الغضب
تعريفه: قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: الغضب: غليان دم القلب بطلب الانتقام.
الآيات:
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] .
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فصلت: 34، 35]
(قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (فصلت/ 34) قال: الصّبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عصمهم الله وخضع لهم عدوّهم» ) * «7» .
- أن يذكر ثواب من كظم غيظه:
قال سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]
(قوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم) (5).
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغضب)
-* (عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رجل: يا رسول الله: أوصني. قال: «لا تغضب» . قال الرّجل: ففكّرت حين قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما قال. فإذا الغضب يجمع الشّرّ كلّه) * «4» .
-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «4» .
- وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون فقال: ((ما هذا قالوا فلان ما يصارع أحدا إلا صرعه قال أفلا أدلكم على من هو أشد منه رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه)) (9).
الآثار:
وَقَدْ قِيْل: الْشَّيْطَانُ أَقْدَرُ مَا يَكُونُ عَلَى الإنْسَان إِذَا كَانَ غَضْبَان، يَقُودُهُ إِلى الْشَّطَطِ، وَيُوقِعُهُ فِي الْغَلَطِ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ كَثُرَ غَضَبُهُ، كَثُرَ غَلَطُهُ، وَزَادَ شَطَطُهُ.
وَقاَلَ بَعْضُ الْنُّصَحَاءِ: مَنْ أَطَاعَ غَضَبَهُ قَادَهُ إِلى الْنَّارِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا بْنَ آدَمَ كُلَّمَا غَضِبْتَ وَثَبْتَ يُوْشِكُ أَنْ تَثِبَ وَثْبَةً فَتَقَعَ في الْنَّارِ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بْنُ أَبِي حَبِيْبٍ: إِنَّمَا غَضَبِي فِي نَعْلِي؛ فَإِذَا سَمِعْتُ مَا أَكْرَهُ أَخَذْتُهُمَا وَمَشَيْتُ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -: إِذَا سَمِعْتَ الْكَلِمَةَ تُؤْذِيْكَ؛ فَطَأْطِىءْ لَهَا رَأْسَكَ؛ حَتَّى تَتَخَطَّاكَ.
* (وقال آخر: «إيّاك وعزّة الغضب فإنّها تفضي إلى ذلّ الاعتذار» )
- وقال الحسن: (أربعٌ من كُنَّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَنْ ملك نفسَه عندَ الرغبة، والرهبة، والشهوةِ، والغضبِ) (2).
- (وحكي أن الفضيل بن عياض كان إذا قيل له: إن فلاناً يقع في عرضك، يقول: والله لأغيظن من أمره، يعني: إبليس، ثم يقول: اللهم إن كان صادقاً فاغفر لي، وإن كان كاذباً فاغفر له.
- وقال الحسن: (المؤْمن حَليم لا يَجهل وإن جُهل عليه، وتلا قولَ الله عز وجلَّ: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان:63]) (6).
أقسام الغضب
الغضب ينقسم إلى قسمين: غضب مذموم وغضب ممدوح.
1 - الغضب المذموم
فالغضب المذموم هو الذي نُهي عنه وذُم في الأحاديث التي وردت وهو خلق سيئ.
(لأنه يخرج العقل والدين من سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظر ولا فكر ولا اختيار) (1).
2 - الغضب المحمود
الغضب المحمود هو أن يكون لله عز وجل عند ما تنتهك حرماته، والغضب على أعدائه من الكفّار والمنافقين والطّغاة والمتجبّرين، وقد ذكر القرآن ذلك للرّسل الكرام في مواضع عديدة، ووردت أحاديث كثيرة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله عز وجل،
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73]
قال الكلاباذي في قوله تعالى حكاية عن موسى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150] قال: (فكانت تلك الحدة منه والغضب فيه صفة مدح له لأنها كانت لله.
