الموت ج3

الحمد لله المنفرد بالعز والجبروت والبقاء، وأذل أصناف الخلق بما كتب عليهم بالفناء، جاعل الموت مخلصا للأتقياء وسوء منقلب للأشقياء، هدم بالموت جميع الأعمار، وحكم بالفناء على أهل الديار، لا يمتنع منه ممتنع بحصن ولا جدار ولا يحترس منه محترس بكثرة جموع وأنصار.

عباد الله إن الدنيا بقائها قليل، وعزيزها ذليل، وغنيها فقير، وشبابها يهرم، وجديدها يبلى، وضيفها يرحل، وكل ما فيها يموت،

عباد الله كفى بالموت واعظا، عباد الله لو كان الأمر ينتهى بالموت لهان الأمر لكنه مع شدته وهوله أهون مما يليه من القبر وظلمته.

آه ثم آه ثم آه... آه يا من الموت مصرعه ومصيره، والقبر مسكنه ، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، وعمله جليسه، ومنكر ونكير سائله ، والقيامة موعده، والصراط طريقه، والجنة أو النار موعده.

فهل تفكرت يا مغرور فى الموت وسكراته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حكم ما أعدله، فكفى بالموت مقرّحا للنفوس، مبكيا للعيون، هادم اللذات مفرقا للجماعات، قاطعا للأمنيات.

فهل تفكرت يا بن آدم فى يوم مصرعك، وانتقالك من موضعك، وقد نُقلت من سعة إلى ضيقٍ، وتركك الصاحب والصديق، وهجرك الأخ والرفيق، وأخذت من فراشك، وغطيت بعد لين لحاف بالتراب.

أيها الناس آن للنائم أن يستيقظ من نومه، وحان للغافل أن ينتبه من غفلته، قبل هجوم الموت بسكراته، وسكون حركاته ،وخمود أنفاسه ورحيله إلى قبره، فالموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التى طعمها أكره وأبشع.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فاللهم أجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين، ثم أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

سبق وأن تكلمنا في الخطبة قبل السابقة عن الموت والغفلة عنه وذكره والاستعداد له وعدم تمنى الموت وحسن الظن بالله وكل هذا كان تذكيرا بالموت من باب الترغيب والترهيب، وتكلمنا في الخطبة السابقة عن مآتمنا بين السنة والبدعة وتناولنا فيها رحلة الميت من خروج الروح إلى الدفن، أما اليوم فنتناول الجزء الثالث من تلك السلسة عن الموت تحت عنوان رحلة الميت من القبر إلى البعث فاصغوا لى يرحمنى ويرحمكم الله.

1 ـ القبر:ـ

فالعبد يمر بأربعة ديار يتقلب فيها بين النور والظلام ، الأولى فى بطن أمه دار الظلمة، والثانية فى دار الدنيا دار النور، والثالثة فى دار البرزخ أى القبر دار الظلمة، والرابعة هى دار الخلود فى الآخرة دار النور أو دار الظلمة.القبر هو أول منازل الآخرة وسماه الله بالبرزخ فقال فى سورة المؤمنون(وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)فالحياة البرزخية هى الحياة من بعد الموت إلى قبل البعث والبرزخ فى اللغة هو الحاجز قال الله تعالى فى سورة الفرقان(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا)أى أن البرزخ يفصل بين البحرين كما يفصل القبر بين حياتين الدنيا والآخرة.

عباد الله اعلموا أن من أصعب أيامك هو أول يوم فى القبر واستمع إلى القبر وهو ينادى عليك بلسان حاله ويقول لك أنا بيت الوحشة أنا بيت الظلمة أنا بيت الدود تمشى اليوم على ظهرى وغدا ستكون فى بطنى فاعملوا عباد الله لهذا اليوم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه أحدٌ فما بعده أيسر منه وإن لم ينج فما بعده أشد منه) "الألباني( صحيح ) رقم 1648 صحيح الجامع" وفى الحديث أيضاً الذى رواه الإمام الترمذى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه) "الألباني( صحيح ) رقم 5623 صحيح الجامع" ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جنازة فجلس على شفير قبر "أى فتحته" فبكى حتى بلّ الثرى "التراب" ثم قال لمثل هذا فأعدّوا)"بن ماجه وصححه الألبانى" ، فهل أعددتم العدة لمثل هذا اليوم.

والقبر إما أن يكون عذابا دائما فيقول صاحبه رب لا تُقم الساعة بالرغم من أنه يعذب لكن عذاب القبر أهون من عذاب يوم القيامة لآن الله أراه مقعده فى النار وقال تعالى فى سورة غافر(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)، وإما أن يكون نعيما مقيما فيقول رب أقم الساعة بالرغم من أنه منعم ولكن نعيم الجنة ورؤية الله تعالى أفضل مما هو فيه، ولذلك قيل إن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة وإما أن يكون حفرة من حفر النيران.

وللقبر ضغطه يُضغط فيه كل عبد حسب عمله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن للقبر ضغطه لو نجا من أحد لنجا منها سعد بن معاذ) "الألباني( صحيح ) رقم 2180 صحيح الجامع" ومن هو سعد بن معاذ هو صحابى جليل اهتز عرش الرحمن لموته، وفتحت له أبواب السماء وشهد جنازته سبعون ألف ملك ومع هذا كله لم ينج من ضغطة القبر فما بالك بنا اللهم سلّم ، اللهم خفف عنّا ضغطة القبر ولذلك قال الإمام أبو حنيفة ضغطة القبر وعذابه حق كائن للكفار وعصاة المسلمين فيضغط عليه حتى تختلف أضلاعه ثم يكون بعد ذلك سؤال الملكين وهو العنصر الثانى.

2 ـ سؤال الملكين:ـ

إذا دفن العبد تعرض لمحنة أخرى فمحن هذا اليوم كثيرة وكل محنة أشد من الأخرى وهى سؤال القبر حتى ولو مات حرقا أو غرقا فى البحر وأكلته الحيتان فيجمع ويسأله الله ففى الحديث الذى رواه البخارى عن أنس رضى الله عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( إن العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه وأنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه ويقولون له ما كنت تقول فى هذا الرجل محمد فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك فى النار قد أبدلك الله به مقعدا فى الجنة، فيراهما جميعا "قال قتادة ذكر لنا أنه يُفسح له فى قبره أربعون ذراعا وفى رواية لمسلم سبعون ذراعا ويُملأ عليه خضر إلى يوم يبعثون" نرجع إلى حديث أنس أما المنافق والكافر فيقول لا لا لا أدرى فيقال له لا دريت ولا تليت ويُضرب بمطارق من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعه من يليه إلا الثقلين الإنس والجن) وفى رواية أخرى ماربك وما دينك وما هذا الرجل الذى بُعث فيكم والأحاديث فى سؤال الملكين كثيرة ومتعددة ومختلفة الألفاظ ولكننى اكتفيت برواية البخارى لأن كتابه من أصح كتب السنة .

أما الإجابة على سؤال الملكين فليست بيدك ولكن بعملك فى الدنيا وقربك من الله وطاعتك لرسوله وحبك لعباد الله وفوق كل هذا رحمة الله بك كل هذا مثبت لك فى الإجابة قال الله تعالى فى سورة إبراهيم (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء) فالثبيت من الله، اللهم ثبتنا على كلمة الحق.

وقضية سؤال الملكين قضية إيمانية يجب على كل مسلم أن يؤمن بها ويستعد لهذا اليوم ،أما النعيم أو العذاب فى القبر يكون بالجسد والروح وليس على الروح فقط أو الجسد فترد الروح إلى الأجساد فقد سأل عمر رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أترد علينا عقولنا قال نعم كهيئتكم اليوم وهذا قول جمهور أهل العلم.

3 ـ الأدلة على عذاب القبر ونعيمه:ـ

v يقول تعالى فى سورة غافر(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)أى أن آل فرعون ماتوا من آلاف السنين ورغم ذلك يرون النار صباحا ومساءاً وفوق كل هذا عذاب الآخرة.

v قال تعالى فى سورة طه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا *قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) فقد قال أبو هريرة وابن مسعود الضنك هو عذاب القبر وهذا هو الظاهر للرائى عامة لأن الدنيا يتمتع بها العاصى والتقى أما الآخرة دار عذاب للعاصى ودار نعيم للتقى.

v وروى زر بن حبيش عن على رضى الله عنها قال "كنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت سورة التكاثر( ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ).ألهتكم الحياة حتى أدخلتم القبور لترون الجحيم.

v وخرج النبى بعد ما غابت الشمس فسمع صوتا فقلنا ما سمعت يا رسول الله: قال سمعت رجلا يُعذب فى قبره "البخارى".

v والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ دبر كل صلاة من أربعة أشياء منها عذاب القبر ويقول (اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر ) "الألباني( صحيح ) رقم 1297 صحيح الجامع" فهل يستعيذ الرسول من شئ غير موجود حاشاه أن يفعل ذلك فدلّ ذلك على عذاب القبر

4 ـ أسباب عذاب القبر:ـ

v النميمة: ففى الحديث الذى رواة أبو هريرة أن مر على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يُعذبان فى كبير أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله وفى رواية لا يستنزه من بوله) "الألباني( صحيح ) رقم 2441 صحيح الجامع" فالنميمة سبب لعذاب القبر لأنه تُشعل العداوة والبغضاء وقد تؤدى إلى القتل، ومعنى لا يستتر من بوله أنه يبول فى أى مكان ولا يستحى من الناس.

v البول: ففى الحيث الذى رواة أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال (أكثر عذاب القبر من البول) "الألباني( صحيح ) رقم 1202 صحيح الجامع" بأنه لا يُتم طهارته من البول وبذلك تبطل صلاته.

v السرقة: فقد سرق رجل شملة من الغنائم قبل أن تُقسم وهو له حق فى الغنائم ورغم كل هذا اشتعلت عليه نارا فى قبره ، فما بالك بالذى يسرق مال غيره قال تعالى فى سورة آل عمران (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)

... إذا عذاب القبر يكون من الغيبة والنميمة والتفريط فى الطهارة والسرقة وكل الكبائر فما هى الوسائل والأعمال التى تُنجى من عذاب القبر.

5 ـ الأعمال المنجية من عذاب القبر:ـ

v المرابطة فى سبيل الله: يقول رسول صلى الله عليه وسلم (كل ميت يُختم على عمله إلا الذى مات مرابطا فى سبيل الله فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر أي عذابه) "الألباني( صحيح ) رقم 4562 صحيح الجامع"

قراءة سورة الملك : ففى الحديث الذى رواه الترمذى أن رسول صلى الله عليه وسلم ( هى المانعة المنجية من عذاب القبر ) "الألباني( حسن ) رقم 6101 صحيح الجامع"

v الموت يوم الجمعة وليلتها : ففى الحديث الذى روته مسلم أن رسول صلى الله عليه وسلم قال( ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلتها إلا وقاه الله من عذاب القبر) "البانى( ضعيف) رقم 5772 ضعيف الجامع"

v الميت بداء البطن: ففى الحديث الذى رواه الترمذى أن رسول صلى الله عليه وسلم قال ( من يقتله بطنه لا يُعذب فى قبره) وهذه كثيرة فى هذه الأيام أى مرض فى البطن "رواه الترمذى وصححه الألبانى".

... وأعمال البر تُنجى من عذاب القبر كالصلاة والصيام والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهى عن النكر قال الله تعالى فى سورة فصلت (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) أى لا تخافوا فى قبوركم ولا فى آخرتكم ومع كل هذا أبشروا بالجنة .

6 ـ النفخة الأولى (نفخة الصعق):ـ

بعد أن عرفنا ما هو القبر وسؤال الملكين وأسباب عذاب القبر والأعمال المؤدية إلى نعيم القبر ننتقل بعد ذلك من باطن الأرض إلى خارجها مع الأحياء وقبل قيام الساعة وأول أحداثها النفخة الأولى نفخة الصعق .

يقول الله تعالى فى سورة الزمر(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) فالنفخ معلوم والصور هو البوق وهو القرن الذى ينفخ فيه ملك من الملائكة وهو إسرافيل واستمع إلى رسوله رسول صلى الله عليه وسلم حيث قال (كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه متى يؤمر بالنفخ فينفخ) "الألباني( صحيح ) رقم 4592 صحيح الجامع" وقال الصحابة وماذا نقول يا رسول الله قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل وعليه توكلنا، نرجع إلى تفسير الآية يأمر الحق سبحانه وتعالى إسرافيل بالنفخ فى الصور فيصدر منه صوت كالرعد يصك الآذان ويُصعق من صوته أى يموت كل الأحياء فى آخر الزمان من فى السموات ومن فى الأرض وقال تعالى فى سورة المدثر (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ*فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ) فإذا جُمع النفخ مع النقر صدر صوت عظيم صعق منه كل الأحياء إلا من استثناهم الله فى قوله (إلا ما شاء الله) فمن هؤلاء قيل هم الأنبياء وقيل هم الملائكة حملة العرش وقيل هم الشهداء عند ربهم يُرزقون ويقول الحق سبحانه وتعالى فى سورة يسن (مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ *فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) أى لا إنذار بل تأتيهم بغتة وهم فى أسواقهم يبيعون ويشترون ويتخاصمون فلا يستطيعون أن يرجعوا إلى أهليهم ولا يستطيعون أن يوصوا وبعد كل هذا سيموت الجميع ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ثم ينادى الله تعالى فى عليائه فيقول لمن الملك اليوم لمن الملك اليوم لمن الملك اليوم فلا يُجيب أحد فيرد هو سبحانه وتعالى لله الواحد القهار.

7 ـ ما بين النفختين:ـ

أى بعد النفخة الأولى نفخة الصعق وقبل النفة الثانية نفخة البعث هناك فترة زمنية لا يعرف كم مدتها إلا الله قال تعالى فى سورة الزمر(ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) فثم تدل على العطف على التراخى أى أن النفخة الثانية بعد الأولى ولكن هناك فاصل بين النفختين ولذلك روى أبو هريرة أن رضى الله عنه سئل كم بين النفختين يا رسول صلى الله عليه وسلم قال بين النفختين أربعين ونسينا أن نسأله ما الأربعين يوما أو أسبوعا أو شهرا أو سنة وقد أجمعت بعض الروايات أنه أربعين سنة "متفق عليه".

نفصّل الحال بين النفختين فالأموات قبل الصعق فى قبورهم ، والأحياء وقت النفخة الثانية ماتوا فى الصعقة الأولى كلٌ فى مكانه فلا أحد يدفن ولا أحد يُدفن فإذا اقتربت النفخة الثانية أرسل الله سبحانه وتعالى مطرا فتنبت منه الأجساد كما ينبت البقل (الفول والعدس) ، أما كيفية إنبات الأجساد أقول وبالله التوفيق كما أن للزرع بذور فكذلك للإنسان يُشبه البذور ينبت منها الأجساد تُسمى عجم الذنَب أو عجب الذنَب فهى لا تفنى ولا تُحرق ولو دمر العبد تدميرا ولا تُرى أبدا وهى كمثل الصندوق الأسود فى الطائرة فيه معلومات عن الطائرة كذلك هذه العظمة فيها كل ما يخصك كما البذرة فى النبات ، فتنبت الأجساد من هذه الحبة ألم تسمع قول الله تعالى فى سورة فاطر(وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) ثم ننتقل بعد ذلك إلى النفخة الثانية نفخة البعث.

8 ـ النفخة الثانية نفخة البعث:ـ

وهى النفخة الثانية والأخيرة بعد أن تنبت الأجساد وتستوى قائمة بأمر الله تعالى فالأرواح تتطاير إلى تلك الأجساد ولا تُخطئها تذهب كل روح إلى جسدها ثم تُنفخ النفخة الثانية (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) يقومون ينفضون من على رؤوسهم التراب قال تعالى فى سورة يسن (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ *قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ *إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) فالآية واضحة التفسير ناطقة بلسان الحال معبرة عن واقع المآل وينتظرون يوم الحشر . وإلى اللقاء فى الخطبة القادمة وهى الجزء الرابع والأخير من سلسلة الموت ونتناول فيها رحلة العباد من الحشر إلى المأوى الأخير الجنة أما النيران.