الحمد لله الذى جعل مرور الأيام عبرة للأنام ، منشئ الشهورالأيام ، ومفني الدهور والأعوام ، ومقدر المقدور ، وميسر الميسور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، خالق الخلق ومدبِّر الأمر، لا يكون شيءٌ إلا بأمره، ولا يقع إلا بعلمه، منه الهداية وعيه التوكلان ﴿ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ نحمده حمدا كثيرا وفق برحمته من يشاء من عباده فعرفوا قدر مواسم الخيرات، وعمروها بطاعة الله، وخذل من شاء بحكمته فعميت منهم القلوب والأبصار، وفرطوا في تلك المواسم فباءوا بالخسران.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.... ثم أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أما موضوع اليوم بإذن الله تعالى هو عن حال الناس بعد رمضان.
فاتقوا الله عباد الله وكونوا عبادا لله ربانيين ولا تكونوا عبادا رمضانيين واعلم أن رب رمضان هو رب شوال هو رب الشهور كلها ورب الدهر كله فاتقوا الله ياعباد الله وأطيعوه، فلئن فارقتم شهر التقوى، فإن الله - تعالى - يجب أن يُتَّقى في كل حين حتى الممات قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ آل عمران.
عباد الله من نَظَرَ في سرعة مرور الأيام، وتقلُّبات الأحوال، وانقضاء الآجال، وكثرة الأموات - علم أن الدنيا متاعُ الغرور، وتبيَّن له أن كثيرا من الناس عن لقاء ربهم لغافلون، وأنهم يعمرون ما يفارقون وهى الدنيا ، ويُخربون ما هم عليه قادمون وهى الآخرة قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾الروم، فاحذروا من تخريب الآخرة بكثرة الذنوب وقلة الأعمال الصالحة فكما عمرتم دنياكم فعمروا آخرتكم.
عباد الله إن الله - تعالى خالق البشر، و خالق الزمان، وجعل البشرَ يعيشون في هذا الزمان بأعمار وآجال لا يعلمها إلا هو، فسبحانه - يبارك في أعمار مَن شاء مِن عباده؛ فيعملون أعمالاً صالحة كثيرة بالرغم من أنهم لم يعُمروا فى الدنيا إلا قليل، وتُمحق البركةُ من أعمار آخرين فتراهم يعيشون سنين كثيرة وخرجوا من الدنيا وهم صفر اليدين لا زاد لهم ولا زواد - سبحانه – صاحب الزمان المتصرف فيه ؛ فيمده إذا شاء، ويقصره إذا شاء، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الساعة لا تقوم حتى يتقارَبَ الزمان، ومن معاني تقارُبِ الزمان سرعةُ مروره؛ فما تكاد شمسُ يوم تشرق إلا وتغرب، ولا يهلُّ شهر إلا ويُدبِر، ولا تبدأ سنة إلا وتنتهي، وهذا المعنى من تقارب الزمان يحسُّه الناسُ في زمننا هذا، ويشاهدون سرعةَ مرور الأيام عن ذي قبل، مع أن الساعة هي الساعة، واليوم هو اليوم، والشهر هو الشهر، فسبحان من دبَّر ذلك وقضاه على كيفية لا يُدركها العباد، ولا يَصلُون إلى سببها وإن أحسوا بها!، فعن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الجُمُعَةُ كَاليَوْمِ، وَيَكُونَ اليَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ) "الألباني( صحيح ) رقم 7407 صحيح الجامع".
وإذا كان الأمر كذلك، فإن العاقل الحازم لا يغفُل عن ذلك، ولا يضيع عمرَه فيما لا يفيده، ويتزود من الأعمال الصالحة ما يكون ذخرًا له بعد مماته؛ فإن هول المطلع شديد، وإن الحساب عسير، وإن كتاب العبد لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها؛ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ الزَّلزلة.
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، وتزوَّدوا من الأعمال الصالحة ما تجدونه أمامكم؛ ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالعِبَادِ ﴾ آل عمران
اجعلوا أيامكم ولياليَكم كلَّها كأيام رمضان ولياليه، في تعلُّق القلوب بالله - تعالى - ودعائه وذِكره، والمحافظة على الفرائض وإتباعها بالنوافل، وملازمة القرآن تلاوةً وحفظًا، وتدبرًا وعملاً، ولا تنقضوا عهدَكم مع ربِّكم - سبحانه - فإنه - تعالى - ينهاكم عن ذلك؛ ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ النحل .
