39 - Éditions Fleurus

39 - Éditions Fleurus

لا تزال الكثير من دور النشر العالمية تسعى حثيثا لإحداث توازن بين المحتوى القصصي و المحتوى المعرفي لإصداراتها. فقد شهد سوق كتب الأطفال و الناشئة في مرحلة ما قبل الثمانينات حالة تشبع بالسلاسل القصصية التي كانت في معظمها تتناول التراث الشعبي, الحكايا و الأساطير القديمة , مرويات الرحالة, فضلا عما ينسجه خيال رواد أدب الطفل من قصص بديعة تحلق بالطفل في مختلف العوالم. لكن بحلول الثمانينات ظهر منحى جديد سطرته بعض دور النشر و تبعتها أخرى. و قد تمثل هذا الإتجاه في إصدار سلاسل معرفية تتناول مختلف الحقائق العلمية التي يحتاجها القارئ الصغير. و إذا كنا في مواضيع سابقة قد تحدثنا على مجموعة لا بأس بها من دور النشر الإنجليزية الرائدة في هذا المجال, فإننا اليوم سنحلق نحو العاصمة الفرنسية للتعرف على إحدى دور نشر كتب الأطفال التي أصيبت بعدوى الكتب المعرفية. حديثنا اليوم عن دار ( Éditions Fleurus)..

 

يعود تاريخ هذه الدار – ذات التوجه الديني – إلى عام 1929 حين اجتمع بعض القساوسة و قرروا إطلاق نشريات و مجلات تستهدف الأطفال و الناشئة و تعنى بتربيتهم تربية دينية. و قد كانت تلك المجلات تجمع , إضافة إلى الغاية التي وضعت من أجلها, أهدافا تعليمية و ترفيهية أخرى. فقد كانت تضم قصصا و ألغازا و ألعاب تسلية مختلفة فضلا عن أشهر الأعمال الكومكسية على غرار مغامرات (Tin Tin ). و قد توالت تلك النشريات و تنوعت مع مرور الزمن, فبعضها كان موجها للفتيان و الآخر للفتيات داخل التراب الفرنسي و في المستعمرات التابعة له.

 

في الأربعينات ظهرت دار ( Éditions Fleurus) في العاصمة الفرنسية باريس, لتواصل نشر القصص الدينية و الكوميكسية ضمن كتب مستقلة. و قد قامت في الخمسينات و الستينات بإخراج تلكم الأعمال المنشورة في مجلاتها و نشرياتها السابقة ضمن سلاسل منظمة ذات إخراج جيد. و إذا كانت أعمال هذه الدار و ما أصدرته مطابعها تشكل ذاكرة جماعية لعدة أجيال فرنسية, إلا أن جل ما يهمنا هو مرحلة ما بعد الثمانينات.

 

ففي عام 1981 سعى أحد الساسة و رجال الاعمال الفرنسيين إلى تأسيس مجمع لدور النشر الفرنسية ذات التوجه الديني و قد تمكن في عام 1986 من تأسيس مجمع ( Média-Participations Paris ) الذي انضوت تحت جناحيه عدة دور نشر فرنسية و بلجيكية و كانت الدار التي هي محل حديثنا اليوم من أبرز فروعه. فقد عرفت هذه الدار في أواخر الثمانينات تغيرا في توجهها و باتت تركز على الكتب المعرفية أكثر من الأعمال القصصية و الدينية.

 

و قد نتج عن ذلك ظهور عدد كبير من السلاسل البديعة التي نقلت لعدة لغات عالمية على غرار مجموعة (LA GRANDE IMAGERIE ) التي تقع في 200 عنوان. و التي يمكن تصنيفها أيضا ضمن سلاسل مصغرة حسب الموضوع. و هي مجموعة من الكتب المعرفية التي تقع في 32 صفحة, مزدانة كليا برسوم توضيحية أو صور فوتوغرافية. و قد قامت منشورات عويدات اللبنانية بترجمة عدد كبير من عناوين هذه المجموعة ضمن السلاسل التالية:

 

• موسوعة عالم الحيوان: تعرفنا هذه الموسوعة التي جاءت في 9 أجزاء على عالم الحيوان بكل تنوعاته و أشكاله, من حيوانات ما قبل التاريخ إلى الحيوانات التي يمكن لنا ملاحظتها في محيطنا. تظاهي هذه السلسلة تلكم الأشرطة الوثائقية التلفزيونية المميزة التي تأسر المشاهد بصورها الجذابة و معلوماتها الثرية.

