9 - مكتبة سمير 

9 - مكتبة سمير 

لن نبرح لبنان, ذلك البلد الشقيق,الذي يعج بمئات دور النشر, دون الحديث عن مكتبة سمير, تلك الدار التي تركت بصمة واضحة في عالم المطبوعات الموجهة للناشئة ,و أسهمت إسهاما كبيرا في رفد مكتبة الطفل العربي بروائع السلاسل الأدبية و العلمية من مختلف دور النشر العالمية, ناهيك عما جادت به أقلام كتابها و مؤلفيها.

يعود تاريخ مكتبة سمير إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية, و بالتدقيق, في عام 1947, حين أقدم ذاك الشاب العشريني المدعو سمير عبده حنا - Samir Abdo-Hanna - بتأسيس مكتبة صغيرة في أحد الشوارع بقلب بيروت. حيث تركز عمل هذه المكتبة في بداياتها على بيع الكتب و المجلات و الطوابع البريدية و غيرها من اللوازم المكتبية. و قد ظلت هذه المكتبة على هذه الحال إلى أواخر الخمسينات و أوائل الستينات 1958 – 1962, حين اقتحمت عالم الطباعة و النشر , حيث ركّزت اهتمامها في بداية مشوارها على الكتب و المطبوعات المدرسية, فأصدرت سلسلة حساب الطالب في مادة الرياضيات و هي سلسلة عرفت نجاحا باهرا في ذلك الزمن.

و لأن نظرتها كانت أبعد من أن تنزوي على المطبوعات المدرسية, فإن مكتبة سمير قررت عام 1968 الشروع في إصدار سلاسل تثقيفية للأطفال و الناشئة, فظهرت سلاسل بديعة كسلسلة مناهل المقدسي التي طبعت عدة مرات, و قد تميزت الفترة الممتدة من أواخر الستينات إلى بدايات اللألفية الثالثة بغزارة اصدارات هذه الدار. حيث شهدت هذه الحقبة ظهور العشرات من السلاسل التي امتازت بثراء محتواها و فصاحة لغتها و سلاسة أسلوبها و جمال صورها.

و لعل من أوائل السلاسل و أندرها سلسلة " من كل علم خبر " التي تقع في 12 عنوانا, و هي عبارة عن ترجمات لمختارات من كتب سلاسل ليديبيرد التي سبق لنا الإشارة لها. و قد كنا نعتقد أن الوكيل الوحيد المرخص بنشر كتب ليديبيرد في العالم العربي هو مكتبة لبنان ناشرون التي تحدثنا عنها في موضوع سابق, غير أن الأخ روني - و أهو أحد عشاق النوادر - رفع لنا صورة تضم بعض الأغلفة التي لم يسبق لنا رؤيتها, ليتبين لنا لاحقا أن مكتبة سمير كانت السباقة في نشر كتب ليديبيرد و يرجّح أن هذه السلسلة ظهرت ما بين 1968 و 1972 و لربما تكون قد ظهرت قبل أن تبرم مكتبة لبنان تلك الاتفاقية الشهيرة مع الناشر الانجليزي التي نقلت بموجبها و لحد الآن أكثر من 400 عنوان.

و من بين أشهر السلاسل التي انتشرت بشكل رهيب في العالم العربي بفضل مكتبة سمير, نذكر سلسلة حكايات كل زمان وهي سلسلة جميلة جدا, نقلت باحترافية من الإيطالية عن سلسلة Gli Albi Delle Fiabe للناشر الإيطالي الشهير Fratelli Fabbri Editori , و قد ساهم في إخراجها نخبة من الرسامين المبدعين مثل Pinardiو Ico و Sani و Gatti و غيرهم الكثيرين. و قد تلتها سلاسل جميلة كسلسلة " من كل علم خبر " المنقولة عن سلسلة Decouvrir Et Connaitre للناشر الفرنسي Hachette و التي زين صفحاتها الرسام البارعProbst , كما ظهرت سلسلة أخرى للأطفال الصغار تحت تسمية "سلوة الصغار" . هذه السلسلة الجميلة ... ظهرت أول مرة باللغة الفرنسية تحت عنون Baby Silhouettes و أصدرتها دار Hemma البلجيكية.... و هي من رسم الرسامة الفرنسية المبدعة Jeanne Lagarde .... المولودة عام 1911 و المتوفاة عام 2012 و قد سبق لنا التواصل مع حفيدها الذي أنشأ لها مؤسسة تعنى بأعمالها ... و قد سر أيما سرور عندما شاهد أغلفة أعمالها باللغة العربية و التي لا ينقصنا منها إلا كتاب واحد. و من الملاحظ أنه قد تم تعريب الأغلفة لتظهر من اليمين إلى اليسار عكس الأصل الفرنسي مما جعل توقيع الرسامة الذي يحمل اسمها يظهر بشكل معكوس ... لكن لو عرضته على المرآة أو قمت بقلبه بواسطة البرامج المختصة سيظهر لك التوقيع بشكل أوضح.

توالت إصدارات مكتبة سمير على مدى أربعين سنة تاركة لنا مكتبة ضخمة في شتى الميادين وشملت السلاسل التالية: الموسوعة المختارة, حيوانات طليقة, حيوانات أليفة, الرياض الزاهرة, بلابل الربيع, حكايات كل يوم, حكايات من الشرق, حكايات من أمس و اليوم, حكايات من جبالنا, سلسلة أصدقاء الغابة, سلسلة سلوة الصغار, سلسلة مناهل المقدسي, على أربع قوائم , لكل سؤال جواب, متى وكيف حصل ذلك, من قصص شكسبير, من كل علم خبر , و يأتيك بالأخبار ,واحة الحكايات, سلسلة النحلة الذهبية, سلسلة من بحر الزمن, أحلى المغامرات العالمية, قصص و عبر ....

و على الرغم من أن هذه السلاسل كثيرة التداول في المشرق العربي, إلا أن حظنا في المغرب العربي و بالخصوص في الجزائر ضئيل جدا, فنادرا ما نعثر عنها. مع ذلك قد يحضى البعض منا ببعضها مصادفة كما حدث معي قبل سنتين حينما زرت رياض الفتح و تزامنت زيارتي مع معرض الحرف التقليدية, حيث تركت الوالدة تسترجع ذكريات طفولتها مع مختلف الصنائع التي انقرضت من منازلنا,و اعتصمت أنا في إحدى المكتبات المجاورة أتفحص رفوفها, فضفرت بعيّنات من سلسلة حيوانات طليقة, سلسلة من كل علم خبر, و سلسلة الموسوعة المختارة. فضلا عن بعض العناوين الجميلة لدار الشروق المصرية و كلها يعود لحقبة السبعينات و الثمانينات.

و لعل ما يعيب اصدارات مكتبة سمير أنها كانت تظهر في غلاف ورقي عادي و ليس كارتوني مسلفن, مما أفقدها قيمتها و جعل عشاق النوادر نادرا ما يلتفتون إليها.

في عام 2003 غيرت هذه الدار تسميتها من مكتبة سمير إلى Samir Éditeur و أنشأت فرعا لها في المغرب الأقصى و حولت جوهرها من خدمة لغة الضاد إلى خدمة لغة موليير فاكتست طابعا فرانكوفونيا محظا, و ركزت اهتمامها على السلاسل الفرنسية مع ذلك ظلت تطلق من حين لآخر بعض العناوين باللغة العربية. لكن ظلت هذه السلاسل أقل جاذبية للقراء.