شرح حديث البراء
لا شك أن الموت من أهم الحقائق التي تعني الإنسان؛ فهو يدرك جيدًا أنه يولد ويعيش ويعلم، لكنه لا يدرك أنه مفارِق للحياة؛ لأنه مجبول على مدافعة الموت، والإقبال على الحياة؛ قال تعالى: "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ"[التكاثر: 1، 2].
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]
قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أكثِروا من ذِكر هادم اللذات))[
أول ما يُفعَل مع الميت: تغميض عينيه؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: ((إن الروح إذا قُبِض تبعه البصر))،
الاسترجاع:عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرْني في مصيبتي، واخْلُف لي خيرًا منها، إلا آجره الله تعالى في مصيبته، وأخْلَف له خيرًا منها))، قالت: فلما تُوُفِّي أبو سلمة، قلت ما أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخلف الله لي خيرًا منه: رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم[5].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضتُ صَفِيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة))[7].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصبر عند الصدمة الأولى))[8].
الدعاء بخير: فعن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا حضرتم المريض، أو الميت، فقولوا خيرًا؛ فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون)) قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إنَّ أبا سلمة قد مات، قال: ((قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقِبْني منه عقبى حسنة))، فقلْتُ: فأعقَبَنِي الله من هو خير لي منه: محمدًا - صلى الله عليه وسلم[9].
تحريم النياحة والدعاء بدعوى الجاهلية: تبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمثال هؤلاء؛ فعن ابن مسعود: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس منا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية))، وفي رواية مسلم: ((أو دعا.....، أو شق))
وقد توعَّد الله مَن تعترض على قضائه، وتَيأس من رحمته، وتأتي بمثل هذه الأفعال، وتقول مثل هذه الأقوال، بأشد وأفزع أنواع العقاب؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((النائحة إذا لم تتُبْ قبل موتها، تُقَام يوم القيامة، وعليها سِربال من قَطِران، ودِرْعٌ من جَرَب))
جواز البكاء بغير ندب ولا نياحة: وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على ابنه إبراهيم - رضي الله عنه - وهو يجُود بنفسه، فجعلَتْ عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنتَ يا رسول الله؟ فقال: ((يا بنَ عوف، إنها رحمة، ثم أتبَعَهَا بأخرى فقال: إن العين لَتدمَعُ، وإن القلب لَيحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنَّا لفِراقِكَ يا إبراهيم لمحزونون))
ما قيل في أن الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه: عن عبدالله بن عمر أن حفصة بكت على عمر فقال: مهلاً يا بُنَيَّة! ألم تعلمي أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الميتَ ليُعَذَّبُ ببكاء أهله عليه) هو محمول على من أوصى بالبكاء والنَّوْح، أو لم يوصِ بتركهما، فمن أوصى بهما، أو أهمل الوصية بتركهما، يعذَّب بهما؛ لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما، فأما من وصَّى بتركهما، فلا يعذَّب بهما.
تعجيل قضاء الدَّين عن الميت: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى اله عليه وسلم - قال: ((نفْسُ المؤمن معلَّقَةٌ بدَيْنِه حتى يُقْضَى عنه))
استحباب تكثير الصفوف على الجنازة: ينبغي أن يحرص أهل الميت وحاضروه على تكثير عدد المصلين، وتكثير صفوفهم في الصلاة؛ حتى ينال الميت شفاعتهم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من ميت يصلي عليه أُمَّة من الناس يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شُفِّعُوا فيه))[25].
وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً، لا يُشرِكون بالله شيئًا، إلا شفَّعهم الله فيه))[26].
استحباب الإسراع بالجنازة: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أسْرِعوا بالجنازة، فإن تك صالحةً، فخيرٌ تُقدِّمونها إليه، وإن تك سوى ذلك، فشرٌّ تضعونه عن رقابكم))[27].
روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن البراء بن عازب قال: " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل)) فتسمى جنازة وامانة للذكر والأنثى فتفقد الألقاب ((من الأنصار))
آداب اتباع الجنازة:
(ويكره رفع الصوت) والصيحة (معها) وعند رفعها (ولو) كان رفع الصوت (بالذكر) ولو بالاستغفار (والقرآن). ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعا، متفكرا في مآله، متعظا بالموت، وبما يصير إليه الميت، ولا يتحدث بأحاديث الدنيا، ويكره التبسم، والضحك أشد منه. فما بالك بالمنكرات والسجائر.
لا يوقد البخور خلفها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار ".
((فانتهينا إلى القبر ولما يلحد)) (و) لَحد أفضل من شِقّ وهو بفتح اللام، والضم لغة، وأصله الميل. وصفته: أن يحفر في أسفل حائط القبر حفرة تسع الميت، والشِقّ: أن يحفر وسط القبر؛ كالنهر. ويبنى جانباه.
(وكره إدخال القبر خشباً) إلا لضرورة (و) يكره أيضاً إدخال (ما مسته نار) كالآجر تفاؤلاً أن لا يمس الميت نار، وكره دفن في تابوت ولو امرأة؛ لأنه خشب. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وفيه تشبه بأهل الدنيا، والأرض أنشف لفضلاته.
يجعل تحت رأس الميت لَبِنة، فإن لم توجد وضع حجر، فإن عدم وضع تحت رأسه قليل من تراب؛ لأن هيئته بوضع ذلك أحسن من أن يكون رأسه مائلا.
((فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (مستقبل القبلة)، وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عوده ينكت في الارض، (فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الارض، وجعل يرفع بصره ويخفضه، ثلاثا)، فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين، أو ثلاثا، (ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) (ثلاثا)،
وفيه دليل على إثبات عذاب القبر
قوله تعالى عن آل فرعون: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46] ، فدلَّت الآية على أنَّهم يُعرَضون على النار غُدُوًّا وعشيًّا قبلَ يوم القيامة، وهو عَذاب البرزخ.
قال ابن كثير رحمه الله: (هذه الآية أصلٌ كبيرٌ في استدلال أهل السُّنَّة على عَذاب القبر)، وقال القرطبي رحمه الله: "الجمهور على أنَّ هذا العرض يكون في البرزخ، وهو حجَّةٌ في تثبيت عَذاب القبر".
- وكذلك ما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن أنس رضِي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا ألاَّ تدافَنُوا لدعوتُ الله أنْ يُسمِعكم عَذابَ القبر"[4].
-وما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال في صاحبي القبرين: "إنهما ليُعذَّبان"[
-كذلك ما ثبَت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ عامَّة عَذاب القبر من البول".
- كان عثمان، إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه».
((ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الاخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط (طيب) من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة (وفي رواية: المطمئنة)، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء)) وهذه بشرى المؤمن ولكننا لا نراها الآن ولكن علامات حسن الخاتمة التي نراها ونلمسها كثيرة منها:
1: نطقه بالشهادة عند الموت لحديث: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".
2: الموت برشح الحبين، لحديث بريدة بن الخصيب رضي الله عنه: " أنه كان بخراسان، فعاد أخا له وهو مريض، فوجده بالموت، وإذا هو بعرق جبينه، فقال: الله أكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت المؤمن بعرق الجبين ".
3: الموت ليلة الجمعة أو نهارها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أليلة الجمعة، إلا وقاه الله فتنة القبر ".
4: الاستشهاد في ساحة القتال، قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} [آل عمران: 169 - 171]
وفي ذلك أحاديث:
1 - " للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الاكبر، ويحلى حلية الايمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه ".
2 - عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أن رجلا قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ".
(تنبيه): ترجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصا من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ".
5 الموت بالطاعون، وفيه أحاديث:
1 - عن حفصة بنت سيرين: قال لي أنس بن مالك: بم مات يحيى بن أبي عمرة؟ قلت: بالطاعون، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطاعون شهادة لكل مسلم ".
6 الموت بداء البطن، وفيه حديثان:
1 - " ... ومن مات في البطن فهو شهيد ".
7 الموت بالغرق والهدم، لقوله صلى الله عليه وسلم: " الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله ".
8 موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، لحديث عبادة بن الصامت: المرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، (يجرها ولدها بسرره إلى الجنة) ".
9 الموت بالحرق لقوله صلى الله عليه وسلم: "والحرق شهيد".
10 الموت في سبيل الدفاع عن المال المراد غصبه، لحديث " من قتل دون ماله، (وفي رواية: من أريد ماله بغير حق فقاتل، فقتل) فهو شهيد ".
11 الموت على عمل صالح لقوله صلى الله عليه وسلم " من قال: لا إله إلا الله: " من قال: لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة "
12 طول العمر مع حسن العمل."خيركم من طال عمره وحسن عمله".
((فيأخذها، (وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والارض، وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم)، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، (فذلك قوله تعالى: (توفته رسلنا وهم لا يفرطون)، ويخرج منها كأطيب نفحة مسلك وجدت على وجه الارض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون - يعني - بها على ملا من الملائكة إلا قالوا: ماهذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان ابن فلان - بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى المساء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عزوجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ، كِتَابٌ مَرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)، فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال): أعيدوه إلى الارض، فإني (وعدتهم أني) منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: ف (يرد إلى الأرض، و) تعاد روحه في جسده، (قال: فانه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه) (مدبرين).فيأتيه ملكان (شديدا الانتهار) ف (ينتهرانه، و) يجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الاسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعثت فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت، وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عزوجل (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيإتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه (وفي رواية: يمثل له) رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: ابشر بالذي يسرك، (ابشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم)، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: (وأنت فبشرك الله بخير) من أنت فوجهك الوجه يجيئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح (فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في إطاعة الله، بطيئا في معصية الله، فجزاك الله خيرا)، ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت، الله، أبد لك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهل ومالي، (فيقال له: اسكن).
الخطبة الأولى
قال: وإن العبد الكافر (وفي رواية: الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الاخرة، نزل إليه من السماء ملائكة (غلاظ شداد)، سود الوجوه، معهم المسوح (وهو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للبدن) (من النار)، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: إيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب (عود من حديد يُنظَمُ فيه اللحمُ ليُشوَى) من الصوف المبلول، (فتقطع معها العروق والعصب)، (فيلعنه كل ملك بين السماء والارض، وكل ملك في السماء وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم)، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، وبخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الارض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملا من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان ابن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة، حتى يلج الجمل في سم الخياط) فيقول الله عزوجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الارض السفلى، (ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الارض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى)، فتطرح روحه (من السماء) طرحا (حتى تقع في جسده) ثم قرأ {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31]، فتعاد روحه في جسده، (قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولو عنه)، ويأتيه ملكان (شديدا الانتهار، فينتهرانه، و) يجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقول له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا آدري)، فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم) فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد! فيقول) هاه هاه لا أدري (سمعت الناس يقولون ذاك! قال: فيقال: لا دريت)، (ولا تلوت)، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافشروا له من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيإتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه (وفي رواية: ويمثل له) رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول (وأنت فبشرك الله بالشر) من أنت؟ فوجهك الوجه يجيئ بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث؟ (فو الله ما علمت إلا كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا إلى مصية الله)، (فجزاك الله شرا، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة! لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شئ إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار، يمهد من فرش النار).فيقول: رب لا تقم الساعة "
,ولسماع الاسطوانة اضغط هنا
https://drive.google.com/open?id=1IoUhEw5PqO7cxrG2uZaSBLK12VLKdeCh