الدعوة إلى الله
الدعوة هي"نشر الإسلام وتبليغه للناس عن علم وبصيرة وفق الطرق المشروعة، اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وابتغاء لمرضاة الله عز وجل وثوابه".
((2. أدلة وجوب الدعوة إلى الله تعالى:
أولاً / الأدلة من الكتاب:ونذكر منها:
1 - قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. قوله: {ولتكن} أمر ظاهره الوجوب.
2 - قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة} فأطلق مسمى الإيمان على من قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن لم يقم به لا يستحق أن يكون من المؤمنين)) وهذا خبر مضمن معنى الانشاء.
ويدل أيضا على الوجوب قوله تعالى ): إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن)
- وقوله تعالى: (ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكن من المشركين)
والوجوب هنا ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم والخصوصية لا تثبت بالاحتمال بل يتعدى إلى الأمة كما في قوله تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
وقد كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا في الأمم المتقدمة ((3 - قال تعالى: {لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} فشدد على المقصرين بشأن الدعوة إلى الله، وعللت استحقاقهم اللعنة بتركهم النهي عن المنكر.
4 - قال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} فبين أن الناجين ما تحققت لهم النجاة إلا بالنهي عن السوء، وهو ما يؤكد أمر الوجوب.
5 - قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}
فالأمر هنا يفيد وجوب الحث على التعاون، وما قيام الداعية بواجبه تجاه المدعو مادياً ومعنوياً إلا صورة واضحة للتعاون الذي حثت عليه الآية.
ثانياً: الأدلة من السنة : استدل العلماء على وجوب الدعوة إلى الله بأحاديث كثيرة نذكر منها:
1 - عن حذيفة بن اليمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لتَأمُرُنَّ بالمعروف ولَتَنهَوُنَّ عن المنكر أو لّيُوشِكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لَتَدعُنَّه فلا يستجيب لكم» رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح
2 - عن محمد (بن سيرين) عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة ذُكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «فإن دماءكم وأموالكم، قال محمد وأحسبه قال: وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب» رواه البخاري
3 - عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم وأموالكم» رواه النسائي وصححه الألباني)).
وروى البخاري عن عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «بلغوا عني ولو آية».
صور من الدعوة:
النبي صلى الله عليه وسلم:
روى ابن هشام وغيره عن رَبِيعَةَ بْنَ عَبّادٍ يُحَدّثُهُ أَبِي، قَالَ إنّي لَغُلَامٌ شَابّ مَعَ أَبِي بِمِنَى، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ عَلَى مَنَازِلِ الْقَبَائِلِ مِنْ الْعَرَبِ، فَيَقُولُ "يَا بَنِي فُلَانٍ إنّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْدَادِ وَأَنْ تُؤْمِنُوا بِي، وَتُصَدّقُوا بِي، وَتَمْنَعُونِي، حَتّى أُبَيّنَ عَنْ اللهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ" قَالَ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ لَهُ غَدِيرَتَانِ عَلَيْهِ حُلّةٌ عَدَنِيّةٌ فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ قَالَ ذَلِكَ الرّجُلُ يَا بَنِي فُلَانٍ إنّ هَذَا إنّمَا يَدْعُوكُمْ أَنْ تَسْلُخُوا اللّاتَ وَالْعُزّى مِنْ أَعْنَاقِكُمْ وَحُلَفَاءَكُمْ مِنْ الْجِنّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أُقَيْشٍ إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْبِدْعَةِ وَالضّلَالَةِ فَلَا تُطِيعُوهُ وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُ. قَالَ فَقُلْت لِأَبِي: يَا أَبَتْ مَنْ هَذَا الّذِي يَتْبَعُهُ وَيَرُدّ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ؟ قَالَ هَذَا عَمّهُ عَبْدُ الْعُزّى بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَبُو لَهَبٍ.
الاتصال باليهود بواسطة عبد اللَّه بن سلام - رضي الله عنه - ودعوتهم إلى الإسلام.
فعن أنس - رضي الله عنه - قال: بلغ عبد اللَّه بن سلام مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فأتاه، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((خبرني بهن آنفاً جبريل)) قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها)) [قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك رسول اللَّه]، قال: يا رسول اللَّه، إن اليهود قوم بُهْتٌ، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بَهَتُوني عندك، [فأرسل نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا اللَّه فواللَّه الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول اللَّه حقاً، وأني جئتكم بحق، فأسلموا))، قالوا: ما نعلمه، قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - -قالها ثلاث مرات - فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((فأي رجل فيكم عبد اللَّه بن سلام؟)) قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: ((أفرأيتم إن أسلم؟)) قالوا: حاشا للَّه ما كان ليسلم، قال: ((أفرأيتم إن أسلم؟)) قالوا: حاشا للَّه ما كان ليسلم، قال: ((أفرأيتم إن أسلم؟)) قالوا: حاشا للَّه ما كان ليسلم، قال: ((يا ابن سلام اخرج عليهم))، فخرج فقال: يا معشر اليهود، اتقوا اللَّه فواللَّه الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول اللَّه، وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت، [شرنا، وابن شرنا]، ووقعوا فيه.
