21 - Éditions Hemma

21 - Éditions Hemma

في منتصف خمسينيات القرن الماضي, و بإحدى القرى الهادئة التي لا يزيد تعداد سكانها عن 100 نسمة, و في أعماق غابات الأردين البلجيكية,في قلب أوروبا, ظهرت واحدة من أشهر دور نشر كتب الأطفال و الناشئة في العالم. 

حديثنا اليوم عن دار هيما البلجيكية -Éditions Hemma - التي أثرت مكتبة الطفل بقصص تربوية و موسوعات تثقيفية قل نظيرها في الزمن الحديث .

تأسست دار هيما البلجيكية -Éditions Hemma - عام 1953 على يد صاحبها Albert Hemmerlin. و منذ نشأتها رسمت هذه الدار هدفا كبيرا, يتمثل في غزو المكتبات العمومية و المدرسية و مراكز التسوق العالمية بإصداراتها المتنوعة التي تخطف لب القارئ الصغير من أغلفتها ذات الرسومات الجميلة, ناهيك عما تنطوي عليه من محتوى ثري يشبع عقول الأطفال المتعطشة للمعرفة.

و قد قامت دار هيما -Éditions Hemma - في بداياتها بالتركيز على نشر قصص المطالعة و الكتب المصورة إلا أنها في منتصف السبعينات أضافت إلى رصيدها نوع آخر من الاصدارات, يتمثل في الكتب المنبثقة و ألعاب الألغاز و كتب التلوين فضلا عن الكتب التي تعتمد على القص و اللصق. و الكتب المنبثقة مشهورة جدا في الغرب و قليلة في وطننا العربي حيث تتخذ الكتب أشكالا مختلفة كأشكال الحيوانات أو وسائل النقل و عند تصفحها تنبثق أشكال أخرى . فعلى سبيل المثال قد يكون الكتاب حول أحد الحيوانات فبعد تقليب الصفحات ينبثق شكل لغابة بأشجارها المختلفة ...

و لما كان هدف هذه الدار هو غزو الأسواق العالمية على اختلاف لغات زبائنها, فقد قامت في بادئ الأمر بإنشاء مؤسسات لتسويق منتجاتها في كل من فرنسا, ثم لاحقا في ألمانيا و إسبانيا. و لم تقف عند هذا الحد, بل أخذت في إبرام إتفاقيات شراكة و تعاون مع العديد من دور النشر في العالم, شملت عدة دول, على غرار المملكة المتحدة البريطانية و إيطاليا و إسبانيا و البرتغال و كندا و الولايات المتحدة الأمريكية و المكسيك و البرازيل و روسيا, فضلا عن الدول الإسكننافية و ماليزيا و إندونسيا و الكويت و المملكة العربية السعودية, ممثلة في دار الريشة.

من بين أهم سلاسل الدار القائمة على روائع الأدب العالمي نذكر سلسلة Livre Club التي تجاوزت عناوينها 90 عددا و شملت روايات ذائعة الصيت في الأدب الأوروبي و الأمريكي لكتاب مشهورين من نظير مارك توين و تشارلز ديكنز و ألكسندر دوما و هرمان ملفيل و فيكتور هوجو و جول فيرن..... و قد أسهم في تزيينها برسومات جميلة من وحي الأحداث, مجموعة من الرسامين البارزين على غرار Pierre Couronne و الرسامة المتألقة Manon Lessel .

