الحمد لله الذى أتم نعمته علينا ورضى لنا الإسلام دينا، لم يترك لنا شأنًا من شئون الآخرة ولا أمرا من أمور الدنيا إلا بينه ووضحه لنا توضيحا مبينا، وأرسل لنا رسولا بالهدى ودين الحق هاديا ومبشرا ونذيرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فاللهم أجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين، ثم أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أما موضوع اليوم بإذن الله تعالى عن صلاة الجمعة ومنزلتها فى الإسلام.
عباد الله ما أحلاه من اجتماع وأعظمه من شعار تتجلى فيه مظاهر الوحدة ، ويتجدد فيه التعارف بين المسلمين ، وتستعيد الروح فيه بهجتها وسرورها . هذا اليوم الشريف والعيد المبارك ما طلعت الشمس على يوم أفضل منه ففيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة ، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه . يوم دعيت إليه الأمم قبلنا فضلت عنه ، وهدانا الله إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أضلَّ الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يومُ الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبعُ يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق } [رواه مسلم] ، فاحمدوا الله - أيها المسلمون - وحققوا فيه ما دعاكم الله إليه في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }(سورة الجمعة) إذا نودى الصلاة أى عند النداء الأول والمراد بالسعي إلى ذكر الله الذي أمرتم به : هو الاهتمام بصلاة الجمعة ، وما تتطلبه ، وقصدها بخشوع وطمأنينة . وإياكم والتكاسل عنها فتعرضوا قلوبكم للطبع عليها .
هذا اليوم العظيم جعله البعض من المسلمين يوم نوم طويل، ونزهة ورحلة وخصصت بعض النساء هذا اليوم للأسواق وأعمال المنزل، وغفلت عن حق هذا اليوم.. ولا بد أن نعرف لهذا اليوم قدره ونعلم خصائصه؛ حتى نتفرغ فيه للعبادة والطاعة وكثرة الدعاء والصلاة على النبي موضوع اليوم بإذن الله تعالى عن صلاة الجمعة.
فما معنى الجمعة؟
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سلمان قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أتدري ما يوم الجمعة ؟ قلت : هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم مع حواء (رواه البزار فى مسنده).
على من تجب صلاة الجمعة:
الجمعة فرض عين ما عدا المرأة والمسافر والصبي والعبد والمريض وسكان البادية .
• الأدلة من القرآن :قال الله تعالى فى سورة الجمعة: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله و ذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون ).
قال ابن قدامة : فأمر بالسعي ، و مقتضى الأمر الوجوب ، و لا يجب السعي إلا إلى واجب ، و نهى عن البيع ، لئلا يشتغل به عنها ، فلو لم تكن واجبة لما نهى عن البيع من أجلها. قال القرطبي : " فرض الله تعالى الجمعة على كل مسلم .
التحذير من ترك الجمعة:
من ترك الجمعة ختم الله على قلبه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - : « لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونُن من الغافلين »" "الألباني( صحيح ) رقم 5480 صحيح الجامع".
الطبع على القلب: قوله صلى الله عليه و سلم : " من ترك ثلاث جُمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه "" "الألباني( صحيح ) رقم 6143 صحيح الجامع" .
من فضائل يوم الجمعة:
1. أنه يوم عيد متكرر: فيحرم صومه منفرداً، مخالفه لليهود والنصارى، وليتقوى العبد على الطاعات الخاصة به من صلاة ودعاء وغيرها.
2. أنه خير الأيام قال : { فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يُصلي يسأل الله - تعالى - شيئاً إلا أعطاه إياه } وأشار بيده يُقلِّلها. [رواه البخاري ومسلم].
3. تكثر فيه الأعمال الصالحة: فقد قال رسول الله قال عليه الصلاة والسلام: { إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلِق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفَّخة، وفيه الصَّعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء } [رواه أحمد] " "الألباني( صحيح ) "
.
4. أنه يوم تُكفر فيه السيئات: فعن سلمان : { لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طُهر، ويَدّهِنُ من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى } [رواه البخاري].
5. تكفير السيئات ورفع الدرجات : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) ، قَالَ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) (أخرجه مسلم).
أمور منهيا عنها يوم الجمعة:
- التأخر عن صلاة الجمعة : بعض الناس يذهب للصلاة يوم الجمعة فى نهاية الخطبة أو عند إقامة الصلاة وهذا العمل مخالف لقوله تعالى فى سورة الجمعة: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله و ذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون ) فالإجابة عند النداء الأول حتى تستمع للخطبة كاملة ،فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يحضر الجمعة ثلاثة نفر ، رجل حضرها يلغو ، وهو حظه منها ، ورجل حضرها يدعو ، فهو رجل دعا الله عز وجل ، فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بإنصات وسكون ، ولم يتخط رقبة مسلم ، ولم يؤذِ أحداً ، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام ، وذلك أن الله تعالى يقول {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }"الألباني( صحيح ) رقم 8045 صحيح الجامع"
- التشاغل عن سماع خطبة الجمعة: فقد جاء عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أنه قال : « من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب أو مس الحصى فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له » ، وهذا نفي للثواب لا للإجزاء "الألباني( صحيح ) رقم 6197 صحيح الجامع" . وفي حديث آخر : « من تكلم والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا ، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة » " صحيح أبي داود " ( 1016 ).
