محاسبة النفس
تعريف محاسبة النفس:
قال الإمام الماورديّ: محاسبة النّفس: أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره فإن كان محمودا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموما استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل.
وقال الغزاليّ في بيان حقيقة المحاسبة بعد العمل: اعلم أنّ العبد كما يكون له وقت في أوّل النّهار يشارط فيه نفسه على سبيل التّوصية بالحقّ فينبغي أن يكون له في آخر النّهار ساعة يطالب فيها النّفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها، كما يفعل التّجّار في الدّنيا مع الشّركاء في آخر كلّ سنة أو شهر أو يوم، حرصا منهم على الدّنيا، وخوفا من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخيرة لهم في فواته! ولو حصل ذلك لهم فلا يبقى إلّا أيّاما قلائل، فكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلّق به خطر الشّقاوة والسّعادة أبد الآباد؟ ما هذه المساهلة إلّا عن الغفلة والخذلان وقلّة التّوفيق- نعوذ بالله من ذلك-.
@ نبدأ من النهاية :
فإن لم تفعل ذلك فكيف يكون حالك.
نتكلم عن أنواع الحقوق وهي نوعان:
حق لله مبني على المسامحة:
حق للعباد مبني على المشاحة.
فإن قصرت في آداء حقوق العباد ولم تحاسب نفسك وترد المظالم فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم حالك:
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»
وهنا كان صلى الله عليه وسلم يغير مفاهيم الصحابة ويربطهم بحقائق الأمور ويرشدهم للآخرة كما في مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟» قَالَ قُلْنَا: الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا» قَالَ: «فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟» قَالَ قُلْنَا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، قَالَ: «لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»
هنا يسأل عن المفلس الحقيقي وهم يجيبون عن المفلس النسبي الذي ينتهي افلاسه بموته وقد يعقبه غني في حياته ... وأما المسئول عنه فهو الهالك حقيقة.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم وقت ذلك ومكانه:
فوقته يوم القيامة وهو يوم شديد الهول:
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) } [الحج: 1 - 3]
{ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37) } [الحاقة: 13 - 37]
وكانه القنطرة فهي مكان استيفاء الحقوق :
فقد روى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا"[1].
وهناك قصاص آخر والظاهر أن قبل القنطرة والله أعلم
عدل الله التام: فلا يدخل المؤمن الجنة وله مظلمة عند أخيه، روى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ أُنَيْسٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ - عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ [بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ] قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ، وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللهَ عزَّ وجلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ"[9]. بل حتى البهائم يقتص من بعضها البعض، روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَة رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ"[10].
أنه يجب على المؤمن أن يحرص على براءة ذمته من حقوق الآخرين وأن يتحلل منهم قبل يوم القيامة حيث لا درهم، ولا دينار، وإنما هي الحسنات والسيئات، روى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ، وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ"[11].
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]
{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6]
{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [التكاثر: 8]
عن جابر، قال: أتاني النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، فأطعمتهم رطبا، وأسقيتهم ماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا من النعيم الذي تسألون عنه ".
قال ابن القيم: والنعيم المسئول عنه نوعان: نوع أخذ من حله وصرف فى حقه، فيسأل عن شكره. ونوع أخذ بغير حله وصرف فى غير حقه، فيسأل عن مستخرجه ومصرفه.
فإذا كان العبد مسئولا ومحاسبا على كل شىء، حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى: {إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] .فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب.
عود على بدء:
محاسبة النفس نوعان:
نوع قبل العمل، ونوع بعده.
فأمّا النّوع الأوّل: فهو أن يقف عند أوّل همّه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتّى يتبيّن له رجحانه على تركه.
قال الحسن- رحمه الله-: رحم الله عبدا وقف عند همّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخّر.
النّوع الثّاني: محاسبة النّفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبتها على طاعة قصّرت فيها من حقّ الله تعالى؛ فلم توقعها على الوجه الّذي ينبغي.
وحقّ الله تعالى في الطّاعة ستّة أمور وهي: الإخلاص في العمل، والنّصيحة لله فيه، ومتابعة الرّسول فيه، وحصول المراقبة فيه، وشهود منّة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كلّه. فيحاسب نفسه: هل وفّى هذه المقامات حقّها، وهل أتى بها في هذه الطّاعة.
الثّاني: أن يحاسب نفسه على كلّ عمل كان تركه خيرا له من فعله.
الثّالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد: لم فعله؟ وهل أراد به الله والدّار الآخرة؟ فيكون رابحا، أو أراد به الدّنيا وعاجلها؛ فيخسر ذلك الرّبح ويفوته الظّفر به «2» .
الأدلة وأقوال السلف وأحوالهم:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (19)
لينظر أحدكم أيّ شيء قدّم؟ عملا صالحا ينجيه؟ أم شيئا يُوبِقُه؟ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ أي: تركوا أمره فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أي: أنساهم حظوظ أنفسهم- فلم يعملوا بالطاعة، ولم يقدِّموا خيراً.
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].
ومن لم يغتنم حياته في طاعة الله ندِم بعد مماته، وتمنى العودة إلى الدنيا، وأنى له ذلك؛ قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100].
وقال سبحانه: ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 21 - 24].
يروى عن انه قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا. فإنّه أهون عليكم في الحساب غدا، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (الحاقة/ 18)) * «1» .
(عن سلمة بن منصور عن مولى لهم كان يصحب الأحنف بن قيس، قال: كنت أصحبه، فكان عامّة صلاته الدّعاء، وكان يجيء المصباح، فيضع أصبعه فيه، ثمّ يقول: حسّ «5» ، ثمّ يقول: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا، ما حملك على ما صنعت يوم كذا) *
ومعاقبة النفس من الأمور التي تعين على محاسبة النفس:
معاقبة النفس على تقصيرها . إعلم أن العبد إذا حاسب نفسه فرأى منها تقصيرة ، أو فعلت شيئا من المعاصي ، فلا ينبغي أن يهملها ، فإنه يسهل عليه حينئذ مقارفة الذنوب ، بل ينبغي أن يعاقبها عقوبة مباحة . .
1- روی عن عمر رضي الله عنه : أنه خرج إلى حائط له ، ثم رجع وقد صلى الناس العصر فقال : إنما خرجت إلى حائطى ، ورجعت وقد صلى الناس العصر ، حائطى صدقة على المساكين ، قال الليث : إنما فاتته في جماعة .
۲ - حکی أن تميم الداري رضي الله عنه نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح ، فقام سنة لم ينم فيها عقوبة ..
۳ - مر حسان بن أبي سنان بغرفة فقال : متى بنيت هذه ؟ ثم أقبل على نفسه ، فقال : تسألين عما لا يعنيك ، لأعاقبنك بصوم سنة فصامها . .
فمن سهل عليه الصيام ألزم نفسه بالصدقة فالبخل بالدينار والدرهم يجعله يقلع عن المعصية.
(عن ميمون بن مهران قال: لا يكون الرّجل تقيّا حتّى يكون لنفسه أشدّ محاسبة من الشّريك لشريكه) *
قال أبو جعفر البقَّال: دخلت على أحمد بن يحيى رحمه الله، فرأيته يبكي بكاءً كثيرًا ما يكاد يتمالك نفسه!! فقلت له: أخبرني: ما حالك؟! فأراد أن يكتمني فلم أدعه، فقال لي: فاتني حزبي البارحة! ولا أحسب ذلك إلا لأمر أحدثته، فعوقبت بمنع حزبي، ثم أخذ يبكي! فأشفقت عليه وأحببت أن أسهِّل عليه، فقلت له: ما أعجب أمرك! لم ترضَ عن الله تعالى في نومةٍ نومك إياها، حتى قعدت تبكي! فقال لي: دع عنك هذا يا أبا جعفر، فما أحسب ذلك إلا من أمر أحدثته، ثم غلب عليه البكاء! فلما رأيته لا يقبل مني انصرفت وتركته.
" وهذا الربيع بن خثيم –رحمه الله تعالى-: حفر في داره قبراً فكان إذا وجد في قلبه قسوة جاء فاضطجع في القبر فمكث ما شاء الله ثم يقول: { رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } [المؤمنون:99 ؛ 100] . ثم يرد على نفسه فيقول: قد أرجعتك فجدي؛ فمكث كذلك ما شاء الله."
وقد وقف الإمام "الحسن البصري" عند شفير قبرٍ بعد دفن صاحبه ثم التفت على رجل كان بجانبه فقال: أتراه لو يرجع للدنيا ماذا سيفعل؟! قال الرجل: يستغفر ويصلي ويتزود من الخير فقال الإمام: هو فاتته فلا تفتك أنت!!!
,ولسماع الخطبة اضغط هنا