أحكام الصيام
أيام قلائل وتهل علينا نفحات شهر رمضان المبارك .
روى الطبراني عن محمد بن مسلمة مرفوعا بلفظ: " إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا ".
نفخات أي دفعات من العطايا والتعرض لها يكون بتحصيل أسبابها الشرعية.
من رحمة الله (تبارك وتعالى) أن فاضل بين الأزمنة، فاصطفى واجتبى منها ما شاء بحكمته، قال (عز وجل): [وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ .. ] [القصص: 68] وذلك التفضيل من فضله وإحسانه؛ ليكون عوناً للمسلم على تجديد النشاط، وزيادة الأجر، والقرب من الله (تعالى).
فجعل رمضان أفضل شهور السنة وجعل أفضل لياليه ليالي العشر وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
وقد اختص الله هذا الشهر بميزات كثيرة منها:
أخي الكريم:
خص الله شهر رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل ومنها:
- خلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك.
- تُصَفَّد فيه الشياطين.
- تُفَتَّح فيه أبواب الجنة، وتُغَلَّق أبواب النار.
- فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله.
- لله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة من رمضان.
وطاعة هذا الوقت دراسة فقه الصيام وأحكامه؛ لما رواه ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»
قال السيوطي: "قال المزي هذا الحديث روى من طرق تبلغ رتبة الحسن. وهو كما قال. فإني رأيت له خمسين طريقا وقد جمعتها في جزء".
على من يجب صيام رمضان:
يحب على المسلم المكلف القادر المقيم.
صيام شهر رمضان فرض بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين .
قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( إلى قوله : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ( البقرة: 183- 185) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بُني الإسلام على خمس : شَهَادة أن لا إله إلا الله وأن محمذا رَسُول الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصوم رمضان، وحَجّ بيت الله الحرام ".
وقال عليه الصلاة والسلام: " إذا رَأَيْتمُوه فَصُومُوا ".
وأجمع السلمون على: أن صيام رمضان فر ض، وأنه أحد أركان الإسلام.
حكم من أفطر يوما من رمضان بغير عذر:
الفطر في نهار رمضان بدون عذر : من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقا، ويجب عليه أن يتوب إلى الله ، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره " .
وقد روى النسائي في "الكبرى" عن أبي أُمَامَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ ) وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قَالَ: ( ثُمَّ انْطَلَقَا بِي فَإِذَا قَوْمٌ مُعَلَّقُونَ بِعَرَاقِيبِهِمْ ، مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ ) .
وصححه الألباني في "الصحيحة". ثم قال بعده :" هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمدا قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا ؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة " انتهى .
ومن أفطر بجماع متعمدا ترتب على ذلك خمسة أمور: الإثم، وفساد الصوم ذلك اليوم، ولزوم الإمساك بقية اليوم لحرمة الشهر ، ولزوم القضاء، والكفارة المغلظة التي وردت فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: «مَا لَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَ: لاَ، فَقَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا». قَالَ: لاَ، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالعَرَقُ المِكْتَلُ - قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: «خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».
يحب على المسلم المكلف القادر المقيم.
المكلف وهو البالغ العاقل.
فلا يجب على الصبي ولا المجنون لحديث رفع القلم عن ثلاثة: "الصبي حتى يحتلم والنائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق".
ويدخل في حكم المجنون الهرم الذي يصل لمرحلة عدم تمييز الشهور ولا الأيام فليس بمكلف ولو مات على ذلك فليس على أوليائه شيء.
والصبي يؤمر به على سبيل الاستحباب لا الوجوب من سن التمييز ليتعوده فروى الشيخان عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ»، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ".
يحب على المسلم المكلف القادر المقيم.
فلا يجب على غير القادر وهو سبعة أصناف:
المريض وهو نوعان مريض يرجي برؤه ولا يرجي برؤه.
فالأول فرضه القضاء بعد البرؤ والتمكن من الصيام لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185].
والمريض الذي يرجى برؤه له ثلاث حالات:
1-أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره فهذا في حقه الصوم أفضل وخاصة أن بعض الأمراض يكون الصوم علاجا لها كالتخمة والاسهال.
2-أن يشق عليه الصوم ولا يضره فهذا يكره له الصوم ويكون الفطر له أفضل وفي الحديث : "أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته" رواه أحمد وغيره، ولحديث: «من رغب عن سنتي فليس مني».
3-أن يضره الصوم فيجب عليه الفطر؛ ولعموم قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن لنفسك عليك حقا". وراه البخاري.
