الموت ج4

الحمد لله المنفرد بالعز والجبروت والبقاء، وأذل أصناف الخلق بما كتب عليهم بالفناء، جاعل الموت مخلصا للأتقياء وسوء منقلبا للأشقياء، هدم بالموت جميع الأعمار، وحكم بالفناء على أهل الديار، لا يمتنع منه ممتنع بحصن ولا جدار ولا يحترس منه محترس بكثرة جموع وأنصار.

عباد الله إن الدنيا بقائها قليل، وعزيزها ذليل، وغنيها فقير، وشبابها يهرم، وجديدها يبلى، وضيفها يرحل، وكل ما فيها يموت،

عباد الله كفى بالموت واعظا... عباد الله لو كان الأمر ينتهى بالموت لهان الأمر لكنه مع شدته وهوله أهون مما يليه من القبر وظلمته.

آه ثم آه ثم آه ... آه يا من الموت مصرعه ومصيره، والقبر مسكنه ، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، وعمله جليسه، ومنكر ونكير سائله ، والقيامة موعده، والصراط طريقه، والجنة أو النار موعده.

فهل تفكرت يا مغرور فى الموت وسكراته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حكم ما أعدله، فكفى بالموت مقرحا للنفوس، مبكيا للعيون، هادم اللذات مفرقا للجماعات، قاطعا للأمنيات.

فهل تفكرت يا بن آدم فى يوم مصرعك، وانتقالك من موضعك، وقد نُقلت من سعة إلى ضيقٍ، وتركك الصاحب والصديق، وهجرك الأخ والرفيق، وأخذت من فراشك، وغطيت بعد لين لحاف بالتراب.

أيها الناس آن للنائم أن يستيقظ من نومه، وحان للغافل أن ينتبه من غفلته، قبل هجوم الموت بسكراته، وسكون حركاته ،وخمود أنفاسه ورحيله إلى قبره، فالموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التى طعمها أكره وأبشع.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فاللهم أجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين، ثم أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

سبق وأن تكلمنا في الخطبة الأولى من سلسلة الموت عن التذكير بالموت والغفلة عنه وذكره والاستعداد له وعدم تمنى الموت وحسن الظن بالله وكل هذا كان من باب الترغيب والترهيب، وتكلمنا في الخطبة الثانية من تلك السلسة عن الموت تحت عنوان مأتمنا بين السنة والبدعة وتناولنا فيها رحلة الميت من خروج الروح إلى الدفن، وتكلمنا في الخطبة الثالثة من تلك السلسة عن الموت عن رحلة الميت من القبر إلى البعث أما اليوم بإذن الله تعالى نتكلم في الجزء الربع من تلك السلسة عن الموت تحت عنوان رحلة الأحياء من البعث إلى الجنة أو النار فاصغوا لى يرحمنى ويرحمكم الله.

كيف بك يا ابن ءادم وقد أمر بالساعة فقامت، وزلزلت الأرض زلزلها، وأخرجت الأرض أثقالها أى ما فيها، كيف بك يا ابن ءادم والشمس كورت أى جمعت وذهب ضوئها، والنجوم انكدرت أى تناثرت وتلاشت، والجبال العظام سيرت أى ذابت وذهبت، والبحار سجرت أى امتلأت وفاضت، والسماء انفطرت أى تشققت، وتصدعت، والجحيم سُعرت أى أوقدت نارا، والجنة أزلفت أى قُربت، علمت نفس ما قدمت وأخرت ...تُرى ما هذا اليوم وما هذه الأحداث التى لم نراها من قبل؟ ـ إنه يوم القيامة يوم الحشر وهذا هو العنصر الأول.

