26 - Usborne Books

26 - Usborne Books

قبل قرابة الخمسين سنة, كان أحد المشتغلين في مجال الطباعة و النشر الموجه للكبار, يهم بمغادرة عمله, إذ تلقى اتصالا يبشره بأنه سيصبح أبا عما قريب. و قد كانت هذه المكالمة بشرى خير على عدة أجيال من الأطفال و الناشئة. فقد قرر صاحبنا هذا , من حينها, اقتحام عالم الطباعة و النشر الموجه للصغار, و حدث ذلك بالفعل بعد أن رزق بطفلة جميلة, سرعان ما كبرت, لتعضد والدها في مهمته النبيلة و ترأس معه واحدة من أهم دور نشر كتب الأطفال و الناشئة في بريطانيا و العالم. حديثنا اليوم عن دار Usborne Books.

يعود تاريخ هذه الدار للنصف الثاني من القرن العشرين و هي متأخرة نسبيا عن دور النشر محل اهتمامنا مع ذلك كان لاسهاماتها الكبيرة الدافع الأكبر لنخصص لها بعض الأسطر.

ففي ستينات القرن الماضي, كان Peter Usborne مع بعض زملائه في جامعة أوكسفورد البريطانية يخططون لاطلاق مجلة سياسية نقدية ساخرة. و بعد سفره للولايات المتحدة الأمريكية و اكتسابه بعض الخبرة العملية في مجال الطباعة, أطلق صاحبنا هذا بمعية أصدقائه مجلة Private Eye التي تولى إدارتها لمدة أربع سنوات. لينتقل لاحقا , بعد حصوله على ماجيستير في إدارة الأعمال, للعمل لصالح British Printing Corporation .

في عام 1973 تلقى من زوجته الإتصال الهاتفي الآنف الذكر و الذي استثار في ذهنه فكرة الاهتمام بكتاب الطفل. و بخطى ملؤها الحماسة و الشغف بهذه الفكرة البديعة توجه Peter إلى رئيسه في العمل ليطلب منه أن يوكل له عملا يخص نشر كتب الأطفال, فما كان من رئيسه إلا أن دفع به للعمل لدار Macdonald Educational و التي قام فيها بتصميم بعض كتب سلسلة Macdonald Starters قبل أن يطلق دار نشر تحمل اسمه في منتصف السبعينات.

و يبدو أن ظهور دار Usborne Publishing و التي اشتهرت ب Usborne Books قد تزامن مع أفول نجم كتب ليديبيرد, تلك الدعسوقة التي علمت الشعب البريطاني ثقافة المطالعة. و نظرا لامتلاء مكتبة الطفل البريطاني بسلاسل راقية جدا, فقد توجب على الدار الناشئة أن ترفع التحدي من أجل تقديم الأفضل. و قد ركز Peter على عاملين أساسيين يعتبران من أسرار نجاحه, و يتمثلان أولا في وضع الطفل في صميم اهتمامه و ثانيا في عقد صفقات مع ناشرين أجانب – فصاحبنا من أب انجليزي و أم فرنسية و يتقن الألمانية كما أنه ملم بعدة لغات أخرى - . و يبدو أن دار Usborne Books كانت تنتهج سياسة الإنفاق الكبير على كتاب الطفل لتجعل من الصعب على شركائها إنتاج أعمالا مماثلة لها. فمن أجل تصميم كتاب واحد تقوم هذه الدار بإنفاق مبلغ يتراوح ما بين 50.000 إلى 250.000 جنيه إسترليني و يشرف عليه فريق مشكل من 50 شخصا كلهم يعملون بتفرغ تام للناشر و ليس بالتعاقد كما هو جاري مع معظم دور النشر.

قامت دار Usborne Books على مدار الاربعين سنة الماضية بإصدار مئات السلاسل و آلاف العناوين الموجهة للأطفال و الناشئة و قد كانت في بدايتها تهتم بالكتب العلمية و المعرفية مع تهميش واضح للأعمال القصصية, غير أننا نشهد في العشرين سنة الأخيرة نقص ملحوظ في الكتب المعرفية و يعود ذلك لسببين يتمثلان في غزو الانترنت للبيوت مما جعل طلاب المدارس يصلون لأي معلومة بنقرة زر واحدة , أما السبب الثاني فيعود لدار Dorling Kindersley التي كانت تغرق السوق بكتب تحمل فكرة إصدارات Usborne Books و لكنها مزودة بصور فتوغرافية و ليس بلوحات فنية.

و نظرا لكثرة السلاسل التي أصدرتها هذه الدار فإننا نكتفي بذكر عينة صغيرة فقط مع التركيز على تلك التي ترجمت للغة العربية.

فمن بين أهم سلاسل الدار مجموعة Usborne Reading Programme التي تقع في 350 عنوانا و قد تصل إلى 500 كتاب قريبا. و هي سلسلة رائعة من كتب القراءة المتدرجة تضم 8 مستويات و تتناول عدة مواضيع قصصية و علمية و تاريخية و فنية. و قد زينت برسومات بديعة لتجذب الطفل الصغير لعالم المطالعة, و يبدو أن هذه السلسلة جاءت لعلاج أزمة القراءة التي تعاني منها بريطانيا. تجدر الإشارة أن بعض عناوين هذه المجموعة نقلت للغة العربية من قبل دار المجاني اللبنانية ضمن سلسة أولادنا والتاريخ و سلسلة حياة المشاهير كما قامت دار الشروق المصرية بنقل بعض العناوين ضمن سلسلة أدب الأطفال العالمي و سلسلة الشروق الكلاسيكية فضلا عن بعض الأعداد العلمية المتفرقة هنا و هناك.

نذكر أيضا سلسلة Usborne Starting Point Science و التي نقلت للغة العربية من قبل شركة سفير المصرية تحت عنوان بدايات العلوم المبسطة . و كذلك سلسلة Usborne First Nature و التي نقلت للغة العربية من قبل دار الفاروق المصرية تحت تسمية – هذا خلق الله – و هي سلسلة في غاية الجمال.

قامت أيضا دور نشر عربية كثيرة بنقل مختلف الكتب و الموسوعات و المعاجم العلمية الصادرة عن Usborne Books ، لكن الإسهام الأكبر كان لدار الشروق المصرية و دار أكاديمية اللبنانية كما قامت المؤسسة العربية للدراسات و النشر بنقل مجموعة من السلاسل الهامة أواخر الثمانينات و مطلع التسعينات على غرار سلسلة فتش و تعلم و سلسلة أوسبورن – مدخل إلى - . و لحسن حظ القارئ العربي فإن معظم هذه السلاسل متوفرة في المكتبات و صالونات الكتب الدولية غير أنها غالية الثمن نسبيا بسبب طباعتها الفاخرة أحيانا و تنظيدها الجيد. 

و لعل من أهم الأسباب التي جعلت هذه الكتب محل اهتمام القراء هو ذلك الطابع الجاد لمواضيعها العلمية و التي زينت برسوم لها طابع كاريكاتوري هزلي. و العجيب في كتب Usborne أنها تتناول كل المواضيع التي قد تتبادر لذهن الأطفال و الناشئة و تقدمها في أسلوب سلسل و شيق.