32 - Fratelli Fabbri Editiori 

32 - Fratelli Fabbri Editiori 

لا تزال رفوف الكثير من المكتبات العمومية و المنزلية تزهو بما تضمه من سلاسل قصصية و موسوعات علمية ذات أثر بالغ في توسيع الرصيد الثقافي و المعرفي لأجيال الستينات والسبعينات و الثمانينات من خلال ما كانت تحتويه من نصوص ثرية بالمعلومات و صفحات مزدانة بلوحات فنية جذابة. و لعل أهم الاصدارات التي لا تزال تحافظ على قيمتها الفنية و العلمية على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على ظهورها, تلك التي كانت تنشرها دار Fratelli Fabbri Editiori الإيطالية أواخر الخمسينات و مطلع ستينات القرن المنصرم.

يعود تاريخ تأسيس Fratelli Fabbri Editiori إلى السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. ففي عام 1946 اجتمع الإخوة فابري ( جيوفاني, دينو و رينو ) و قد كان أكبرهم, حينئذ, لا يتجاوز 23 سنة, و قرروا إنشاء دار نشر تحمل إسمهم. و قد اهتمت هذه الدار في بدايتها بنشر الكتب التعليمية, متمثلة في الكتب المدرسية و موسوعات الأطفال قبل أن تنتقل لاحقا للكتب الثقافية بمختلف تفرعاتها.. و تميزت الموسوعات التي كانت تنشرها هذه الدار بخاصيتين انفردت بهما عن غيرها من دور النشر, و هما البيع بالتجزئة و الباعة المتنقلون. حيث لم يكن لزاما على القارئ الإيطالي أن يشتري الموسوعة كاملة في تلك الفترة العصيبة,إذ كانت تظهر كل موسوعة مجزءة على عدة أعداد بعضها لا يتجاوز العشرين صفحة. و كان كل عدد يظهر كمجلة زهيدة الثمن تباع أسبوعيا أو شهريا في الأكشاك و يستطيع القراء لاحقا تجميعها في شكل موسوعة ضمن مجلدات مخصصة لهذا الغرض. كما قامت دار فابري بتوظيف حوالي 1000 من الباعة المتنقلين, و أوكلت لهم مهام التنقل بين المنازل و بيع إصداراتها من باب إلى باب, في ظاهرة جديدة لم يكن يعرفها المواطن الإيطالي في ذلك الزمن. و قد لقيت كلتا الخاصيتين استحسان القراء.

و في وقت و جيز استطاعت هذه الدار أن تكتسح المكتبات الأوروبية و العالمية بإصداراتها المميزة و التي ترجمت لعدة لغات عالمية, كما استطاعت أن تكسب ثقة السلطات السياسية و الدينية في إيطاليا و قد بدا ذلك جليا في مطلع الستينات, غداة افتتاحها لمقرها الجديد آن ذاك, و هو مبنى ضخم يتألف من عشر طوابق و مزدان بواجهته الزجاجية ذات اللون البرونزي الجميل, و به ملحقة من ثمان طوابق تحتوي على واحدة من أكبر المطابع في أوروبا, فضلا عن مسبح للزوار من الناشرين و كذا مركز للإعلام الآلي.

فقد تم افتتاح هذا المبنى بحضور رئيس الوزراء و بإشادة من الرئيس الإيطالي و بتبريكات من البابا. و لعل السبب في هذا الاهتمام هو ذلك العمل الدؤوب و الهمة العالية لطاقم هذه الدار الذي رفع التحدي لتوفير المادة المعرفية لكافة شرائح المجتمع الإيطالي, كبيرها و صغيرها, غنيها و فقيرها, في زمن شهد ندرة الورق. و قد كان للجانب الديني أهمية بالغة لدى هذا الناشر من خلال تخصيصه لسلاسل مستقلة بهذا الجانب و كذا تضمينه في عدة مؤلفات أخرى.

و إذا أردنا الحديث عن أهم السلاسل الموجهة للأطفال و الصادرة عن هذه الدار فلا بد لنا من ذكر بعض المجموعات الكلاسيكية التي ضمت العديد من الروايات العالمية بأسلوب مبسط على غرار سلسلة I capolavori الصادرة منتصف الخمسينات و هي تقع في خمسين عنوانا لا تتجاوز صفحات كل عنوان 120 صفحة ... أو سلسلة I classici التي تقع في 23 عنوانا أو سلسلة Gli avventurosi ذات 22 عنوانا و غيرها الكثير من السلاسل الكلاسيكية التي ضمت أعمال كبار الروائيين العالميين على غرار الروائي الروسي ليو تولستوي و الإنجليزي تشارلز ديكنز و الفرنسي ألكسندر دوما و الأمريكي مارك توين.

بالتزامن مع هذه السلاسل ظهرت عدة مجلات موجهة للأطفال من نظير مجلة Selezione dello Scolaro و التي تحول إسمها لاحقا إلى Selezione dei Ragazzi و هي مجلة جميلة موجهة للأطفال كانت تصدر شهريا في الفترة الممتدة من عام 1956 إلى غاية 1963 و قد بلغت أعدادها 137 عددا موزعة على 8 مجموعات. و كانت تضم في طياتها مقالات متنوعة و قصص قصيرة و أعمالا كوميكسية ذات طابع هزلي و استكشافي. و قد أشرف على تزينها برسومات جميلة مجموعة من الفنانين المتألقين يتقدمهم Sergio Molino و Vladimiro Missaglia و Aldo Torchio ....

أما أكثر الأعمال رواجا في العالم فهي موسوعة Conoscere ذات الستة عشر جزءا. نشرت هذه الموسوعة عام 1958 و توزعت على مجلة تحمل نفس التسمية ظهر منها 216 عددا. و قد طبعت هذه الموسوعة عدة طبعات و ترجمت لعدة لغات في العالم كاللغة الانجليزية و الفرنسية و الاسبانية و التركية و الأفريقانية و الألمانية إضافة إلى اللغة العربية. فقد ظهرت باللغة العربية كمجلة في سبعينات القرن الماضي في مصر من قبل مركز الأهرام للنشر و الترجمة و أشرف عليها نخبة من المترجمين و الكتاب المرموقين كما ظهرت كمجلدات من نشر الشركة الشرقية للمطبوعات اللبنانية. تميزت هذه الموسوعة بمواضيعها المتنوعة و أسلوبها الراقي, فضلا عن غناها برسومات توضيحة في غاية الجمال ساهم فيها نخبة كبيرة من الرسامين المرموقين على غرار Alessandro Fedini الذي صمم معظم أغلفة المجلة أو الرسام المبدع Remo Berselli و الذي قد نتحدث عنه في موضوع مستقل لاحقا. 

و لعل ما يعيب النسخة العربية من هذه السلسلة هي عدم إخضاع النص الأجنبي للثقافة العربية الإسلامية. فمعظم النصوص تتناول المواضيع الدينية من وجهة نظر مسيحية محظة. و أذكر أنني أول مرة طالعت فيها المجلة, وقفت على موضوع يتحدث عن أحد الأنبياء عليهم السلام و وجدته يتحدث عن الموضوع وفق رواية مغايرة تماما للحقائق القرآنية. كما طالعت مؤخرا موضوعا يتناول أحد الحيوانات بطريقة علمية و في الأخير ختم بعبارة توحي للقارئ الصغير بأن لحم ذلك الحيوان حلال.... دون أن يتكفل المترجم عناء التنويه للموضوع أو تفاديه تماما. كما أن معظم التراجم التي أضيفت للمجلة فيها تركيز كبير على القيان و الشخصيات الاقل تاثيرا في التاريخ العربي الإسلامي. و لو كانت السلسلة موجهة لللمجتمع المسيحي في العالم العربي فقط أو للراشدين لكان الأمر متقبلا.

و من بين السلاسل الاخرى المميزة لهذه الدار نذكر سلسلة Gli Albi Delle Fiabe التي نقلتها للغة العربية مكتبة سمير اللبنانية ضمن 38 عنوانا. كما قامت منشورات دار المعارف التونسية بنقل سلسلة أخرى ذائعة الصيت في إيطاليا و هي سلسلة جميلة تدعى Fiabe Sonore و تقع في 60 عنوانا نقل منها للغة العربية عدة أعداد ضمن مجموعتين هما "روائع القصص للأطفال" و "في كل ليلة حكاية" و قد نشرا أيضا باللغة الفرنسية من قبل نفس الناشر العربي. و تتناول هذه السلاسل القصص الخرافية و الحكايا المستوحاة من التراث الأوروبي و العالمي على غرار أعمال الاخوين غريم و هانس أندرسن و شارل بيرو إضافة للقصص ذات الخلفية العربية. و قد كانت تظهر هذه السلسلة في الستينات و هي مرفوقة بأشرطة مسموعة كانت تأسر الطفل الصغير بمؤثراتها الصوتية و رسوماتها البديعة التي ساهم فيها كل من Lima و Pikka و Sergio و Ferri و غيرهم من الرسامين المتألقين.

إضافة إلى هذا, قامت الشركة الشرقية للمطبوعات بنقل سلسلة علمية للناشر الإيطالي,في أواخر التسعينات تحمل عنوان " اسئلة و أجوبة" نملك منها ثمانية أجزاء و ربما تكون هنالك أجزاء اخرى قد صدرت ضمن نفس السلسلة.

و تجدر الإشارة إلى أن الكثير من المؤلفات المميزة لدار Fratelli Fabbri Editiori ذات أغلفة عادية و رسوم بسيطة على الأغلفة لكن محتواها الداخلي يعد تحفا نادرة. كما ننوه إلى أننا تحدثنا في مواضيع سابقة عن سلاسل أخرى لهذا الناشر العريق في نسخها الإسبانية و الإنجليزية و الفرنسية في مقالاتنا السابقة.