• موسوعة الحيوانات الأليفة: تضم هذه الموسوعة 5 عناوين و هي لا تختلف كثيرا عن سابقتها, مع تركيزها على الحيوانات الأكثر قربا من الإنسان.

• موسوعة المعارف المصورة: تقع هذه الموسوعة في 9 أجزاء و تتناول مواضيع مختلفة على غرار الشمس, النباتات, النحل, الأبراج, الخواتل ... وغيرها من المواضيع التي تستثير فضول القارئ الصغير.

• موسوعة الطبيعة المصورة: تنقلنا هذه السلسلة في رحلة للتعرف على الكواكب و المحيطات و الجبال و مختلف أشكال الطبيعة ضمن عناوينها الخمس.

• الموسوعة التاريخية المصوَّرة: هذه واحدة من أفضل الموسوعات التاريخية. فهي غنية بالصور و النصوص و المشاهد التي تساعد الأطفال على التعرف على تاريخ الشعوب و حضارتها و نهضتها, فضلا عن أهم الحروب التي غيرت تاريخ العالم.

 

إضافة إلى هذا نجد سلاسل أخرى على غرار موسوعة كنوز المعرفة المصورة ( 4 عناوين ), الموسوعة المصورة الكبرى ( 6 عناوين ) و موسوعة الفنون الجميلة ( 4 عناوين ). و قد ظهرت جميعا ضمن حلة قشيبة من حيث التصميم. فهي ذات غلاف فني صلب و ورق أملس مسلفن. أما صورها فهي ذات جودة عالية و إخراج ممتاز. في حين جاءت نصوصها مشكلة تشكيلا تاما. عكس ترجمة منشورات الشعراوي التي لم تتجاوز عناوينها 20 عنوانا و هي ذات غلاف كارتوني عادي و نصوصها خالية من التشكيل.

 

إضافة إلى مجموعة (LA GRANDE IMAGERIE ) , أصدرت ( Éditions Fleurus) سلسة أخرى مميزة هي سلسلة ( Imagia ) و قد جاءت ضمن 17 عنوانا تتجاوز صفحات العدد الواحد منها المائة صفحة. نقل منها للغة العربية أربع عناوين هي: عجائب العالم, الاختراعات, علم البيئة, الحضارات القديمة.... و كنا نتمنا نقل عناوين أخرى على غرار كتاب العصور الوسطى, خصوصا و أنا الرسام الإيطالي المبدع (Remo Berselli ) كان قد زين صفحاتها بالعديد من أعماله و هو الرسام الذي عرفناه مساهما بارزا في مجلة المعرفة الصادرة في خمسينيات القرن الماضي.

 

لم يكن الاهتمام بأعمال هذا الناشر الفرانكو-بلجيكي من قبل عويدات للنشر و دار الشعراوي فقط, بل نجد أن دار المجاني اللبنانية بادرت لنقل العديد من السلاسل للغة العربية على غرار سلسلة "في صور" (LES IMAGERIES ) التي جاءت في 43 عنوانا في النسخة الفرنسية و قد نقل منها للغة الضاد 18 عنوانا. و هي كتب جميلة غطت العديد من المواضيع العلمية مثل جسم الإنسان, وسائل النقل, الحيوانات, الفضاء, المهن ..... و هي في معظمها تتجاوز 120 صفحة في العدد الواحد ذات غلاف عادي في النسخة العربية و تضم كل صفحة من صفحاتها العديد من الصور مع تعليق بسيط.

 

كما نقلت دار المجاني سلاسل أخرى نذكر منها سلسلة " لماذا كيف " في 12 عنوانا و بعض السلاسل للأطفال الصغار على غرار سلسلة " الفتى الماهر" , سلسلة " الفتاة الصغيرة" , سلسلة " الأمير المثالي" و سلسلة " الأميرة المثالية".

 

تجدر الإشارة إلى توفر معظم إصدارات (Éditions Fleurus) في نسختيها الفرنسية و العربية في الجزائر و بالخصوص أثناء المعرض الدولي للكتاب لكن تعرف الأعمال الصادرة في لبنان غلاء فاحشا, لا يتماشى مطلقا مع القدرة الشرائية للقارئ الجزائري. بل حتى المؤسسات التعليمية من مدارس و رياض الأطفال تتفادى اقتناء أعمال هذا الناشر. بالنسبة لأسعار النسخ الفرنسية التي تصلنا تعد إلى حد ما معقولة. أما أسعار الناشر المغربي الذي يترجم و يعيد طباعة بعض أعمال (Éditions Fleurus) فهي زهيدة الثمن و في متناول معظم القراء.