- تخطي رقاب الناس: فقد رأى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وهو يخطب رجلًا يتخطى رقاب الناس فقال : « اجلس قد آذيت وآنيت » رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما . والمراد بالإيذاء : انتهاكه حرمة المسلمين بتخطي رقابهم ، والمراد بآنيت : أي تأخرت بالمجيء إلى الجمعة ،
- إياكم والصيام يوم الجمعة: لأنه يوم عيد، ومعنى الصيام هنا صيام التطوُّع، ولكن إذا أراد أن يقضي ما فات عليه، أو صادف يومًا من الأيام التي يُسنُّ فيها الصيام، كأن صادف يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، أو صام يومًا قبله ويومًا بعده، فلا حرج عليه.فعن عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تصوموا يوم الجمعة إلا و قبله يوم أو بعده يوم الجامع) "الألباني( صحيح ) رقم 7356 صحيح الجامع"
المسنون عمله فى يوم الجمعة:
- الاغتسال: يقول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - : « لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما ، ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى » "الألباني( صحيح ) رقم 7736 صحيح الجامع" ، وفي لفظ : « وزيادة ثلاثة أيام » ، وفي حديث آخر : « غسل الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه »صححه الألبانى .
- التنظيف : و يكون بقطع الرائحة الكريهة و أسبابها من الشعور التي أمر الشارع بإزالتها فيسن حلق العانة و نتف الإبط و حف الشارب و تقليم الأظافر ، و هذا لا يكون كل جمعة . و لكن يتأكد إذا فحشت، و قد وقت النبي صلى الله عليه و سلم لها ألا تزيد عن أربعين يوما .
-استعمال الطيب والسواك: فيسن استعمال الطيب والسواك إن وجد لحديث أبي سعيد قال : أشهد على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " الغسل واجب على كل محتلم ، و أن يستن و أن يمس طيباً إن وجد " و لعموم الأحاديث في استحباب السواك لكل صلاة . و قد بوب البخاري في صحيحه بقوله : باب السواك يوم الجمعة .
- تخصيص لباس حسن للجمعة :لحديث عبد الله بن سلام عن أبي داود و غيره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ما على أحدكم إن وجد ، أو ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته ""الألباني( صحيح ) رقم 5635 صحيح الجامع".
- التبكير إلي الجمعة :فيستحب التبكير إلى الجمعة لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، و من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، و من راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، و من راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، و من راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " صحيح مسلم.
- قراءة سورة الكهف: { من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له النور ما بينه و بين البيت العتيق } "الألباني( صحيح ) رقم 6471 صحيح الجامع" ولا يشترط قراءتها في المسجد بل المبادرة إلى قراءتها ولو كان بالبيت أفضل.
- إذا انتهت الصلاة فلا يفوتك أن تصلي في المسجد أربع ركعات بعد الأذكار المشروعة، أو اثنتين في منزلك .
- تَحَرَّ ساعة الإجابة: وأرجح الأقوال فيها أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.. فادع ربك وتضرع إليه واسأله حاجتك، وأرِه من نفسك خيراً، فإنها ساعة قال عنها النبي: { إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه } [متفق عليه].
- الصدقة: أن الصدقة في فى يوم الجمعة أفضل من غيره الأيام، قال ابن القيم: والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور. ثم قال: وشاهدتُ شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، إذا خرج إلى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت خبز أو غيره فيتصدق به في طريقه سراً..
- يستحب أن يقرأ الإمام في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان كاملتين كما كان النبي يقرؤهما، ولعل ذلك لما اشتملت عليه هاتان السورتان مما كان ويكون من المبدأ والمعاد، وحشر الخلائق، وبعثهم من القبور، لا لأجل السجدة -
-. الإكثار من الصلاة على النبي قال عليه الصلاة والسلام: { إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلِق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفَّخة، وفيه الصَّعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء } [رواه أحمد].
v البعض يٍسأل عن سنة الجمعة القبلية أقول الأمر فيها واسع فمن لم يصلها واكتفى بالدعاء بين الأذانين فليس عليه شيء عملا بفعل الصحابة رضوان الله عليهم، ومن صلاها عملا بفعل بعض المذاهب فلا يُنكر عليه.
v أما من لم يُدرك من صلاة الجمعة ركعة فعليها أن يتمها أربع ركعات كصلاة الظهر.
وفى الخاتمة:
أنصحكم بالتبكير إلى صلاة الجمعة من النداء الأول وينبغي أن تتعطَّل أعمال الدنيا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، يَدَع البائع بيعه ، ويَدَع المشتري شرائه، ويَدَع المستأجر إجارته، ويَدَع العامل عمله، يَدَعُون هؤلاء أعمالهم، ويذهبون إلى صلاة الجمعة، إلى ذكر الله عزَّ وجلَّ، إلى هذه الجماعة التي أوجبها الله تعالى في كلِّ أسبوع.
فالإسلام دين الجماعة، وليس دينًا فرديًّا، لا يحب للمسلم أن يعيش وحده، ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) (المستدرك للحاكم)، (المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضًا) (صحيح البخاري). و (يد الله على الجماعة ) (المستدرك للحاكم)
* ثم إن الشرع الإسلامي أوجب صلاة الجمعة في كلِّ أسبوع، صلاة الجماعة في مسجد الحيِّ، وصلاة الجمعة في المسجد الجامع، وهو تجمُّع أكبر، وهو تجمُّع واجب، وتجمُّع مفروض، يخرج المسلم من بيته، أو من متجره، أو من أيِّ مكان هو فيه، إذا سمع النداء، ليجيب نداء الله، ويؤدِّي فرض الله، ويلتقي مع أخيه على طاعة الله، وأذكركم مرة ثالثه بقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله و ذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون ).