31 - المؤسسة الوطنية للكتاب (ENAL ) 

31 - المؤسسة الوطنية للكتاب (ENAL ) 

لطالما حظي أدب الطفل باهتمام واسع من قبل النخبة المثقفة في عدة بقاع من العالم و لا سيما في القارة العجوز. فكما سبق لنا و عرفنا في مقالات سابقة, فقد شهدت أوروبا الشرقية و بالخصوص - الإمبراطورية الروسية - حركة ثقافية واسعة خلال القرن التاسع عشر, نتج عنها عناية خاصة بكتاب الطفل الذي عرف تميزا مع بداية تشكل الإتحاد السوفياتي. و قد أعقب ذلك, انتقال الاهتمام بمنشورات الأطفال إلى أوربا الغربية في الثلاثينات و الأربعينات. مما أسفر على بداية العصر الذهبي للرسم, أين تم التعاقد مع أفضل الفنانيين لتزيين منشورات عالم البراءة بلوحات فنية جميلة, استطاعت أن تأسر عقول أجيال النصف الثاني من القرن العشرين.

و إذا كان الشرق سبق الغرب في أوربا, فقد حدث نفس الشيء في العالم العربي. فلطالما تأخر الاهتمام بكتاب الطفل في المغرب العربي بالمقارنة مع دول المشرق على غرار مصر و لبنان و سوريا. ففي الجزائر لم تظهر أي دور نشر متخصصة في كتاب الطفل إلا في مطلع الألفية الثالثة, و قد ظلت معظم الاصدارات تفتقد للجودة و الكمية باستثناء بعض المحاولات الجادة التي قد نفرد لها موضوعا مستقلا مستقبلا – إن شاء الله -. و يبدو أن مجال النشر الموجه للأطفال فيما سبق, كان مجرد محاولات فردية من قبل بعض الكتاب الجزائريين, غالبا على نفقتهم الخاصة, كما كان هنالك إسهام لابأس به من قبل المؤسسة الوطنية للكتاب و هي المؤسسة العمومية الوحيدة التي أصدرت بعض السلاسل المميزة و بالخصوص في الثمانينات.

و لمعرفة تاريخ هذه الدار العريقة, ينبغي علينا الرجوع للحقبة الاستدمارية, حيث كان مجال النشر حكرا على المستدمر الفرنسي متمثلا في ثلاث دور نشر بارزة هي دار Charlot و دار Rodossée و دار Hachette التي سبق لنا الحديث عنها في مقال منفصل. و قد كانت جميع هذه الدور ترمي إلى نشر الثقافة الغربية و طمس الثقافة العربية الاسلامية للمجتمع الجزائري, لولا تلك المحاولات الجريئة لجمعية علماء المسلمين لمؤسسها العلامة عبد الحميد بن باديس, من خلال جرائدها و مجلاتها المتنوعة.

بعد استقلال الجزائر توقف نشاط كل دور النشر الفرنسية في الجزائر باسثناء دار Hachette التي استمرت في نشر كتب الأطفال القصصية و المناهج المدرسية لغاية عام 1966, حينما تم تأميمها و ضمها لممتلكات الدولة. و قد نتج عن ذلك ظهور المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع (SNED ) التي أولت اهتماما بالغا لمنشورات الطفل و بالخصوص للفن التاسع.

ففي سنة 1969 تم إطلاق مجلة " مقيدش " الكوميكسية باللغتين العربية و الفرنسية كمبادرة من المرحوم عبد الرحمن مدوي، مدير إدارة النشر في المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع « SNED » و بإسهام مجموعة من الفنانين الكبار على غرار أحمد هارون و منور مرابطين المدعو "سْليم" . ومحمد مزاري المدعو "ماز" ..... و قد استمرت هذه المجلة إلى غاية 1974.

في عام 1983 اتخذت المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع (SNED ) تسمية جديدة هي المؤسسة الوطنية للكتاب (ENAL ) و واصلت عطاءها في الشق الكوميكسي من خلال مجموعة من الألبومات المميزة ذات الطابع الثوري و الاجتماعي و التي ساهم في إخراجها نخبة من الرسامين الجزائريين المرموقين كمحمد بوصلاح صاحب ألبوم " من أجل أن تحيا الجزائر " أو الفنان القدير بن عتو مصمودي صاحب ألبوم القرية المنسية و ألبوم ملحمة الشيخ بوعمامة, و له العديد من اللوحات الفنية في المتحف الوطني للجيش. إضافة إلى فنانيين آخرين كإبراهيم قروي و تناني مصطفى .....

