JALT(1-2)
المقالة الأولى
الخليل بن أحمد – مقدمة المقاطع - البيت
الخليل بن أحمد الفراهيدي:
العروض العربي والخليل بن أحمد صنوان لا يذكر أحدهما دون الآخر. والخليل عبقرية باقية على الدهر. ولد الخليل بن أحمد الفراهيدي سنة 100 للهجرة وتوفي على الأرجح سنة 175 هجرية. وعاش في البصرة. وقد بدأ علم العروض وأتمه.
" وهو الخليل بن أحمد عمر بن تميم الفراهيدي البصري أبو عبد الرحمن، وقد أرجع معظم الباحثين نسبه الفراهيدي إلى فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن مضر الأزد، ويقال له أيضا فرهودي............وتكاد المصادر القديمة تجمع على أن والد الخليل أول من سمي أحمد بعد النبي عليه السلام......ومن صفاته الزهد فقد روي أنه كان من الزهاد في الدنيا والنقطعين إلى الله،... وعندما وجه إليه سليمان بن علي والي الأهواز رسولا لتأديب ولده، أخرج له الخليل خبزا يابسا وقال ما عندي غيره، وأنشد
أبلغ سليمانَ أنّي عنك في سعة وفي غنىً غي أني لست ذا مالِ
حيٌّ بنفسي أني لا أرى أحداً يموت هزْلاً ولا يبقى على حالِ
فالرزق عن قدَرٍ لا العجز ينقصه ولا يزيدُك فيه حوْل محتالِ
وكان حاد الذكاء قال عنه ابن المقفع :" رأيت رجلا عقله أكبر من علمه "
وهو أول من نهج مسالك جديدة في علم العربية فهو المؤسس الحقيقي لعلم النحو الذي وضعه سيبويه في كتابه بعد أن تلقاه عنه. ثم استغل الخليل نظرية التبادل والتوافق الرياضية كما يقول د. شوقي ضيف في وضع منهج قويم لمعجمه (العين) المشهور. وهو مبتكر علم العروض، ويقول القفطي في إنباء الرواه:" وله علم بالإيقاع وله كتاب فيه، ومعرفته بالنغم ومواقعها أحدث له علم العروض" ومن مؤلقاته كتاب العين : معحم – كتاب العروض : ضاع – كتاب النغم : ضاع – كتاب الإيقاع : ضاع –كتاب الشواهد – كتاب النقط والشكل .وله شعر ولكنه مقل فيه. ومن أقواله:" تربع الجهل بين الحياء والكبر في العلم."[1]
والخلاصة أن الخليل كان عقلة فذة موسوعية عاش عصر انطلاق الفكر الإسلامي وأفاد منه وأفاده.
لكل موضوع مضمون وأسلوب. ولا يشذ العروض عن هذا. وأعتقد أن الخليل في كل تفكيره كان علميا ومتفاعلا مع الأرقام. وإن وضوح دور الأرقام في معجمه "كتاب العين" مثلاً لا يمكن إغفاله. وهو دليل واضح للغاية على إفادته من الأرقام في حصر جذور المفردات العربية فالخليل كان يعرف التوافيق والتباديل وقد جاء في كتاب المدارس العروضية عن كتاب العين ما يلي[2] :" وقيل بل أكمله وأنه بدأه بسياق مخارج الحروف ثم بإحصاء أبنية الأشخاص وأمثلة الأحداث الأسماء فذكر أن عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرير اثنا عشر ألف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة عشر ألف واربعمائة واثني عشر" (=412 ,315 ,12). وهذا يكون كالتالي:
وقد رأيت أن أؤجل استعراض ما عرفت من منجزاته التي تنبئ عن عبقريته إلى وقت لاحق، بحيث يتعرف القارئ أولا على طريقة تفكيره في علم العروض، التي أزعم أن تقديم العروض بصيغته الرقمية يعبر عنها بطريقة لا يماثلها سواها. وفي وقت لاحق سوف أسعترض الطريقة الوصفية التي انتهجها الخليل ولعلها كانت التعبير اللفظي الأجمل لمنجزات تفكيره. ولكني أرى أن التعبير الرقمي إن لم يكن يمثل تفكيره فهو الأقرب لتمثيله من أي طريقة أخرى.
وقد استقيت هذا التعبير الرقمي من الطريقة التقليدية التي ابتدعها الخليل لنقل علمه. فما فيها من صواب فالفضل فيه للخليل. وما فيها من خطإ فهو سوء استقراء أو تعبير مني.
الكم
أكتب هذه المادة بالذات مركزا في شرح الأوزان العربية لغير العرب.
والغاية من المقدمة نقل الطريقة التي يدرك بها العربي صوتَ اللغة إلى القارئ الأجنبي الناطق بالإنجليزية خاصة
ومن مشاركة لي في أحد المنتديات الإنجليزية لشرح العروض العربي تبينت أن التعبير ذاته غالبا يحمل مدلولا مختلفا في العروض الإنجليزي النبري عنه في العربي الكمي،ولو كان شرحي باليونانية أو اللاتينية[3] لكان لمعظم التعابير المدلول ذاته ذلك أن عروض هذه اللغات جميعا كمي.
لن أستعمل هنا بعض التعابير التقنية المرتبطة بالعروض الإنجليزي لما ترتبط به في ذهن القارئ الناطق بالانجليزية من دلالات متعلقة بالعروض النبري.
ونصيحتي للقارئ أن يفك الارتباط بين ما يقرؤه هنا وأي معلومات عن العروض الإنجليزي لأن العروضين مختلفا الدلالة ومن شأن اختلاطهما أن ينتج التشويش في ذهن القارئ.
الحروف في العربية نوعان صحيح ومعتل، وسواهما ليس حرفا، والوزن الرقمي يعتمد على عدد الحروف
ومن شأن تشبيه الأمر بالرياضيات أن ييسر الفهم. فإن كلا من (+2) أو (-2) رقم واحد وأما (+) و (-) فهما إشارتان تحددان السلب والإيجاب لذات الرقم (2).
وكذلك الأمر في العروض فإن الوزن مرتبط بعدد الحروف، فكأن عدد الحروف هو الرقم (2) أعلاه في حين تشبه الحركات في دورها الإشارة (+) أو (-)
فأنت لو قلْتَ ( سَلْ ) فليس هنا غير حرفين وأما الفتحة التي على السين وهي تأتي بعدها في النطق فإنها تقرر اتجاهها ولو كانت ضمة أو كسرة لتغير اتجاه النطق مع بقاء حرف السين كما هو
فإن كلا من سَ ، سُ سِ = حرفٌ واحد =1 ويختلف اتجاه نطقه باختلاف حركته
ولكنك لو قلت سَا أو سُو أو سي لكان لديك حرفان
فهاهنا من حيث الكم يتساوى كل من سَتْ ، سَلْ ، سا ، سو ، سي.
نسمي (تْ) (لْ) ساكنا ونرمز لها بالرمز (ه)، كما نسمي (آ ، و ، ي ) حروف مد[4] ونرمز لكل منها بالرمز (ه)
ولا فرق في الوزن بين ( ه) و ( ه) ولكن الفرق بينهما في القافية.
وهنا نأتي لبديهية في العربية
لا يبدأ النطق في العربية بساكن ولا ممدود، بل يبدأ بمتحرك.
ولهذا فإن الساكن أو الممدود لا ينفصل عن المتحرك الذي يسبقه ويشكل كل منهما مع المتحرك الذي يسبقه مقطعا واحدا من حرفين نرمز له بالرقم 2[5]
أما المتحرك الذي يأتي بعده متحرك فيمكن أن نلفظه مستقلا ونرمز له بالرقم 1
أمثلة
سَمِعَ = سَ مِ عَ = 1 1 1
إسْمَعْ = إسْ مَعْ = 2 2
هل سمِعْتُمْ = هلْ سَ مِعْ تُمْ = 2 1 2 2
فلو قلنا سَمْ فإننا لا بد أن نلفظ الحرفين معاً لتجنب البدء بحرف الميم الساكنْ، فكأن للحرف الساكن جاذبية لا يفلت منها المتحرك الذي يسبقه.
وتنعدم هذه الجاذبية لو أصبح ذلك الساكن متحركا، فلو تحولت ( سَمْ ) إلى (سَمِ) لأمكن نطق كل من الحرفين مستقلا (سَ مِ)
ولكن إذا جاء بعدهما ساكنْ (عْ) ، كما في سَمِعْ فإن المتحرك الأول الذي يسبق الساكن (مِ) ينضم له وجوبا، وأما المتحرك الثاني (سَ ) الذي يفصل المتحرك الأول (مِ) بينه وبين الساكن (عْ) فينجذب إلى الساكن بصورة أقل فنستطيع لفظه بشكل مستقل لأن بعده متحرك
ولكن اللسان العربي والأذن العربية في اللفظ والسمع معتادان على التعامل مع 21 كوحدة واحدة = 3 تعبيرا عن جاذبية الساكن، فكأن للساكن جاذبية قبله تضم حرفين كأقصى حد الأول وجوبا لقوة الجاذبية والثاني لاعتياد السمع العربي عليه بتأثير جاذبية الساكن.
مثال فما ، بِكُمْ ، لَهُو ، عَرَبْ جميعها = 1 1 ه = 1 2 = 3
الوزن في العربية يتعامل مع الصوت بصفته صوتا بعيدا عن حدود الكلمات أو قاموسها أو قواعد الإملاء أو النحو. وفي هذا الإطار يمكننا تعريفه بأنه تتابع للأزواج على مستويات شتى بنمط معين
إذن عرفنا ما يلي
1 – المتحرك والساكن
2 – إذا جاء متحرك بعده ساكن فإنهما يكونان بالضرورة وحدة واحدة = 2
3 – الأذن واللسان العربي يناسبهما جوازا لفظ ( م م س = 1 1 ه) كوحدة واحدة 1 2= 3
4- اصطلاحيا نجمع الأرقام الزوجية المتجاورة فمثلا إسمَعْ = إسْ معْ = 2 2 = 4
نلاحظ أننا بدأنا بأصغر وحدة وهي الحرف سواء كان متحركا =1 أو ساكنا = ه وهذا بحد ذاته كاف لشرح الوزن ولكن لأن عدد الوحدات يكون كبيرا فإنه يصعب على الشخص أن يستبين نمطا معينا للترتيب، وكلما جمّعنا العناصر الأولية في مجموعات أكبر قلّ عدد التراكيب وسهل إدراك أنماطها، كما سنلاحظ من أوزان الألفاظ التالية:
اللون هنا هو لتميز عنصر ما في المجموعة في كل عمود ولا علاقة لدلالته بين عمود وآخر
إذن الرموز وتجميعنا لها أربعة أصناف
الخلاصة
1= متحرك
ه= ساكن
المقاطع نوعان
2 = 1 ه
3 = 1 2
أنصح بدراسة هذا الرابط وتطبيقه لتعميق الإحساس بمعنى المقطع
http://www.geocities.com/khashan_kh/55-bushraa.html
ولبث الإحساس لدى القارئ الناطق بالإنجليزية بالكم بعيدا عن النبر لنحاول ربط العروض بالموسيقى، ونتعامل مع مقاطع تمثل الصوت واللغة في آن واحد.
لنفرض أن طرق الطبل باليد يحدث الصوت ( دُمْ ) فإن هذا الصوت ممثلا بالحرفين
المتحرك دٌُ =1 والساكن مْ =ا ومجموعهما =1 ه = 2، والميم الساكنة هنا تمثل فترة صمت.
لنفرض أننا الآن طرقنا الطبل مرتين متتاليتين فإنّ الصوت يحاكي (دُدُمْ)
لاحظ أن دُ الأولى لا سكون بعدها بل الطرقة الثانية مباشرة
أي أن الصوتُ دُدُمْ = طرقة + طرقة + صمت
وسواء كان هذا الصوت المتمثل بمتحركين فساكن مشابها لصوت الطبل أن غير مشابه فإن له نفس الوقع السمعي وهو = 1 2 = 3
دُمْ = كَمْ = بلْ = هُمْ = لَنْ =2
دُدُمْ = بِكمْ = بلَلْ = لَهُمْ = عَلنْ = 3
وهذه فقرة سبق وقدمتها في أحد المنتديات من شأن
التصفيق أو قرع الطبل
يرجى من القارئ أن يقوم بتصفيق يديه كالتالي تقليدا لكلمة (مستفعلن)
مسْ = تصفيق مرة واحدة فصمت ، ثم
تَفْ = تصفيق مرة واحدة فصمت ، ثم
عِ = تصفيق مرة واحدة وبعدها مباشرة دون صمت
لُنْ = تصفيق مرة واحدة فصمت
ولو أشرنا للتصفيق بنجمة * وللصمت أوالسكوت أو السكون بالحرف (س) لأصبح لدينا
*س * س **س = تصفيقة مستقلة + تصفيقة مستقلة + تصفيقتان متتابعتان
قارن هذا بوزن مستفعلن حيث (1= متحرك ، ه = ساكن(
* س *س ** س = 1 ه 1 ه 1 1 ه
• ستكتشف أن (1 = * ) كما ( ه = س)
وهذه أول العلاقة بين الشعر والموسيقى
وقبل تقطيع بيت من الشعر نقول إن فارقا بين العروضين العربي والانجليزي يتمثل في أن العروض العربي يتناول الصوت، صوت اللغة لا اللغة ذاتها، فمثلا لا فرق في العربية في الوزن بين ( أسْ = 2 ) في ( أسمى) وبين (أس =2) في (السّمعُ =أسْ سَم عُ = 2 2 1) بينما الأمر في النبر متعلق باللغة ذاتها لا بصوتها. فيحكم على الكلمة بالنبر أو عدمه في أي موقع كانت ودون علاقة لها بما حولها.
والآن تأمل وزن هذه الأبيات من قصيدة للبهاء زهير:
كما رأيت في القصيدة المتقدمة يتخذ الشعر شكل ترديد مقاطع على نسق واحد يسمى الوزن أو الإيقاع وإذا راعينا هذا النسق خرجنا بنظم له من الشعر شكله
لاحظ أن الرقم 2 يأتي أحيانا 1 ولو أنشدنا القصيدة لوجدنا أنفسنا نعيد للرقم 2 ساكنه (الخط الرمادي) ولكن الرقم 3 أو 3 ثابت دائما.
أسمى الخليل سطر الشعر بيتا تشبيها ببيت الشعر أو الخيمة التي تتألف من أسباب (حبال) وأوتاد، واستعمل هذين اللفظين للدلالة على الرقمين 2 = سبب ، و3 = وتد، ووظيفتهما في الشِّعر كوظيفتهما في بيت الشَّعر إقامة البيت في الحالين على هيئة سليمة.
وكما استعاروا التسميات من بيت الشّعَر استعاروها من جسم الإنسان فالبيت جزءان بينهما وقفة أسموا ألأول الصدر والثاني العجز
[1] بتصرف عن كتاب المدارس العروضية (ص 93-ص120) ، تأليف عبد الرؤوف بابكر السيد، الطبعة الأولى -1985 م – الناشر: المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان طرابلس – ليبيا
[2] نفس المصدر ( ص 101) نقلا عن السيوطي في كتابه (بغية الوعاة).
[3] :" English Renaissance poets thought they succeeded in the adaptation of the quantitative metre. But they were doing something that was very different from what they thought they were doing: working in a stress timed language, they based their metre on the more or less regular alternation of stressed and unstressed syllables, and not as they thought, on the regular alternation of longer and shorter syllables. They used the same names and graphic notation for the various metres, but the system was utterly different, and well- suited to the nature of a stress-timed language."
http://www2.bc.edu/~richarad/lcb/fea/tsurin/compmetrics.html
[4] حرف المد هنا هو حرف العلة الذي ليس عليه حركة ولا سكون. ففي كل من جيلْ وقوت فإن الياء والواو حرفا مد.
ولكنهما في كل من الكلمات التالية لا يعتبران حروف مد وإن كانا حرفي علّة.
سَيْف : الياء عليها سكون
عَوَض: الواو عليها فتحة
[5] أترك لكما خيار إدخال مصطلحي السبب والوتد عند تقديم كل من الرقمين 2 و3، وأنا أفضل التجريد في التعبير بعدم ذكر المصطلحات ما أمكن، ولكنكما قد تريان العكس وقد يكون رأيكما أنسب.
**************************
**************************
**************************
المقالة الثانية
الخليل بن أحمد والعروض الرقمي
1. مقدمة :
أولا - خلاصة ما تقدم
المتحرك م = 1
الساكن س = ه
م+ س = 1 ه = 2 وهو ما يدعى في علم العروض بالسبب الخفيف
وهو متحرك + ساكن مثل منْ ، كمْ،
أو متحرك + ممدود مثل ما ، كو ، ري
م + م + س = 1 2 = 3 وهو ما يدعى في علم العروض بالوتد
ثانياً - الكلام وصوت الكلام:
في قولنا : (طلعت الشمس) فإن كلا من طلعت والشمس مفردتان تمثلان الكلام
وصوت الكلام هو الطريقة التي يصل بها الكلام للأذن وما نسمعه هو ( طَلَعَتِشْ شَمسُ )
ولما كان المعول في وزن الشعر على ما تلتقطه الأذن فإن صوت الكلام هو موضوع العروض وليس الكلام، وبالتالي فإن اللفظ العروضي هو المرجع دون اعتبار لقواعد الإملاء، أو قل إن الإملاء العروضي مطابق للفظ.
2– ثلاثة إيقاعات:
البحور ستة عشر، والبحر وزن معين يقوم على ترتيب معين للمقاطع في كل بحر. باعتبار أن هذه المقاطع أسباب ( السبب =2) وأوتاد ( الوتد = 3)، والأوتاد صنف واحد في الأعم الأغلب، ولكن الأسباب صنفان:
الصنف الذي لا يأتي فيه السبب إلا خفيفا = 2=1ه
والصنف الذي يأتي فيه السبب خفيفا (2=1ه ) وثقيلا = (2=11) وهذا يشمل بحري الوافر والكامل
ففي البسيط تأتي 2 2 كما في بيت الشعر:
دومي على العهد ما دمنا محافظةً فالحر من دان إنصافا كما دينا
دو مي علل عهْ دما دمْ نا محا فِ ظتن فل ْ حرْ رُمَنْ دا نإنْ صا فن كما دي نا
دو مي = دم نا = فل حرْ = صا فنْ = 2 2
ولا يجوز أن تأتي (2) 2 = 11 2 = 1 3 كأن نقول مثلاً
أبداً على العهد ما دمنا محافظةً ...........
حيث أَبَ دنْ = 11 2 = (2) 2
وليلاحظ القارئ أن الحديث هنا يتناول حشو الشطر ( أي لا يشمل آخر مقطعين أو ثلاثة فيه حسب البحر) فإن لآخر الشطر أحكاما خاصة تتغير فيها صورة الوتد وهو موضوع طويل ومهم يضيق عنه الكجال الآن، وييسر العروض الرقمي رؤية تشرح هذا التغيير الذي يطرا على الوتد في هذه المنطقة فيجعله سببا أو كالسبب وهو ما سأبسطه بالتفصيل مستقبلا بإذن الله
ولكن لو قلنا
أبداً على العهد الذي لك عندنا .........فالحرّ يحفظ عهدَه ويصونه
لكانت أبَ دن = 11 2 = (2) 2 صحيحة لأن هذا من الكامل
ولو قلنا :
دمنا على العهد الذي لك بيننا
لكانت دمْ نا = 2 2 صحيحة أيضا.
وهذان الصنفان يقسمان البحور إلى صنفين:
الصنف الأول الذي يقبل كلا من 22 و (2) 2 وهذا يقتصر على الكامل والوافر
والصنف الثاني الذي لا يقبل إلا 22 ويشمل بقية البحور
وقابلية تكافؤ 2=1ه مع (2)=11 في الكامل آتية من صنف ثالث خارج عن نطاق البحور المعروفة تقليديا وهو إيقاع الخبب الذي لا يقبل إلا الأسباب ويتكافأ فيه كل من 2 و (2) فيحل أحدهما محل الآخر. وقد صنّف هذا الإيقاع كحالة من حالات المتدارك 2 3 2 3 2 3 2 3 وما هو كذلك.
ويعود الفضل في حسم هذا التصنيف إلى الوضوح الذي يسّره العروض الرقمي.
وعليه فإن أصناف الإيقاع هي :
أ. الإيقاع البحري: وهو الذي يتكون من أسباب خفيفة وأوتاد
السبب الخفيف : متحرك + ساكن، مثل منْ كمْ أو متحرك + ممدود مثل كا، مو
ب. الإيقاع الخببي: وهو يتكون من أسباب فقط، فلا أوتاد فيه، كما أن من علاماته أن يتحول الساكن إلى متحرك، فتحل لَمَ محل لَمْ ، أو محل لا وهذا هو السبب الثقيل أي متحرك + متحرك
ج. الإيقاع البحري-الخببي
وفيه تتداخل صفات الإيقاعين في مناطق معينة، ففيه أسباب خفيفة وأتاد كما أن السبب الخفيف قد يتحول إلى سبب ثقيل في ظروف معينة.
صنف الخليل أوزان الشعر العربي في خمسة عشر نوعا رئيسا وأُلحق بها نوع آخر وسمي كل نوع بحرا.
