الشهيد
فضائل الشهادة في الكتاب والسنة:
1- قال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154].
2- وقال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169-171].
فالشهيد وإن كان حيًا في أحكام الآخرة، فإنه في أحكام الدنيا ميت، يُقسم ميراثه، وتعتد نساؤه، وغير ذلك من الأحكام الدنيوية الخاصة به.
أما قوله تعالى: {أحياء...} فحياتهم هي حياة برزخية حقيقية فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لما أصيب إخوانكم بأحد؛ جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش» .
{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
1- الشهيد لا يجد ألم القتل :عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة» .
2- تمني الشهيد أن يرجع إلى الدنيا ليقتل عشر مرات:عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة» .
3- الشهيد في الجنة :عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن أم الربيع بنت البراء - وهي أم حارثة بن سراقة - أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا نبي الله! ألا تحدثني عن حارثة؟ -وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء فقال: يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى» .
4- الشهيد تكفر عنه خطاياه إلا الدين:عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين» .
فالشهادة في سبيل الله تكفر جميع ما على العبد من الذنوب التي بينه وبين الله تعالى .
5- الشهيد رائحة دمه مسك يوم القيامة:عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده، لا يكلم أحد في سبيل الله -والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك» .
6- الشهيد تظله الملائكة بأجنحتها: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «جيء بأبي يوم أحد قد مثل به، حتى وضع
بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سجي ثوبًا، فذهبت أريد أن أكشف عنه فنهاني قومي، ثم ذهبت أكشف عنه فنهاني قومي، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع، فسمع صوت صائحة فقال: من هذه؟ فقالوا: ابنة عمرو أو أخت عمرو، قال: فلم تبكي؟ أو: لا تبكي، فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع» .
7- دار الشهيد:
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «رأيت الليلة رجلين أتياني، فصعدا بي الشجرة، وأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل، لم أر قط أحسن منها، قال: أما هذه الدار فدار الشهداء» .
8- الشهيد يشفع في سبعين من أهله:
عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «للشهيد عند الله ست خصال، يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار: الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه» .
أقسام الشهداء:
الشهداء ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شهيد الدنيا والآخرة:
ومقصودهم بشهيد الدنيا: أنه يأخذ أحكامًا خاصة في الدنيا تميزه عن سائر الموتى، كعدم الغسل عند أكثر العلماء ولو كان جنبا، والتكفين في ثيابه، وعدم الصلاة عليه وجوبا ودفنه حيث مات ...
ومقصودهم بشهيد الآخرة: أن له ثوابًا موعودًا خصه الله به سبحانه وتعالى.
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ يَوْمَ أُحُدٍ، لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، أَلَا أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللَّهُ لِأَبِيكَ؟» وَقَالَ: يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا "، قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ، بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟» ، قَالَ: بَلَى: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي، فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً، فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ، قَالَ: يَا رَبِّ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران].
الصحابي الذي فتح حديقة الموت هو البراء بن مالك رضي الله عنه، حيث إنه يوم قتال أصحاب مسيلمة أمر أصحابه أن يحملوه على ترس على أسنة رماحهم، ويلقوه في الحديقة، فاقتحم إليهم وشد عليهم، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة، فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحاً، وهو رضي الله عنه كان شديد الإقدام حتى قيل: إن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الجيش لا تستعملوا البراء على جيش، فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم، وقد اشتهر عنه أن قتل في حروبه مائة نفس من الشجعان مبارزة، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك"
بعد حرب اليمامة والفراغ من مسألة المرتدين، بدأت حروب العراق، وفيها الحصون الشاهقة، وقد لجأ المجوس إلى استعمال كلاليب مثبتة في أطراف سلاسل محماة بالنار، يلقونها من حصونهم فتخطف من تناله من المسلمين الذين لا يستطيعون منها فكاكاً، وكان البراء، وأخوه أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشتركَين في حرب أحد هذه الحصون، وبشكل مفاجئ، هبط أحد هذه الكلاليب وتعلق بأنس ورفعه، ولم يستطع أنس أن يمس السلسلة ليخلص نفسه منها، فأسرع نحوه أخوه البراء، وكانت السلسلة تصعد به، فقبض عليها بيديه، وراح يعالجها حتى قطعها ونجا أنس، وألقى البراء ومن معه نظرة على كفيه، فلم يجدوهما مكانهما، لقد ذهب كل ما فيهما من لحم، وبقي هيكلهما العظمي محترقاً.
عن شداد بن الهاد، أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا، فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟، قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: «قسمته لك»، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا، وأشار إلى حلقه بسهم، فأموت فأدخل الجنة فقال: «إن تصدق الله يصدقك»، فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أهو هو؟» قالوا: نعم، قال: «صدق الله فصدقه»، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: «اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك».
القسم الثاني: شهيد الدنيا:
أي دون الآخرة، وهو من قتل في حرب الكفار، وقام به مانع من موانع الشهادة، كالرياء، والسمعة، والغلول من الغنيمة ، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا دون الآخرة، وهذا تجري عليه الأحكام الخاصة بالشهيد، وما يترتب عليه، وهؤلاء ليس لهم الثواب الكامل الموعود به الشهيد في الآخرة.
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد؛ فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار...».
حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: «قال أعرابي للنبي - صلى الله عليه وسلم - : الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر. ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهبًا ولا ورقًا، غنمنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي، ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد له، وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحل رحله فرُمي بسهم، فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلا والذي نفس محمد بيده! إن الشملة(1) لتلتهب عليه نارًا، أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم، قال: ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين. فقال: يا رسول الله! أصبت يوم خيبر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : شراك من نار أو شراكان من نار».
أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل: يا رسول الله؛ الذي قلت له إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى النار، قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه: لم يمت، ولكن به جراحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله، ثم أمر بلالا فنادى بالناس: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.وفي رواية: والله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت. فلما اشتد به الجراح نحر نفسه.
وحيث أطلق الفقهاء مصطلح "الشهيد" انصرف لهذا القسم والذي قبله، وحكمهما واحد في أحكام الدنيا.
الخطبة الأولى
القسم الثالث: شهيد الآخرة:
وهم جميع من عدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشهداء وورد تسميتهم بذلك كالمطعون، والغريق، والحريق، وغيرهم. والمراد أنهم شهداء في ثواب الآخرة وإلا فهم كغيرهم من الموتى، ليس لهم أحكام خاصة، فيغسلون ويصلى عليهم، فهم شهداء بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان الاستشهاد في ساحة القتال فإن أجره عظيم جداً وهو قمة مراتب الشهادة، ولا يمكن لأي نوع آخر من الشهداء أن يصل إلى هذا المقام، وهذا يقال له أنه من علامات حسن الخاتمة .
عن جابر بن عتيك مرفوعا: " الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد (هي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للاضلاع)، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع (إي تموت وفي بطنها ولد وفي رواية: يجرها ولدها بسرره إلى الجنة) شهيدة ".
" من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ".المال والدين والعرض والنفس.
ولسماع الخطبة اضغط هنا