كما شهدت فترة الثمانينات إنشاء فرع خاص بأدب الطفل اهتم بنشر مجموعة من القصص ذات الطابع التربوي و التثقيفي و تناولت الحكايا الشعبية المستوحاة من التراث الجزائري على غرار قصة "بقرة اليتامى" و قصص الثورة الجزائرية كقصة ابن الشهيد, فضلا عن قصص الحيوانات ذات العبر و المغازي العميقة و كذا بعض المنشورات ذات الطابع الهزلي من أجل تسلية الطفل الصغير و الترفيه عنه. وقد نتج عن ذلك ظهور عدة سلاسل مصغرة, نذكر منها:

سلسلة من أدب الأطفال – مكتبتي – : تقع في حوالي عشرين عنوانا

سلسلة رياض الأطفال : تقع في خمس عناوين على الأقل

سلسلة احكي لي :و هي سلسلة موجهة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم مابين سبع و تسع سنوات و قد ظهر منها 13 عنوانا على الأقل

سلسلة صور من الطبيعة: ظهر منها 8 عنواين و هي موجهة لنفس الفئة العمرية

سلسلة هل تعرف: و هي سلسلة جميلة تعرف الطفل على خصائص الحيوانات حيث كان كل كتيب يضم قصتين شيقتين بأسلوب مبسط

فضلا عن سلاسل أخرى مفقودة و عناوين متفرقة....

وقد أسندت مهام إخراج هذه السلاسل لمجموعة من الكتاب المرموقين على غرار الأديب الجزائري المعروف عبد الحميد بن هدوقة و الكاتب التونسي المرموق قاسم بن مهني و زينت برسومات فنانين كبار نذكر منهم الرسام محفوظ عيدر و عميد الشريط المرسوم في الجزائر الفنان محمد أرام الذي وفته المنية قبل بضعة أشهر – رحمه الله و أسكنه فسيح جنانه – إضافة إلى أسماء أخرى سبق لنا الإشارة لها كالرسام المبدع مصطفى تناني الذي أتحفنا بقصتين جميلتين هما صانعة الفخار و بقرة اليتامى.

أما في مجال الكتب العلمية, فقد اعتمدت هذه الدار على الترجمة كمنطلق لها, حيث أبرمت شراكة مع عدة دور نشر عربية و أجنبية, على غرار تعاونها مع الشركة التونسية للنشر و التوزيع التي نشرت بالتعاون معها موسوعة الشباب المنقولة عن دار هاشيت الفرنسية في ثمانينات القرن الماضي. إضافة إلى نشرها لموسوعة أخرى تحمل نفس التسمية – موسوعة الشباب – بالتعاون مع دار ميدليفانت التي كانت تعتمد على نقل أعمال إيطالية للغة العربية.

كما قامت بنقل سلسلتين علميتين منتصف الثمانينات لدار Aladdin Books ضمن سلسلة مبادئ العلوم و سلسلة الثورة الإلكترونية و قد سبق لنا الحديث عنهما في خضم الحديث عن الناشر البريطاني قبل أسابع قليلة.

و على الرغم من تنوع إصدارات المؤسسة الوطنية للكتاب (ENAL ) إلا أنها ظلت قليلة مقارنة مع احتياج الطفل الجزائري في ذلك الزمن حيث قدر عدد العناوين التي تصدرها الجزائر للطفل عام 1986 ب 12 كتاب في السنة. هذا الذي جعل الدار تحاول رفع إصداراتها مطلع التسعينات لولا أن غرقت الجزائر في عشرية سوداء نتج عنها تأخر كتاب الطفل في الجزائر باشواط كبيرة عن نظراءه من الدول العربية. فقد شهدت هذه الفترة استهداف الكتاب و الفنانين و قد كان أبرزهم الرسام إبراهيم قروي الذي استهدفته أيادي الغدر في عام 1994 عن عمر يناهز 42 سنة.

في عام 1998 تم هيكلة المؤسسة الوطنية للكتاب لتختفي, تاركة فضاء النشر للخواص من أجل الخوض في مجال أدب الطفل.

تجدر الإشارة في الأخير إلى ضعف توثيق كتب الأطفال في الجزائر, فبالكاد تعثر على معلومة عن كاتب أو رسام أو دار نشر لولا مجهودات بعض الهواة و يتقدمهم الزميل الرسام و المترجم المتألق " دايسكي سان" الذي قدم لنا الكثير من الألبومات القديمة و قام بترجمة العديد منها للغة العربية, فضلا عن إعداده لموسوعة " مختارات من الفن التاسع في الجزائر – فنان و قصة", و التي استعنا بها كثيرا في هذا المقال. إضافة إلى إسهامات الأخت الفاضلة "نبيلة" التي شاركتنا بجزء من مكتبتها المتضمنة الكثير من القصص النادرة. فلهما منا جزيل الشكر و العرفان.