وقفات مع محاسبة النفس بعد رمضان:
- سل نفسك أولا: إن كنت ممن استفاد من رمضان ... وتحققت فيك صفات المتقين ... !فصُمت حقاً ... وصليت التراويح صدقاً ... واجتهدتُ في مجاهدة نفسك ... !!فاحمدوا الله واشكروه واسألوه الثبات على ذلك حتى الممات .وإياكم ثم إياكم الرجوع الى المعاصي والفسوق, وترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان .. فلا ترجعوا إلى ذل المعصية بعد أن ذُقتم حلاوة الطاعة.
- ثم سل نفسك هل صمت رمضان ايمانا واحتسابا أى بأنه عبادة وليس عادة وهل احتسبت الأجر لله أى صومت لوجه تعالى فإن فعلت ذلك فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"وقال:"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)صحيح على شرط الشيخين.
- ثم سل نفسك لقد مضت الأعمال كالصيام والقيام والزكاة والصدقة وختم القران والدعاء والذكر وتفطير الصائم وأنواع البر هل قبلت منك أم لا؟ فلو أنت من المتقين على الدوام فى شهر رمضان وفى غيره لقبلت منك قال تعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)المائدة .
- هل تبت لله فى رمضان وانخلعت من كل المحرمات وعزمة المواصلة بعد رمضان أم توبتك رمضانية فقط وقد جاء في دعاء أبو هريرة "يغفر فيه إلا لمن أبى" قالوا يا أبا هريرة ومن أبى قال: من أبى أن يستغفر الله عز وجل.
-هل أنت ممن واصلوا العمل بعد رمضان كالطاعة والعبادة والصدقة وصلاة الليل قال الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) خاشعون دائما (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ليسوا معرضون في رمضان فقط (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) متى ما دار الحول يزكي في رمضان أو في غيره وبعض الناس يهمل الزكاة في الأموال التي يحول عليها الحول في غير رمضان فانتبهوا لهذه المسألة (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) ليس في رمضان فقط في غير رمضان أيضا.
- فإياكم ثم إياكم من العجب والغرور بعد رمضان !ربما حدثتكم أنفسكم أن لديكم رصيد كبير من الحسنات .أو أن ذنوبكم قد غُفرت فرجعتم كيوم ولدتكم أمهاتكم .فما زال الشيطان يغريكم والنفس تلهيكم حتى تكثروا من المعاصي والذنوب فاحذروا من مفسدات العمل الخفية من ( النفاق _ والرياء _ والعجب ) .
..... بالصراحة لن تكون بعد رمضان كما كنت في رمضان فنحن نعلم أن ذلك موسم عظيم وشهر له خصوصية ولكن لا تترك الصيام بالكلية ولا تترك القيام ولا ختم القرآن ولا تترك الدعاء والذكر والصدقة والعمرة واستمروا على العمل ولو كان أقل مما كان في رمضان .
- اعلموا عباد الله أن الاستمرار على العبادة والطاعة سبب من أسباب حسن الخاتمة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله"قالوا: كيف يستعمله؟ قال:"يوفقه لعمل قبل الموت ثم يقبضه عليه" واحذروا أن تكونوا كالذين دخلوا رمضان بالمعاصي وخرجوا من رمضان بالمعاصي لم يستفيدوا شيئا قال الله - تعالى-: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ) المائدة
كيف أكون بعد رمضان؟ وما هى الأعمال التى تجعلنا كأننا فى رمضان؟
- الصوم: فالصوم ليس قصرا على رمضان، وهذا الجزاء وذاك العطاء ليس لمن صام في رمضان فحسب، بل هو لكل صوم ( فمن صام رمضان وأتبعه بستة أيام من شوال كان كصيام الدهر ) ، وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم صيام الاثنين والخميس ، وقال : ( إن الأعمال تعرض فيهما على الله فأحب : أن يعرض عملي وأنا صائم ) ، ( وأوصى صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء - رضي الله عنهم - : أن يصوموا ثلاثة أيام من كل شهر ) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله ) عن أبي قتادة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صوم يوم عرفة، يكفر سنتين، ماضية، ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية "رواه الجماعة.
