الحمد لله الذى جعل مرور الأيام عبرة للأنام، وحول قبلة المسلمين شطر المسجد الحرام وجعل الصلاة أحد أركان الإسلام.أحمده سبحانه وتعالى حمدا يملأ القلب بالسكينة والورع ،ويُذهبُ عنه طول الأمل ويقلعُ الطمع، فالله يحب من اتبع، ويكره من ابتدع.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين، ثم أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار:
عباد الله ها هو شهر رجب قد مضى... وها هو شهر شعبان قد(بدأ ،أو اقترب على الانتصاف، أو أوشك على الإنتهاء) "حسب توقيت الخطبة هذا للإختيار بين واحدة من الثلاث بين الأقواس" وإن كنت ذكرتُ فى شهر رجبُ معجزة الإسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ،فإنى فى شهر شعبان أذكر لكم واقعة تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ، وإن كان الله ربط بين البيتين في رحلة الإسراء والمعراج فقد ربط بينهما مرة أخرى عند تحويل القبلة، فإن دل هذا فإنما يدل على مكانة المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين نسأل الله أن يرده علينا رداً جميلاً وأن يكتب الله لنا صلاة فيه.
من تلك المقدمة يتبين لكم أن موضوع اليوم بإذن الله تعالى عن واقعة تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى بيت الله الحرام والخطبة فى مجملها عبارة عن درسٍ في تفسير بعض آيات الله المتعلقة بأمر تحويل القبلة.
ووقصة تحويل القبلة حدث عظيم وابتلاء من الله كبيرٌ لهذه الأمةِ فتعالوا معنا نعش هذه القصةَ كما سطر الله في كتابة في أول الجزء الثانى في سورة البقرة حيث قال(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)
معنى سيقول السفهاء أنهم لم يقولوا لأن القبلة لم تُحول بعد وإن كان هذا اللفظ للمستقبل كذلك يدل أيضا على الماضى وفى ذلك إعجاز للقرآن، وإخبارُهم بأشياء لم تحدث بعض ثم تحدث ورغم كل هذا لم يُصدقوا، وهذا إن دل على شئ فإنما يد ل على سفهم حقا لأن الآية نزلت قبل تحويل القبلة فلو أنهم أذكياء لامتنعوا عن القول ولم يعلقوا على تحويل القبلة فكان ذلك تشكيكا في القرآن الكريم، وهذا لم و لن يحدث لأن الله تعالى قال فى كتابه فى سورة فصلت (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) ، والسفهاء جمع سفيه هو من لا عقل له أو يقول دون أن يعى أو يُفكر بمايقول ،والمقصود هنا بالسهاء هم اليهود وقيل: مشركو مكة ، وقيل: المنافقون، وكلهم سفهاء ، وكذلك العلمانيون الذين يعترضون على شرع الله عز وجل ويتهمونه بالقصور عن مسايرة ركب الحضارة والمدنية، ويقولون: تريدون أن تردونا إلى عصور الظلام، وكأن العصور التي حكم فيها الإسلامُ البشرية وأشرقت فيها شمس الحضارة الإسلامية هي عصور ظلام، وكذلك الذين يتكلمون فى دين الله بغير علم كالساقطين والساقطات من الكُتاب والمفكرين على الشاشات الفضائية وكذلك من يعترضون على ما أمر الله به وينتقضون أوامر الله ورسوله فهؤلاء ولا شك من أسفه السفهاء، لما نزل تحويل القبلة اعترض السفهاء اليهود فقالوا: ترك قبلة الأنبياء قبله فقالوا(مَا وَلاَّهُمْ )ما حولهم عن قبلتهم التى كانوا عليها وهى بيت المقدس قل لهم يا محمد لله المشرق والمغرب فأى اتجاه ثم وجه الله والهداية من الله يهدى منيشاء إلى صراط مستقيم .ثم ينقلنا الله بعد ذلك إلى آية ليكشف لنا صفة من صفات هذه الأمة التى غفلنا عنها ألا إنها الوسطية قال تعالى:
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) والوسط هو العدل فقد جعلكم الله أعدل الأمم قد يقول البعض فى زماننا هذا زاد الظلمُ بين الناس ونُحِّىَ العدل والق ،أقول قد يكون والخطأ فيكم وفى ضعف إيمانكم وإخبار القرآن بذلك منه براء، ولهذا تشهدون على من قبلكم من الأمم ولم تروهم فقد يقول كيف نشهد على شئ لم نره ونحن آخر الأمم خلقا، نقول قرأتم ذلك فى كتاب الله لأن القرآن فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، قال الله تعالى فى سورة الأعراف (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ (وقال) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا (وقال) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (وقال) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ (وقال) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا)فهذه شهادة كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ فَيَقُولُ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً " وكذلك يستشهد كل الأنبياء أمة محمد كما استشهد نوحُ فيشهدون لهم أنهد قد بلغوا ، وكذلك يشهد عليكم رسول الله لأنه بلغكم (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) وتحويل القبلة هو اختبار لمن يتبع أو يمتنع عن أوامر الله ورسوله (وإن كانت لكبيرة )أى شاقة على المتكبرين المشككين، إلا على الذين هداهم الله وهم المؤمنون الموحدون، ثم يسأل البعض عن حكمه صلاته وصلاة من ماتوا وهم يُصلون إلى المسجد الأقصى قبل ذلك فرد الله عيهم تعالى فى كتابه ، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) وما كان الله ليضيع إيمانكم أى صلاتَكم سابقا إلى المسجد الأقصى فالله بكم رؤوف رحيم ، ننتقل بعض ذلك إلى الآية التى تناولت تحويل القبلة على الخصوص .
