المراقبة
يقول تعالى:
@ { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [الملك: 12].
@{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء: 108].
@{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7].
أخي المسلم: إن استشعار مراقبة الله تعالى من معاني الإيمان العظيمة؛ التي يرتقي بها العبد إلى درجة: الإحسان.
@تعريفها: قال ابن القيم رحمه الله: «المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه».
المراقبة هي ثمرة من ثمرات الصيام وذلك؛ لأن الصيام سر بين العبد وربه فهو لا يأكل ولا يشرب إن خلا بنفسه لعلمه أن الله مطلع عليه.
أخي المسلم: هل حاولت ان تديم هم المرتبة العظيمة في كل أمورك وأحوالك، هل وقفت مع نفسك يومًا؛ فسألتها: أين هي من مراقبة الله تعالى؟
قليلٌ أولئك الذين وقفوا هذه الوقفة مع أنفسهم .. وسألوها .. وحاسبوها في خلواتها.
وأما الأكثرون فقد غفلوا عن المحاسبة .. وأعطوا النَّفس مُناها في عدم التشديد عليها ..
@أرأيت لو قيل لك: إنك مراقب من قِبَل الحاكم؛ كيف سيكون حالك؟ !
لا شكَّ أنَّك ستحتاط لنفسك، وستبتعد عن كل موطن يكون سببًا في مساءلتك.
ولكنَّ الكثيرين تجدهم لا يخفى عليهم أنهم مراقبون ممن يعلم السرَّ وأخفى .. تبارك وتعالى. ومع هذا تجده لا يلتفت إلى هذه الرَّقابة!
وهذه الغفلة هي حال الكثيرين من أولئك الذين لم يستشعروا رقابة الله تعالى!
تعالوا معنا نتوقف في هذه الدقائق مع منزلة المراقبة وخاصة أننا في شهر المراقبة.
@ كان (المبارك) رجلا صالحا تقيا.... وكان يعمل حارسا لبستان أحد الأغنياء وهو نوح بن مريم وظل فى عمله فترة......
حتى جاء يوم.... جاء فيه صاحب البستان ومعه بعض أصحابه،،، وطلب صاحب البستان من المبارك ؟أن يحضر لضيوفه بعض الثمر....
فأحضر المبارك بعض الثمر وقدمها للرجل وضيوفه....... وكانت المفاجأة انها كلها كانت حامضة!!!!!!!!
فقال صاحب البستان منزعجا: ما هذا يا رجل؟؟؟؟؟ أردت احراجى أمام ضيفى فجلبت ثمرا حامضا!!!!!!!!
فقال المبارك:وكيف لى ان أعرف أن الثمر حامضا ؟؟؟؟
فقال صاحب البستان : ألا تعرف الفرق بين الثمر الحامض والثمر الطيب؟؟؟؟
فقال المبارك: نعم لا اعرف يا سيدى
فاستغرب صاحب البستان وقال: تعمل كل هذه المدة فى البستان ولا تعرف الفرق!!!!! ألم تأكل يوما من ثمره؟؟؟؟
فقال المبارك: لم آكل من ثمر البستان منذ عملت فيه، فلقد استعملتنى للحراسة ولم تأذن لى بالأكل من ثمره......
فعجب صاحب البستان من رد المبارك ومضى.....
ولكن اجابات الحارس الأمين أثرت فى صاحب البستان،، فعمد الى جيران البستان يسألهم عن المبارك فأثنوا عليه خيرا وتكلموا فى ورعه وتقواه،،،، وبعد عدة أيام جاء صاحب البستان الىالبستان وقال للمبارك: اني مستنصحك فى أمر ....
فقال المبارك: وما هو؟؟؟؟
فقال : صاحب البستان: لى ابنة شابة حبيبة الى قلبى قد تكاثر خطابها،،، فبرأيك من أزوجها؟؟؟؟
فقال المبارك: يا سيدى
ان العجم يزوجون للجمال
وان العرب يزوجون للنسب
وان المسلمين يزوجون للدين
فاختر لها ما شئت
فصمت الرجل برهة ثم قال: وأنا سأزوجها للدين....... وأخطبك أنت لها.....
فتزوجا وبارك الله لهما وأنجبا ولدا نجيبا سمياه عبد الله...... فكان (عبد الله بن المبارك إمام المسلمين في عصره الذي ملأ الأرض علما.
@ وقال أسلم رضي الله عنه: بينما أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس بالمدينة إذا أعيا، فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء؟ فقالت لها: يا أمتاه، وما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته يا بينه؟ قالت: إنه أمر مناديه فنادى: أن لا يشاب اللبن بالماء؟ فقالت لها: يابنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها يا أمتاه: والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، وعمر يسمع كل ذلك، فقال: يا أسلم: عَلّم الباب، واعرف الموضع، ثم مضى في عسسه، فلما أصبح قال: يا أسلم إمض إلى الموضع فانظر من القائلة؟ ومن المقول لها؟ وهل لهما من يعل؟ قال أسلم: فأتيت الموضع، فنظرت فإذا الجارية أَيّم لا بعل لها، وإذ تيك أمها، وإذ ليس لهم رجل، فأتيت عمر بن الخطاب، فأخبرته، فدعى ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه، ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه فيكم أحد إلى هذه الجارية، فقال عبد الله: لي زوجة، وقال عبد الرحمن: لي زوجة، وقال عاصم: يا أبتاه، لا زوجة لي فزوجني، فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم، فكانت جدة عمر بن عبد العزيز الخليفة رحمه الله.
@ وهناك قصة حديث في عصرنا عذا وهي قصة شاب أراد أن يسافر مع أصدقائه فاستأذن من أمه فوافقت بشرط أن يعاهدها على عدم المعصية فوافق وسافروا جميعا وعندما نزلوا غرفهم في الفندق ففوجئ الابن بالباب يطرق ففتح فوجد فتاة تريد أن يزني بها وتغريه بشتى الوسائل فاراد ان يبعدها عن نفسه حفاظا على عهد أمه فقال لها إني مصاب بالإيدز فقالت وأنا أيضا كذلك فنجاه الله من الإصابة بهذا المرض حفاظا على عهده مع أمه فكيف بمن وفى بما عاهد عليه الله وراقبه في السر والعلن .
@روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ؟ ... مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ...".
أيها الإخوة أن لمراقبة الله في السر والعلن ثمرات عظيمة منها ما ذكرناه من البعد عن المعاصي كالغش في الامتحانات التي تخرج لنا طبيبا فاشلا يقتل المرضى مهندسا فاشلا يهدم لا يبني وهكذا.
إذا خلَوْتَ الدَّهرَ يومًا فلا تقُلْ ... خلوتُ ولكنْ قُلْ عليَّ رقيبُ
@روى ابن ماجه بسند صححه البوصيري والألباني عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا» ، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا»
ومنها: الجنة.
@قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ{ [الملك/12]. وهم من إذا خلوا لم يأتوا ما حرم الله عليهم.
ولهذه الثمرات قال ابن عطاء رحمه الله: "أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات".
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
كيف السبيل إلى تحقيق المراقبة:
@ (1) الايمان بأن الله هو الرقيب والايمان بالغيب (الجنة والنار والآخرة والصراط والقنطرة وتطاير الصحف ...)
قال علي: لو كشفت لي الحجب ما ازددت يقينا.
قال كان صفوان بن سُلَيْم ، ولو قيل له : غداً القيامة . ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة .
ولو قيل لحماد بن سلمة : إنك تموت غداً . ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً .
ولو قيل لعبد الرحمن بن أبي نعم قد توجه إليك ملك الموت ما كان عنده زيادة عمل .
ولو رأيت منصور بن المعتمر ، لقلت : يموت الساعة .
@وتصديق أبو بكر للنبي في خبر الاسراء وتسمية النبي له بالصديق.
@فهل أنت مصدق بالغيب هل استشعرت أول ليلة من رمضان وما يحدث فيها هل تستشعر أنك إن قرأت آية الكرسي أرسل الله لك ملكا يذب عنك الشياطين حتى تصبح هل تؤمن بهذا الغيب لابد وأن يتقوى الايمان بالغيب عندنا حتى نعبد الله كأننا نراه ونؤمن بأن الملائكة يسجلون علينا كل ما نفعل من حسنات وسيئات.
(2) العلم بشهادة الجوارح على الانسان.
@{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65].
@{ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)} [فصلت: 20 - 24].
اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك، اللهم مُنَّ علينا بمراقبتك في السر والعلانية، يارب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
ولسماع الملف الصوتى اضغط هنا
https://drive.google.com/open?id=1nFkomXMjAvfcLA4ubFrDXcnaksBqCjWu