- المحافظة على صلاة الجماعة: كما كنت حريصاً أيها الصائم في رمضان، قال ربنا جل جلاله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ البقرة وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط!) صحيح.
- صلاة الليل: ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة، فكان صلى الله لا يعبد الله جل وعلا في رمضان فقط، بل كان عبدا ربانيا يعبد الله جل وعلا على الدوام في رمضان وفي غير رمضان، فكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه وما ترك قيام الليل في رمضان وغيره إحدى عشرة ركعة ، فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا". متفق عليه واللفظ لمسلم. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك القيام قيام الليل بعد فعله، كما في الصحيحين وغيرهما عن عبد اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ! لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ. "الألباني( صحيح ) رقم 7945 صحيح الجامع"
- الامتناع عن مشاهدة المحرمات:امتنعت عن مشاهدة أشياء محرمة فينبغي أن تستمر على ذلك بعد رمضان .
- قراءة كتاب الله تعالى وتدبره: أن تحرص على ذلك أيضا بعد رمضان وأن لا يكون حالك مع القران كحالك مع الصيام الواجب الذي لا يجب إلا في رمضان في كل سنة مرة كلا بل أن يكون القران ملازما لك على كل حال { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ } وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام [ أن القران يشفع لأهله واحذر ممن يكونون هجروا القرآن فشكاهم الرسول إلى ربه { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } مهجورا أى هجروا قراءته، وهجروا الاستماع،وهجروا تدبره ،وهجروا العمل به،وهجروا تفسيره،وهجروا التداوي به،وهجروا التحكيم بكتاب الله .
- المداومة على الذكر:ومن الثوابت الإيمانية التي لا غنى للمسلم عنها بعد رمضان: أن يكون دائم الذكر للرحيم الرحمن، قال الله تبارك وتعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ البقرة، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري : (مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت). فالذاكر لله حي ولو حبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء. أخي الحبيب! لا تغفل عن ذكر رب الأرض والسماء، وحافظ على ذكر الله ، يحتمي بالذكر من الشيطان)، فلا تتخل عن الذكر بعد رمضان.
- الإنفاق في سبيل الله: ومن الثوابت الإيمانية بعد رمضان أيضاً: الإنفاق، فأنت ترى الناس تقبل على الإنفاق والجود والبر في رمضان بيسر وأريحية، فلا تتخل عن الإنفاق بعد رمضان ولو بالقليل، قال ربنا جل جلاله: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ، وقال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ آل عمران.
- تجديد التوبة والاستمرار عليها:ومن الثوابت الإيمانية بعد رمضان: أن تكون دائم التوبة للرحيم الرحمن: من منا يستغني عن التوبة بعد رمضان؟! من منا يستغني عن الأوبة إلى الله مع كل نفس من أنفاس حياته؟ قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ النورلم يقل: أيها العاصون، ولم يقل: أيها المذنبون، بل قال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النور.
- عليكم بالاستغفار والشكر: أكثروا من الاستغفار ... فإنه ختام الأعمال الصالحة , ( كالصلاة , والحج , والمجالس ) , وكذلك يُختم الصيامُ بكثرة الأستغفار .كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار : يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة وقال :قولوا كما قال أبوكم آدم " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " وكما قال ابراهيم : " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " .وكما قال موسى : " ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي " .وكما قال ذو النون : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " .
...... وفى النهاية كونوا كمن قبلكم فلقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان , ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم ...
وفى الخاتمة :
فاعلموا عباد الله أن العمل لا ينقطع إلا بالموت، والعباده لا تنقضي إلا بالفوت، قال جل وعلا: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} الحجر، واليقين الموت. وقال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران، فأمرنا جل وعلا بعبادته حتى الخروج من الحياة، كما أمرنا ألا نخرج منها إلا على دين الإسلام العظيم. فاللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين وألحقنا بالصالحين، وأنت أنت ذو القوة المتين.
اللهم لك الحمد على أن بلغتنا شهر رمضان ، اللهم تقبل منا الصيام والقيام ، وأحسن لنا الختام ، اللهم اجبر كسرنا على فراق شهرنا ، وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ، واجعله شاهداً لنا لا علينا ، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار ، واجعلنا فيه من المقبولين الفائزين نسأل الله أن نكون من هؤلاء الفائزين.