وقد صنف الخليل البحور في مجموعات أسماها الدوائر،
ولفهم معنى الدائرة نأخذ البحرين البسيط والطويل فهما من دائرة واحدة ولنتصور الرموز أ ب جـ… إلخ على محيط دائرة ندور حول الدائرة فإذا انتهينا إلى ح عدنا إلى أ وكل حرف يمثل الرقم الذي يقع في خانته ثم لننقل ما على محيطها إلى الجدول التالي، ويظهر فيه وزن كل من الطويل والبسيط بالخط الأسود كالتالي
فإن وزن الطويل = أ ب جـ د هـ و ز ح
ووزن البسيط = د هـ و ز ح أ ب جـ
عدلت في الجدول أعلاه قليلا
وهكذا فبحور كل دائرة تشترك في المقاطع ذاتها كما أن الدائرة تعبير عن خصائص الأوزان التي تشملها كما يراها الخليل بشكل شامل، وقد فصل الخليل خصائص كل بحر منطلقا من تلك الدوائر – على ما بين النظرية والواقع من بعض الفروق- بصيغ تفعيلية جميلة تعبر عن تفكيره، وقد شغل الناس منذئذ بهذه الصيغ التعبيرية التفصيلية عن كلية تفكير الخليل. ومنذ بدأت نقل التعبير التفعيلي إلى الصيغة الرقمية بدأت الخصائص الكلية لأوزان الشعر العربي تتبلور تدريجيا لدي، وهنا طرح لهذا التصور.
وفيما يلي تمثيل لأنواع الإيقاع
أ- الإيقاع البحري وهو يتكون من أسباب خفيفة وأوتاد ومثاله بيت الشعر :
جاءنا عامرٌ سالماً صالحا .........بعدما كان ما كان من عامرِ
وهنا نلاحظ أن هذا الإيقاع عبارة عن تناوب أرقام زوجية وفردية.
والرقم الزوجي هنا 1ه=2 قابل أن يصبح بعد حذف الساكن = 1
فلو جعلنا الصدر: جاءنا عامرٌ فَرِحاً صالحا
لبقي الوزن صحيحا
واللون الأزرق للرقم 1 دلالة على أن أصله زوجي 2، وتحول الرقم 2 في هذا الإيقاع إلى 1 يسمى الزحاف ونرمز للزحاف بالرمز 1/2 أي 1 المتحول من 2 نتيجة حذف الساكن. وهذه خاصية من خصائص هذا الإيقاع
كما أن الرقم 3 ثابت لا يتغير وهذه خاصية أخرى
وثمة خاصية ثالثة وهي أن الرقم 2 هنا لا يمكن أن يتحول إلى 11=(2)
فلو قلنا : جاءنا أحَدهم سالما صالحا
لكان الوزن = 2 3 11 3 2 3 2 3 وهذا لا يصح .
ولتوضيح ذلك خذ ما اصطلح عليه في العروض بتفعيلة (فعْلن)[i] = 2 2 فلو أحللناها محل ما اصطلح عليه بتفعيلة فاعلن = 2 3 لما كان ذلك صحيحا نحو :
نحو :جاءنا سعدٌ سالما صالحا
2 3 2 2 2 3 2 3
وهو إن صح فبخروجه من بحر إلى آخر لا يمت له بصله، فهو هنا من الخفيف والأصل من المتدارك.
وكل البحور الست عشر تحتوى الوتد 3 مع اختلاف في خصائص السبب 2 كما سنرى.
ب- الإيقاع الخببي:
وعليه هذه الأبيات المنسوبة إلى سيدنا علي [ii] كرم الله وجهه:
صدقاً صدقاً صدقاً صدقا
واستهوتـنا واستلهتـنا
إلا أنّـا قـد فـرّطـنا
حـقّا حقّا حقّا حقّا
إن الدنـيا قد غرّتنا
لسنا ندري ما قدّمنا
وإليك تقطيع البيت الثالث وهو نفس تقطيع سائر الأبيات
فيكون وزن كل من الشطرين = 2 2 2 2 2 2 2 2
وهنا نلاحظ أن كل المقاطع زوجية 2 مكررة ولا يوجد فيها الرقم 3
ولو جعلنا الصدر : لسنا نعرف ما قدّمنا لكان الوزن صحيحا:
نلاحظ أن نعرفُ=2(2) قد حلت محل ندري=2 2 أو لنقل رِفُ =(2) حلت محل ري=2
وهنا نعرف (2) = 11 = متحركين وتسمى في العروض التقليدي بالسبب الثقيل.
وهذه خاصية أخرى في هذا الإيقاع الذي أقترحت تسميته بإيقاع الخبب
وهي أن الرقمين 2 و (2) متكافئان يحل أحدهما محل الآخر. وهو ما نعبر عنه بالقول (2) تك 2
أي أن (2)=11 و 2=1ه متكافئان.
وثمة خاصية ثالثة وهي أن السبب في هذا الإيقاع لا يقبل الزحاف أي لا تتحول 2 إلى 1 أبدا وذلك لنتجنب الرقم 2 3 إذ لو اعتبرنا جواز تحول 2 2 2 إلى 2 1 3 = 2 3 لخرج بهذا من إيقاع الخبب.