ثاني سلسلة نتحدث عنها هي سلسلة Les Beaux Albums Hemma التي ظهرت في مطلع الستينات و صدرت منها العشرات من العناوين الجميلة, حيث تناولت أهم القصص التراثية و الحكايات الشعبية و الأساطير القديمة و قد ضمت العديد من القصص المحبوية لدى الأطفال مثل قصة علاء الدين و المصباح السحري و قصة علي بابا و اللصوص الأربعون المستوحاة من التراث العربي فضلا عن قصص الأخوين غريم و حكايا أندرسون و بيرو المستقاة في مجملها من التراث الأوربي. و قد تميزت هذه السلسلة بإخراجها الجيد و رسوماتها الفائقة الجمال و التي أبدع في أخراجها عدد من الرسامين المرموقين, تتقدمهم المبدعة Marie-José Maury التي ساهمت في إخراج سلسلة أخرى لاقت رواجا واسعا خلال السبعينات و الثمانينات. و أقصد بذلك سلسلة "هايدي Heidi" التي تقع في قرابة 30 عنوانا , و التي طبعت عدة مرات و لا تزال مطلوبة من قبل الكثير من عشاق النوادر.

هذه السلسلة حسب ظني نقلت للغة العربية من قبل دار الشرق العربي السورية فقد سبق لي تصفح أحد عناوينها خلال زيارتي للناشر السوري في معرض الكتاب عام 2018, و لست أدري إن نقلت كاملة أم لا .... فحسب الكتالوج الذي اطلعت عليه, تم نقل 8 أعداد للغة العربية في ذلك الوقت, و قد تكون أظيفت أعداد أخرى لاحقا. و إن لم تخني الذاكرة فإن سعر كل قصة كان بين 300 إالى 350 دج و هو مرتفع نسبيا مقارنة مع عدد الصفحات التي لا تتجاوز الستة عشر.

لعل أكثر الرسامين المرتبطين بدار هيما, هي الرسامة المبدعة Jeanne Lagarde و التي تحدثنا عنها كثيرا من قبل, حيث تفننت في إخراج الكثير من السلاسل و على رأسها سلسلة " Baby Silhouettes" التي تقع في عدة أعداد نقلت منها للغة العربية بضع عناوين تحت تسمية سلسلة "سلوة الصغار",من قبل مكتبة سمير اللبنانية. و من الواضح أن الناشر البلجيكي كان في بدايته لا يعطي عناوين لسلاسله بل يضع لكل سلسلة ترقيم خاص بها, و هذا مايجعلنا نجد صعوبة في ربط القصص بالسلاسل التي تنتمي إليها .... لكن لحسن الحظ, فإن الناشر كان ينشر أعماله بعدة لغات مما فتح لنا المجال لتعقب السلاسل المفقودة بالنسخ المترجمة و من ذلك سلسلة Pussy Bücher التي ظهرت في قرابة 90 عنوان و كانت مصحوبة بأشرطة سمعية.

من بين السلاسل الأخرى المنقولة للغة العربية لهذا الناشر, نذكر سلسلة كورالي التي ترجمت في لبنان و نشرت من قبل دار الشمال. و قد مررت بها خلال تجوالي في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر العاصمة و كانت أسعار النسخ الورقية لا تتجاوز 200 دج لكل عنوان بينما النسخ ذات الغلاف الكرتوني المقوى- المسلفن تصل ل 350 دج.... و قد قام بتزيين رسومات هذه السلسلة Pierre Couronne الذي سنأتي مستقبلا – إن شاء الله - للحديث عنه.

و يبدو لي أن الناشر البلجيكي كان يملك في مقره لجنة مختصة بالترجمة للغة العربية أيضا. فقد سبق لي الإطلاع على بعض أعداد من موسوعات خمسون سؤالا و خمسون جوابا التي ظهرت بعدة لغات في السبعينات أو الثمانينات و التي كانت منقولة للغة العربية من قبل مترجمين غير عرب كما هو موضح في صفحاتها.

في أواخر التسعينات و بداية الألفية الثالثة, حققت دار هيما -Éditions Hemma - أكبر نسبة من المبيعات و استطاعت أن تظهر بأكثر من 30 لغة في أزيد من 80 بلد.

كغيرها من دور النشر , انظمت هذه الدار لأحد المجمعات الكبرى وكانت من نصيب مجمع EDITIS و هو ثاني أكبر مجمع في فرنسا مختص بعالم النشر, و لا تزال تتبعه إلى يومنا هذا.