قال الله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)
ومن هذه الآية نبدأ سرد أحداث تحويل القبلة والحقيقة فى هذا أن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم وأمِرَه باستقبالِ الصَّخرة من بيت المقدس فى الصلاة وتكون قبلة للمسلمين، فكان الأمر سهلا ميسرا وهو بمكةَ كان يُصَلِّي بين الركنين ركن الحجر الأسود والركن اليمانى، فتكونُ الكعبةُ بين يديه وهو مُستقبلٌ بيتَ المقدس لأن بيت المقدس شمال الكعبة فلو أن وقفت جنوب الكعبة لجمعت بين القبلتين.
وهنا سؤال ما الحكمة من توجيه المسلمين إلى بيت المقدس أولا؟ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ أراد استخلاصَ قلوبَ المؤمنين وتجريدَها لله تعالى, وتخلِيصَها من كلِّ نعرةٍ عصبيةٍ، أو نزعةٍ قومِيَّةٍ, وليَظْهرَ من يتَّبعُ الرسولَ إتباعاً صادقاً، راضياً مُستسلماً ، ممن ينقلبُ على عقبيه معتزَّاً بِجنسِه وقومِه وأرضِه! تاركاً أمرَ ربِّه ،
وهنا سؤال آخر ماذا قال السفاء عندما توجه المسلمون لبيت المقدس؟ قال مشركو مكة: يدَّعي محمدٌ أنَّه على ملةِ إبراهيمَ ويخالفُ قبلتَه ؟! وقال اليهودُ كيف يجحد دينَنَا ويتبعُ قبلتَنا؟!، فأما المسلمون فقالوا: سمعنا وأطعنا ،وهذا نوعٌ من الابتلاء والامتحانِ لرسول الله وأصحابه ! وزاد الأمرُ مشقَّةً على المسلمين حين هاجر النبيُّ وصحابه إلى المدينة النبويةِ فقد تَعَذَّر أن يجمعوا بين القبلتين، لأن المدينة فى المنتصف فكان قبلة بيت المقدس فى الشمال والكعبة فى الجنوب ،فكانت الكعبةُ خلفَ ظهورهم وبيتُ المقدس أمامهم أثناءَ صلاتِهم قال البخاريُّ رحمه اللهُ : صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم إلى بيتِ المقدسِ ستَّة عَشَرَ شهرا أو سبعةَ عشر شهراً، وكان يعجبُه أن تكونَ قبلتُه قِبَلَ البيت فكان صلى الله عليه وسلم يقلِّبُ وجهه في السماء ، من دون أن ينطق لسانُه بشيء ، أو يَدْعُو ربَّه بشيء , تأدباً مع الله ، وانتظاراً لفرجه وتوجيهه . فكان يُقلِّبُ وجهه في السَّماء شوقاً وترقُّباً لنزول جبريلَ عليه السلامُ بتحويلِ القبلةِ إلى الكعبةِ المُشرَّفةِ كلَّ لحظةٍ ! فوجَّهه الله سبحانه لِمَا تطمئِنُّ إليه نفسُه، ويحُبُها، ويقبلُها؛ والرسولُ صلى الله عليه وسلم َقَبِل القبلةَ الأولى، ورضيَها ؛ لكنَّه أحبَّ أن يُحَوَّلَ إلى الكعبة. وهذه الاستجابةُ تدلُّكَ على شرفِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفضلِه ومكانته ! حيث إنَّ الله تعالى سارع في رضاه، تكريماً مِنَ اللهِ تعالَي لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم ليزيد إيمانه ويقوى يقينه، فاللهُ سبحانهَ مَعِيَّتُهُ لا تنقطعُ عَنْ أنبيائِهِ وأوليائِهِ: { إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } { النحل}، فأمر الله رسوله بالتوجه إلى الكعبة فقال الله (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ففى هذه الآية أمر الله رسوله والمؤمنون بالتوجه إلى الكعبة والمشهور أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر وهو فى مسجده، وقد كان بعض المسلمين يصلون العصر في مسجد بني حارثة المعروف بمسجد القبلتين الآن وسمى بذلك لأن فيه القبلة الأولى إلى بيت المقدس والقبلة الثانية