47 - الأدب الانجليزي - الصالون الدولي للكتاب

47 - الأدب الانجليزي - الصالون الدولي للكتاب

من بين المشاهد التي تستوقف الزائر للصالون الدولي للكتاب بالجزائر العاصمة في طبعاته المختلفة, تلك الزحمة الشديدة التي تشهدها بعض الأجنحة و الأروقة و بالخصوص إذا كان العارض قد حضر جيدا لمثل هذه التظاهرة الثقافية من خلال الترويج لإصداراته عبر وسائل التواصل الاجتماعي, حتى يخيل للمرء الذي لم تطأ قدماه تلك الأجنحة أنه ضيع فرصة العمر أو أنه  - لا محالة - سيعود للديار خالي الوفاض. و قد يستبد به الفضول أحيانا لخوض معركة حامية الوطيس ليجد نفسه غالبا أمام منشورات خارج اهتماماته تماما. و بما أننا عادة ما نقوم بعدة زيارات لهذا المعرض, نخصص معظمها لكتاب الطفل إلا أننا نسترق أحيانا بعض الوقت لمعرفة ما يجري في عالم الكتب الموجهة للراشدين.

و لعل أهم ما شد انتباهي في السنوات الأخيرة هو ذلك التهافت الرهيب على المنشورات الإنجليزية, على قلتها. فنادرا ما تجد دار نشر انجليزية أو أمريكية حاضرة في معرض الكتاب في الجزائر . غير أن بعض المكتبات الخاصة المشاركة في المعرض تجتهد في توفير  ما تيسر لها من كتب إنجليزية للقارئ الجزائري أحيانا بتفويض من الناشر الأجنبي و أحيانا دون ذلك. و لعل أحد العارضين من الشرق الجزائري أخذ زمام المبادرة في السنوات الأخيرة من خلال تقديمه أعمالا لأهم دور النشر العالمية بما فيها Penguin Random House , Pan Macmillan , Wordsworth Editions. 

و أمام الاحتياج الكبير للمصادر الانجليزية للطلاب الجامعيين و بالخصوص طلبة اللغات و  الترجمة و الأدب الإنجليزي, فإن هذا العارض يكون قد قدم خدمة جليلة لهم, لا يمكن هدرها بأي حال من الأحوال. و هذا ما يعكس ذلك الازدحام الشديد و التدافع المنقطع النظير. و يبدو أن Wordsworth Classics  بديكورها التقليدي الجميل المزدان باللوحات الفنية لرواد الأدب الإنجليزي قد لعب دورا هاما في استقطاب الزوار. كما أن الشكل المغلق للكشك المخصص للعارض جعل من المستحيل على الزائر العادي معرفة محتوى المنشورات المعروضة ما لم يقم بمعركة الظفر بموطأ قدم وسط الزحمة التي تغذيها إجراءات تنظيمية مدروسة بعناية من قبل صاحبنا هذا الذي يبدو أنه يعرف جيدا فن التسويق.

على الرغم من شغفي بالفنون الأدبية بمختلف تفرعاتها و بالخصوص كلاسيكيات الأدب الإنجليزي و العالمي, فإنني و أمام هذا الاكتظاظ عادة ما أنسحب من المعركة بشرف متمثلا قول الشاعر:

سأتركُ حُبّها مِن غيرِ بغضٍ *** وذاكَ لِكَثْرة الشركاءِ فيهِ

إذا وقعَ الذبابُ على طعامٍ *** رفعتُ يدي ونَفْسي تَشْتهيهِ

و بعيدا عن هذا الترفع المبالغ فيه, فقد قررت هذه المرة التواضع كغيري من خلق الله و الوقوف لبعض الوقت أمام هذا العارض الذي قدم لنا بالفعل تحفا أدبية تعد من درر الأدب الانجليزي لكتاب كبار على غرار  الشاعر و الكاتب المسرحي وليام شكسبير  الذي أحسن أمير الشعراء في رثائه حين قال: 

ما أَنجَبَت مِثلَ شيكِسبيرَ حاضِرَةٌ  ***  وَلا نَمَت مِن كَريمِ الطَيرِ غَنّاءُ

نالَت بِهِ وَحدَهُ إِنكِلتِرا شَرَفاً *** ما لَم تَنَل بِالنُجومِ الكُثرِ جَوزاءُ

لَم تُكشَفِ النَفسُ لَولاهُ وَلا بُلِيَت *** لَها سَرائِرُ لا تُحصى وَأَهواءُ

شِعرٌ مِنَ النَسَقِ الأَعلى يُؤَيِّدُهُ *** مِن جانِبِ اللَهِ إِلهامٌ وَإيحاءُ

مِن كُلِّ بَيتٍ كَآيِ اللَهِ تَسكُنُهُ *** حَقيقَةٌ مِن خَيالِ الشِعرِ غَرّاءُ

وَكُلِّ مَعنىً كَعيسى في مَحاسِنِهِ *** جاءَت بِهِ مِن بَناتِ الشِعرِ عَذراءُ

أَو قِصَّةٍ كَكِتابِ الدَهرِ جامِعَةٍ *** كِلاهُما فيهِ إِضحاكٌ وَإِبكاءُ

أعمال تشارلز ديكنز و توماس هاردي و الأخوات برونتي و جورج إليوت و دانيال ديفاو و جيمس جويس و جين أوستن .... كانت هي الأخرى تملأ الرفوف بطبعاتها المختلفة منها ما جاء في حلة قشيبة و منها ما ظهر بأغلفة ورقية عادية. و على الرغم من أن هذه الأخيرة كان يفترض أن تكون زهيدة الثمن إلا أن الأسعار كان مبالغ فيها. خصوصا إذا عرفنا أن الناشر الإنجليزي الذي بدأ نشاطه عام 1987  أقدم عام 1992 على إطلاق سلسلة كلاسيكيات الأدب العالمي بأغلفتها العادية و بأثمان بخسة حتى تصل لأكبر عدد من القراء في العالم و قد كان سعرها حين ذاك لا يتجاوز الجنيه الإسترليني الواحد و قد وصلت في يومنا هذا و في طبعاتها الحديثة إلى حوالي ثلاث جنيهات لكن الأسعار المعروضة كانت أكبر من هذا بكثير.

و على الرغم من أن السعر المعلن عليه من قبل الناشر يبدو معقولا نوعا ما إلا أنه يبقى أيضا مرتفعا نسبيا. لعل السبب وراء ذلك يعود لضعف المنافسة بينه و بين الناشرين الآخرين. فسلسلة Penguin Popular Classics    للناشر الإنجليزي  Penguin Books التي تم إطلاقها عام 1994 ظلت المنافس الأكبر لغاية توقفها عام 2013. و يبدو أن حظي من هذه السلسلة التي تجاوزت عناوينها المئتان كان مرضيا خصوصا و أن أسعارها في أواخر التسعينات و مطلع الألفية الثالثة كان معقولا جدا . و لعل أكثر ما كان يجذبني فيها  تلك اللوحات الجميلة على أغلفتها و التي يعلوها شكل بيضوي يتوسطه عنوان الكتاب و مؤلفه. و قد جمعت هذه الأخيرة بين الأعمال النثرية و الشعرية لنخبة من الأدباء ذوي الأثر البالغ في الأدب الانجليزي و الأمريكي من نظير Rudyard Kipling, Robert Louis Stevenson, Oscar Wilde, Louisa May Alcott, Joseph Conrad, Mark Twain.

وسط هذه الزحمة قد تلمح عيناك بعض الأطفال و الناشئة في صحبة والديهم يتخيرون بعض العناوين  التي تستهوي الصغار خصوصا تلك التي تدور ثيمتها حول المغامرة و الاستكشاف  أو التحري و التحقيق من نظير  رواية The Secret Garden, The Swiss Family Robinson, Tom Sawyer, Gulliver's Travels.... و هي و إن كانت أعمالا تفتح آفاق الأدب العالمي للناشئة إلا أن النسخ الأصلية هذه تشكل عائقا لغويا حقيقيا يحرم القارئ الصغير من متعة المطالعة و من فائدة اكتساب رصيد لغوي متدرج و مدروس. و لعل سلاسل القراءة المتدرجة هي الخيار الأفضل لمثل هذه الفئة العمرية و لكل من أراد تحسين مستواه في لغة شكسبير.  

لا أزال أحتفظ في مكتبتي المتواضعة بعينة من هذا النمط من السلاسل المبسطة الذي يحدد في خلفية القصة المستوى – من المبتدئ إلى المتقدم مع عدد الكلمات المقدر اكتسابها بعد إنهاء الكتاب, إضافة إلى طبيعة النص – أ معرفي كان  أم قصصي -. فسلسلة Penguin Readers كانت متوفرة بكثرة في سنوات خلت و قد أعيد طباعتها عدة مرات. و على الرغم من اختفاء الكثير من العناوين من رفوف مكتبتي إلا أنني لا أزال أحتفظ ببعظها المطبوع في ثمانينات و مطلع تسعينات القرن المنصرم... حتى أن تلك الأعمال المرفوقة  بأشرطة كاسيت لا تزال في أفضل أحوالها على الرغم من أن الناشر عمد لاحقا لاستبدالها بسيديهات CDs  , و لست أدري هل مازالت تصدر إلى يومنا هذا أم أنها اختفت مع التحول الكبير الي عرفه العالم بانتشار النت و دخول الكتاب الإلكتروني و الكتاب المسموع مجال الخدمة في السنوات الأخيرة.

من بين فوائد هذا النوع من السلاسل أنها تخلص القارئ القصير النفس من تلك التفاصيل المملة التي كان يتلهى بها قارئ ذلك الزمن, دون الإخلال في جمالية العمل القصصي أو الروائي. فقارئ اليوم يرغب في إنهاء العمل في جلسات قليلة مع تحقيق أكبر قدر من الفائدة اللغوية و المتعة الأدبية. لكن  مع هذا تبقى النصوص الانجليزية مهما تم تبسيطها و اختصار أحداثها في حاجة إلى تهذيب و مراجعة حتى يطمئن لها الآباء و يرضونها لأبنائهم. و إذا كان هذا المطلب غير متاح لدى الناشر الأجنبي حسب ما يتوافق مع بيئتنا و ثقافتنا, فإن الخيار الوحيد الذي يبقى أمام عشاق الأدب العالمي  من أبنائنا هي تلك السلاسل المترجمة أو  المعاد حكايتها و مراجعتها من قبل لجان مختصة لدى دور نشر كتب الأطفال و الناشئة في عالمنا العربي, و هو ما سنتعرف عليه في مواضيع قادمة بإذن الله.