37 - Kingfisher 

37 - Kingfisher

بعد انقطاع لبضعة أشهر,نواصل رحلتنا في أدب الطفل لمعرفة أهم دور النشر العربية و العالمية المساهمة في رفد مكتبة النشء بما يثري الفضول المعرفي للقارئ الصغير عبر مختلف بقاع العالم . و كنا قد توقفنا في مواضيع سابقة في انجلترا و أشرنا إلى مجموعة من دور النشر النشطة في النصف الثاني من القرن العشرين و بالخصوص تلك التي أولت اهتماما بالغا للكتب المعرفية ( Non-fiction books) على غرار دار ( Usborne Books) , (Aladdin Books) , (Macdonald Educational) و دار (Pan Books). و يطيب لنا اليوم تعزيز هذه القائمة بدار نشر أخرى استطاعت أعمالها غزو سوق الكتب في القارات الخمس و نقلت سلاسلها البديعة و موسوعاتها الحافلة بالمعارف إلى عدة لغات بما فيها اللغة العربية. حديثنا سيدور حول دار (Kingfisher ).

 

و لمعرفة تاريخ هذه الدار علينا الرجوع لسبعينيات القرن الماضي. و هي الفترة التي شهدت ظهور ما يعرف بـ (     Packagers )  أو ما اصطلح عليه بـ مؤسسات الإنتاج. و المقصود بذلك هو المؤسسات التي تعنى بإنتاج الكتب. و قد يبدو غريبا على القارئ وجود مؤسسات تنتج الكتب بدلا من دور النشر. لكن قبل التفصيل في هذا الموضوع, نود توضيح أن المصطلح الانجليزي يوهم القارئ بأن مهام هذه المؤسسات يتمثل في التغليف و التعليب و كل ما له علاقة بالديكور الخارجي للمنتج. غير أن الواقع غير ذلك تماما. فمؤسسات إنتاج الكتب تقوم بعدة مهام من قبيل تحرير و تصميم و إضفاء الرسوم التوضيحية و الصور الفوتوغرافية للكتاب, و يشمل هذا العمل التعاقد مع مؤلفين و رسامين و باحثين لإخراج الكتاب في أحسن حلة قبل بيعه لدور النشر. و لعل سبب ظهور هذا النوع من المؤسسات, المختصة أساسا في الكتب المعرفية و الموسوعات التي تتضمن خرائط و منحنيات و رسومات ممزوجة بنصوص, إلى الامكانات المتواضعة لدور النشر و التي لا تمتلك من الموارد البشرية و المادية ما يؤهلها لخوض تجربة نشر الكتب المعرفية.

 

و من بين أهم شركات إنتاج الكتب في بريطانيا خلال سبعينيات القرن العشرين تبرز مؤسسة Grisewood & Dempsey التي ظهرت عام 1973 كنتيجة شراكة بين Dan Grisewood و Michael Dempsey و هما من أهل الإختصاص في مجال النشر.و قد قامت هذه المؤسسة فور إنشائها بإنتاج مئات الكتب المعرفية و الموسوعات العلمية المزدانة برسوم توضيحية عالية الجودة. و قد بيعت هذه المنتجات ( الكتب ) للعديد من دور النشر البريطانية و الأمريكية على غرار دار (Ward Lock ) و (Exeter Books ) أو دار (Angus and Robertson ) بل حتى كتب Piccolo Books يعود الفضل في إنتاجها لهذه المؤسسة المميزة و نفس الأمر يتعلق بسلسلة عالم البراري الصادرة عن دار المسيرة اللبنانية غير أن مسألة الترجمة تتم فيها الإتفاقية مع الناشر الأصلي الذي اشترى حقوق المنتج و ليس مع مؤسسة الإنتاج في حد ذاتها. و لعل هذا ما يفسر لنا وجود العديد من الناشرين لمؤلف واحد حتى و إن كان بنفس اللغة شريطة أن يكون في بلد آخر ( سوق مختلفة ).

 

و على الرغم من العمل الجبار الذي تلعبه شركات الإنتاج إلا أن الأرباح التي تحققها أقل بكثير من تلك التي يحققها الناشر الذي يشتري العمل تاما كي يقوم بنشره و توزيعه. و يبدو أن هذا الأمر دفع مؤسسة Grisewood & Dempsey للتفكير بتاسيس دار نشر خاصة بها تقوم من خلالها بنشر الكتب التي تنتجها بدلا من بيعها للغير. و هذا ما حدث فعلا أواخر السبعينات و مطلع الثمانينات, حيث تم تأسيس دار Kingfisher التي أثرت المكتبات المدرسية و المنزلية بآلاف العناوين المميزة عير سلاسلها العلمية المختلفة و موسوعاتها المصورة المتنوعة و أطالسها الجغرافية المتقنة.