ولتوضيح ذلك
خذ ما اصطلح عليه في العروض بتفعيلة فاعلن = 2 3 فإنها تتحول إلى فَعِلُنْ = 1 3
وخذ في الخبب ما اصطلح بتسميته فعْلُنْ = 2 2 فإنها تتحول إلى فعِ لُن= (2) 2 أو فَعِلن = 1 3
وهنا نلاحظ هذا التشابه بين: ف عِلن =31 و فعِ لن =31
ولو أخذنا البيت
يا ليل الصبُّ متى غده .......أقيام الساعة موعده
وأجرينا عليه التحويرين
أنظر كيف اختل الوزن عندما دخل الوتد 3 إلى الوزن أو بعبارة العروض التقليدية عندما حلت فاعلن = 2 3 محل فعِلن = (2) 2 أو فعْلُنْ = 22
ومن حيث أن 2 فيه لا تتحول إلى 1 فإن 2 2 2 2 لا تتحول فيه إلى 1 2 1 2 = 33 فهو لا يحوي الرقمين 33 متتاليين
وهنا نأتي إلى ذكر طريقتين في تقطيع الخبب
الأولى السمعية حيث نعتبر كل 21=3 كما يدركها السمع، والأخرى خببية حيث نعتبر 11=(2) و 1ه =2 والطريقتان متكافئتان شرط أن نتذكر أن الوتد الذي الناتج عن التقطيع السمعي وتد ظاهري .
فمثلا وزن أقيام الساعة موعده
يلاحظ هنا أن 1 3 هي في الحقيقة 11 2 = (2) 2 ، وكون الرقم 3 هنا أزرق يعني أنه وتد ظاهري لا حقيقي لأنه ناتج من دمج الوزن الخببي (2) 2 = 11 2 ليأخذ حسب السمع صيغة 1 3
ولهذا كان لون كل منهما بالأزرق. دلالة على أن الرقم 3 هو وتد ظاهري وليس حقيقيا، وذات الشيء ينطبق على الرقم 1 ، فمعنى كونه باللون الأزرق يعني أنه في الحقيقة المكون الأول لسبب ثقيل زوجي دخل مكونه الثاني مع السبب الخفيف ليأخذا سمعيا شكل الرقم 3 يعني 1 3 =11 2=(2) 2
ودرج العرب على جمع كل سببين معا في الصيغة التفعيلية فإن أردنا تقليد ذلك في الرقمية فلا بأس من جمع كل زوجي أسباب في الخبب بحيث يظهر القوسان في جهة المتحركين كالتالي
لاحظ أن القوسين )) أو (( المحيطين بالرقم 4 يقعان في الجهة التي فيها 11 يمينا أو يسارا
هذان هما النوعان الرئيسان في إيقاع الشعر العربي وفيما يلي مقارنة بين خصائصهما، تمهيدا للانتقال للنوع الثالث الذي يتمازجان فيه.
تك = متكافئ مع
ج- الإيقاع البحري – الخببي
وتتداخل فيه خصائص النوعين السابقين أي يحوي أسبابا بحرية وأسبابا خببية وأوتادا كما في بحر الكامل، ومثاله
لكعب بن مالك رضي الله عنه:
وببئر بدرٍ إذ يردّ وجوههم جبريلُ تحت لوائنا ومحمدُ
حيث 2 = سبب خببي يجوز أن يكون خفيفا أو ثقيلا
2 = سبب خفيف لا يكون ثقيلا أبدا
وهكذا فالسبب الأول 2 في الفاصلة 2 2 المتبوعة بالرقم 3 سبب مزدوج الشخصية قد يكون خببيا وفي هذه الحالة يتكافأ السبب الخفيف والثقيل كما ترى.في الكامل حيث أول سبب في الصدر ثقيل = (2) ، وأول سبب في العجز خفيف =2 ويحل أحدهما محل الآخر وهو ما نعبر عنه بالعبارة : (2) تك 2
فبدل { وببئر بدْرٍ= (2) 2 3 2 =((4)3 2} لو قلنا {في بئر بدرٍ = 2 2 3 2 =4 3 2 } لما اختلف الوزن. أي أن السبب الأول 2 من 2 2 هو سبب مزدوج الشخصية قد يكون خببيا وقد يكون بحريا، والسببان المتتاليان اللذان يملكان هذه الخاصية نسميهما معا في العروض التفعيلي بالفاصلة. فالفاصلة هي كل سببين متتاليين يجوز في أولهما أن يكون خفيفا أو ثقيلا
وهذا هو النوع الثالث من الإيقاع الذي يتداخل فيه الإيقاعان البحري والخببي مع ملاحظة غلبة صفة الخبب على السبب الأول فمقتضى كونه بحريا يجيز زحافه أي تحوله من 2 إلى 1 وهذا ثقيل.