عن عمران بن حصين، قال: كنت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسير له، .. وقد عطشنا عطشا شديدا، فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين، فقلنا لها: أين الماء؟ قالت: أيهاه أيهاه، لا ماء لكم، قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة، قلنا: انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى انطلقنا بها، فاستقبلنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها، فأخبرته مثل الذي أخبرتنا، وأخبرته أنها موتمة لها صبيان أيتام، فأمر براويتها فأنيخت فمج في العزلاوين العلياوين، ثم بعث براويتها، فشربنا ونحن أربعون رجلا عطاش حتى روينا، وملأنا كل قربة معنا وإداوة، وغسلنا صاحبنا، غير أنا لم نسق بعيرا، وهي تكاد تنضرج من الماء - يعني المزادتين - ثم قال: «هاتوا ما كان عندكم»، فجمعنا لها من كسر وتمر، وصر لها صرة، فقال لها: «اذهبي فأطعمي هذا عيالك، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك»، فلما أتت أهلها قالت: لقد لقيت أسحر البشر، أو إنه لنبي كما زعم، كان من أمره ذيت وذيت، فهدى الله ذاك الصرم بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا. م
[ ش (فأدلجنا) السير آخر الليل (مزادتين) المزادة أكبر من القربة (أيهاه أيهاه) بمعنى هيهات هيهات (الصرم) أبيات مجتمعة].
مواقف أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -:
عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - قال: قلت لعبد اللَّه بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: بينما رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي مُعيط، فأخذ بمنكب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر، فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ}.
تصديقه للنبي - صلى الله عليه وسلم - والحرص على حمايته.
المطلب الثالث: إنفاقه ماله في سبيل اللَّه تعالى
عندما أسلم أبو بكر - رضي الله عنه - كان من أثرى أثرياء قريش، فكانت عنده أموال كثيرة، وقد كان في منزله يوم أسلم أربعون ألف درهم أو دينار، فاستخدم أمواله كلها في طاعة اللَّه، ومن ذلك ما يأتي:
(أ) إنفاق المال في إعتاق الرّقاب: وقد كانت هذه الرقاب يُعذّب معظمها على إسلامها، فأنقذها اللَّه بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وأخذ - رضي الله عنه - ينفق أمواله في خدمة الإسلام والمسلمين.
(ب) أخذه جميع ماله يوم الهجرة لإنفاقه على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم ولم يبق لأهله شيئا.
(ت) تصدُّقه بماله كله في غزوة تبوك:
(ث) وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيت لأهلك؟)) قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر - رضي الله عنه - بكل ما عنده، فقال له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيت لأهلك؟)) قال: أبقيت لهم اللَّه ورسوله، قلت: واللَّه لا أسبقه إلى شيء أبداً)).
ج) موقف أبي بكر عقب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر أنكر موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرج إلى الناس وخطبهم، وقال: واللَّه ما مات رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وليبعثنه اللَّه فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.
وأقبل أبو بكر - رضي الله عنه - على فرس من مسكنه بالسُّنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يُكلّم الناس حتى دخل على عائشة - رضي الله عنها - فتيمم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، واللَّه لا يجمع اللَّه عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبتْ لك فقد متها (1)، ثم خرج أبو بكر - وعمر يُكلم الناس - فقال: أيها الحالف على رسْلِك، وقال: اجلس يا عمر، فأبي عمر أن يجلس، فلما تكلم أبو بكر أقبل الناس إليه وتركوا عمر، فجلس عمر - رضي الله عنه - فحمد اللَّه أبو بكر وأثنى عليه، وقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً - صلى الله عليه وسلم - فإن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد مات، ومن كان منكم يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، قال اللَّه - تعالى -: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (2). وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (1).
فواللَّه لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن اللَّه أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر - رضي الله عنه - وقال عمر: واللَّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات.
وقال الراوي: فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها، ونشج الناس يبكون.