ويلحق بالمريض الذي يرجى برؤه الحامل والمرضع في أحواله كما سبق ومذهب الجمهور أنه عليهما إن أفطرتا خوفا على أنفسهما فقط، أو مع الولد القضاء دون الفدية. لكن لو أفطرتا للخوف على الولد فقط ، لزم وليه إطعام مسكين لكل يوم أفطرته الحامل، أو المرضع؛ خوفاً على الولد، مما يجزئ في كفارة؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]
وأما المريض الذي لا يرجى زواله ومثله من عجز عن الصوم لكبر كشيخ هرم، وعجوز يجهدهما الصوم، ويشق عليهما مشقة شديدة فله الفطر) إجماعاً (ويطعم عن كل يوم) أفطره (مسكيناً) لقول ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: ١٨٤]: «ليست بمنسوخة، هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم» رواه البخاري
تنبيه:
المريض الذي يرجى برؤه إن استمر به المرض حتى مات فلا شيء عليه ولا على وليه. وأما إن صح أياما بعد رمضان وتمكن من القضاء فعليه صيام هذه الأيام التي تمكن من قضائها فإن مات أطعم عنه وليه بعددها عن كل يوم مسكينا.
وأما المريض الذي لا يرجى برؤه فعليه عن كل يوم أفطره إطعام مسكين، ولا يقدم الإطعام عن سببه بل يكفر عما استقر في ذمته فقط فإن مات أطعم عنه وليه بقدر الأيام التي عليه.
ويحلق بهم أصحاب الأعمال الشاقة وهؤلاء عليهم أن كان لابد لهم من العمل في الصيام أن يبدأو يومهم وهم صيام ويشرعون فيه حتى إذا شق عليهم جاز لهم الفطر ولا يبيتون النية بالفطر.
يحب على المسلم المكلف القادر المقيم.
فالمسافر مخير بين الصوم والفطر فكلاهما جائز. فمن كان يشق عليه الصوم ويضره وكذلك من كان معرضا عن قبول الرخصة فالفطر أفصل.
وكذلك يكون الفطر أفضل في حق من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر. وقد روي الطبراني عن ابن عمر أنه قال إذا سافرت فلا تصم فإنك إن تصم قال أصحابك أكفوا الصيام ادفعوا للصائم وقاموا بأمرك وقالوا فلان صائم فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك. ومثل ذلك ما أخرجه البخاري في الجهاد عن أنس مرفوعا: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمفطرين لما خدموا الصائمين «ذهب المفطرون اليوم بالأجر»". وما كان من الصيام خاليا عن هذه الأمور فهو أفضل من الإفطار.
الخطبة الأولي.
مسائل متفرقة:
تبييت النية أي الجزم بها قبل الفجر في الفريضة شرط لصحة الصوم؛ لما رواه أبو داود وغيره عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له "
وعليه فمن عزم على الفطر أفطر وإن لم يأكل، ومن قطع النية بعد عقدها كأنه لم ينو.
والسنة أن يقول ما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)
المفطرات:
قال الشيخ العثيمين: " المفطرات لا تفطر إلا بشروط ثلاثة: أن يكون عالماً. ذاكراً. عامداً".
@الطب المعاصر حدد الجوف المؤثر على صحة الصوم، والذي يفسد الصوم بما يصل إليه هو ما تجاوز الحلق (المريء) من الجهاز الهضمي وذهب إلى المعدة. وعليه فالفم والأنف فقط هما المنفذان الطبيعيان.
@ التجاويف الأخرى في الجسم لا علاقة لها بالجهاز الهضمي ولا يؤثر الواصل إليها على صحة الصوم، كالتجويف الدماغي والتجويف البطني، والتجويف الصدري، وغيرها، باستثناء التجويف الأنفي فإن له صلة بالجهاز الهضمي. وعليه فقطرات العين غير مُفَطِّرة، وقطرات الأذن غير مُفَطَّرة في حالتي كون الطبلة سليمة أو مثقوبة.
كل ما يدخل عن طريق الشرج من حقنة وتحاميل ومنظار ومراهم باستثناء الحقن الشرجية المغذية لا يفطر الصائم منهما.
@ الحقن العضلية غير مفسد للصوم، ويكاد أن يكون إجماعاً للعلماء المعاصرين.
@ الحقن الجلدية بنوعيها العلاجية والتجميلية غير مُفَطِّرة، وذلك أنها ليست أكلا ولا شرباً ولا تغني عنهما، ولا تصل إلى ما اعتبره الطب المعاصر جوفا مؤثراً في الصوم.
@ الحقن الوريدية المغذية مُفَطِّرة، لأنها تقوم مقام الأكل والشرب في منح الجسم بالطاقة والمواد الحيوية اللازمة ويستغني بها من يتناولها عن الطعام والشراب لفترات قد تطول أياماً أو شهوراً فهي بمعنى الأكل والشرب.
@ التبرع بالدم أثناء الصوم لا يؤثر على صحة الصوم، لرجحان القول بأن الحجامة لا تفسد الصوم.
ولسماع الخطبة اضغط هنا
https://drive.google.com/open?id=1VtIN8bstwbpG0nkueXuvNeLCQloaXzvb