وعندما تأتي هذه الفاصلة في آخر بعض البحور كالبسيط مثلا فإنها لها حالتان
فهي في الصدر = 2 2 عدا التصريع[iii]
وهي في العجز = 2 2 ( مع مراعاة أحكام القافية)
2 2 المتبوعة بالرقم 3 في الكامل والوافر تسمى الفاصلة، وتسمى فاصلة كذلك كل 22 في آخر الشطر غير متبوعة بالرقم 3 وسنأتي لتفصيل شروط اعتبار الرقمين 22 فاصلة في المقالة القادمة بإذن الله، وإنما نذكرها هنا مع حالاتها تمهيدا لذكر أوزان البحور وصفاتها في أقصر صيغة ممكنة
2 2 في الصيغة 2 2 3 تسمى الفاصلة، وبين سببيها من التلازم والتأثر المتبادل، ما يحدد لها حالات ثلاث هي :
والآن إلى أوزان البحور في مجموعات حسب صفات أسبابها ومجموع الأعداد الزوجية المتجاورة فيها.
مع ملاحظة ما يلي
أ- عند ذكر الرقم 2 3 مهما كانت ألوانه يقصد به هذا الرقم بعينه وليس 2 3 الداخل في 2 2 3
ب- 2 2 يجوز أن تأتي 1 2 =3 أو 2 1 ولا يجوز أن تأتي 1 1 إلا في حالات استئنائية
جـ - أوردت بيتا مع تقطيعه مثالا على كل بحر.
لكل بحر عدة صور تختلف في نهاية الشطر إحداها عن الأخرى ولهذا قد يلاحظ اختلاف بين المثال والوزن في نهاية الشطر
راعيت في ترتيب البحور الصفات المشتركة وفقا لعدد الأسباب ( الأرقام الزوجية) وترتيبها في كل مجموعة هادفا من ذلك إلى التركيز على إبراز السمات العامة للعروض العربي بحيث ترسخ هذه الخطوط العريضة في ذهن القارئ لتوجهه إلى وجود ملامح صورة عامة للعروض العربي في محاولة لتخطي ما يتركه الطرح التفصيلي بدون تصور عام يسبقه من تشتت وضياع في متاهات التفاصيل التي تغدو في ظل هذا التصور مجرد تطبيقات له، وقدمت لكل بحر صورة لعلها الأشهر له. وفي المقالات القادمة سأقوم بتناول البحور كل على حدة في كافة صور البحر واستعراض التغيرات التي يجوز دخولها على كل بحر وفقا للقواعد العامة التي سأعيد تلخيصها وتبويبها في أول مقالة قادمة بإذن الله.ولعل ذلك يقدم إجابة على ما يطرحه هذا العرض المكثف من تساؤلات.
[i] التفعيلة تسمية بتصريف الفعل ( فَعَلَ) لمجموعة من المقاطع تعبر عنها بصورة لفظية ( 2 + 3) = ( سبب + وتد) = ( فا + علن) = فاعلن، والتفاعيل إما خماسية أي من خمسة أحرف ( وتد وسبب ) أو سباعية أي من سبعة أحرف ( وتد وسببين ) ولم يعتبروا الرباعية لأنهم اعتبروا (فعْلُن) مشتقة من فاعلن وذلك خطأ كما رأينا.
[ii] أهدى سبيل إلى علمي الخليل تأليف الأستاذ محمود مصطفى - تحقيق د.محمد أحمد قاسم – المكتبة العصرية صيدا – بيروت 2002م
[iii] التصريع تغير وزن آخر الصدر ليناسب آخر العجز في المطلع عادة، إضافة إلى موافقته له قافية ورويا
كما في قول أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس
لكل شيء إذا ما تمّ نقصان (ــانو).............فلا يغرّ بطيب العيش إنسانُ (ــــانو)
3 3 2 3 2 2 3 2 2 ..............3 3 1 3 2 2 3 2 2
ففي سائر ابيات القصيدة يأتي آخر الصدر (2) 2 = 1 3 على غرار البيت التالي:
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ ............إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ
3 3 2 3 2 2 3 1 3 ....................2 2 3 2 3 2 2 3 2 2