الدعاء
قال تعالى في سورة البقرة : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .. ثم قال بعدها: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }ثم قال: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } ثم قال : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } [البقرة: 187]
هل سألتم أنفسكم وأنتم تقرأون هذه الآيات ما الحكمة من ذكره آية الدعاء وسط آيات الصوم؟
إن في هذا إرشاداً إلى الاجتهاد في الدعاء في شهر الصيام ، والسبب أن الصوم من أخلص العبادات للَّه تعالى، وهو سر بين العبد وربه - عز وجل -، ولما فيه من كسر الشهوة، وحضور القلب، والتذلل للرب. فكان جزاؤه الإجابة والقبول جزاء وفاقاً.
روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر والمظلوم).
فهذا رمضان هو شهر الدعاء فتعالوا نقف معا على الدعاء وآدابه وفضله.
فضل الدعاء:
- قال اللَّه تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} سورة غافر، الآية: 60.
دلت الآية الكريمة على أن الدعاء عبادة عظيمة- فعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ))، وقد استدل بعض العلماء من قوله تعالى: {ادْعُونِي} ((أن الدعاء واجب، إذ لا صارف له عن الوجوب))؛ لأن الأصل في الأوامر.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من لم يسأل الله يغضب عليه»
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسئل يغضب
ترك دعاء الرب - سبحانه وتعالى - استكبار، ولا أقبح من هذا الاستكبار، وكيف يستكبر العبد من دعاء من هو خالق له، ورازقه، وموجده من عدم، وخالق العالم كله ... فلا شك أن هذا طرف من الجنون، وشعبة من كفران النعم)).
-قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}سورة البقرة، الآية: 186.
وهذا وعد أخر صريح من ربنا - جل جلاله - بإجابة الدعاء، واللَّه - سبحانه وتعالى - لا يخلف الميعاد، وقد علق هذا الوعد العظيم على الدعاء بـ ((إذا)) التي تدل على التحقيق .
- رفع الواسطة بينه وبين داعيه، وذلك أن ((كل سؤال في القرآن يأتي التعقيب عليه بالجواب (قل)، أو (فقل)، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}، وقال جل وعلا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ}، وقال جل وعلا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ}، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}، أما في هذه الآية فلم يقل جلَّ شأنه قل، أو فقل، بل قال: {فَإِنِّي قَرِيْبٌ}.
وهذا رد صريح على من جعل بينه وبين اللَّه تعالى من الوسطاء والأنداد من البشر وغيرهم في دعائه؛ فإنه محروم من هذه الوسيلة المباشرة العظيمة مع اللَّه تعالى، وقوله تعالى: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} يدل على قرب اللَّه تعالى من الداعي، قرباً خاصاً يدل على العناية التامة بالإجابة، والمعونة، والتوفيق، والسداد، ((ولهذا لم يرد القرب موصوفاً به اللَّه - عز وجل - إلا في حال الدعاء، وفي حال السجود كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) .
- الداعي له بدعوته احدى ثلاث خصال:
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّه بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا))، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟، قَالَ: ((اللَّه أَكْثَرُ)) .
هذا الحديث فيه دليل على أنه لابد من الإجابة على إحدى الأوجه الثلاثة، وأن الداعي لن يعدم من دعائه خيراً، فإما أن يُعطَى في العاجل، وإما أن تدخر دعوته لليوم الآخر، وإما أن يصرف اللَّه تعالى عنه من الشر والسوء، ما هو خير من سؤاله، وكل ذلك بمقتضى حكمته تعالى، وما يصلح للداعي.
-الدعاء أكرم شيء على الله : عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ)) .