نماذج من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند الغضب
عَنْ عَائشَةَ - رضي الله عنها - , قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيئاً قَطُّ بِيَدِهِ؛ ولا امْرَأةً وَلاَخَادِمَاً؛ إلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيءٌ قطُّ فَينْتَقِمُ مِنْ صَاحِبِهِ؛ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ من محُارُمِ اللهِ؛ فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ , فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ, فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: (غَارَتْ أُمُّكُمْ) ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ). رواه البخاري).
وعن أبي سعيد الخدري قال: ((كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه، عرفناه في وجهه، ولما بلَّغَه ابنُ مسعودٍ قَولَ القائل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، شقَّ عليه - صلى الله عليه وسلم -، وتَغيَّر وجهه، وغَضِبَ، ولم يَزِدْ على أنْ قال: قد أوذِيَ موسى بأكثر من هذا فصبر)) .
وإليكم نماذج من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في غضبه عندما تنتهك حرمات الله، وعن ذلك تحكي لنا عائشة رضي الله عنها موقفاً حصل لها مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: - ((دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه وقالت قال النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور)) .
وعن أبي مسعود، رضي الله عنه، قال: ((أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ قال فقال يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة)) .
وعن عبد الله، رضي الله عنه، قال: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي رأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بيده فتغيظ ثم قال إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله حيال وجهه فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة)) .
وعن زيد بن خالد الجهني أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن اللقطة فقال: ((عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه قال يا رسول الله فضالة الغنم قال خذها فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب قال يا رسول الله فضالة الإبل قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه، ثم قال مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها)).
وعن عائشة- رضي الله عنها- ((أنّها قالت: رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أمر فتنزّه عنه ناس من النّاس. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فغضب حتّى بان الغضب في وجهه. ثمّ قال: ما بال أقوام يرغبون عمّا رخّص لي فيه. فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية))
نماذج من هدي الصحابة والسلف عند الغضب
عمر رضي الله عنه:
روي أن رجلاً قال لعمر: إنك لا تقضي بالعدل، ولا تعطي الحق. فغضب واحمر وجهه، قيل له: يا أمير المؤمنين، ألم تسمع أن الله يقول: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وهذا جاهل، فقال: صدقت، فكأنما كان ناراً فأطفئت.
معاوية رضي الله عنه:
(خطب معاوية يوماً فقال له رجل: كذبت. فنزل مغضباً فدخل منزله، ثم خرج عليهم تقطر لحيته ماءً، فصعد المنبر فقال: أيها الناس إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع الذي بلغه من خطبته) .
عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
سب رجل ابن عباس -رضي الله عنهما - فلما فرغ قال: يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى .
أبو الدرداء رضي الله عنه:
أسمع رجل أبا الدرداء - رضي الله عنه- كلاما , فقال: يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه
أبو ذر رضي الله عنه:
قال أبو ذر -رضي الله عنه- لغلامه: لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال: أردت أن أغيظك. قال: لأجمعن مع الغيظ أجرا أنت حر لوجه الله تعالى .
عمر بن عبد العزيز:
(وأسمعه رجل كلاماً فقال له. أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً، انصرف رحمك الله) .
(وكان لابن عون ناقة يغزو عليها ويحج وكان بها معجباً. قال فأمر غلاما له أن يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها على وجهها، فسالت عينها على خدها، فقلنا: إن كان من ابن عون شيء فاليوم! قال: فلم يلبث أن نزل، فلما نظر إلى الناقة قال: سبحان الله، أفلا غير الوجه، بارك الله فيك اخرج عني، اشهدوا أنه حر) .
الخطبة الأولى.
علاج الغضب
1- أن يلتزم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: ((لا تغضب))
2- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)} [الأعراف: 200، 201] ومعنى قوله ينزغنك أي يغضبنك، فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم يعني أنه سميع بجهل من جهل، عليم بما يذهب عنك الغضب ... قال سعيد بن جبير: (هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ) (8).
-* (عن سليمان بن صرد- رضي الله عنه- أنّه قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسبّ صاحبه مغضبا قد احمرّ وجهه فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم»
3- القعود إن كان قائما والاضطجاع إن كان قاعدا:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِن ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَّجِعْ). رَوَاهُ أَحْمَدُ (3) , وَأَبُو دَاودَ (4) , وصححه الألباني (5). قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ الله ُ: فَالْقَائِمُ مُتَهَيِّئٌ للشَّرِّ، وَالْقَاعِدُ دُوْنَهُ، وَالْمُضْطَجِعُ أَبْعَدُ
4- السكوت:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((علّموا ويسّروا ولا تعسّروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت)) .
قال ابن رجب: (وهذا أيضاً دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيراً من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُهُ، فإذا سكت زال هذا الشرّ كله عنه، وما أحسنَ قولَ مورق العجلي - رحمه الله -: ما امتلأتُ غيضاً قَطُّ ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليهِ إذا رضيتُ).
5- أن يذكر الله عز وجل فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه:
قال الله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24] قال عكرمة: يعني إذا غضبت.
6 -تَذَكُّرُ قُدْرَةِ اللهِ عَلَيْهِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودِ الأَنْصَارِي - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَماً لِي بِسَوْطٍ , فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتَاً: اعلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ اعْلَمْ ْأبَا مَسْعُوْدٍ. فَلَمْ أَفْهَمِ الْصَّوْتَ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ, فَلَمَّا دَنَا الْتَفَتُّ فَإِذَا هُوْ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَقَطَ الْسَّوْطُ مِنْ يَدي مِنْ هَيْبَتِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ َللهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلاَمِ) فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ فَقَالَ: (أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ الْنَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ الْنَّارُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
7 - أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم ومذمة الانتقام في الدنيا والآخرة ...
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: - صلى الله عليه وسلم - (لَتُؤَدَنَّ الْحُقُوقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى أَهْلِهَا حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الْشَّاةِ الْقَرْنَاءِ). مسلم
8- تَذَكُّرُ ثَوَابِ الْعَفْوِ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ مِنْ الْعِزَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ.
قَالَ تَعَالَى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور22).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَا زَادَ اللهُ عَبْدَاً بِعَفْوٍ إِلاَ عِزّاً) رواه مسلم (1) وتفرد به. وَقَدْ قِيْل: أَوْلَى الْنَّاسِ بِالْعَفُوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ وَأَنْقَصُ الْنَّاسِ عَقْلاً مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، قُلْتُ: وَقَدْ يَشْتَدُّ الْغَضَبُ وَالْحَمَاقَة فَيُعَذِّبُ مَنْ لَيْسَ لَهُ بِهِ طَاقَه؛ كَالْمَرْأَةِ وَالْطِّفْلِ وَهَذَا نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ؛ لأَنَّ الَّذِي يَغْضَبُ لِلاقْتِصَاصِ لاَ يَحْسِبُ.
9- أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان: إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيراً في أعين الناس، فليقل لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك، وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين!!
حكم طلاق الغضبان
الغضب ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله، بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه، ويعلم ما يقول وما يقصده، فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده، ولا سيما إذا وقع منه ذلك بعد تردده فكره.
القسم الثاني: أن يبلغ به الغضب نهايته، بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة، فلا يعلم ما يقول ولا ما يريده، فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه، كما تقدم، والغضب غول العقل، فإذا اغتال الغضب عقله، حتى لم يعلم ما يقول، فلا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله في هذه الحالة روى أهل السنن من حديث عائشة أم المؤمنين-: "لا طلاق ولا عَتَاق في إغلاق"
... القسم الثالث: من توسط في الغضب بين المرتبتين، فتعدى مبادئه، ولم ينته إلى آخره، بحيث صار كالمجنون، فهذا موضع الخلاف ومحل النظر، وجمهور العلماء على وقوع الطلاق في هذه الحالة لعدم تغييب عقله وقصده لما يقول.
ولسماع الخطبة اضغط هنا
https://drive.google.com/open?id=1aSwTcA-D7BDbSyO1kOp7VBY7r3X81_gY