ح) موقف أبي بكر - رضي الله عنه - مع أهل الردة ومانعي الزكاة:
عندما توفي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ارتدت أحياء كثيرة من العرب، وظهر النفاق، وقد كان أهل الردة على قسمين:
القسم الأول: ارتدوا عن الدين، ونابذوا الملة، وهذه الفرقة طائفتان:
مُدّعو النبوة وأتباعهم. والطائفة الأخرى ارتدوا عن الدين، وتركوا الصلاة والزكاة، وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية.
القسم الثاني: هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، فأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها.
وهذا القسم هو الذي وقع فيه الخلاف، فثبت أبو بكر - رضي الله عنه - ثم وافقه جميع الصحابة على قتال جميع المرتدين ومانعي الزكاة (1).
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما توفي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فمن قال: لا إله إلا اللَّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على اللَّه))؟! فقال أبو بكر: واللَّه لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عِقالاً (وفي رواية عَناقا) كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه،فقال عمر بن الخطاب: فواللَّه ما هو إلا أن رأيت اللَّه - عز وجل - قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق
مواقف العلماء:
أبو حنيفة:
موقفه العظيم الحكيم مع الملحدين في دعوتهم إلى اللَّه - تعالى - وأنه رب كل شيء ومليكه. يذكر أنه اجتمع طائفة من الملاحدة بأبي حنيفة - رحمه الله - فقالوا: ما الدلالة على وجود الصانع؟ فقال: دعوني، فخاطري مشغول بأمر غريب. قالوا: وما هو؟ قال: بلغني أن في دجلة سفينة عظيمة مملوءة من أصناف الأمتعة العجيبة، وهي ذاهبة وراجعة من غير أحد يحركها ولا يقوم عليها، فقالوا له: أمجنون أنت؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: إن هذا لا يصدقه عاقل. فقال له: كيف صدقت عقولكم أن هذا العالم بما فيه من الأنواع والأصناف والحوادث العجيبة، وهذا الفلك الدوَّار السيَّار يجري، وتحدث هذه الحوادث من غير محدث، وتتحرك هذه المتحركات بغير محرك؟ فرجعوا على أنفسهم بالملام.
من مواقف الإمام مالك بن أنس:
من أعظم مواقف الحكمة التي وقفها: موقفه مع من سأله عن الاستواء. فقد جاء إليه رجل، وقال: يا أبا عبد اللَّه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء (2)، ثم رفع رأسه ورمى بالعود، وقال: ((الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة ((وأمر به فأُخرج.
مواقف الإمام أحمد بن حنبل:
أظهر المأمون عام 212هـ القول بخلق القرآن، وحمل الأئمة على القول بذلك، ثم امتحن العلماء وعذبهم ثم قُيِّد الإمام أحمد ومحمد بن نوح بالحديد، وحملا إلى المأمون، وعندما وصلا إلى جيش الخليفة ونزلا دونه بمرحلة جاء خادم من الجيش وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه، ويقول للإمام أحمد: يعز عليَّ يا أبا عبد اللَّه أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك، ويقسم لئن لم تُجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف، فجثا الإمام أحمد على ركبتيه، ورمق بطرفه إلى السماء، وقال: اللَّهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤونته. فجاء الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل، ففرح أحمد، ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة،وأن الأمر شديد، فرد أحمد ومحمد إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى، ومات محمد بن نوح في الطريق، فصلى عليه أحمد (2)، ووصل أحمد إلى بغداد في رمضان سنة 218هـ وأودع السجن نحواً من ثمانية وعشرين شهراً، وقيل أكثر من ثلاثين شهراً وجرت مناظرات طويلة وعذب افمام احمد وضرب نحوا من 80 سوطا حتى اغشي عليهضرباً مبرحاً، ولم يشعر الإمام أحمد إلا وهو في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجليه، ثم أمر المعتصم بإطلاقه إلى أهله، وكان ذلك في 25 رمضان سنة 221هـ، ووصل إلى بيته (1)، وجاء إليه طبيب في بيته فقال: قد رأيت من ضُرِبَ ألف سوط، ما رأيت ضرباً مثل هذا، وجعل يعالجه ويقطع اللحم الميت من جسده، وأحمد صابر، ويجهر بحمد اللَّه، وبقي أثر الضرب في ظهره حتى مات ' (2)، وجعل كل من آذاه في حل بعد أن شفاه اللَّه إلا أهل البدع، وكان يتلو في ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
وبعد أن توفي المعتصم، وولي الخلافة الواثق هلك الواثق (3)، ثم ولي المتوكل (4) الخلافة فأظهر اللَّه السنة، وفرج عن الناس، وقمع البدع وأهلها،ونصر أهل السنة (1).
