30 - Les Albums du Père Castor

30 - Les Albums du Père Castor

من فضائل زمن ما قبل الإنترنت, تلك الذاكرة الجماعية التي كانت تتشكل لدى الأطفال و الناشئة عبر كامل الوطن العربي. فقبل تكاثر القنوات الفضائية و اتساع ربط العالم بالشبكة العنكبوتية كانت المدارس الحكومية و القنوات التلفزيونية العمومية هي المصدر الوحيد لتعليم الطفل و تثقيفه و تسليته حسب برامج هادفة, لطالما اختيرت بعناية فائقة لتزرع في الطفل بعض القيم الانسانية التي تشترك فيها جميع شعوب العالم. و قد كان للرسوم المتحركة الحيز الأكبر في الـتاثير على جيل السبعينات و الثمانينات و حتى النصف الأول من التسعينات. 

لقد كانت تلك الرسائل التربوية المضمنة في الانميات تصل للطفل السعودي كما تصل للطفل التونسي و العراقي و الجزائري و المصري..... بل إنها كانت تتجاوز الوطن العربي لتغزو مختلف الأقطار الأوربية و الأمريكية و الأسياوية. خصوصا إذا عرفنا أن معظم تلك الأعمال كانت من انتاج استيوهات الأنمي الياباني على غرار استديو نيبون أنيميشن الذي أصدر العديد من المسلسلات القائمة على أعمال روائية تتمحور حول عالم الطفل. كما كانت تصلنا من حين لآخر بعض الرسوم المتحركة الصادرة عن استيوهات أوروبية و أمريكية.

و بما أنني أنتمي للجيل الذي عايش ذلك العصر الجميل فقد كنت حريصا على تتبع كل ما يبث للأطفال في القنوات التلفزيونية في تلك الحقبة. و من بين أكثر ما كان يشدني تلك الرسوم المتحركة الهادئة التي غالبا ما كانت تنفرد بها استيوهات الدبلجة الأردنية. و لعل مسلسل " حكايات بابا قندس " من بين أهم مسلسلات الرسوم المتحركة غير اليابانية, التي ظلت راسخة في ذهني لأكثر من عشرين سنة. فعلى الرغم من أن هذا المسلسل وصلنا متأخرا نسبيا إلا أنه كان هادفا و ممتعا. ففي منتصف التسعينات ظهر هذا العمل إثر شراكة فرنسية كندية لإعادة بعث واحدة من أشهر سلاسل كتب الأطفال في فرنسا و العالم. إنها سلسلة Les albums du Père Castor للناشر الفرنسي Flammarion .

يعود تاريخ نشأة هذه الدار لعام 1867 حينما قام Ernest Flammarion بإطلاق دار نشر تحمل اسمه , قامت في بداياتها بنشر أعمال شقيقيه – عالم الفلك - Camille Flammarion. تلاها نشر مجموعة من الأعمال الروائية لنخبة من الكتاب الفرنسيين المرموقين على غرار ألفونس دوديه و إميل زولا و فيكتور هوجو .... ظلت هذه الدار تسير على منحى نشر الأعمال الأدبية و العلمية لأكثر من ثلاثين سنة قبل أن تطلق سلسلة Les albums du Père الموجهة للأطفال و التي أشرف عليها Paul Faucher ,الذي كان يعمل في مجال بيع الكتب خلال عشرينات القرن الماضي. 

لطالما كان هذا الأخير منشغل البال بموضوع كتب الأطفال النادرة في ذلك الزمن. لهذا السبب و بتفويض من وزير التربية الفرنسي,شد الرحال نحو أوروبا الشرقية لدراسة و فهم عوامل ازدهار أدب الطفل في تلك الرقعة الجغرافية ذات الاحتكاك المباشر بالاتحاد السوفياتي. و قد اكتشف Paul Faucher حقائق هامة جعلته يعجل الخطى نحو الديار من أجل إطلاق مشروعه الذي لا زال مستمرا ليومنا هذا.

ففي عام 1931 تم إطلاق سلسلة ألبومات بابا قندس Les albums du Père Castor التي تجاوزت أعدادها إلى غاية يومنا هذا 2000 عنوان, أهمها 320 عنوانا الأولى الصادرة ما قبل 1966 تحت إشراف Paul الشخصي ليعقبه ابنه في نفس المهمة من 1967 الى 1996. تميزت هذه الكتب بتنوع مواضيعها و لوحاتها الفنية الجميلة فضلا عن سعرها الزهيد. فقد تناولت هذه السلسلة مواضيعا علمية شتى, تثير اهتمام الطفل الصغير , فضلا عن قصص و حكايا تراثية و أساطير تحمل في طياتها مغازي و عبر تنير الطريق للأجيال الصاعدة. و قد حاول صاحب هذه السلسلة التركيز على بعض المفاهيم التي لازالت صعبة حتى على الكبار في عصرنا الحالي من نضير تقبل الآخر و احترام ثقافته.

و قد ساهم في تزيين تلكم الكتب مجموعة من الرساميين البارعيين الذين ينتمون في معضمهم للإتحاد السوفياتي على غرار Alexandra Exter و Nathalie Parain و Hélène Guertik قبل أن ينضم إليهم رسامون فرنسيون لاحقا. كما شارك في تأليف تلك الكتب مجموعة من الكتاب الذين تفرغوا كليا لهذا المشروع, بعضهم من مواليد الجزائر – سكيكدة – خلال الحقبة الاستدمارية.

و يبدو أن هذه السلسلة نقلت لعدة لغات عالمية بما فيها اللغة العربية. ففي السبعينات, قامت الدار العربية للكتاب و هي دار نشر تونسية ليبية, بترجمة و نشر مجموعة من الألبومات الجميلة الصادرة في تلك الحقبة نذكر منها : اليعسوب, أسرة الجرذان, الأمير لقلق, دهاء ابن آوى, ريشة فرخ البط, الفرس الصغير, حكايات دبيبة مع أوعال, عصفور المطر, حمار الزد الصغير .... و حسب ما استطعنا احصاءه, فإن هذه السلسلة تتألف من 15 عنوانا فقط.

في بداية التسعينات تم تحويل تلك الألبومات إلى مسلسل رسوم متحركة, ظهرت منه 152 حلقة مقسمة على ثلاث مواسم, دبلج منها الموسم الأول للغة العربية كما أشرنا سابقا. في نفس الفترة تم إن شاء مؤسسة Les Amis du Père Castor من قبل François Faucher و هو ابن Paul Faucher و الغاية من هذه المؤسسة هو حفظ ذلك الأرشيف الزاخر من خلال إعادة طباعة نسخ مطابقة للأصل عن تلك الألبومات القديمة التي لم تعد متوفرة في الاسواق و التي لم تعد محل اهتمام من الناشر. و هي في معظمها تندرج ضمن ثلاث سلاسل فرعية هي سلسلة كتب الألعاب و التسالي, سلسلة قصص الحيوانات و سلسلة أطفال العالم. 

قبل بضع سنوات قمت بزيارة المعرض الدولي للكتاب بحثا عن النسخ الفرنسية لهذه السلسلة من قبل الناشر الذي تصلنا أعماله باستمرار خلال هذه المناسبة الثقافية الكبرى. و كما كان متوقعا وجدت عينة عن تلك الألبومات و لكن بأثمان خيالية على الرغم من أنها طبعات حديثة. حيث قدر ثمن العدد الواحد ب 900 دينار جزائري على الرغم من أنه ذا غلاف كارتوني عادي و أعداد الصفحات فيه قليلة نسبيا. و الحق أن تقدير ثمن الكتاب لا يتجاوز 150 دج فقط و إن أردنا دفع ضريبة القيمة الفنية لتلك الرسومات الجميلة فلن يتجاوز السعر 300 دج. مع ذلك, و للأسف الشديد, فإن التهافت الكبير على كل ما هو أجنبي من قبل بعض القراء يجعل من الناشر يفرض إرادته في نقض صريح للغاية التي سعى لتحقيقها صاحب المشروع. 

في عام 2018 تم اعتبار سلسلة Les albums du Père Castor كجزء من التراث الثقافي العالمي من قبل منضمة اليونيسكو. في محاولة للحفاظ على ذلك الأرشيف الذي بدأ يندثر مع الزمن.