والمراد بقوله: ((أكرم)): ((أي أسرع ميلاً، وأنفع تأثيراً، وأكثر فضلاً)) ؛ لما فيه من التذلل، والانكسار، والاعتراف بقوة اللَّه تعالى، وكمال قدرته، وغناه، ودلّ هذا الحديث أيضاً على فضل الدعاء، وعلو منزلته؛ لأنه يجتمع فيه من أنوع التعبد ما لا يجتمع في غيره، حيث لم توصف عبادة بهذا اللفظ سواه، فينبغي للعبد أن يلازمه، ويكثر منه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
- قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ)) .
وفي لفظ: ((ادْعُوا فَإِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ القَضَاءَ)).
- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ)) .
فينبغي للعبد أن يعلم أن للدعاء مع البلاء ثلاثة مقامات:
1 - أن يكون الدعاء أقوى من البلاء، فيدفعه لاستكماله شروط وواجبات الدعاء ومستحباته.
2 - أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد لنقص في الداعي: مثل قلة اليقين، أو الغفلة، وغير ذلك من التخلف في واجباته وشروطه، ولكن قد يخففه على قدر تحققه من أسباب الإجابة.
3 - أن يتقاوما، ويمنع كل منهما صاحبه.
آداب الدعاء وأسباب الإجابة:
- أن يبدأ بحمد للَّه، والثناء عليه، ثم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويختم بذلك.
فقد سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو في صلاته، فلم يُصلِّ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عَجَّلَ هَذَا))، ثم دعاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحمِيدِ ربه وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ))
ودلَّت السنة كما تقدم على أهمية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - حال الدعاء؛ لأنها أقرب لحصول الإجابة، بل وأكدت على أنَّ تارك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يحجب دعاؤه، ((كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -))، وهذا الأثر جاء عن علي - رضي الله عنه -، وهو في حكم المرفوع؛ لأن مثله لايقال من قبل الرأي؛ لأنه من أمور الغيب التي لا تدرك إلا بد ليل شرعي.
- الجزم في الدعاء واليقين بالإجابة:
((فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة باللَّه تعالى، وأنه على كل شيء قدير، فاللَّه تعالى لكمال قدرته يقول للشيء كن فيكون، قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
وقد أمرنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أن نعزم حال دعائنا فقال: ((إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ وَلَا يَقُلْ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ))
قوله: ((فليعزم)) أي يحسن الظن باللَّه في الإجابة؛ لأنه يدعو رباً كريماً جواداً قديراً، وإذا تأكد هذا الأمر في قلب العبد، فليدعُ مستيقناً بإجابة ربه تعالى له، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ)).
واللَّه تعالى يجيب دعاء عبده على قدر حسن ظنه به، قال تعالى في الحديث القدسي: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي "
- حُضور القلب في الدعاء.
((ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ))
قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: ((إن اللَّه لا يقبل من مسمِّعٍ، ولا مراء، ولا لاعب، إلا داعٍ دعا يثبت من قلبه))
فغفلة القلب حال الدعاء تبطل قوته، وتضعف أثره، فيصبح بمنزلة القوس الرخو جداً، فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً، ولا يبلغ الهدف المقصود.
- خفض الصوت بالدعاء بين المخافتة والجهر.
قال جل وعلا: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} سورة الأعراف، الآية: 205.
وذكر ابن القيم رحمه اللَّه تعالى في فوائد خفض الصوت والإسرار بالدعاء فوائد عديدة، وأسراراً بديعة، منها:
1 - ((أنه أعظم إيماناً.
2 - أنه أعظم في الأدب والتعظيم.
3 - أنه أبلغ في التضرع والخشوع.
4 - أنه أبلغ في الإخلاص.
5 - أنه أبلغ في حضور القلب على اللَّه تعالى في الدعاء.
6 - أنه دال على قرب صاحبه من اللَّه - عز وجل -.
7 - أنه أدعى لدوام الطلب والسؤال ... ))
رفع الأيدي في الدعاء.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)) وجاء في لفظ آخر: ((صفراً خائبتين)) ومعنى ((صفراً)): أي فارغة.وفي لفظ: ((حتى يضع فيهما خيراً))
- أن يكون المطعم والمشرب والملبس من حلال.
فمن أراد أن يكون مجاب الدعوة، فليجتهد في أن يكون مأكله ومشربه وملبسه من الحلال، فللحلال سر عجيب في قبول الأعمال عند اللَّه تعالى، ومن آكدها الدعاء، وقد تقدم آنفاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، ... ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، ثُمَّ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)).
وفي الحديث إشارة إلى أنه ينبغي الاعتناء بالحلال لمن أراد الدعاء أكثر من غيره .
ولما سُئل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ((ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها، ومن أين خرجت)) .
أوقات وأحوال وأماكن يستجاب فيها الدعاء
- ليلة القدر.
عن عائشة رَضْيَ اللَّهُ عنْهَا قالت: ((قُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: ((قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي))
- جوف الليل الآخر.
عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قيل: يا رسولَ اللَّه، أيُّ الدُّعاءِ أسْمَعُ؟ قال: ((جَوفُ اللَّيلِ الآخِرُ، ودُبُرَ الصلواتِ المكتوباتِ))
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ))
وهو وقت غفلة وخلوة، واستغراق في النوم، واستلذاذ له، ومفارقة اللذة والدعة، صعب، ولا سيما أهل الرفاهية، وفي زمن البرد، وكذا أهل التعب، ولاسيما في قصر الليل، فمن آثر القيام لمناجاة ربه تعالى، والتضرع إليه مع ذلك، دلّ على خلوص نيته، وصحّة رغبته فيما عند اللَّه جل وعلا؛ قال تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْاسْحَارِ}سورة آل عمران، الآية 17.
- بين الأذان والإقامة.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَادْعُوا))
- عند النداء للصلوات المكتوبة.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثِنْتَانِ لاَ تُرَدَّانِ - أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ - الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُ بَعْضًا))
- ساعة من يوم الجمعة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: ((فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئاً، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ)). وأشار بِيَدِهِ يقللها
- عند شرب ماء زمزم مع النية الصادقة.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ))
- في السجود.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ))
- دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دَعوَةُ المَرءِ المُسْلِمِ لأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُستَجَابَةٌ، عِندَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأخِيهِ بخيرٍ قال المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمين، وَلَكَ بِمثْلِ))
- دعاء يوم عرفة في عرفة.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
- دعاء المظلوم على من ظلمه.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - عندما بعثه إلى اليمن: ((اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ))
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: ... وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ - عز وجل -: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ))
- دعاء الوالد لولده، وعلى ولده.
فإن من عظم حق الوالد على ولده أنّ اللَّه تعالى بحكمته قد جعل دعاءه له مستجاباً، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ)).
الاعتداء في الدُّعاء:
قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]
الاعتداء في الدُّعاء اصطلاحاً هو: تَجَاوُزُ الحدّ الشَّرعيّ في الدُّعاء معنى أو لفظاً أو أداءً وهيئةً.
- الاعتداء في الدعاء في المعاني، يتضمن أدعية لها معانٍ محرمة أو مكروهة مثل تعليق الدعاء بالمشيئة فعن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَقُلْ أحدُكم: اللهمَّ اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. ليعزم المسألة؛ فإنَّ اللهَ لا مكرهَ له».
ومن ذلك قولُ الأعرابيّ: (اللهمَّ ارحمني ومحمَّدًا ولا ترحم معنا أحداً). فلمَّا سَلَّمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابيِّ: «لقد حجَّرتَ واسعاً». يريد رحمة الله
وكذلك الدعاء بالموت والدعاء على الأهل والمال والولد والنفس.