وكتب الإمام أحمد رسالة عظيمة إلى المتوكل، وبين فيها الرد على من قال بخلق القرآن، واستدل على أن القرآن كلام اللَّه بالبراهين القطعية من الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة، ودعا للمتوكل بالتوفيق وحسن العاقبة.
ذكر ابن قدامة المقدسي في التوابين عن عبد الواحد بن زيد قال :
كنا في سفينةٍ فألقتنا الريحُ إلى جزيرة فنزلنا فإذا فيها رجل يعبدُ صنماً ,فأقبلنا إليه وقلنا له : يا رجل من تعبد ؟
فأشار إلى صنم . فقلنا: معنا في السفينة من يصنع مثل هذا ،فليس هذا إله يعبد. قال : أنتم من تعبدون ؟ قلنا : نعبد الله . قال : و ما الله ؟ قلنا: الذي في السماء عرشه و في اﻷرض سلطانه و في اﻷحياء و اﻷموات قضاؤه .قال: و كيف علمتم به؟ قلنا: وجَّه إلينا هذا الملكُ العظيمُ الخالقُ الجليلُ رسوﻻً كريماً فأخبرنابذلك . قال: فما فعل الرسول ؟ قلنا: أدَّى الرسالة ثم قبضه الله إليه . قال: فما ترك عندكم علامة؟ قلنا: بلى . قال: ما ترك ؟ قلنا: ترك عندنا كتاباً من الملك .
قال: أروني كتاب الملك فينبغي أن تكون كتب الملوك حِساناً . فأتيناه بالمصحف . فقال : ما أعرف هذا . فقرأنا عليه سورة من القرآن فلم نَزَلْ نقرأ و هو يبكي ونقرأ وهو يبكي حتى ختمنا السورة . فقال ينبغي لصاحب هذا الكلام أﻻ يُعصى ثم أسلم وعلمناه شرائع اﻹسلام وسوراً من القرآن و أخذناه معنا في السفينة , فلما سرنا و أظلم علينا الليل و أخذنا مضاجعنا ، قال: يا قوم هذا اﻹله الذي دللتموني عليه إذاأظلم الليل هل ينام؟ قلنا: ﻻ يا عبد الله هو حي قيوم عظيم ﻻ ينام .فقال: بئس العبيد أنتم تنامون و موﻻكم ﻻ ينام . ثم أخذ في التعبد وتركنا . فلما وصلنا بلدنا قلت ﻷصحابي: هذا قريب عهد باﻹسلام و غريب في البلد فجمعنا له دراهم و أعطيناه إياها , قال: ما هذا ؟ فقلنا تنفقها في حوائجك . قال: ﻻ إله إﻻ الله , أنا كنتُ في جزائر البحرِ أعبدُ صنماً من دونه و لم يضيعني أفيضيعني و أنا أعرفه ؟ ! ثم مضى يتكسَّب لنفسه ، وكان من بعدها من كبار الصالحين إلى أن مات
حتى النساء:
(عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خطب أبو طلحة أمّ سليم. فقالت: «والله ما مثلك يا أبا طلحة يردّ، ولكنّك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوّجك؛ فإن تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها» )
الخطبة الأولى
وكأني بسؤال يدور في خيالك، ويسيح في بالك، فينطق به لسانك قائلاً:
وهل أنا أصلح لهذه القيادة، ثم هل أستطيع بفردي أن أنفع أمة الإسلام، وأصلح على يدي فئاماً من البشر قد ركنوا إلى الدنيا وابتعدوا عن منهاج ربهم الذي رسمه لهم.....؟ فأقول لك بملء فمي: نعم!!
وقد مضى عصر الكسل والنوم والخمول، وأقبل عصر العمل والتعب؛ فلا خمول........ وكأني بك قد اقتنعت بما كتبت، ولكن بقي لديك إشكال وهو قولك:
كيف وأنا فرد أستطيع أن أهدي أمة من الأمم، وأصلح شعباً من الشعوب، أو أقود المسلمين بالإيمان والجهاد...
كيف يكون ذلك؟!
فأجيبك جواباً يشفي غليلك، ويحل إشكالك؛ حيث سأذكر مواقف ذكرهما الله في كتابه العظيم تكمن فيهما الإيجابية الفعالة في المبادرة الذاتية للإصلاح والتغيير .
* الموقف الأول:
تأمل وأنعم النظر في موقف النملة الإصلاحي في هذه الآيات الكريمة من سورة النمل؛ بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْـجِنِّ وَالإنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِـحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَالصَّالِـحِينَ} [النمل: 17 - 19].
ومن هذه الآيات الكريمة نستنبط عدة فوائد منها:
1 ـ أن هذه النملة مفردة، وقد ذكرها الله في كتابه بصيغة التنكير؛ فهي نكرة في قومها كما هو ظاهر الآية؛ فليست ملكة أو وزيرة بل هي نملة من عوام النمل.
2 ـ هذه النملة أتت إلى قومها صارخة فيهم منذرة، قائلة: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، فأخبرتهم بقرب وقوع خطر سيحيق بهم ويقضي عليهم وهم لا يعلمون.
3 ـ أن النملة لم تكتف بالإنذار بأن هناك خطراً سيداهم عشيرتها ثم تصمت كما هو حال بعض المسلمين اليوم يعي أن عدوه سيأتيه فلا يكون حاله إلا أن يصيح قائلاً: (احذروا الكفار؛ فإنهم قادمون)، ثم يرجع إلى فراشه ويغط في نوم عميق دون أي عمل يدفع به كيد الكفار.
إن هذه النملة لم تتقن فن الكلام فحسب، بل وضعت خطة لقومها، فقالت: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} ورأت أن المصلحة في كيفية درء المفسدة عن قومها بتبيين طريق النجاة لهم حتى لا يضلوا فيقعوا في شباك الصيد، وتحت وطأة أقدام الجيش القادم.
4 ـ والمعتبر بحال النملة يجد أن عندها نسيج الولاء لقومها، ومحبتهم كما تحب نفسها؛ فليست أنانية، بل تحب الخير لقومها، ولذا أنذرتهم جميعاً ولم تقل: (دعهم يهلكوا وهذا جزاؤهم؛ لأنهم لم يهتموا بحراسة أنفسهم) كلاَّ؛ بل أنذرتهم جميعاً، ولم تستثن أحداً.
5 ـ ومن الفوائد أن هذه النملة لم تنتظر أن يأتي أحد من قومها أو ممن يحرس وادي النمل ذاك، ويخبر النمل بأنه سيأتي جيش يحطمنا ويبيدنا، بل كانت عندها روح المبادرة الذاتية، في المسارعة إلى إنقاذ قومها وإقصائهم عن مواطن الهلاك.
الموقف الثاني:
كان للهدهد وكان له رحلتين الأولى أكتشف فيها أن أهل سبأ يعبدون الشمس من دون الله وقد أظهر الله تحسر الهدهد على ذلك وتأمله ، والرحلة الثانية للهدهد كانت بحمل رسالة سيدنا سليمان لهم وكانت هاتين الرحلتين سبب في إنقاذ أهل سبأ من النار وسببا في دخولهم في الإسلام وترك عبادة الشمس .
أتكون النملة أفضل منا تسعى للإصلاح وتحمل هم أمتها .
أيكون الهدهد أغير منا على التوحيد
هل يسعنا بعد ذلك أن نقف مكتوفي الأيدي نقول أنا لا أصلح أنا أريد أن أصبح شيخا أولا أنا أريد أن أحفظ القرآن أريد ...
أخي يقول النبي بلغوا عني ولو آية (خ) .
عن زيد بن ثابت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نضر الله امرأ سمع منا حديثا، فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه» (د) .
وهاك مثلاً ثالثاً لرجل من الصحابة - رضي الله عنهم - أنقذ الله على يديه المسلمين من أزمة كادت أن تعصف بهم، وتوقعهم في أحلك الأمور وأصعب المواقف.
الموقف الثالث:
وهو موقف الصحابي الجليل: نعيم بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فقد أسلم في غزوة الأحزاب، التي صور الله حالة الصحابة فيها بالقرآن تصويراً واضحاً، وكيف أن الكفار أحاطوا بمدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبصحابته الكرام، وجنده الأبرار إحاطة السوار بالمعصم، فقال - تعالى - : {إذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْـحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْـمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب: 10 - 11].
وقد بانت في هذه الغزوة صورة المنافقين الكالحة، وصفاتهم القبيحة؛ حيث قالوا: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب: 12].
وفي معترك الأحداث التي اشتبكت فيها الأمور، واختلط فيها الحابل بالنابل، صنع الله - تبارك اسمه - كما قال ابن القيم في زاد المعاد (3 / 273) أمراً من عنده، خذل به العدو، وهزم جموعهم، وَفَلَّ حَدَّهُمْ، فكان مما هيأ الله من ذلك: أن رجلاً من غطفان يقال له: نعيم بن مسعود بن عامر ـ رضي الله عنه ـ جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله! إني قد أسلمت؛ فمرني بما شئت».
ولسماع الخطبة اضغط هنا
https://drive.google.com/open?id=1AjnULuCRa54bdwNBN3_vhxOF_yrkKz5m
.