الهجرة النبوية ومعنى التضحية
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في ربيع الأول ولم تكن في المحرم :
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحى لاثني عشرة خلت من ربيع الأول وهذا الذي عليه جمهور العلماء. وهذا هو يوم ولادته ووفاته أيضا.
مبدأ التأريخ الهجري:
فالصحابة حين أرخوا اعتمدوا سنة الهجرة كبداية ، ولم يعتمدوا الشهر أو اليوم الذي هاجر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم كما يظن أكثر الناس اليوم .
ثم اختار الصحابة بعد ذلك المحرم كبداية للسنة لأنه بعد انتهاء موسم الحج ، ولم يكن هناك علاقة بين شهر الهجرة وتحديد شهر المحرم كبداية.
وقد رويت في ذلك عدة آثار تدل بمجموعها على أن عمر رضي الله عنه هو أول من وضع التأريخ الهجري، فقد روي أن عمر رضي الله عنه رفع إليه صك محلة في شعبان فقال عمر: أي شعبان الذي هو آت، أو الذي نحن فيه؟ ثم قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوا للناس شيئاَ
يعرفونه، فقال بعضهم: اكتبوا عن تاريخ الروم، فقيل إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول، وقال بعضهم: اكتبوا عن تاريخ الفرس، فقيل إن الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي أن عاملاً لعمر رضي الله عنه جاء من اليمن، فقال لعمر رضي الله عنه: أما تؤرخون، تكتبون في سنة كذا وكذا، من شهر كذا وكذا؟ فأراد عمر رضي الله عنه والناس أن يكتبوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرادوا أن يكون ذلك من عند الهجرة، ثم قالوا: من أي شهر؟ فأرادوه أن يكون من رمضان، ثم بدا لهم، فقالوا من المحرم.
الوصية بالأشهر العربية:
غربة الأشهر العربية عند المسلمين هي من مظاهر غربة الإسلام وسط أهله وبنيه فقلما تجد من يحصيها ويعرفها أو تعرّف على وظائف أيامها وأحكامها وبينما تجد الجميع يعرف شهر مارس وإبريل تلمس الجهالة المطبقة بشهر ذي القعدة وشهر ذي الحجة.
قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]. قال القرطبي: «هذه الآية تدل على أنَّ الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم ...".
والأشهر العربية مرتبطة بالهلال بخلاف غيرها مما هو مرتبط بالشمس. وقد ثبت العمل بالهلال وترتب الأحكام عليه بقوله تعالى: (يّسًأّّلٍونّكّ عّنٌ الأّّهٌلَّةٌ قٍلً هٌيّ مّوّاقٌيتٍ لٌلنَّاسٌ والًحّجٌَ) [البقرة: 189]. فأخبر سبحانه أنها مواقيت للناس وهذا عام في جميع أمورهم كالعدد بالأشهر ونذر الاعتكاف شهرا وحلول الديون وغيرها وخصّ الحج بالذكر تمييزًا له ولأنَّ الحج تشهده الملائكة وغيرهم ولأنه يكون في آخر شهور الحول فيكون عَلَمًا على الحول كما أنَّ الهلال عَلَم على الشهر. أما الشمس فلم يعلق لنا بها حساب شهر ولا سنة.
معاني الشهور الرومانية:
أسماء الشهور المتداولة إنما هي شهور رومانية يدل أول خمسة أشهر منها على أسماء آلهة رومانية وشه ريوليو هو اسم يوليوس قيصر الروم وأغسطس اسم ابنه وسبتمبر معناه سبعة وأكتوبر ثمانية ونوفمبر تسعة وديسمبر عشرة.
وقد كانت شهورهم عشرة فقط ثم 12 بواقع 355 يوم ثم بعد احتلال الرومان لمصر جعلوها بواقع 365 يوم الزوجية 30 والفردية 31 وشهر فبراير مرة 28 ومرة 29.
عود على بدء:
هجرة النبي صورة نقية للتضحية بكل شيء في مقابل الدين ترك المال والأهل والولد والسكن والبلد وكل شيء. يتجلى ذلك في مواقف كثيرة في الهجرة منها:
موقف أبي بكر:
ترك أهله وبيته وعياله وخرج بكل ماله تجهيزا للهجرة فروى أحمد عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: " لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج معه أبو بكر، احتمل أبو بكر ماله كله معه: خمسة آلاف درهم، أو ستة آلاف درهم ". قالت : " وانطلق بها معه ". قالت: " فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: قلت: كلا يا أبه ، إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا ". قالت: " فأخذت أحجارا، فوضعتها في كوة البيت، كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبه ، ضع يدك على هذا المال ". قالت: " فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إن كان قد ترك لكم هذا، فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ ". قالت: " ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني قد أردت أن أسكن الشيخ بذلك ".
تضحيته بالعائلة كلها:
أي نوع من الدعاة كان أبو بكر رضي الله عنه!؟
لقد سخّر كل ما يملك فداءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخدمة لدعوته...
