46 - الصالون الدولي للكتاب - 2022

46 - الصالون الدولي للكتاب - 2022

بعد انتظار لأكثر من عامين عاد الصالون الدولي للكتاب بالجزائر العاصمة لاستقبال القراء من مختلف ولايات الوطن ليغرف كل مما طاب له من شتى أنواع المعارف. و قد كانت لنا أكثر من زيارة لهذا المعرض بغية الاطلاع على جديد كتب الأطفال و الناشئة. و لأن دور النشر بسطت إصداراتها على مساحة شاسعة يتعذر على القارئ أن يتفحصها بيسر فقد كان لابد لنا من الاستعانة بتطبيق "سيلا " للهواتف الذكية. و على عكس ما كنا نتوقعه من تحديث لنسخة 2019 , فقد تفاجأنا بإطلاق تطبيق جديد به من السلبيات ما يجعل الزائر يتذمر من استخدامه. خصوصا و أن هذا الإصدار يتطلب الاتصال بشبكة الانترنت و لا يقدم نتائجا إذا كانت كلمات البحث تزيد عن الكلمة الواحدة, ناهيك عن تعذر فلترة دور النشر حسب البلد. مع ذلك و  بصعوبة, حاولنا تحديد تموقع بعض الناشرين لتيسير الوصول إليهم، من خلال التطبيق أو من خلال التواصل المباشر معهم.

كانت البداية كما جرت العادة بقاعة الأهاغار المخصصة لكتاب الطفل التي تميزت هذه السنة باختفاء عدد كبير من ناشري الكتب الشبه مدرسية, التي يبدو أن حظها العاثر جعل من فترة تنظيم المعرض تتزامن مع آواخر السنة الدراسية مما يقلل من فرص تحقيقها لمبيعات تظاهي تلك التي تحققها عادة في بداية شهر نوفمبر . و لعل هذا الغياب جعلنا نصل بسهولة لدور نشر كتب الأطفال و الناشئة دون أن يتشتت انتباهنا.

توقفنا في هذه الجولة أمام مكتبة لبنان ناشرون العريقة و التي لاتزال مشاركتها جد محتشمة رغم رصيدها الثري و الذي يعود لعام 1944. لم يكن هذا الأمر غريبا علينا, فقد أكد لنا ممثل الدار أنها ستكتفي بعرض الموسوعات العلمية فقط  وذلك قبل أسبوع من تاريخ انطلاق المعرض. أما السلاسل القصصة و الكتيبات المعرفية – حسب نفس المصدر -  فلا طاقة للزبون الجزائري باقتنائها لغلاء أثمانها. و قد عاينا ذلك في هذه الزيارة, إذ أن إحدى سلاسل كتب الفراشة المنبثقة ذات الكتيبات الصغيرة جدا,  يصل سعر العنوان الواحد منها 700 دج. في حين أن إحدى السلاسل القصصية ذات الغلاف الفني و التي لا يتجاوز عدد صفحاتها 20 صفحة بلغت 1150 دج. و  لعل دخول هذه العينات للجزائر كان لحداثة صدورها و هي في كل الأحوال غير متناسبة تماما مع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري. المفاجأة أن الموسوعات العلمية لم تكن متوفرة هي أيضا بسبب خلل تنظيمي لدى الناشر.

دار المستقبل الرقمي هي الأخرى كانت حاضرة على مساحة في منتهى الصغر  على غير العادة. مع ذلك ظلت تزهو  بموسوعاتها و أطالسها و  خصوصا تلك المنقولة عن دار DK الانجليزية. أذكر أنني تصفحت إحدى إصداراتها التي تباع بشكل منفرد و قد كان سعرها يبلغ 2000 دج و لعل هذا ما شجعني للانسحاب دون الاستفسار عن تلك الإصدارات التي تأتي ضمن علب تضم عدة عناوين.

بالجهة المقابلة كانت دار الشمال تحاول جذب القارئ بكتبها التفاعلية و موسوعاتها المختلفة و من الملاحظ أن هذا الناشر صار يوزع الكثير من الإصدارات الأجنبية ضمن معروضاته. و لعل الصورة النمطية لدى بعض الناشرين المشارقة عن الجزائر يجعلهم يعرضون كل ماله علاقة بلغة موليير على الواجهة, معتقدين أنها  - بالضرورة – تستهوي القراء , في حين أن الجيل الصاعد, تجاوزت اهتماماته لغة موليير و قبله شكسبير إلى مختلف لغات العالم بما فيها التركية و الكورية, و اليابانية.

إصدارات دار مكتبة المعارف هي الأخرى كانت حاضرة في أكثر من مكان و بأسعار متفاوتة و قد تنوعت معروضاتها من سلاسل تعليمية إلى قصص ثنائية اللغة إلى روايات علمية لليافعين على غرار " يوميات الفتى فادي "  و  " رحلات قطرة ماء "  ذات الأغلفة الكارتونية العادية  و التي قدرت أثمانها ب 950 دج للعنوان الواحد.

و يبدو أن جائحة كورونا و إنفجار بيروت قد فجر أسعار الكتب لدى الناشرين اللبنانيين لدرجة تثير الشفقة. فموسوعات منشورات عويدات المنقولة عن دار Fleurus    قدرت أسعارها ب 1850 دج للعنوان الواحد التي لا تتعدى صفحاته 24 صفحة. مع العلم أن السعر عام 2019 كان 850 دج.... في حين قدر عام 2018  بـ 1500 دج.  لقد حاولت أن أشرح لممثلي الدار فداحة ضبط أسعارهم, وقد أقروا بذلك دون قدرتهم على تغييرها. كما حاولت التواصل مع أحد الفاعلين في هذه الدار  لكن دون جدوى.