 

و من أشهر الأعمال الموسوعية لهذا الناشر, نذكر موسوعة الأطفال (The Kingfisher Children's Encyclopedia ) الصادرة عام 1991 و هي موسوعة ضخمة تقع في أكثر من 800 صفحة و تحتوي على أكثر من 1300 مادة معرفية و ما يزيد عن 4000 رسم توضيحي. و تتناول عبر صفحاتها أهم المواضيع التي تستثير عقل الأطفال و الناشئة على غرار النباتات و الأطعمة, الفنون, الشعوب و الحكومات, اللغات و الآداب, الرياضة و الهوايات, الفضاء و علم الفلك, العلوم, الأرض,التاريخ, جسم الإنسان وغيرها من المواضيع المتنوعة. كما أصدرت دار Kingfisher موسوعات أخرى من نضير موسوعة الحيوانات المصورة (Kingfisher Illustrated Encyclopedia of Animals ) التي تقع في حوالي 400 صفحة و تقدم معلومات مفصلة عن ألفي ( 2000 ) حيوان. كذلك الموسوعة العلمية (The Kingfisher Science Encyclopedia ) التي جاءت في ما يربو عن 800 صفحة, تقدم هي الأخرى أكثر من 1000 مادة علمية مفصلة وتغطي ثمان مواضيع رئيسية تتمثل في الفلك, الكمياء, علوم الأرض, الإلكترونيات, علم الأحياء, الرياضيات, الفيزياء, التكنولوجيا, و سير أشهر العلماء.

 

إضافة للموسوعات المتنوعة لهذا الناشر باختلاف أحجامها و مواضيعها,فقد كان للأطالس مكانة مميزة في قائمة إصدارات    Kingfisher . فقد ظهرت عدة أطالس مثل الأطلس المصور لتاريخ العالم ( Illustrated Atlas of World History ) و الذي تناول تاريخ و جغرافيا الحضارات و الإمبراطوريات القديمة و كذا أبرز الأحداث في التاريخ.أو أطلس الجيب (Kingfisher Pocket Atlas ) الذي يقدم معلومات عن جغرافيا الدول و شعوبها و اقتصاداتها.

بالتوازي مع هذه الأعمال المنفردة و المميزة لهذا الناشر الإنجليزي, فقد ظهرت مجموعات و سلاسل علمية بلغت شهرتها الآفاق و نقلت لعدة لغات عالمية بما فيها لغة الضاد. و من أبرز ما ترجم للعربية من أعمال هذا الناشر, تأتي سلسلة لماذا (I WONDER WHY ) و هي سلسلة مصورة تقع في أكثر من 20 عنوانا و تتناول العديد من الأسئلة التي تتبادر لذهن الأطفال و الناشئة و تحاول الإجابة عليها بأسلوب علمي بسيط و واضح. و قد نقلت هذه السلسلة للغة العربية من قبل الدار العربية للعلوم و هي نفس الدار التي نقلت سلسلة أخرى مميزة لدار Kingfisher. و نقصد بذلك سلسلة كتابي المفضل (THE BEST BOOK OF )  و التي تتناول مواضيع متنوعة من نظير المحيطات, الديناصورات, الثديات, الطب, الأقمار الصناعية, الطقس, البراكين و غيرها من المعارف التي يحتاجها الأطفال و الناشئة في المشاريع المدرسية. و هذه السلسلة متوفرة باستمرار في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر, إذ تقدمها منشورات ANEP الجزائرية ضمن إتفاقية مع الناشر اللبناني.

 

و يبدو أن الدار العربية للعلوم وجدت في سلاسل Kingfisher ما تصبو إليه فنقلت سلاسل أخرى لفئات عمرية مختلفة على غرار سلسلة إلعب و تعلم (At Home With Science) و سلسلة أسئلة و أجوبة ( Questions and Answers ). مع ذلك لا تزال الكثير من السلاسل الرائعة في حاجة لمن يبادر لنقلها للغة العربية كسلسلة (Sightseers ) الرائعة أو سلسلة (Curious Kids Guides ) أو سلسلة ( MY LITTLE LIBRARY ) أو سلسلة ( YOUNG DISCOVERERS ) أو غيرها من السلاسل العلمية المميزة التي لاغنى عنها لكل طفل متمدرس, بل حتى الراشدين يستطيعون أن يغرفوا من هذه الأعمال المميزة و التي لا تزال تنشر ليومنا هذا مع اختلاف بسيط عن تلك التي كانت تصدر في الربع الأخير من القرن العشرين. إذ صار التركيز مؤخرا على الصور الفوتوغرافية أكثر من الرسوم التوضيحية مما أفقد الكثير من الأعمال قيمتها الفنية.

 

و السبب وراء هذا التغيير يعود لمسار هذا الناشر الذي إنتقلت ملكيته مع الزمن من مجمع إلى آخر. ففي عام 1988 ثم بيع هذا الناشر  Kingfisher  مع شركة الإنتاج التابعة له Grisewood & Dempsey للمجمع الفرنسي Groupe de la Cite الذي انضوت تحت جناحيه العديد من دور النشر الأوروبية على غرار Larousse , Harraps, Chambers ....

و على الرغم من توالي ملاك هذا الناشر إلا أن المالك الحالي هو مجمع Macmillan و ذلك ابتداء من عام 2007.