سخر نفسه، وأولاده، وأمواله، وعبيده، ورواحله، وأغنامه، لخدمة العقيدة، وإنجاح الهجرة...
أما هو فخادم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرافق له، يفديه بالروح والدم والعشيرة..
وأما أهل بيته، ومواليه، فقد كان لكل واحد منهم مهمة..
فعبد الله بن أبي بكر، لتنصّت الأخبار، وأسماء بنت أبي بكر، لجلب الطعام، وعامر بن فهيرة مولاه، لتعفية الآثار...
والرواحل للركوب. والغنم لشرب اللبن. والمال يستأجرون به الدليل، ويتبلغون به على الطريق...
فهل رأيتم في الدنيا أعظم وأبرك على الدعوة من عائلة هذا الحواري الجليل، رضي الله عنه.!؟.
في الغار:
قال تعالى:{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40]
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- معلقًا على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا): "وفيه دليل على أن قصة نسج العنكبوت غير صحيحة، فما يوجد في بعض التواريخ أن العنكبوت نسجت على باب الغار، وأنه نبت فيه شجرة، وأنه كان على غصنها حمامة .. كل هذا لا صحة له؛ لأن الذي منع المشركين من رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه ليست أمورًا حسية تكون لهما ولغيرهما بل هي أمور معنوية وآية من آيات الله عز وجل" .
الأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في تفسيره (4/ 147) للآية: (وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته) ا. هـ كلام الشيخ الألباني.
واما الحمامتين والعنكبوت فلا يصح وقد ضعفه جماعة من العلماء
سراقة:
سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ يَا سُرَاقَةُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي المَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ البَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ، حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلاَمَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا: أَضُرُّهُمْ أَمْ لاَ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لاَ يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلاَمِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُمْ، أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلاَنِي، إِلَّا أَنْ قَالَ: «أَخْفِ عَنَّا». فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
-[ ش (أسودة) أشخاصا. (أكمة) رابية مرتفعة عن الأرض. (من ظهر) من خلف. (فحططت بزجه) نكست أسفله وفي نسخة (فخططت) خفضت أعلاه وجررت زجه على الأرض فخططتها به من غير قصد. (بزجه) الزج الحديدة التي تكون في أسفل الرمح. (فرفعتها) أسرعت بها السير. (تقرب بي) من التقريب وهو نوع من السير دون العدو وفوق العادة وقيل هو أن ترفع يديها معا وتضعهما معا. (الأزلام) سهام لا ريش لها ولا نصل مكتوب عليها لا نعم فكانوا في الجاهلية إذا أرادوا أمرا ضربوا بها فإن خرج [لا] تركوا وإن خرج [نعم] فعلوا. (فاستقسمت بها) من الاستقسام وهو طلب معرفة ما قسم. (الذي أكره) أي لا تضرهم ولا تقدر عليهم. (عثان) الدخان من غير نار وفي نسخة (غبار). (ساطع) منتشر. (لم يرزآني) لم يأخذا مني شيئا ولم ينقصا مالي. (كتاب أمن) كتاب موادعة. (أديم) هو الجلد المدبوغ]
خيمة أم معبد:
(أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة (3) تحتبي (4) بفناء القبة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحمًا وتمرًا ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئًا من ذلك، وكان القوم مرملين (1)، مسنتين (2)، فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى شاة في كسر الخيمة (3)، فقال: ما هذا الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. قال-صلى الله عليه وسلم-:"بها من لبن؟ " قالت: هى أجهد من ذلك. قال- صلى الله عليه وسلم -:"أفتأذنين لي أن أحلبها؟ " قالت: بأبي أنت وأمي، نعم. إن رأيت بها حلبًا فاحلبها. فدعا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح ضرعها بيده، وسمى الله عَزَّ وجَلَّ، ودعا لها في شأنها، فتفاجت (4) عليه ودرت واجترت، فدعا بإناء يريض الرهط (5)، فحلب فيها ثجًا (6)، حتى علاه البهاء (7)، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم - صلى الله عليه وسلم - ثم أراضوا (8)، ثم حلب ثانيًا بعد حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها وبايعها، ثم ارتحلوا عنها) (9).
(1) أي نفذ ما عندهم كأنهم لصقوا بالرمل.(2) أصابتهم سنة أي القحط. (3) أي جانب الخيمة.(4) أي فرجت ما بين رجليها للحلب.(5) يريض: أي يروي.(6) ثجًا: أي لبنًا سائلًا كثيرًا.(7) هو بريق رغوة الحليب.(8) أي شربوا عللًا بعد نهل أي الشرب الثاني (10) هزيلة.
في المدينة:
الإخاء بين المهاجرين والأنصار قال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: 62، 63].
صور أخرى من تضحيات الصحابة في الهجرة:
التضحية بالزوجة والولد:
قال ابن هشام: فكان أول من هاجر الى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، واسمه عبد الله، هاجر الى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة، وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من الحبشة، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج الى المدينة مهاجراً.!
ولنترك لأم سلمة رضي الله عنها، المتخصصة في رواية أحاديث الهجرة، تقص علينا وقائع هذه الملحمة الخالدة، قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج الى المدينة، رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة في حجري ثم خرج يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد!؟
قالت فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه، قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله، لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا.!
قالت: فتجاذبوا بُنيَّ، سلمة، بينهم حتى خلعوا يده.!!!
وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة الى المدينة.!
قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة، فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسى سنة أو قريباً منها، حتى مر بي رجل من بني عمي، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وولدها.!؟
قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: ورد بنو عبد الأسد إليَّ عند ذلك ابني.!
قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت بُنيَّ فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة.
صهيب: قال ابن هشام: وذكر لي عن أبي عثمان النهدي، أنه قال: بلغني أن صهيباً حين أراد الهجرة، قال له كفار مكة: أتيتنا صعلوكاً حقيراً، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك.!؟ والله لا يكون ذلك.!
فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي!؟ قالوا نعم. قال: فإني جعلت لكم مالي.! قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( ربح البيع صهيب، ربح البيع صهيب.!))
التضحية بالمسكن والغطاء:
قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: لَمَّا نَزَلَ عليَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي، نَزَلَ فِي السُّفْل وَأَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ فِي العُلو، فَقُلْتُ لَهُ: يَا نَبِيَّ
اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إنِّي لَأَكْرَهُ وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَكَ، وَتَكُونَ تَحْتِي، فَاظْهَرْ أَنْتَ فَكُنْ فِي العُلْوِ، وَنَنْزِلَ نَحْنُ فَنَكُونَ فِي السُّفْل. فَقَالَ: يَا أَبَا أَيُّوبَ، إنَّ أَرْفَقَ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا، أَنْ نَكون فِي سُفْل الْبَيْتِ.
قَالَ: فَكَانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سُفله، وكنا فوقه في المسكن، فقد انْكَسَرَ حُبٌّ1 لَنَا فِيهِ مَاءٌ فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ بِقَطِيفَةٍ لَنَا، مَا لَنَا لِحَافٌ غيرها، نكشف بِهَا الْمَاءَ، تَخَوُّفًا أَنْ يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ شَيْءٌ فَيُؤْذِيَهُ.
ايها المعافى اليوم، ما عذرك؟
تلكم هي قصة الصحابي الكريم ضمرة بن جندب رضي الله عنه. ولنكملها هي الأخرى من القرآن الكريم.. قال قتادة رحمه الله: " لما نزلت ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [النساء: 97]، قال رجل من المسلمين وهو مريض: والله ما لي من عذر! إني لدليل في الطريق، وإني لموسر، فاحملوني.. فحملوه فأدركه الموت في الطريق؛ فقال أصحاب النبي: لو بلغ إلينا لتم أجره؛ وقد مات بالتنعيم. وجاء بنوه إلى النبي وأخبروه بالقصة، فنزلت: ﴿ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 100].. ذلكم الرجل المريض الذي انتفضت روحه ضد المرض، وتسامى بنفسه الأبية عن التخلف رغم عذره.. ذلكم الرجل الذي يأبى مجاورة المشركين، ويتهادى فوق بعيره خلال سفره.. ذلكم الرجل الذي أتته منيته وبعيره يمخر به عباب الصحراء..
لذلك إن الهجرة قمة التضحية بالدنيا من أجل الآخرة، كل إنسان ببلده بمسقط رأسه له مكانة، له أسباب للرزق، له معارف، له أصدقاء، لكن إذا ثبت له أن بقاءه في هذا البلد يعيق تقدمه الديني ولإقامة الشعائر الظاهرة فلابدّ من أن يهاجر، لذلك الهجرة قمة التضحية بالدنيا من أجل الآخرة، ذروة إيثار الحق على الباطل، الهجرة في أدق تعاريفها ليست انتقال رجل من بلد قريب إلى بلد بعيد، وليست ارتحالاً مفتقراً من أرض مجدبة إلى أرض مخصبة، إنها إكراه رجل ممتد الجذور في مكانه، على إهدار مصالحه، والتضحية بأمواله، وتصفية مركزه، والنجاة بشخصه، من أجل دينه.
لابد وأن نتعلم من درس الهجرة أن يكون الدين هم المقدم في حياتنا لا نقدم عليه مال ولا منصب ولا جاه ولا تجارة قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة: 24].
@@@@@@@@@
الطلاق المعلق:
معناه والفرق بينه وبين الحلف باليمين.
قال البخاري في "صحيحه" وقال نافع: طلق رجل امرأته البتة إن خرجت فقال ابن عمر: «إن خرجت فقد بتت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء».
وقال قتادة: " إذا قال: إذا حملت فأنت طالق ثلاثا، يغشاها عند كل طهر مرة، فإن استبان حملها فقد بانت منه ".
,ولاستماع الخطبة اضغط هنا