قال الشيخ الألباني ما ملخصه :
(أدلة من قال أن الموتى لا يسمعون:
الدليل الأول: قوله تعالى: { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } (فاطر: 22) وقوله: { {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: 80]
وأجاب الآخرون بأن الآيتين مجاز وأنه ليس المقصود ب (الموتى) وب (من في القبور) الموتى حقيقة في قبورهم وإنما المراد بهم الكفار الأحياء شبهوا بالموتى " والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر " كما قال الحافظ ابن حجر ...
فأقول: لا شك عند كل من تدبر الآيتين وسياقهما أن المعنى هو ما ذكره الحافظ رحمه الله تعالى وعلى ذلك جرى علماء التفسير لا خلاف بينهم في ذلك فيما علمت ولكن ذلك لا يمنع الاستدلال بهما على ما سبق؛ لأن الموتى لما كانوا لا يسمعون حقيقة وكان ذلك معروفا عند المخاطبين شبه الله تعالى بهم الكفار الأحياء في عدم السماع فدل هذا التشبيه على أن المشبه بهم - وهم الموتى في قبورهم - لا يسمعون كما يدل مثلا تشبيه زيد في الشجاعة بالأسد على أن الأسد شجاع بل هو في ذلك أقوى من زيد ولذلك شبه به وإن كان الكلام لم يسق للتحدث عن شجاعة الأسد نفسه وإنما عن زيد وكذلك الآيتان السابقتان وإن كانتا تحدثتا عن الكفار الأحياء وشبهوا بموتى القبور فذلك لا ينفي أن موتى القبور لا يسمعون بل إن كل عربي سليم السليقة لا يفهم من تشبيه موتى الأحياء بهؤلاء إلا أن هؤلاء أقوى في عدم السماع منهم .
الدليل الثاني: قوله تعالى: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر: 13، 14] } .
قلت: فهذه الآية صريحة في نفي السمع عن أولئك الذي كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالى وهم موتى الأولياء والصالحين الذين كان المشركون يمثلونهم في تماثيل وأصنام لهم يعبدونهم .
الدليل الثالث: حديث قليب بدر وله روايات مختصرة ومطولة أجتزئ هنا على روايتين منها:
الأولى: حديث ابن عمر قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول " فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت: {إنك لا تسمع الموتى} حتى قرأت الآية أخرجه البخاري .
والأخرى: حديث أبي طلحة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان ابن فلان: ويا فلان ابن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ". قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما . أخرجه الشيخان
ووجه الاستدلال بهذا الحديث يتضح بملاحظة أمرين:
الأول: ما في الرواية الأولى منه من تقييده صلى الله عليه وسلم سماع موتى القليب بقوله: " الآن " فإن مفهومه أنهم لا يسمعون في غير هذا الوقت. وهو المطلوب.
والآمر الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عمر وغيره من الصحابة على ما كان مستقرا في نفوسهم واعتقادهم أن الموتى لا يسمعون.
الدليل الرابع:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام "
أقول: ووجه الاستدلال به أنه صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع سلام المسلمين عليه إذ لو كان يسمعه بنفسه لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى. وإذا كان الأمر كذلك فبالأولى أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع غير السلام من الكلام وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى .
ثم إن الحديث مطلق يشمل حتى من سلم عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره ولا دليل يصرح بالتفريق بينه وبين من صلى عليه بعيدا عنه.
أدلة المخالفين:
الأول: حديث قليب بدر المتقدم وقد عرفت مما سبق بيانه أنه خاص بأهل القليب من جهة وأنه دليل على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون من جهة أخرى وأن سماعهم كان خرقا للعادة فلا داعي للإعادة
والآخر: حديث: " إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا ". وفي رواية " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان. . . " الحديث
وهذا كما ترى خاص بوقت وضعه في قبره ومجيء الملكين إليه لسؤاله " فلا عموم فيه وعلى ذلك حمله العلماء كابن الهمام وغيره) .
الدليل الثالث:
ما رواه مسلم في صحيحه عن عائش رضي الله عنهما أنها قَالَتْ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ " قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ "
والجواب أن المراد ليس الخطاب ولكن الدعاء بمعنى أدعو لكم أن يحل عليكم بركة اسم الله السلام.
وإن كان بمعنى الخطاب فيجوز مخاطبة من لا يعقل كما خاطب النبي مكة حين خرج منها، وكما خاطب جبل أحد.
الدليل الرابع:
احْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث مَا من أحد يمر بِقَبْر أَخِيه الْمُؤمن كَانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيَا فَسلم عَلَيْهِ إِلَّا عرفه ورد عَلَيْهِ
وَأجَاب المانعون إِن الْحَافِظ ابْن رَجَب تعقبه وَقَالَ إِنَّه ضَعِيف بل مُنكر. وقال ابن الجوزي في " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" (2/ 429): (هذا حديث لا يصح وقد أجمعوا على تضعيف عبد الرحمن ابن زيد قال ابن حبان: "كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك) وانظر السلسة الضعيفة (4493) .