إلى الكعبة والقبلتين باقيتين حتى وقتنا هذا لمن زار المسجد يراهما ، فصلي المسلمون فيه صلاة العصر إلى القبلتين فصلوا ركعتين إلى بيت المقدس ثم جاءهم الخبر فتحول النساءُ مكان الرجال، والرجالُ مكان النساء، لأن القبلة الأولى فى اتجاه الشمال والثانية فى اتجاه الجنوب فلزم التبديل حتى لا تكون النساءُ أمام الرجال فصلوا الركعتين الباقيتين، وهم مستقبلون البيت الحرام وتأمل معى سرعة التنفيذ فلم ينتظروا حتى تنتهى الصلاة وكذلك تصديق من نقل لهم الخبر دون تعطيل أو سؤال عن السبب وهكذا يكزن المؤمن مع أوامر الله أن يقول سمعنا وأطعنا..
وتفسير قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ" يُرِيدُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى" لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ" يَعْنِي تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ وَلَا فِي كِتَابِهِمْ؟ قيل أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا مِنْ كِتَابِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ وأن صادق عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِهِ" وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ"
وهنا سؤال ماذا قال السفهاء بعد تحويل القبلة؟ أقولُ وبالله التوفيق كالعادة كما تكلموا قبل ذلك قبل التحويل تكلموا بعد التحويل وهذا هو دأب أصحاب الهوى فقال المشركون: كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا. وقالوا اليهود: خالف قبلة الأنبياء. وقال المنافقون: ما يدري محمد أين يتوجه، إن كانت القبلة الأولى حقا فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل ، فرد المسلمون عليهم {وقالوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ)
وهذا اللَفْظُ خَبَرُ وَيَتَضَمَّنُ الأمر، أي فلا تركن إلى شئ مِنْ ذَلِكَ. "وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ " فلا يتبع اليهود قبلة النصارى وهى تجاه الشرق ولا يتبع النصارى قبلة اليهود وهى تجاه الغرب وفى قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ" فالْخِطَابُ للأمة فى شخص اِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه هو المبلغ لأمته، وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَكُونُ بِهِ ظَالِمًا.
قوقه تعالى (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ من هم اليهود والنصارى يعرفونه يعرفون محمد كما يعرفون أبنائهم بل أكثر من ذلك فعن عمر رضي الله عنه أنه سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أعلم به مني بابني ، قال : ولم؟ قال : لأني لست أشك في محمد أنه نبي وأما ولدي فلعل والدتَهُ خانت . فقبل عمر رأسه، وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وهم اليهود يكتمون الحق كبرا وجحودا وهم يعرفون ذلك فى كتابهم .
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) فالْخِطَابُ للأمة فى شخص اِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه هو المبلغ لأمته، وَلايَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَكُونُ بِهِ مشككا أى إن هذا يا محمد هو الحق من ربك فلا تكونن مع الممترين أى المشككين.
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قيل لكل ملةِ وجهةٌ وقبلة الله ولاه وقيل الله متوليها فالله جعل الإنسان مختارا . وإن المطلوب من المؤمنين في الحياة الدنيا أن يتسابقوا إلى الخيرات قبل أن يأتيهم الأجل ولا يحسبُ واحدٌ منهم أنه سيفلت من الله . . لأنه كما يقول عز وجل : { أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ الله جَمِيعاً } . . أي أنه ليس هناك مكان تستطيعون أن تختفوا فيه عن علم الله تبارك وتعالى بل هو يعرف أماكنكم جميعا واحدا واحدا وسيأتي بكم جميعا، ثم يُخبرنا الله تعالى أن القضية ليست إلى أين أتوجه ولكن هى أعم من ذلك وهى الطاعة المؤدية إلى البر.
قال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) فالحق سبحانه وتعالى يقول لهم : لا تجعلوا أمر الاتجاه إلى الكعبة هو كل البر؛ وإنما البرفي الخير الواسع الكثير ، ويشمل الإيمان التقوى الصدق الطاعة الإحسان والإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة جميعهم لا نفرق بين أحدهم، والكتاب والنبين نؤمن بهم جميعا فهذا من سماحة الإسلام فلا يصح إيمان عبد إلا إذا آمن بجميع الأنبياء وجميع الكتب المرسلة والصلاة وبعد ذلك يقول اليهود والنصرى والعلمانيون على الإسلام بأنه دين لا يُحب إلا نفسه ويمقت الديانات الأخرى وقد أخذوا ذلك من قوله تعالى فى سورة آل عمران (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ) أقول لهم نحن نؤمن بدينكم أتؤمنون بديننا؟ يقولون لا ، نقول لهم نحن نؤمن بنبيكم أتؤمنون بنبينا؟ يقولون لا :إذن من الأنانى ومن الجاحد ومن لا يُحب الآخر ، ثم ينقلكم الله معددا لكم أعمال البر منها الإنفاق على جميع المحتاجين والوفاء بالعهد والصابرين أولئك الذين صدقوا فى أقوالهم وفى أفعالهم وهم بذلك أهل التقوى ومن هنا نسدل الستار على هذا الحدث الإسلامى العظيم .
ما الدروس المستفادة من تحويل القبلة:ـ
ـ وسطية الأمة وشهادتها على جميع الأمم في قوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }[ البقرة]. وهنا إعجاز عددي في هذه الآية الكريمة ، فعدد آيات سورة البقرة 286 ÷ 2 = 143 ، هذا هو رقم هذه الآية ، فكأن الآية نفسَها جاءت وسطاً ، وكفى بها رسالة للأمة لتكون وسطاً في كل شئ. والوسطية هنا تعني الأفضلية والخيرية والرفعة
ـ التسليم المطلق والانقياد الكامل لله تعالى، ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم فالمسلم عبد لله تعالى، يسلم بأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويستجيب لذلك، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } ( الأحزاب) هذه الطاعة، وذلك التسليم.
ـ وحدة الأمة الإسلامية: المسلمون في الشرق والغرب وفى جميع دول العالم يتجهون في الصلوات الخمس اليومية إلى بيت الله الحرام بمكة رغم اختلاف الألسنة والجنسيات والألوان وهنا لكم قصة واقعية حديثة يُحكى أن وزير الدفاع الألمانى ركب فى القطار بجوار شاب مسلم وهذا أمر عادى فى هذه الدول المتقدمة فرأى الشاب يقرأ القرآن عبر الكمبيوتر المحمول فقال الوزير للشاب أنا أعظم من نبيكم؟ فقال له الشاب كيف فقال الوزير أن أستطيع بكلمة واحدة أجمع آلف الجنود وأوجهم إلى ما أشاء، فرد عليه الشاب وقال ما المانع وأنت وزيرهم ويتكلمون بلغتك، ثم قال له الشاب هل تستطيع أن تجمع مليون واحد من جنسيات مختلفة ولغات مختلفة وأعمار بكلمة واحدة، فقال الوزير هذا لن ولم يحدث أبدا قال له الشاب لقد حدث هذا بالفعل ثم فتح له فيديو عند اقامة الصلاة بالمسجد الحرام وبكلمة واحدة من الشيخ السديس استووا اعتدلوا فسكت الوزير ولم يتكلم.
ـ مخالفة أهل الكتاب فلا نستقبل قبلتهم ولا نقلدهم في شئ وقد حذرنا رسول الله صلى عليه وسلم من ذلك فقال «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ؟ »"بن حبان وصححه الألبانى"
وفي النهاية أسأل الله أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً، وأن يُحَوِّل قلوبهم وأجسامهم وكل جوارحهم نحو طاعته كما حول قبلتهم ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل.