الشركة الفلانية بألمانيا أو الولايات المتحدة. وليس معي الآن ثمنها، أو معي جزء منه ولا أريد أن ألجا إلى البنوك الربوية لأستلف عن طريقها ما أريد وأدفع الفائدة المقررة المحرمة. فهل يستطيع المصرف الأسلامي أن يساعدني في هذا الأمر دون أن أتورط في الربا؟ هل يستطيع المصرف أن يشتري لي ما أريد بربح معقول على أن أدفع له الثمن بعد مدة محددة، فأستفيد بتشغيل مشفاي، ويستفيد بتشغيل ماله، ويستفيد المجتمع من وراء ذلك التعاون؟ قال مسئول المصرف: نعم يستطيع المصرف أن يشتري لك هذه الأجهزة بالمواصفات التي تحددها، ومن الجهة التي تعينها، على أن تربحه فيها مقداراً معيناً أو نسبة معينة وتدفع في الأجل المحدد ولكن البيع لا ينعقد إلا بعد أن يشتري المصرف الأجهزة المذكورة ويحوزها بالفعل بنفسه أو عن طريق وكيله حتى يكون البيع لما ملكه بالفعل. فكل ما بين المصرف وبينك الآن تواعد على البيع بعد تملك السلعة وحيازتها. قال العميل: المصرف إذن هو المسئول عن شراء الأجهزة المطلوبة ودفع ثمنها ونقلها وشحنها وتحمل مخاطرها، فإذا هلكت هلكت على ضمانه وتحت مسئوليته، وإذا ظهر فيها عيب بعد تسلمها يتحمل تبعة الرد بالعيب. كما هو مقرر شرعاً. قال المسئول: نعم بكل تأكيد. ولكن الذي يخشاه المصرف أن يحقق رغبتك ويجيبك إلى طلبك بشراء الأجهزة المطلوبة، فإذا تم شراؤها وإحضارها، أخلفت وعدك معه. وهنا قد لا يجد المصرف من يشتري هذه السلعة منه لندرة من يحتاج إليها، أو قد لا يبيعها إلا بعد مدة طويلة، وفي هذا تعطيل للمال، وإضرار بالمساهمين والمستثمرين الذين إئتمنوا إدارة المصرف على حسن تثميرها لأموالهم.
قال العميل صاحب المستشفى: إن المسلم إذا أوعد لم يخلف، وأنا مستعد أن أكتب على نفسي تعهداً بشراء الأجهزة بعد حضورها بالثمن المتفق عليه، الذي هو ثمن الشراء مع المصاريف والربح المسمى مقداراً أو نسبة كما أني مستعد لتحمل نتيجة النكول عن وعدي. ولكن ما يضمن لي ألا يرجع المصرف عن وعده إذا ظهر له عميل يعطيه أكثر، أو غلت السلعة المطلوبة في السوق غلاءً بينا؟
قال المسئول: المصرف أيضاً ملتزم بوعده. ومستعد لكتابة تعهد بهذا وتحمل نتيجة أي نكون منه.
قال العميل: اتفقنا.
قال المسئول: إذن نستطيع أن نوقع بيننا على هذا، في صورة طلب رغبة ووعد منك بشراء المطلوب، ووعد من المصرف بالبيع، فإذا تملك المصرف السلعة وحازها وقعنا عقداً آخر بالبيع على أساس الاتفاق السابق) (1).
وهذه الصورة تقوم على أساس أن الوعد ملزم للطرفين المتعاقدين العميل والمصرف وسيأتي تفصيل الخلاف بين العلماء في مدى إلزامية الوعد.
قال د. يوسف القرضاوي معلقاً على الصورة السابقة: (وهذه الصورة إذا حللناها إلى عناصرها الأولية نجدها مركبة من وعدين: وعد بالشراء من العميل الذي يطلق عليه: الآمر بالشراء. ووعد من المصرف بالبيع بطريق المرابحة (أي بزيادة ربح معين المقدار أو النسبة على الثمن الأول أو الثمن والكلفة). وهذا هو المقصود بكلمة المرابحة هنا.
وقد اختار المصرف والعميل كلاهما الإلتزام بالوعد وتحمل نتائج النكول عنه كما تتضمن الصورة: أن الثمن الذي اتفق عليه بين المصرف والعميل ثمن مؤجل والغالب أن يراعى في تقدير الثمن مدة الأجل كما يفعل ذلك كل من يبيع بالأجل.
الصورة الثانية: وهي شبيهة بالصورة الأولى: إلا أنها تقوم على أساس عدم الالزام بالوعد لأي من المتعاقدين العميل أو المصرف (1).
الصورة الثالثة: وهي مثل الصورتين السابقتين إلا أنها تقوم على أساس الإلزام بالوعد لأحد الفريقين العمل أو المصرف.
@@@@@@@@@@@@
وقد احتج هذا الفريق من أهل العلم بأدلة كثيرة على بطلان هذا البيع وحرمته أذكر أهمها:
الأول: أنه منهي عنه شرعاً لأنه يعتبر من باب بيع ما لا يملك أو بيع ما ليس عندك:
قال د. محمد الأشقر: (فإذا جرى الاتفاق على هذا - بيع المرابحة للآمر بالشراء- فهو عقد باطل وحرام لأسباب:
. إن البنك باع للعميل ما لم يملك "وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض" وقد اشار إلى هذه العلة في بطلان هذا النوع من البيع الإمام الشافعي في كتابه الأم .. واشار له ابن عبد البر من المالكية ... وصاحب المغني من الحنابلة ... ) (1).
الثاني: إن هذا العقد باطل لأنه من باب البيع المعلق (أنه باع بيعاً مطلقاً أي لأنه قال للبنك إن اشترتموها اشتريتها منكم وقد صرح بالتعليل للبطلان بهذه العلة الإمام الشافعي .. وابن رشد من المالكية .. حيث قال: "لأنه كان على مواطأة بيعها قبل وجوبها للمأمور) (2).
الثالث: إن بيع المرابحة للآمر بالشراء من باب الحيلة على الإقراض بالربا وقد اشار إلى هذه العلة المالكية كقول ابن عبد البر في الكافي: (معناه أنه تحيل في بيع دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محللة مثال ذلك: أن يطلب رجل من آخر سلعة يبيعها منه بنسيئة وهو يعلم انها ليست عنده ويقول له: أشترها من مالكها بعشرة وهي علي باثني عشر إلى أجل كذا. فهذا لا يجوز لما ذكرنا".
واصل تعليل الفساد بهذا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه البخاري: "أنه يكون قد باع دراهم بدراهم والطعام مرجأ" (1).
الرابع: إن هذه المعاملة تدخل في باب بيع العينة المنهي عنه وبيع العينة هو الذي يكون قصد المشتري فيه الحصول على العين أي النقد وليس الحصول على السلعة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (2).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن قصد العميل من العملية هو الحصول على النقود وكذلك المصرف فإن قصده الحصول على الربح فهي إذن ليست من البيع والشراء في شيء فإن المشتري الحقيقي ما لجأ إلى المصرف إلا من أجل المال. والمصرف لم يشتر هذه السلعة إلا بقصد أن يبيعها بأجل إلى المشتري وليس له قصد في شرائها" (3).
الخامس: إن هذه المعاملة تدخل ضمن بيع الكالئ بالكالئ أي الدين بالدين وورد النهي عنه شرعاً لما روي في الحديث عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالىء بالكالىء" (1).
قال د. رفيق المصري: (بيع المرابحة مع الملزم (2) يفضي إلى بيع مؤجل البدلين .. فلا المصرف يسلم السلعة في الحال ولا العميل يسلم الثمن وهذا ابتداءً الدين بالدين أو الكالىء بالكالىء الذي أجمع الفقهاء على النهي عنه مع ضعف الحديث الوارد فيه) (3).
السادس: إن هذه المعاملة تدخل ضمن عقدين في عقد (بيعتين في بيعة) فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة (4) .. فالمواعدة إذا لم تكن ملزمة للطرفين لم يكن ثمة بيعتان في بيعة لكنها إذا صارت ملزمة صارت عقداً بعد أن كانت وعداً وكان هناك بيعتان في بيعة. فالبيعة الأولى بين المصرف وعميله المشتري والثانية بين المصرف والبائع (5).
السابع: قالوا: إن هذه المعاملة لم يقل بإباحتها فقهاء الأمة بل وجد من قال بحرمتها (6).
الثامن: قالوا: إن هذه المعاملة مبنية على القول بوجوب الوفاء بالوعد ونحن نأخذ بقول الجمهور القائلين بأن الوفاء بالوعد مستحب وليس واجباً وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية وبعض المالكية لذا لا يقضى به على الواعد لكن الواعد إذا ترك الوفاء فقد فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيهية ولكن لا يأثم.
@@@@@@@@@@
السؤال:
إذا رغب عميل البنك الإسلامي شراء بضاعة ما تكلفتها ألف ريال سعودي وأراها البنك الإسلامي أو وصفها له ووعده بشرائها منه مرابحة بالأجل لمدة سنة بربح قدره مائة ريال سعودي لتكون القيمة الكلية ألف ومائة ريال سعودي وذلك بعد أن يشتريها البنك من مالكها بدون إلزام العميل بتنفيذ وعده المذكور أو المكتوب .. فما رأيكم في هذه المعاملة. وجزاكم الله خيرا ..
وأجاب الشيخ عبد العزيز بن باز بما يلي:
الجواب: إذا كان الواقع ما ذكر في السؤال فلا حرج في المعاملة المذكورة إذا استقر المبيع في ملك البنك الإسلامي وحازه إليه من ملك بائعه لعموم الأدلة الشرعية. وفق الله الجميع لما يرضيه.
@@@@@@
ومما يدل على فساد قول من قال بالجواز أن قولهم مبني على أدلة عامة كالأصل في المعاملات الإباحة، وأن القول بالجواز فيه تيسير على الناس.
كما أن قولهم مبني على التلفيق بين المذاهب:
قال جعفر قصاص في "بيع المرابحة للآمر بالشراء" : (المالكية إنما قالوا بلزوم الوفاء بالوعد قضاء في عقود التبرعات دون المعاوضات؛ لأن الإلزام به يؤدي إلى الغرر، والغرر يغتفر منه في التبرعات ما لا يغتفر في المعاوضات.
ثم إن الوعد الملزم الذي يجب الوفاء به ديانة وقضاء، أو ديانة فقط، هو الوعد الذي لا يترتب على الإلزام به محظور، والإلزام بالوعد في مسألتنا هذه يترتب عليه محظور، هو بيع الإنسان ما لا يملك.
وبناء على هذا فلا يصح القول بالإلزام بالوعد في هذه المعاملة اعتمادا على رأي المالكية أو غيرهم، ويؤيد هذا أن الإمام مالكا وفقهاء المالكية من بعده نصوا على منع هذه المعاملة إذا وقعت على الإلزام.
فيظهر أن ما اعتمد عليه أصحاب هذا القول هو التلفيق بين المذاهب، فهم أخذوا قول الإمام الشافعي بجواز المرابحة، وتركوا له شرطه الخيار، وأخذوا من المالكية وغيرهم إلزامهم بالوعد، وتركوا لهم قولهم في المرابحة، فخرجوا بنص فقهي لم يقل به فقيه، وهذا النوع من التلفيق غير جائز لما دخله من اعتراضات شرعية، وقد حاول بعضهم تصحيح هذا التلفيق بأن ادعى أن هذا الرأي مبني على اجتهاد مطلق)
قال الشافعي في "الأم" (3/ 39): ( وإذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز والذي قال أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا، وإن شاء تركه وهكذا إن قال اشتر لي متاعا ووصفه له أو متاعا أي متاع شئت وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز البيع الأول ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال أبتاعه وأشتريه منك بنقد أو دين يجوز البيع الأول ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز، وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما: أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع والثاني أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا).