الصدق
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
,والذي جاء بالصدق هو النبي والذي صدق به هو أبو بكر.
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41)
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } [مريم: 54]
{فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } [مريم: 49، 50]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) «5»
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «3»
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) «2» في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة.
17-* ((عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عديّ» لبطون قريش حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال:
«أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟» . قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» . فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (المسد/ 1- 2) * «4» .
روى الشيخان عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً».
روى أبو داود بإسناد حسن قال عبد الله بن عامر: جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال حتى أعطيك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «وما أردت أن تعطيه؟ ». قالت: تمراً. فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة» .ي رؤيا لرسول الله صلى الله عليهياء نوع من
قال صلى الله عليه وسلم: "أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق...
فانطلقنا: فأتيا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعيناه إلى قفاه، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى.
قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق..".
"قال: قالا لي أما إنا سنخبرك... وأما الرجل الذي أتيت عليه، يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.."[5].
10-* (- قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: (لأن يضعني الصدق- وقلما يضع- أحب إلي من أن يرفعني الكذب، وقلما يفعل) .
وقال ابن السمَّاك:ما أحسبني أؤجر على ترك الكذب؛ لأني أتركه أنفة.
وقال الشعبي: (عليك بالصدق حيث ترى أنه يضرك؛ فإنه ينفعك، واجتنب الكذب حيث ترى أنه ينفعك؛ فإنه يضرك).
وقال بعض الحكماء: =الصدق عزُّ، والكذب خضوع
وقال طرف بن طريف: ما يسرني أني كذبت كذبة وأني لي الدنيا وما فيها.
وقال الأحنف: (اثنان لا يجتمعان أبداً: الكذب والمروءة).
وقد قال الجاحظ: لم يكذب أحد قط إلا لصغر قدر نفسه عنده.
وقال الجنيد: «حقيقة الصّدق: أن تصدق في موطن لا ينجّيك منه إلّا الكذب» ) * «10» .
12-* (وقال يوسف بن أسباط: «لأن أبيت ليلة أعامل الله بالصّدق أحبّ إليّ من أن أضرب بسيفي في سبيل الله» ) 14-* (وقيل: من طلب الله بالصّدق أعطاه مرآة يبصر فيها الحقّ والباطل» ) * «3» .
مجالات الصدق:
-الصدق مع الله - عز وجل - ومع رسوله - صلى الله عليه وسلم -
قال الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: 60].
قصة كعب بن مالك وتخلفه عن تبوك. خ (7/ 717).
الخطبة الأولى
2- - الصدق في البيع والشراء: كحال من ينفق سلعته بالأيمان الكاذبة، ومن يغش المشتري بجودة بضاعته.
فما أكثر ما يقع هذا بين الناس، مع عظم خطورته وشدة الوعيد فيه.
فعن عبد الله بن أبي أوفى قال: أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف بالله: لقد أعطي بها مالم يعط ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ... [آل عمران: 77].
قال":=اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب+(17).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم ... )).
وقال: =من غشنا فليس منا).
عَن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا”(متفق عليه)؛ قال ابن حجر:” في الحديث حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما وهو الكذب والكتم، وأن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا والآخرة.”( فتح الباري)؛
ويكفي أن الصادق يحشر مع النبيين والشهداء؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”( الطبراني والحاكم والترمذي وحسنه)؛ و
فعن رِفَاعَةَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ:” يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ:” إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ”؛
وهذا الإمام أبو حنيفة – الذي ملأ علمه الآفاق؛ والذي أسس مذهباً في الفقه منتشراً في كل مكان وزمان – كان تاجرا ماهرا مبارك اليد، صادق الكلمة غير حلاف ، وكان موفقاً نتيجة الصيت الحسن والسمعة الطيبة، وكثرة الزبائن وإقبال الناس هي المقياس الحقيقي لنجاحه، وكان منهجه الصدق والأمانة في البيع والشراء، وكان يتاجر في الخز «الأقمشة والثياب». وذات يوم جاءته امرأة بثوب من الحرير تبيعه له، فسألها: كم ثمنه؟ فقالت: مائة. فقال: هو خير من مائة، بكم تقولين ؟ فزادت مائة مائة حتى بلغت أربعمائة درهم، فقال: هو خير من ذلك. فقالت أتهزأ بي؟ فقال: هاتي رجلاً يقومه، فجاءت برجل فاشتراه بخمسمائة درهم!!
وفي رواية لامرأة أخرى جاءته فقالت: إني ضعيفة وإنها أمانة، فبعني هذا الثوب بما يقوم عليك، فقال خذيه بأربعة دراهم، فقالت: لا تسخر مني وأنا عجوز، فقال: إني اشتريت ثوبين، فبعت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم فبقي هذا الثوب علي إلا بأربعة دراهم.
وفي رواية أخرى لصدقه وأمانته في البيع والشراء أن جاءه صديق يطالبه بثوب خز على وصف ولون بعينهما، فقال له أبو حنيفة: اصبر حتى يقع وآخذه لك.. إن شاء الله تعالى. فما دارت الجمعة حتى وقع، فمر به الصديق، فقال له قد وقعت حاجتك، وأخرج إليه الثوب، فقال: كم إذاً؟ قال أبو حنيفة: درهماً، فقال الصديق: ما كنت أظنك تهزأ بي، قال أبو حنيفة: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهما، وإني بعت أحدهما بعشرين ديناراً وبقي هذا بدرهم.
3- الصدق في المنام :
وربما يكذب في حكاية المنام، والإثم فيه عظيم روى البخاري واحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَمْ تَرَيَا ".
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ».
ش (تحلم بحلم) تكلف الحلم أو ادعى أنه رأى حلما. (كلف) يوم القيامة. وذلك التكليف نوع من العذاب. (يعقد) يوصل. (لن يفعل) لن يقدر على ذلك وهو كناية عن استمرار العذاب عليه.
4 – الصدق عند الممازحة:
روى أبو داود بإسناد حسن عن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك به القوم، ويل له ويل له».
روى أحمد بإسناد حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ، يَهْوِي بِهَا مِنْ أَبْعَدِ مِنَ الثُّرَيَّا ".
قال ابن عثيمين: (وهذا يفعله بعض الناس ويسمونها (النكت)، يتكلم بكلام كذب ولكن من أجل أن يضحك الناس، هذا غلط، تكلم بكلام مباح من أجل أن تدخل السرور على قلوبهم، وأما الكلام الكذب فهو حرام)
(والحكمة من هذا المنع أنه يجر إلى وضع أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين يؤذيهم الحديث عنهم، كما أنه يعطي ملكة التدرب على اصطناع الكذب وإشاعته فيختلط في المجتمع الحق بالباطل والباطل بالحق).
ولسماع الخطبة اضغط هنا