قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحة : (وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا - لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا إذ الإعراض عن القول المطروح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله ... وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة ...)
أولاً: هذا الكلام من الإمام مسلم – رحمه الله – يبين أن هناك قولان في المسألة وأن الخلاف في ذلك مستقر إلى وقت كتابة الإمام مسلم كلامه هذا .
ثانيا : نسب هذا القول القاضي عياض للإمام البخاري وعلي ابن المديني وتتابع الناس على ذلك واختاروا قول البخاري وعلى ابن المديني حتى حكى عليه الحافظ ابن رجب الإجماع، فهذا يدل على إن الخلاف ما زال مستقرا بين العلماء في المسألة .
ثالثا ما فعله الدكتور حاتم العوني في رسالته أن شكك في نسبة هذا القول للبخاري وعلي ابن الميني – رحمهما الله – ولكنه لم يستطيع التشكيك في ثبوت الخلاف وصحة وجود قول آخر في المسألة ، فلعل المقصود من كلام الإمام مسلم غيرهما على قول الدكتور العوني .
رابعا : ما المانع أن يكون هذا الرأي للبخاري داخل صحيحه وهو حكم أغلبي – ولا أقول شرط كمال – بل أغلبي فالأمثلة القليلة التي انتقدها د. العوني على البخاري :
فلا يستطيع أي شخص أن يثبت أن الإمام البخاري لم يعلم فيها باللقيا وإنما ظاهر جواب الحافظ ابن حجر عليها الاكتفاء بالمعاصرة وعلى التسلم لذلك فما المانع من أن تكون القاعدة أغلبية كالقول بتلقي العلماء للصحيحين من حيث الجملة لا من حيث الأحرف التي انتقدها الدارقطني عليهما .
وهذا جواب مجمل لمن اطلع على الرسالة وهابه ما قاله الدكتور العوني من تخطئة ما أطبق عليه العلماء - منذ عصر القاضي عياض إلى الآن مع أن فيهم من هم أدرى الناس بالبخاري ومذهبه وبمسلم ومذهبه - من أن البخاري هو المقصود من قول مسلم .