1 ـ يوم الحشر:ـ

معنى الحشر أى الجمع لقوله تعالى في سورة الحج (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) أى يا أيها الناس خافوا الله واخشوه واعملوا لهذا اليوم، يوم تترك كل مرضعة رضيعها وهى فى أشد الشغف إليه، وتضع ذوات الحوامل حملها بغير ميعاد، وترى الناس تحسبهم سكارى من شدة هول يوم القيامة وما هم بسكارى، إذا ماذا حدث لهم؟ إنهم فى رعب من هول هذا اليوم ...إنه يوم القيامة يوم الفزع الأكبر اليوم المشهود يوم عسير يوم التغابن يوم الطامة يوم الصاخة يوم القارعة يوم الزلزلة يوم يقوم الناس لرب العالمين إذا ما مقدار هذا اليوم؟ فيوم القيامة ليس كأيامنا هذه إنه يوم مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، يوم يجمع الله الخلائق من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة حيث تدنو الشمس من رؤوس الخلائق مقدار ميل أى كيلو ونصف فمن شدة الحر يفيض العرق من الناس كلٌ حسب عمله فمنهم من يبلغ عرقه إلى الكعبين ومنهم إلى ساقيه ومنهم إل كتفيه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما أي يغرق كاملا، يقول الحسن البصرى كيف أنت بأقوام وقفوا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة ولم يناموا فيها نومة اللهم سلم سلم .

فمن الناس من يمر عليه هذا اليوم كيوم من أيامنا هذه، ومنهم من يمر عليه اليوم كأسبوع أو كشهر أو كسنة أو كخمسين ألف سنة كلٌ حسب عمله وتبقى طائفة فى ظل عرش الله يوم لا ظل فى هذا اليوم إلا ظله فاحرص أخى المسلم أن تكون من هؤلاء فَعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ , وَرَجُلٌ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ , وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ , وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ , وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ , وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ""البانى( ضعيف) رقم 3238 ضعيف الجامع"

قد يسأل البعض ويقول أين يكونوا الناس يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ واستمع لهذا الجواب من رَسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الحديث الذى رواه ثوبان قال كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء رجل من أحبار اليهود فقال السلام عليك يا رسول الله أين يكونوا الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض قال هم فى الظلمة دون الجسر فى أرض قبل الصراط قال بن عباس رضى الله عنه تتبدل أرضنا هذه بأرض بيضاء كالفضة لم يُسفك عليها دمُ حرام ولم تُفعل فيها خطيئة وليس فيها علم لأحد أى بناء لأحد إذا ما صفة الحشر؟

يُحشر الناس حفاة عراة ففى صحيح مسلم عن ابن عباس أن رَسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال( إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده غرلا أى غير مختونين أى قلفتك التى قطعت منك يوم ختانك تُرد إليك فقالت السيد عائشة يا رسول الله الرجال والنساء جميعا يرى بعضهم بعضا قال يا عائشة الأمر أشد من ذلك لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه تحشرون فردى لا تخفى منكم خافية، يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفذا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا أى عطاشا ، ويُحشر المرء على ما مات عليه فمن مات وهو يصلى أو وهو صائم أو يحج يُحشر ملبيا اللهم أصلح خاتمتنا أما من يُحشر وهو يسرق فيحمل سرقته على ظهره أو يزنى فالأعمال بالخواتيم إنه يوم الفضيحة يوم تُبلى السرائر .

وأول من يُكسى فى هذا اليوم هو خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ثم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ثم الأمثل فالأمثل ثم يُفرج الله على عبده الصالحين الموحدين المتمسكين بسنته بالحوض وهذا هو العنصر الثانى .

2 ـ الحوض :ـ

إن الناس قد بُعثوا من قبورهم عطاشا وقفوا فى الموقف يوم القيامة فى أرض المحشر وقد أخذهم العطش ويكرم الله أنبياءه بالحوض المورود ولكل نبى حوض وحوض النبى أعظمها وأفضلها طوله شهر وعرضه شهر أى مسيرة شهر يُصب فيه ميزابان من نهر الكوثر فى الجنة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وريحه أطيب من ريح المسك آنيته كنجوم السماء عدداً ووصفاً ولمعاناً من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا يرده المؤمنون بالله ورسوله المتبعون لشريعته ويُطرد عنه الذين استكبروا واستنكفوا عن اتباع سنة نبيه وهديه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فعن بن عباس سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوقوف بين يدى الله هل فيه ماء قال إى والذى نفسى بيده إن فيه ماء وإن أولياء الله رضى الله عنهم ليردون حياض الأنبياء" أخرجه بن أبى الدنياحديث غريب" ألم تسمع قوله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر" قال رسول أتدرون ما الكوثر؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربى عليه خير كثير فيحتلج العبد فأقول يارب إنه من أمتى فيقال ما تدرى ماذا أحدث بعدك ، فإذا اشتد الكرب بالناس وطال الوقوف فى أرض المحشر التجأوا إلى أنبياء الله ليخلصهم من هول هذا اليوم فتأتى وهذا هو العنصر الثالث.

3 - الشفاعة الكبرى :ـ

فإذا اشتد الكرب بالناس وطال الوقوف بأرض المحشر فيُلهمون الشفاعة ففى الحديث الذى رواه مسلم عن قتادة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (يجمع الله الناس يوم القيامة فيُلهمون فيقولون لو استشفعنا إى ربنا حتى يُريحنا مما نحن فيه فيذهبون إلى ءادم وإلى أولى العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ليشفعوا لهم عند ربهم ليفصل بينهم فكلهم يقولون إن ربى غضب اليوم غضبا شديداً لم يغضب مثله أبدا نفسى نفسى اذهبوا إلى غيرى ،حتى إذا أستيئس الخلق من شفاعتهم ذهبوا إلى خاتم الأنبياء وأفضل المرسلين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول أنا لها أنا لها فيذهب فيستأذن على ربه ثم يخر ساجدا تحت العرش ويفتح الله عليه من محامده والثناء عليه ثم يُشفعه الله فى خلقه وتنزل ملائكة السماء الدنيا فيحيطون بالناس ثم ملائكة السماء الثانية ومن ورائهم حتى السابعة ثم يجئ الله كما يليق بجلاله وعظمته على العرش ليفصل بين العباد وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وإنى اختبئت دعوتى شفاعة لأمتى، فإذا شفع فيهم رسول استعدوا بعد ذلك للعرض على الله والحساب وهذا هو العنصر الرابع.

4 العرض على الله والحساب :ـ

تخيل نفسك يا بن آدم وأنت واقف فى عرصات يوم القيامة ونودى باسمك يا فلان بن فلان أى يُنادى باسم أبيه وليس باسم أمه كما يزعم البعض هلم إلى العرض على الله والحساب فقمت ترتعد فرائصك وتضطرب قدمك وتنتفض جوارحك من شدة الخوف وفوق كل هذا من يسألك إنه جبار السموات والأرض فهل أعددت لهذا السؤال جوابا ... ومع كل هذا لا تتمكن من الإجابة بلسانك لأنك لو أجبت لكذبت ولكن الإجابة تأتى من أعضائك كما قال الله تعالى فى سورة يسن (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ثم لا يستحى البعض فيلوم جوارحه استمع إلى قول الله تعالى فى سورة فصلت (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، فى هذا اليوم تبيض وجوه وتسود وجوه قال تعالى فى سورة آل عمران(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . ثم بعد ذلك توزن الأعمال وهذا هو العنصر الخامس.

5 ـ الميزان:ـ

يقول الله تعالى فى سورة الأنبياء(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)أن الله يضع الموازين بالعدل وهو يقول ذلك عن نفسه فليس مجبرا أن يُعرف نفسه بالعدل ورغم ذلك يُطمئنك أيها العبد الذليل أنه العدل ، ألم تسمع قول الله تعالى فى سورة طه (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا) أى لا يخاف أن يكتب الله عليك سيئات لم تعمله أو أن يمحو لك حسنات قد عملته ، ورغم كل ذلك أن الله لا يحاسبنا بالعدل لأن لو حاسبنا بعدله لهلكنا جميعا لأن نعمة واحدة لو وضعت فى كفة وحسناتك فى كفة لطاشت هذه النعمة بحسانتك إنما يُحاسبنا الله بفضله وإحسانه ورحمته .

ثم تُزن الأعمال يوم القيامة (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ) ففى الحديث الذى رواه أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول إنه ليأتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وأقرأوا ما شئتم (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )"رواه البخارى ومسلم" .

ثم بعد ذلك تتطاير الصحف (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ*فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا*وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا *وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ *فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا) فمن رجحت حسناته فقد فاز فوزا عظيما، ومن استوت حسناته مع سيئاته فهو من أصحاب الأعراف فيبقى بين الجنة والنار حتى يقضى الله فيه، ومن رجحت سيئاته فهو تحت مشيئة الله ثم ننتقل بعد ذلك إلى الصراط وهذا هو العنصر السادس.

6 ـ الصراط:ـ

فإذا وزنت الأعمال وأخذ كل واحد كتابه انتقل العباد إلى الصراط ، والكل سيمر على الصراط لقوله تعالى فى سورة مريم (وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا *ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) أى أن الجميع سيمر على الصراط فالورود هنا المقصود به الصراط عند أغلب المفسرين وليس النار والصراط جسر على النار إذن يمروا على الصراط فوق النار وتعالى معى لتستمع إلى وصف الصراط فقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هو دحض مزلة "أى تزل فيه الأقدام ولا تثبت" فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة الخطاطيف والكلاليب معروفة أما الحسكة فشوك السعدان شوك شديد الصلابة فُيعطى المؤمنون نورهم فيمرون ويُطفئ نور المنافقين فيسقطون ويكون مرور الناس على الصراط على قدر أعمالهم "صححه الألبانى" يقول الله تعالى فى سورة الحديد واصفا حال الناس على الصراط (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) ويكون مرور الناس على الصراط على قدر أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق وكالريح وكالفرس وكركاب الإبل ومنهم من يعدو ومنهم من يمشى ومنهم من يزحف فناج مسلم ومخدوش مرسل أى تمسه النار ثم ينجيه الله ومكدوس فى نار جهنم فيسقط أهل النار من على الجسر فى جهنم وينجو أهل الجنة ثم قبل دخولهم الجنة يمرون على القنطرة الثانية وهى القنطرة الصغرى قنطرة الحقوق وهذا هو العنصر السابع.

7 ـ قنطرة الحقوق:ـ

فهذه القنطرة بين الجنة والنار فقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يخلُص المؤمنون من النار فيُحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيُقتص لبعضهم من لبعض مظالم كانت بينهم فى الدنيا حتى إذا هُذبوا ونقوا إذن لهم فى الدخول إلى الجنة )"رواه البخارى" ويبقى الموحدين أصحاب الذنوب فى النار فتأتى الشفاعة الثانية الشفاعة الصغرى وهذا هو العنصر الثامن والأخير.

8 ـ الشفاعة الصغرى:ـ

فقد دخل أهل الجنة الجنة ودخل أهل النار النار ، فالنار فيها من الكفار ومن المسلمين الموحدين أصحاب الذنوب فيقول الكفار للمسلمين ما نفعكم إيمانكم وصلاتكم فها نحن فى النار سواء فتأتى الشفاعة الصغرى للمسلمين من أهل التوحيد فعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثم يشفع المؤمنون إى فى إخوانهم الذين بقوا فى النار فيقولون ربنا إخواننا كانوا يصومون ويُصلون ويحجون معنا فيقول الله عز وجل اذهبوا فأخرجوا من النار من عرفتم فيرجعون فيخُرجون من النار بأثر السجود لأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود وبالمناسبة اثر السجود ليس مقصورا على الجبهة فقط ولكن أثر السجود فى أعضائه السبع الوجه والكفين والرقبتين والقدمين، ثم يرجعون فيقولون ربنا لم نذر فيها أحد مما أمرتنا به فيقول الملك ارجعوا مرة ثانية فمن وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيُخرجون خلقا كثيرا ، ثم يعودون فيقولون ربنا لم نذر فيها أحد مما أمرتنا به فيقول ارجعوا مرة ثالثة فأخرجوا من كان فى قلبه نصف دينار من خير فأخرجوه، فُيخرجون خلقا كثيرا حتى يخرج كل الموحدين من النار) "الألباني( صحيح ) رقم 3045 صحيح الجامع" والشفعاء فى هذا اليوم كثير منهم الأنبياء العلماء والشهداء وكذلك القرآن والصيام والصلاة والحج وكل أعمال البر فيقول الصيام رب منعته الطعام والشهوات فشفعنى فيه ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعنى فيه ، ثم يخلد أهل الجنة فى الجنة وأهل النار فى النار ثم ينادى الله فى عليائه يا أهل الجنة خلود بلا موت وي أهل النار خلود بلا موت .