محبطا من هذا الوضع الي ينفر القارىء الصغير, من اقتناء الإصدارات اللبنانية, قررت تخطي الحدود نحو سوريا  لمعاينة إصدارات دار الشرق العربي التي لم تقدم أعمالا جديدة في هذه الطبعة. و وسط الزحمة إستطعت أن ألمح الأطالس و القصص و كتب السيرة الذاتية ذات الأسعار المعقولة جدا و التي يقابلك  فيها ممثلي الدار بابتسامة عريضة و  إغراءات بتخفيضات على بعض العناوين. 

لم يكن من الحكمة أن نغادر جناح كتاب الطفل دون أن نقف عند دار ربيع السورية. و لكم حز في نفسي أن أرى علم بلد آخر بدلا من العلم السوري. لعل ضمان استمرارية النشر دفعت هذا الناشر لنقل أعماله لبلدان أخرى. كانت بداية التفحص بتلك الإصدارات الحديثة من قصص تربوية مختلفة للأطفال دون سن التاسعة, قبل أن تقع عيني على سلسلة تولين.... تلك السلسلة البديعة التي لاطالما بحثت عنها. لم أتردد للحظة في أقتناء مجموعة من هذه السلسلة البلجيكية المميزة التي تعود لخمسينيات القرن الماضي. و على الرغم من تفضيلي للنسخة الفرنسية القديمة و التي سبق لنا الحديث عنها في مقالات سابقة إلا أن سحر رسومات مارسيل مارلييه جعلتني لا أتراجع عن قراري هذا. سعر هذه السلسلة كان جد معقول مع ذلك و بعد نقاش ظريف مع ممثل الدار استطعت أن أقتني ما تيسر بسعر قمت بتحديده بنفسي دون أن أبخس الناشر حقه. و  بعد معاينة سريعة لبعض الأعداد و إعجابي بأسلوب المترجم – سهيل مقل – الذي يستحق الإشادة, و مخافة ألا يتكرر هذا الحدث قررت المجازفة بجزء من مزانية رمضان باقتناء مجموعة أخرى. 

في جناح القصبة المخصص للكتب الدينية, وقفت على دار الرشيد السورية و التي كانت تحمل تسمية دار الجديد على ما أعتقد. هنالك لاحظت مجموعة جميلة من الأعمال الموسوعية و التاريخية المميزة التي زينت بريشة الرسام الإيطالي رينو بارسوتي الذي سبق لنا ذكر أعماله عند حديثنا حول إحدى مؤسسات إنتاج الكتب الإيطالية. على الرغم من أن سعر العنوان الواحد قدر ب 1000 دج, إلا أن الناشر عرض احتساب 500 دج للكتاب في حال اقتناء السلسلة الكاملة المكونة من عشرة عناوين. لم تكن هذه السلسلة ضمن اهتماماتي لذا قصدت القاعة المركزية و صعدت السلالم نحو دار المؤلف اللبنانية بحثا عن أحد الأطالس الجميلة المنقولة عن دار Weldon Owen Publishing  و هو مطلب كان لابد علي تلبيته خصوصا أن هذا العمل يستحق أن أدفع ثمنه مهما كان مرتفعا. عند وصولي للناشر تبين أن هذا الأطلس غير موجود و أن شبيهه هو الوحيد المتوفر لدى دار المؤلف. و لما بدت خيبة الأمل على محياي و كنت قد عبرت عن بعضها, أومأ إلي أحدهم أن اذهب لدار جزائرية متعاقدة مع الناشر اللبناني عسى أن أجد ظالتي. لست أدرى هل نزلت السلالم أم سقطت من عل لأجدني عند هذا الناشر متصفحا هذا الأطلس البديع الذي يعد مرجعا جغرافيا لا غنى عنه لدى الأطفال المتمدرسين.

لم تتوقف زيارتنا عند هذا الحد بل كانت لنا إطلالة هنا و هناك في سياقات مختلفة, لعل أبرزها تلك الزيارة الجميلة لدار المجاني ذات الإصدارات المتقنة و  التي ظفر من رافقني فيها بتخفيضات 50%   على بعض أعمالها التاريخية و التي تكرم علينا بها الناشر  - حصرا – تشجيعا للقارى الصغير . كما كانت لنا دردشات مع العديد من الناشرين حاولنا من خلالها فهم إنشغالاتهم و بالخصوص المتعلقة بتكاليف الشحن و الكراء – باستثناء هذه السنة – فضلا عن الغلاء الفاحش في سعر الورق الذي تضاعف عدة مرات و كذا نقص الاهتمام بالمطالعة. كما عبرنا لهم بدورنا عن احتياجات القارئ الصغير و أهم تطلعات الآباء و المربين و ضرورة الإرتقاء بإصداراتهم و كذا عقلنة الأسعار من خلال التعاقد مع دور نشر محلية و ربط تواصل مباشر مع المكتبات العمومية  و رياض الأطفال و المدارس بأطوارها الثلاث و التي عادة ما تخصص ميزانيات لتجديد  محتوى مكتباتها  و  اقتناء هدايا تكريمية للمتفوقين من طلابها بشكل شبه دوري.