وأن يتعدَّى في الدُّعاء على مَن ظلمه؛ لاسيَّما المسلم، كأن يدعو عليه بملابَسة معصية من المعاصي أو الكفر أو الختم بالكفر أو الرِّدَّة؛ كأن يقول مثلا: اللهم اهتك عرضه. أو: اللهم أَمتْه على غير ملَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
- الاعتداء في الدعاء في الألفاظ، يكون في تراكيب الكلمات وغرابتها والتفصيل أو التشقيق في العبارات والزيادة في الكلمات على نحو لم يكن معروفا عند السلف كالسَّجعُ المتكلَّف في الدُّعاء؛ خصوصاً في القنوت والبحث عن غرائب الأدعية والكلمات. ومثل أن يشمل الدعاء على ألفاظ شركية أو بدعية أو تصغير أسماء الله أو دعاء صفات الله.
وقد خرَّج أبو داود عن أبي نعامة عن ابن سعد بن أبي وقَّاص أنَّه قال: سمع أبي وأنا أقول: (اللهمَّ إنِّي أسألك الجنَّةَ ونعيمَها وبهجتَها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النَّار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا. فقال: يا بنيَّ إنِّي سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «سيكون قومٌ يعتدون في الدُّعاء؛ فإيَّاك أن تكون منهم؛ إن أعطيت الجنَّة أعطيتَها وما فيها، وإن أعذتَ من النَّار أعذتَ منها وما فيها من الشَّرِّ»
- الاعتداء في الهيئة والأداء ويكون بهيئة وكيفية جاءت السنة بخلافها مثل أن يدعو ربه دعاء غير متضرع ولا مستكين والسجود لأجل الدعاء.
ومن صور ذلك:
- رفع الصوت والصياح: وعن أبي موسى الأشعري قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فأشرفوا على واد فجعل الناس يكبرون ويهللون ويرفعون فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا»
-الدعاء مع النعاس أو فرط الشبع أو مدافعة الأخبثين أو ملامسة النجاسة أو أثناء كشف العورة وغيرها من الحالات التي لا تناسب التقرب.
-السجود لأجل الدعاء.
- الاعتداء في الدعاء المكاني، وهو التعبد لله باتخاذ أمكنة معينة تخص بالدعاء دون دليل شرعي فإن إفراد بعض الأماكن وخصها بالذكر واتخاذ ذلك سنة راتبة مما لم يرد فيه دليل لا من الكتاب ولا من السنة فإنه يعتبر من البدع المحدثة.
- المقابر واعتقاد أن الدعاء هناك لنفسه أرجى للقبول.
- ومثل من يذهب إلى غار حراء أو غار ثور أو مكان مولد النبي - صلى الله عليه وسلم أو زيارة الأماكن الأثرية التي تعود إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة كالذهاب إلى موضع بيعة العقبة. أو يذهب إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام ليصلي فيه ويدعو أو يسافر إلى غير هذه الأمكنة من الجبال وغير الجبال التي يقال فيها مقامات الأنبياء أو غيرهم أو مشهد مبني على أثر نبي من الأنبياء.
فعن عمر رضي الله عنه قال: خرجنا معه في حجة حجها فلما رجع من حجته رأى الناس يذهبون مذاهب فقال: أين يذهب هؤلاء؟ فقيل: يا أمير المؤمنين، مسجد صلى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم يصلون فيه فقال: إنما هلك من كان من قبلكم بمثل هذا، كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعا، فمن أدركته الصلاة منكم هذا المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمدها)
- الاعتداء في الدعاء الزماني، تعريفه: التعبد لله باتخاذ أزمنة معينة تخص بالدعاء دون دليل شرعي مثل:
- دعاء ليلتي أول يوم من السنة وآخرها.
-دعاء ليلة النصف من شعبان.
- دعاء آخر أربعاء من شهر صفر.
وهناك نوعا آخر من الاعتداء في الدعاء يكون في العبادات :
كالاعتداء في الدعاء في الصلاة، أو في الحج، أو في الصيام ... وليس هذا محل تفصيله.
تخميل الملف الصوتي
https://drive.google.com/open?id=1kAhTPo4ZzSn2KtS5ihWSTgbOB_Q6f1n6