الزكاة وعاشوراء
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } [الحديد: 25] الميزان العدل والقسط العدل وهما في اتباع الشرع وقال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 123، 124].
وميزان الله وعدله وهداه في كل شرائعه ونتخير منها شريعة الزكاة.
الزكاة لغة: الطهارة؛ لأنه تطهير للمال. والنماء والزيادة، يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد فهي نماء بالإخلاف من الله تعالى قال تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ: 39].
الزكاة شرعاً: حقٌّ واجب في مال خاص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص.
منزلة الزكاة في الإسلام:
- الزكاة: الركن الثالث من أركان الإسلام، فهي أحد مباني الإسلام؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بُني الإسلام على خمس ..)).
- الزكاة: قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، فقد جمع الله بينها وبين الصلاة في سبع وعشرين موضعا في كتابه الكريم، وهذا يدل على عظم مكانتها عند الله - عز وجل -، وعظم شأنها، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}.
- ذم الله تعالى التاركين لها وتوعدهم بالعقاب والهلاك فقال - سبحانه وتعالى -: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}، وقال تعالى: {كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ*إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ*فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ الْمُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين}
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع (الشجاع: الحية الذكر والأقرع: الذي انحسر الشعر عن رأسه من كثرة سمه)، له زبيبتان (النكتتان السوداوان فوق عينيه وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه) يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك, أنا كنزك)) ثم تلا هذه الآية: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
فوائد الزكاة وحِكَمها:
النجاة من حرِّ يوم القيامة؛ لحديث عقبة ابن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلُّ امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس)) " قَالَ يَزِيدُ: " وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً أَوْ كَذَا ".
تطهير النفس وتزكيتها، والبعد بها عن خُلُق الشح والبخل، كما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}وتطهير المال؛ لأن الزكاة تطهيرٌ للمال؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس ... )).
استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله تعالى، كما قال - عز وجل -:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ؛ ولقول الله تعالى في الحديث القدسي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((قال الله: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك)).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله)).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)).
تثبيت أواصر المحبة بين الغني والفقير؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.
- تجعل المجتمع المسلم كالأسرة الواحدة، يرحم القوي القادر الضعيف العاجز، والغني يحسن إلى المعسر، فيشعر صاحب المال بوجوب الإحسان عليه كما أحسن الله إليه، قال الله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} . فتصبح الأمة الإسلامية كأنها عائلة واحدة.
- تطفئ حرارة ثورة الفقراء؛ لأن الفقير قد يغضب، لما يرى من تنعم الأغنياء، فإذا جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم.
- تمنع الجرائم المالية مثل: السرقات، والنهب، وما أشبه ذلك؛ لاستغناء الفقراء عن هذه الجرائم بإعطائهم الزكاة، أو بالصدقة والإحسان إليهم.
الأموال التي تجب فيها الزكاة خمسة: بهيمة الأنعام، النقدان: وهما الذهب والفضة، وكذلك ما يقوم مقامهما من العملات الورقية المتداولة اليوم، عروض التجارة: وهي كل ما أعدَّ للبيع والشراء لأجل الربح، الحبوب والثمار، المعادن والرِّكاز.
زكاة الدين:
الدين إذا كان على معسر فإن صاحب الدين يزكيه إذا قبضه لعام واحد في سنة قبضه، وإن كان على مليء قادر فإنه يزكيه لكل عام؛ لأنه في حكم الموجود عنده.
- الذهب والفضة:
تجب الزكاة في الذهب والفضة لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34، 35] ولا يُتَوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب.
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما مِن صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأُحْمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي الله بين العباد).
النصاب: 85 - 97.142 - 113.33 - 595 .
العملات الورقية وعروض التجارة بالفضة. يجوز إخراجها من جنس عروضه بشروط:
المقدار ربع العشر كل عام هجري. وكيفية حسابها.
المصارف: من الورق المرفق. { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
@@@@@@@@@@@@@@@@@
عاشوراء:
لعاشوراء قصتان، قصة قديمة، وأخرى حديثة، وكل واحدة منهما مليئة بالعبر الجليلة والدروس العجيبة، كل واحدة قصة لنبي من أولي العزم من الرسل، وكل واحدة ذات علاقة ببني إسرائيل.
القصة القديمة تبدأ منذ مئات السنين حين تكبر فرعون وكفر، ونكل ببني إسرائيل، فجمع موسى _عليه السلام_ قومه للخروج، وتبعهم فرعون ، فجاء الوحي في ذلك اليوم العظيم بأن يضرب موسى _عليه السلام_ البحر بعصاه "فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ " [الشعراء : 63] فلما رأى فرعون هذه الآية العظيمة لم يتعظ لج في طغيانه ومضى بجنوده يريد اللحاق بموسى _عليه السلام_ وقومه ، فأغرقه الله _عز وجل_ ، ونجى موسى ومن معه من بني إسرائيل ، قال _تعالى_: "وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِين" [الدخان : 30] إلى هنا تنتهي القصة الأولى.
أما القصة الحديثة فهي أيضاً منذ مئات السنين لكنها حديثة قياسا بالقصة الأولى ، وهي أيضاً متعلقة ببني إسرائيل، لكن تعلقها بالمسلمين أهم ، كان اليهود يحتفلون بهذا اليوم، ورآهم الرسول _صلى الله عليه وسلم_ يصومون ذلك اليوم في المدينة، وكان _عليه الصلاة والسلام_ يصومه قبل ذلك، أخرج البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_ قَال:َ "قَدِمَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَال:َ مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى - زاد مسلم في روايته: "شكراً لله _تعالى_ فنحن نصومه"، وللبخاري في رواية أبي بشر "ونحن نصومه تعظيماً له"-. قَال:َ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم.ْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ" في رواية مسلم: "هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وغرَّق فرعون وقومه".
خرج البخاري عن عَائِشَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا_ قَالَت:ْ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.
فضله: وقال - صلى الله عليه وسلم - : "صيام يوم عرفة، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده، وصيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"
ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم .
عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يعني مع العاشر.
ولسماع الخطبة اضغط هنا